عن السحر والكتابة في تجربة أحمد زنيبر النقدية
أنجز الحوار: عبد العزيز بنعبو
\'قبعة الساحر قراءات في القصة
في هذا الحوار نحاول الغوص أكثر في هذا
المتن، الذي يقرأ متنا آخر أو بالأحرى متونا أخرى. والثابت أن كل كتب هذا الرجل
سمتها الأساسية هي الجودة والجدية، كما أن الحوار معه متعة معرفية..
1 بين \'قبعة الساحر قراءات في القصة القصيرة بالمغرب\' والمتن
القصصي المغربي مسافة قراءة، فهل كانت طويلة النفس أم مقتضبة؟ هل كانت طريقا
مبسوطة أم بها تلال وجبال؟
يعود اهتمامنا بمجال
القصة القصيرة، إلى سنوات خلت من القراءة والمتابعة لنصوص قصصية متفاوتة الأحجام
والرؤى، كشفت عن إمكانات هائلة للدرس والتحليل. ولعل المطلع على المشهد القصصي،
قديمه وحديثه، يدرك لا محالة الأشواط الهامة التي قطعتها القصة القصيرة بالمغرب،
في ترسيخ مكانتها بين الأجناس الأدبية الأخرى، شعرا ومقالة ورواية، حيث حرص كتابها
على اختلاف مشاربهم وتباين تجاربهم على تمثل النماذج الكبرى لهذا الجنس الأدبي
ورصد سائر التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، التي طبعت وتطبع
المجتمع بطابعها الخاص وأثرت في سيرورته وديناميته..
ومن ثمة، كان لا بد من
أخذ هذه التحولات بعين الاعتبار ومنح الذات القارئة فرصة للتأمل والمساءلة قبل
إصدار أي حكم قيمي على هذا النص أو ذاك. فالطريق لم تكن مبسوطة أو معبدة، بقدر ما
كانت تتخللها منحنيات ومنعرجات تعود إلى طبيعة الذهن البشري الطموح دوما إلى
التغيير والتجدد والاختلاف، دفعا للرتابة والمعتاد.
ولأجل استعراض هذا
التنوع الإيجابي واستخبار جمالياته الأدبية، جاء كتاب \'قبعة الساحر قراءات
في القصة القصيرة بالمغرب\' ليساهم، إلى جانب كتابات نقدية أخرى، في تسليط
الضوء على بعض مظاهر الوعي الثقافي والفني، التي تتخلل هذا الشكل النثري الجميل.
2 صفة السحر في الإبداع
جزء من إثارته. فهل وجدت القصة المغربية متوفرة على هذه الصفة؟
إن اختيارنا لصفة
\'السحر\'، في علاقتها بالقصة/القبعة تارة، وبالكاتب/الساحر تارة أخرى، لم
يكن اعتباطا أبدا. فما تزخر به القصة القصيرة من حكايات طريفة، حقيقية ومتخيلة، في
آن هو ما يجعلها نصا مفتوحا على تعدد القراءات الممكنة. فالقاص وهو يحاور واقعه
اليومي والذاتي، عبر لغة تمتح من مرجعيات فكرية وثقافية وفنية تروم، بصورة أو
بأخرى، تصوير عوالم قصصية بديعة، أقل ما يقال عنها إنها ساحرة وأخاذة.
ومن ثمة، كانت موضوعات
الواقع، اليومي منه والهامشي، وكذا موضوعات الحلم والطفولة والذات والمرأة والجنون
والكتابة والرحلة والموت وغيرها، مما يدخل في اهتمامات وانشغالات القاص/القاصة،
تشكل مادة (السحر) التي تعرض وتقدم وفق تقنيات وطرائق لافتة للنظر، حيث تحضر
المراوغة والمباغثة؛ بل والمفاجأة أحيانا، تلك التي تحيلنا رأسا، إلى براعة الساحر
وهو يقدم عرضه أمام الجمهور وما على هذا الأخير سوى متابعة العرض، بتركيز شديد
ومحاولة كشف أسرار اللعبة/الحكاية، إن استطاع إلى ذلك سبيلا...
