Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 14:10

 




موريس أبوناضر

عندما نتحدّث عن الشك، أو نقول عن شيء إنه ديكارتي، فهذا يعني أنّه عقلاني. وعندما ننطق بكلمة عقلانية نرى فيها ارتباطاً وثيقاً بالحداثة. الحداثة التي قلّصت في الغرب المجالات الغامضة والمبهمة في العلاقات التي تربط الإنسان بالوجود، وأزاحت كل ما يعترض التفكير الحرّ
يتفق العديد من المؤرخين والفلاسفة، أنه مع ديكارت الذي يعدّ أبا الفلسفة الحديثة أصبح الإنسان يستمدّ يقينياته من ذاته، وليس كما كان الشأن عليه في العصور الوسطى من تعاليم عقيدة أو سلطة أخرى غير سلطة ذاته، ويتفقون أيضاً أنه مع ديكارت صارت القاعدة المعرفية «أنا أشك إذاً أنا موجود» محور التفلسف.
كان ديكارت يتعرض لملاحقة للإرهاب الأصولي المسيحي لأنه كشف زيف الأخطاء الشائعة التي تفرض نفسها وكأنها يقينيات لا تمسّ ولا تناقش، وفي مقدّمها بالطبع القول إن الأرض هي مركز الكون، وإن الشمس تدور حولها وليس العكس. وهي مقولة أرسطاطاليسية وبطليموسية، كانت الكنيسة في القرن السابع عشر تبنّتها وخلعت عليها المشروعية القدسية، ومن ثمّ فمن يعترض عليها يعترض على الدين
كان ينبغي أن تكون بطلاً في ذلك الزمان على ما يقول الكاتب السوري هاشم صالح لكي تواجه الأصوليين الذين يهيمنون على عامة الشعب ويفرضون أفكارهم وكأنها إلهية لا بشرية، فعندما تقول لهم بأن للدين مجاله، وللعلم مجاله، ولا ينبغي الخلط بينهما يردّون عليك بآية من العهد القديم أوالعهد الجديد. وقد حاول غاليله أن يشرح لهم أكثر من مرة أنه يحترم العقائد الدينية كل الاحترام، ولكنه مضطر الى استخدام أدوات القياس والحساب والتجريب العلمي إذا ما أراد فهم العالم الطبيعي، واستخراج القوانين التي تتحكّم فيه. ولكن عبثاً كانوا يوقفونه عند حدّه. ففي رأيهم كل شيء موجود في الكتاب المقدس، وينبغي أن يؤخذ بحرفيته حتى ولو تناقض مع أبسط قواعد المنطق والعلم الحديث
تجرّأ ديكارت الفيلسوف الفرنسي على أن يقوم بأكبر انقلاب فلسفي في تاريخ العصور الحديثة، من خلال اعتماده الشك في كل شيء في العقائد والعلوم وفي الإنسان نفسه. إذ كان هدفه نقل المعرفة وموضوعاتها من الكونيات الإلهية الى الفيزياء، ومن نظام العلل الأولى الى أنظمة المكينيكا، والتخلي عن النظر بعين الله الى العالم. إضافة الى تقديمه الإجابات على كثير من القضايا التي شكّك فيها في كتابه «مقال في المنهج» من خلال تحرير نفسه من عالم الأحاسيس والآراء الخادعة التي لا تسمح له بالصعود من الوقائع الى الأفكار لاكتشاف نظام العالم. وانتقاله الى اعتبار العقل الإنساني قادراً على بلوغ الحقيقة
ينقل الكاتب الفرنسي مكسيم روفير عن ديكارت في الملف الذي وضعته المجلة الفرنسية «ماغزين ليترير» قوله: «لقد أدركت منذ فترة أنني في سنواتي الأولى تعلّمت عدداً من الآراء الخاطئة معتبراً إياها حقيقية، وبنيت في ضوئها مجموعة من المبادئ، اكتشفت فيما بعد أنها غير أكيدة ومشكوك فيها. لذلك كان عليّ أن أتخلّص منها». ويضيف ديكارت إني أعمل بكل جدّ، وبحرية، على هدم كل آرائي القديمة». إن الغاية من الشكّ عند ديكارت كما صار واضحاً، هي الهدم. هدم كل ما اعتاده الإنسان وتعلمّه في صغره. هدم الآراء المسبقة حول الأشياء، وهدم الحقائق القائمة كالأصنام، واليقينيات التي تعتبر تحصيل الحاصل، ولا حاجة الى إعادة التفكير فيها
يعتبر طه حسين ديكارت العرب الأول والأخير كما يبدو. فهو يعلن من دون وجل أو خوف اقتداءه بديكارت في كتابه «الشعر الجاهلي» قائلاً: «أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أوّل هذا العصر الحديث. والناس جميعاً يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرّد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل، وان يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوّاً تاماص». وراح طه حسين يدعو الى الأخذ بهذا المنهج في دراسة الأدب العربي القديم والتأريخ له، وذلك بضرورة نسيان الباحث قوميّته وكل مشخّصاتها، ودينه، وكل ما يتصل به، وألّا يتقيّد بشيء
