Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
2 février 2024 5 02 /02 /février /2024 21:53

 

 

جمجمة السيد إِذَا  رَغَى

في تكريم  الناقد الأدبي محمد إدارغة

 

سرد بقلم : ادريس عبد النور

  

  

استهلال لابد من ضرورته

منذ البداية لا بد أن نتفق على أمر جدير بالأهمية القصوى :

إن ما سأٌقوله هنا واقعي مئة بالمئة وأي تشابه بينه وبين متخيلكم وافتراضاتكم أمر وارد ولكنه نسبي ..

ترشيف البدء:

أتأذن لي التحولات أن أجلس إلى قهوتك ذات الكرسي الأخضر المسلولة أطرافه من عام 2009 ... لا وجود للتطابق بين العناصر الأولية ... الأمر يتعلق بما تتركه الذات المتلفظة حول عالم الممكنات ... أتسمح لي أن أغير دائما اتجاه النظر إلى الصورة التي تمسك بعالمي القابل للإمساك على شكل أفعال ... لقد تحققت من أنني أتقن لغة الانتظار.

كان لقاءنا الأول على حافة شبر من الشاي تلعب فيه الصدفة وأعرش النعناع لعبة التمييز بين النكهات ... نكهة استسلمت لها بالكامل وكأنها الحقيقة التي حملت للبشر الكلمات.. فما أن تهمس بها حتى يوحي لك الشارع بأن من يرتاده للتو يصيبه الملل من جلوسك المزمن و الذي يحلم بالتحديق في لاشيء كلما بدأ المطر ينزل .

أتستطيع أن تخرج من ذاتك لتحدد خريطة نفسك في كأس شاي و أنت عار من جلدك؟

نزهات السرد على عجل:

كان حي الوفاق هو من يعبث بك سيرة ضرورية لصديق ضروري.. عبثا أيها الحي أمر بجانبك في كل اللحظات .. ربما أحكيك قصة ذات طابع نسبي بطبيعة الحال ...أحكيك نصا يدعي إثبات شيء ما، لا يخرج عن حالة ترف تأويلي ... يتدرج جسدك رفيعا بيننا .. تملأ فراغ الشارع تنيرك مصابيح مقهاك البخيلة كأنك قطرات تندى على صفيحة الزجاج .. تستيقظ في عينيك جملتي وأنا أردد توشيحة أهداف نسائية على التلفاز .. أدخل معك في جدل ثقافي حول الإرغامات النسائية... أكتشف بغثة أن بانوراما مقهاك يحجبها تلفاز وضع في صندوق حديدي مفتوح البابين.. يحجب فيزياء الشارع والبياض الدلالي لبُعد نظرك ...أكيد هناك تهمك الكلمات لا الصور ...اللغة لا اكتناز الأشكال، العالم المرئي أمر سخيف لا يدخل في استراتيجية مقهاك .. الابتسامة المخبأة تحت عينيك وأنت تتحدث عن "اللبلاب" أدخل سياق الحديث أحدثك عن القيم الواضحة لنبتة اللبلاب الأدبي فتقفز مرحا ... فأكتشف أنّا للآخر أن يهجوك دائما، وعالمك مُنَكَّه ومكثّف دائما في معانيه المٌسبقة ... منقوع في زمن الطفولة حين أزفتها إلى إبنك إسماعيل يوم كبُر في ديواني وتمزقاتي العاشقة في خلوات الرقم.

أتكهن أنك فهمت أنني ألمحت إلى تفاصيل كنتَ تراقب جزئياتها الصغيرة في عالم بلا حدود... نزهة كائن لاتحده سوى نزوات نرجس  وهو يراقب صفحة الماء، وحيث أن ظهرك مالح كالبحر لا تعيش فيه القنافذ،  ينتشر قدر المستطاع ركضك في قدميك...نومك المزمن داخل جمجمتك، يمنحك الركض كامل أبعادك اللاهثة وأنت تسير نائما..فبنيت افتراضاتك المختلفة وإن هي لا تُقرأ إلا وفق المنظور الواحد، وهو مشدود إلى مؤخرة الوقت .