فبراعة القاص(ة)،
ومهارته(ها) في صنع الحكاية وتدبر عوالمها السردية (شخوصا وأحداثا ومشاهد وأفضية)
كان وراء العديد من التنويعات الجمالية، التي تسحر ذهن القارئ/المتلقي وتأخذ
بتلابيبه. فكل قاص له سحره الخاص، وكل قاص له عوالمه المتخيلة، يستثمرها كيف يشاء،
لغة وتركيبا وأسلوبا ورسالة.
3 هل حقق المشهد القصصي
المغربي تراكما يمكننا من التمييز بين الغث والسمين؟
أمر التمييز بين الغث
والسمين بخصوص المشهد القصصي متروك للقراء، إن وجدوا، طبعا، فهم من يوكل
إليهم الحكم النهائي على جودة أو لا جودة النص القصصي، والتاريخ كشاف، كما يقال.
ومع ذلك، فثمة نصوص قصصية كثيرة استطاعت بإبداعها أن تحقق التواصل والانتشار، إما
بلغتها القصصية أو بجرأتها في طرح القضايا والموضوعات، أو بهذا وذاك. ولعل الأسماء
القصصية، التي اشتمل عليها الكتاب: ع.السحيمي، إ.الخوري، ع.مؤدن، أ.بوزفور، أ.الرافعي،
ع.المودني، ر.ريحان، ر.الطالبي، ل.لبصير، م.نجيب، ف.بوزيان، ز.رميج، م.مستظرف.. وغيرهم
وغيرهن، تؤكد هذا الطرح؛ على أن ثمة أسماء قصصية أخرى وازنة لها حضورها المتميز في
الساحة الثقافية القصصية، لم تدرج في الكتاب لسبب بسيط، أننا اكتفينا، مرحليا،
بهذه العينة، على سبيل التمثيل لا غير.
وحرصا على ضبط آليات
الاشتغال النقدي في هذا الكتاب، كان لا بد من وضع أسئلة أولية تشكل المنطلق الأساس
لهذه القراءات، منها: ماذا تقول القصة القصيرة؟ وكيف تقال؟ وما رسالتها الفنية؟
وعندنا، جودة القصة لا تخرج عن هذه الأسئلة، التي تجمع بين الجانبين الشكلي والموضوعاتي.
فقد كان اشتغالنا على الموضوعات، باعتبارها عنصرا رئيسا يضع القصة القصيرة في
بعديها التاريخي والأدبي، مثلما كان انشغالنا بالآليات السردية، بوصفها مدخلا لا
غنى عنه للاقتراب من جمالية النص ورصد أبعاده وخصوصياته المتعددة. فالمضمون القصصي
يسير بمحاذاة مع الشكل القصصي. يلتقي به حينا ويفترق عنه حينا آخر.
4 هل هناك مرحلة جيلية
تتميز عن المراحل الأخرى أم هناك تواصل واستمرارية؟
إن التراكم الذي تحقق
في مجال القصة القصيرة يؤكد، كما ألمحنا سابقا، إلى التنامي السريع في وتيرة
الكتابة والنشر والقراءة، وهو علامة صحية حيث تتنوع التجارب من جيل إلى جيل؛ بله
من قاص إلى آخر، تبعا لطبيعة المرحلة حينا وتبعا لثقافة الكاتب، حينا آخر. فجيل
الرواد غير جيل الشباب، إذ رغم الامتداد الذي يمكن أن نتلمسه على مستوى البناء
الحكائي نجد عينة من الكتاب توسلوا بثقافتهم الغربية وراهنوا على ذائقتهم الجديدة؛
وبالتالي حاولوا تمريرها على مستوى الكتابة، لغة وبناء ودلالة. وهو ما يشكل تلك
الإضافة النوعية، التي لامسنا تحققها في بعض المجاميع القصصية الجديدة/الحديثة،
عبر مستويات متفاوتة واستدعت من القارئ/الناقد التسلح بزاد معرفي مغاير يساير
جديدهم ومقترحاتهم السردية.