اعتمد طه حسين إذاً، منهج الشكّ الديكارتي الذي حمله على رفض الكثير من الروايات التي تتعلّق بالشعر الجاهلي. الروايات التي أحصاها المؤرخون في كتبهم من غير تثبّت ولا تحقيق لقلة نصيبهم من النقد، ولعدم ثبوتها أمام البحث والتحليل. يكتب طه حسين في هذا الشأن «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أن أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقاً آخر سيزورّون عنه ازوراراً. ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث، أو بعبارة أصح أريد أن أقيّده، فقد أذعته قبل اليوم حين تحدّثت به الى طلابي في الجامعة»
كان طه حسين ينظر الى الشعر من خلال نظرته الى الأدب حيث لاحظ أن هذا الأخير يخضع الى رؤيتين متناقضتين : رؤية ترى في أقوال القدماء حقائق علمية تاريخية مسلّم بها، ورؤية تضع علم المتقدمين كله موضع البحث. وهذا من منطلق الشك المنهجي. وأعلن طه حسين أنه من أنصار الرأي الثاني لأنه يريد: «ألا نقبل شيئاً مما قال القدماء في الأدب إلا بعد بحث». وهكذا فإن طه حسين لا يقبل آراء القدماء إلا بعد إخضاعها الى البحث والتثبّت الذي يلي الشك ويؤدّي الى الحقيقة.
إن في وسع طه حسين بكلام آخر دراسة «الشعر الجاهلي» على الطريقة التقليدية فيكرّر الآراء المألوفة، ويقول أصاب فلان وأخطأ فلان، وبذلك تبقى الأمـــور علـــى حالها، ولكنه أراد التغيير والتجديد بخلخلة الواقع الثقافي، فاختار لذلك طريقة المجدّدين الذين لا ينطلقون من رأي مسلّم به، ولا يثقون في إجماع القدماء. لقد قاده حسّه النقدي الذي حصّله بتثقّفه بالشك المنهجي الديكارتي الى التساؤل هل هناك شعر جاهلي؟ وإن كان هناك شعر جاهلي فما السبيل الى معرفته، وما هو؟ وبمَ يمتاز عن غيره
قدم طه حسين هذه التساؤلات وغيرها، واستنتج: «أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعراً جاهلياً ليست من الجاهلية في شيء، وانما هي منتحلة مختلفة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثّل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين». وبحث عن الحياة الجاهلية في هذا الشعر فلم يجد لها أثراً واضحاً اللهم إلا في القرآن من ناحية، والتاريخ والأساطير من ناحية أخرى. التساؤلات التي انطلق منها طه حسين في دراسته الشعر الجاهلي كان مدركاً نتائجها العلمية والعملية. فمن الناحية العلمية أراد أن يحضّ المستنيرين لإكمال مشروعهم التنويري في الحرية والعدالة والتقدّم، بمزيد من الأسئلة حول مشروعية السلطة الدينية والمعرفية والعلمية. ومن الناحية العملية أراد التوجّه الى عامة الناس، والى تلك الفئة من العلماء الذين قنعوا بما عندهم من كلام الأقدمين بأن الشك هو الطريق الملكي للوصول الى الحقيقة
كان ديكارت يتعرّض في زمانه لمطاردة الأصوليين المسيحيين لأنه شكّك باليقينيات المطلقة التي تواضع عليها قومه حتى حرّم المس بها أو مناقشتها. وكان طه حسين محل حصار الأصوليين المسلمين في زمانه لأنه شكّك بوجود الشعر الجاهلي. فسحب كتابه حول هذا الشعر من السوق بأمر من المحكمة، وأحرق في بعض الأماكن. وهكذا حرّر ديكارت وطه حسين بشكّهما فعل المعرفة ذاته، وفي الوقت الذي كانت المعرفة تعتمد قبلهما على هيبة الأقدمين من العلماء ورجال الدين، صار مرجعها معهما العقل الذي يفكّر ويشكّك ويحلّل وينتقد باسمه وليس بأي اسم آخر.

 

كتبها : المثقفون العرب مجلة الفكرالعربي
Partager cet article
Repost0

commentaires

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107