تساءلت دوما وفي العديد من المناسبات المماثلة حول بطل قصتي "عشق اللبلاب" هل هو فعلا بطل خارج احتمالات الكلام؟ أم أن الأمر مجرد عسر هضم أصاب المعجم؟ وهل نستطيع إحراق القاموس تيمنا بطهارة النار والاحتراق؟

 نزهات التأويل على مهل:

الإضاءة خافتة.. هل تعرفت عليك أخيرا داخل جغرافية الأدب المخبولة؟؟..

هل تستطيع أن تقفز من نافذة رتبتك كسنجاب إلى رتبة سؤال مقشر أو قل زرافة لا تستطيع شرب النهر كله، أو قل جمجمة فقط.

سرنمات الخروج:

السرنمة الأولى :

الشمس كما الموضوع الجيد، لا بد أن تُحرق وقت الظهيرة، هذا استهلال ربما يطفئ نارا لا تريد الانصراف في أي تصور عام عابث .

كان بودي أن أكتب قصة عن رجل يحمل إسم" إدارغة" بالألف الطويلة، أرجوكم لا تنسوا الألف .. إنها حياته التي يرتديها كلما همَّ بالخروج أو بالدخول إلى نصوصكم، يحمل قلم الرصاص ودبيب النمل، ويضطجع على النص ويبدأ في الحفر عن جزئياتكم المتبرجة فيستبدل تارة قطعكم السكر بحبات الملح ويقدم هياكلكم قربانا للمحافل التأويلية الكبرى.

إنه بارع في رسم الانشطارات، يبني المساءات المتشحة بالقواعد والكلمات، ينحتها كما الظلام لا يزيف النهايات .. يوفر لحواس النص ليلته القمراء.

السرنمة الثانية :

لا بد للحكاية أن تنقفل على لحظة سردية تركز على سلوكك النقدي وما يشكله من عالم مُكْتَفٍ بذاته .. لحظة أنيقة تكون ربما عقدة أو نهاية محتملة لخيال خصب ذاك هو السيد "إذا رغى" لا يحلم مع النص إلا وأسنانه قد اكتمل بُنيانها، إنه ينتقد بطاقمه كاملا.

الحياة تنبعث من النقد وتعود إلى النقد، كان جالسا بجانبي ويشير إليّ وهو متأبط عينيه الحادتين ويكتبُني في مشاعره النقدية ويقول لي:" لك يا عبد النور نظرة أرستوقراطية وجسد سلطاني خبّأ بعمق وعمّن حواليك ذلك الطفل الجميل الذي يسكنك ..عفوا جمجمتك" .

السرنمة الثالثة :

لا أعتقد أنك تجلس واضحا إلا وأنت تخدم التوازن النصّي.. متأدبا تكون، أو ربما تجلس مرميا تقضم هلالية .. تحمل شفرة دهشتك إلى الوضعيات العادية للنص.. تقتنص مرة سمكة صغيرة الحجم ومرة سمكة من ميناء الكاتب..عفوا.. أتريدني أن أقول باقة من السمكات المرتعشة .. تحيلها مرة عقارب وأرقام مخبولة أو قل .. إلى مرايا يفقد فيها الانعكاس طَعمه... قد تحوِّل النص بين يديك إلى صورة فوتوغرافية تُشبهك، أراك تبتسم بجنون .. هل خسرت يوما انعكاساتك؟ ليس النص من يقرر أبعادَك بل أنت عندما ترتدي جلباب النقد.. النقد نتاج كائن يؤمن بالفكر المجرد،  يشكو من جفاف التوقعات، يقدم نزاهة الأفعال شريكا لا غنى عنه لتصور المناقشة التي يدافع فيها النص عن أناقته ونسَبُه المتواضع لقبيلة المؤلف.

السرنمة الرابعة :

لا أعتقد يا عزيزي أن الدخان الذي يتصاعد من بين أناملك يشبه سجائرك ..أتعلم أن الوقت يمر، وأنا أنظر إليك دائما، وأنت لا تحيد عن بقعة دخانك بينما ترسلك الافتراضات دوما إلى حجم التعبير عن البناء النظري .. بينما يهرع الفرق في حجم الدوائر الواقعية نحو نصوص أخرى تخرج من أعماقك .