غير أنه، أيضا، رغم
التفاوت النصي الظاهر بين هذه التجارب المتباعدة زمنا، والمتفاوتة مرجعا وثقافة
يمكن العثور على أكثر من رابط جوهري يجمع في ما بينها وعلى رأسها طلب الفائدة
وتحقيق المتعة الأدبية، والإنصات للذات الإنسانية وللراهن القصصي.
5 ألسنا في النثر أفضل
حالا من الشعر، طبعا كمغاربة؟
من الصعب جدا الحسم في
الجواب على مثل هذا السؤال، فالساحة الثقافية تزدان من حين لآخر، بجملة من
الإصدارات في مختلف الأصناف والأجناس، منها القصة والشعر والرواية وغيرها؛ غير أن
الإقبال على هذا الجنس الأدبي دون آخر، راجع بالضرورة إلى الذائقة الفردية وإلى
التحولات العميقة المختلفة، التي يعرفها المجتمع.
وتبعا لذلك، كنا نسمع،
في مراحل زمنية متفاوتة، بـ\'زمن الشعر\' ثم \'زمن الرواية\'،
والآن يتداول \'زمن القصة القصيرة\'، وقد يروج لاحقا لنوع أدبي
آخر، يحظى بالأهمية، لم لا؟ بيد أن هذا التحقيب الزمني لا ينبغي أن يفهم على أساس
التفرقة والتمييز بين الأجناس الأدبية (شعر، نثر) بقدر ما يعني ارتفاع درجة
الاهتمام والقراءة والتداول، لهذا اللون الأدبي أو ذاك، في مرحلة من المراحل، لسبب
أو لآخر. فالكتابة تبقى فنا وتعبيرا ورسالة. ولكل لون أدبي، طبعا، قراؤه ونقاده
يتابعونه ويساهمون في إغنائه وتطويره.
والواقع، أنه لم يعد
هناك من داع أو مبرر لإقامة الحدود الجمركية بين الأجناس، خاصة وأن أغلب الكتاب
يزاوجون، في تجاربهم، بين النثري والشعري. فمنهم من جاء من الشعر إلى النثر والعكس
صحيح. ففي سنة 2009 مثلا، قدم الأستاذ محمد قاسمي، حصيلة بيبليوغرافية تشير إلى هيمنة
\'الشعر\' في الإبداع المغربي المعاصر على باقي الأجناس الأدبية الأخرى، من
خلال ذكر أرقام تبرز تنامي هذا الحضور على مستوى الكم. فقد تم تسجيل حضور أربعين
شاعرا ينشرون لأول مرة باكورة أعمالهم في مقابل ثمانية عشر قاصا انضافوا إلى
المدونة القصصية. ومعنى هذا، أن وتيرة الإنتاج الشعري بخير وفي تنام ملحوظ، إلا أن
ضعف القراءة والمتابعة لهذا المنتوج، لسبب أو لآخر، هو ما يوحي، أحيانا، بتراجع
الشعري على حساب النثري.
ولعلنا الآن، في أمس
الحاجة إلى زمن آخر، هو بالتأكيد: زمن النقد/ زمن القراءة؟؟
6 ختاما ما الذي تنتظره
من هذا الكتاب في المشهد الثقافي المغربي والعربي ؟
آمل، أولا وأخيرا، أن يقرأ
الكتاب، فتحصل الفائدة الأدبية والعلمية، اللتين أعد من أجلهما. كما آمل، أيضا، أن
أتمكن من إصدار جزء ثان حول مجموعة أخرى من الأعمال القصصية المغربية والعربية،
ضمن رؤية نقدية جديدة..
القصيرة بالمغرب\' هو عنوان الكتاب الذي أصدره الشاعر
والكاتب والباحث أحمد زنيبر. وهو عبارة عن قراءة في المتن القصصي المغربي. الأكيد
أن الكتاب لم يخرج عن الإطار الذي رسمه له صاحبه، بل أضاف الكثير من عمق التحليل
تعدد زوايا الرؤيا وبسط الطريق أمام القارئ سواء المهتم أو المتخصص أو العادي.