حروفك ونمنماتك ونملك الذهبي على الأوراق الملونة-الصفراء طبعا- تقف أمام أي نص لتُعري الكاتب أحيانا، ومرشوشة بماء الورد المُعتّق من مرمدة فضية من فرط الاشتغال بها فقدت ملامحها واتسعت فتحاتها....

طبعا وقبل أن أتمم ترصيعك المبجّل، وعلى سبيل النصيحة.. تباركَت تباريحك المفتوحة في وقت تستعصي عليك الثمالة إلا وأنت تخلق حالة نصية من الإحساس بالمتعة والسعادة.

عليك أن تُقل القطار الذي يمر أمام منزلك وترمي بمدونة السير في الحديقة المجاورة.. سر ولا تنتبه إشارات المرور.. ستضحك طبعا .. كان من المفترض أن أضربك بمطرقة لأزيل ما بقي من أسنانك.. ربما أفضل أن تبقى بالقواطع فقط وربما مع قليل من المبالغة السردية.. أكتب على إعلانات الإشهار المبثوثة قرب العين الصافية .. من يُعير السنجاب طاقم أسنان كي يأكل به خروف عيده: الأكبرُ ما في حي الوفاق، – تلكم حكاية أخرى سلخَها عنك "الناقد عز الدين نملي" ذات يوم مُرصّع بالنميمة بمقهى فلوريدا بالمدينة الجديدة، ولم أكن أعرف حجم الخروف حتى أجبتني على الهاتف أنك تبحث عن وسيلة نقل "بيكاب" لتقله إلى المنزل- أعياك القضم ..أضحيت قطعة غيار لا غبار عليها لتشغيل آلة النقد بمدينة مكناس..

هل تعتقد أن سكة نقدك ستوقف سلسلة هذا السرد " السير ذاتك" المرعب.. أنا هنا لا أتحدث عن النقد بمعناه " الفُلوسي" ...

لا تهتم بما أقول هل أشتقت إلى شبر من الشاي وسيجارة ورئة تشربك حتى الثمالة؟، تشرب الشاي وأنت منكمش في  "القهوة" .. عفوا في مقهاك الباهث بنكهة بافلوف حيث تبحث عن النادل فتجده مُتكوّما جانبك يوزع عليك بين الفينة والأخرى ابتسامة جامدة منتهية الصلاحية ..يا إلاهي .. غير ممكن أربعة مشروبات وخمس أشخاص ... حساب ناقص يلملمه مرض أحدهم .. آه أنت تشير إلي الآن برفع حاجبيك، فأُلهمك الجواب ... لا تنس أن قنينة لتر من الماء قد شربها ذو الوجه الأرستوقراطي .. ها ..ها..ها..

 

السرنمة الخامسة : تراويق مزمنة

أعود مرة أخرى إلى حكاية السنجاب .. هل أضغط على الزناد، لا أحتمل تفجير جمجمتك.. ربما سأُلقي بالبطل من النافذة التي تُطل على روض الأطفال .. سيعفو عنك ابنك اسماعيل وهو يقف بيننا ضاحكا في رقته خجل وبهاء.

زمن السيد" إذا رغى" له عقارب .. النص الأصلي الذي كتبته سقط مني في "جوطية " حي الوفاق .. جميل أنه سقط منّي هناك..ذاك النص يفقد فيه البطل عقله، يعاني من بروتوكول نقدي حاد ونزيف في الحرف الغضروفي، يمكن أن يتقيأ الأشياء والأحداث وربما تصيبه حبّة الحبكة بالإسهال الحاد والمزمن في زوايا متعددة ...مصاب أنت البطل بلوثة منطق تعلو على مستويات الحفر في مضان النص ومقاصد الجمل وابتهالات الحروف..

 هذه دعوة مفتوحة لك عزيزي أن تكثر من الملاحظات الدسمة مع قليل من بهارات الإنشاء والجغرافية .. خذ قطرات العدسة قبل الكتابة حتى يُشفى خطّك من التنحيف القسري  .. عد إلى درس الأشياء القديم من زمن "بوكماخ" فله فائدة  للخروج الواسع من عصمة النمطية والنموذج ..زد على ذلك القليل من وجبة الكلمات المتقاطعة قبل النوم ممزوجة بقليل من زيت ابن مالك .... هههههه ..."مالك" تضحك يا صاحبي؟؟؟.

بقليل من الحظ ستُشفى إذا اتبعت نصيحة السارد ومع قليل من العصيان النقدي ستنجو من حوافر النصوص وهي تتمرد على الدور المحوري الذي أسنده الكاتب للسارد.

على سبيل الختم: ألوانك صهوة الأجزاء

الحي الذي توجد فيه مقهاك و" الجوطية التي تعجبني أشياؤها القديمة .. أحلم أن أجد فيها مطرقة كالتي اشتَريتَها ذات مرة فاكتهلتَ العصيان النقدي. 

سأكون مستيقظا كفنجان ينطوي على شيء بالغ الأهمية يصعب على القراءة .. فما يزال الحظ منهمكا في رسم الموعد وصورة المرأة التي تنحدر تفاصيلها من الجانبين ... ما أبعد الحظ عن رجل مستلقٍ متوحد مع ظله يغزل أيام القراءة...

التظليل لا ينفعك معي..تكهناتك لا تُخرجني من الشمس.. الشمس دائما لا يسعفها الضوء كي تفسر نوايا النهار.. ضع كثيرا من صحوك على مسرودتي لتجد أن القمر ربما تصدر عنه قهقهات ضوئية وهو يحترف ليل العاشقين..

هذه ظنون سردية فقط وأحوال شديدة اللهجة ما شاءت أحداث النص .. لا تعتقد أنك ستفلت منّي .. من كوابيسي.. لقد بدأت لعبتنا بمواصفات " كليلة ودمنة " تأمل في البقاء كي تستعمل آخر شهواتها بمهارة القاتل المتسلسل..

هذا قرار من شجرة إلى سنجاب.. لا تنتبه إلى طلقة رصاصة من لبلاب.. هو ذاك التقتيل المنفرد بنفسه.. عمل شجاع يحتاج إلى الكثير من الجبن.. ربما الفئران تُجيد انتهاك الاتجاهات الأربعة.. ربما لا تخرج من علبة " الباندورا"  تلك الحسناء التي تخيلها معشر الرجال..

هل جننت يا سيدي ؟؟ ألم تقرأ كتيب الإرشادات.. ممنوع عليك أن تنظر داخل الصندوق الخشبي.. ربما السكة موجودة .. لكن أين القطار.. شخصيا لا أحتاج إلى شرف مساعدتك في ارتقاء عربة مريحة.. لا أرجو أن تصل إلى وجهتك وأنت لم تَقْتَنٍِ بعد تذكرة الذهاب.. لا تبتئس ربما حرّف السارد نية الكاتب قبل أن يتجاذب معه أطراف القصة ويملأ فراغات روحه..

هل تكفي الآهات الضاربة في المُطلق أن تُنهي بوهيمية النص؟ .. ها أنت تكتب كي تقرأ وحدك الجملة السافلة المنفلتة التي تعشقك .. فتنبت في داخلك أمكنة العشق وخميلة من آلاف الحروف الضامرة التي لا تُلزم أي قطار بالمرور قرب منزلك.

بالداخل إذا رَغَى .. بالخارج إدارغة:

الطيور تختبئ لتموت.. فقلما تجد طائرا يلفظ أنفاسه بالسماء ويسقط في المحطة..في ساحة باب الخميس.. للسماء حرمة لا ينتهكها سوى أطفال مشاغبين يعبثون ببقايا الحافلة التي تقلُّك إلى نفسك، بدون ثمن طبعا..إلى طقوس قد تُرهقك فيما أنت تمارسها بدون احتياط إضافي من موسيقى " رويشة " المسكين.

العالم منقسم بين من يحبونك ومن لا يحبونك.. لقد حصلت في هذا النص على حصتك من الجنة.. فلا يحق لك أن تضحك.. أنا اعمل على تلقينك بوح الطيور المجروحة .. الليلة سيعرف الكل أن نوح قد بنى سفينته قبل المطر.. قبل الطوفان.. أتدري أن النهر قد يتسع للبعض حتى يخالونه بحرا.. ابحث من حولك عن المحار.. ستجد أنني لا أكذب عندما يتعلق الأمر بالتعرف على الماسة الحقيقية.. هذا ربما تدركه معي في الخطة "A  " أما في الخطة " B  " فالعملية كلها لعبة غميضة .. تعتقد أنك بارع بدون قناع لكن سرعان ما تكتشف أن الأقنعة هي جوهر لعبتنا .. وعلى أحدنا أن يكون ضعيفا كي تنطلي عليه الحيلة .. فنظرا للضوضاء التي تعوم من حولك لا تضع رجليك على الرصيف قبل أن تتأكد أنك على مثن القطار نفسه الذي يوصلك كل مرة إلى محطتك المشهورة .. مقهى الفن وحي الوفاق.

 

 

 

Partager cet article
Repost0
12 mai 2014 1 12 /05 /mai /2014 15:28

200px-3monkies.jpgالنظام والربيع العربي
قصة قصيرة جدا
بقلم عبد النور إدريس

دخل إلى القسم و التلاميذ في جلبة الدخول منغمسين فصاح:" نظام".
سكت كل التلاميذ و كأن على رؤوسهم طيور الصباح.
رفع يده ذلك الذي ألف القسم أن يناديه الأستاذ بالمشاغب 
-أستاذ...أستاذ...يقول أبي عندما أصعد إلى سطح دارنا إياك أن تسقط.
-و تقول أمي عندما أرغب في الخروج إلى المدرسة، حافظ يا ولدي على النظام و إياك أن تسقط.
-و في طريقي إلى المدرسة شاهدت ببرنامج في قناة الجزيرة أشخاصا ينادون بسقوط النظام.
ما معنى ذاك يا أستاذ.
اتجه الأستاذ إلى مكتبه.
جلس الأستاذ على الكرسي، تنحنح، تفرس في وجود التلاميذ وهي تترقب الجواب في خشوع. 
النظام يا ولدي هو أن أجلس أنا على هذا الكرسي دائما... وأن تجلس أنت على مقعدك هذا دائما ... دون أن "تسقط".

Partager cet article
Repost0
31 juillet 2013 3 31 /07 /juillet /2013 12:27

ربيع عربي.. شطرنج وقرنبيط

قصة قصيرة جدا

 بقلم عبد النور إدريس

ثارت البيادق داخل الرقعة، وهي ترفض أن تكون أول من يبدأ اللعبة، نهجت سياسة العصيان ،وتحشرجت حناجرها من كثرة الشعارات: لا للظلم ..لا لسياسة النعامة.. نعم للكرامة.. نعم للحرية.. نعم للديموقراطية.. نعم لحكم الشعب نفسه بنفسه.. سوف لن نلعب مستقبلا حتى تبدأ اللعبة بموت الشاه ، كفانا تضحية .. كفانا خروجا من اللعبة...نريد أن نبقى داخل الرقعة..ارحل أيها الشاه... ها قد جنت اللعبة –علق الملاحظون -...وضعت دستورها الجديد للتصويت الديموقراطي...فلما فاز القانون

الجديد وبدأت اللعبة رسميا بموت الشاه 

لم تلعب البيادق أبدا

ملحوظة: مخصصة للعمل عليها من طرف السيناريست والمخرج المتميز عزيز باعقا

.

Partager cet article
Repost0
28 juillet 2013 7 28 /07 /juillet /2013 13:47

bbbbbbb                          

 جماجم الدار البيضاء، قصص قصيرة جدا للقاص عبد النور إدريس

   1-تسكع في البياض

تسكع طيلة حياته بين العمل و البيت، و كلما أراد أن يلتزم بالخط المستقيم، رسم دائرة سوداء، قفز بين السطور باحثا عن جملة يتمسك بها، و لما مارس القفز، أعلن عن عودته الأبدية إلى السطر.

                       2-محطة مستقيمية

قال أحمد:أنا أعرف خطا مستقيما بين فضاء الحرية و محطة الوازيس.

قالت مالكة وهي مندمجة مع ما وقع في فضاء الحرية:أنا لا أعرف في الرياضيات إلا القليل، لكنني أراك مستطيلا تعيسا في دوائري.

                       3-منطق الشاعر و منطق الفيلسوف

 أخذ جابي القطار ورقتي الأداء منهما، قال: أنتما هنا بمقطورة الدرجة الأولى وتذكرتيكما تشيران الى مقطورة  الدرجة الثانية.

نهض ادريس يحمل باقة ورد أهديت له في مهرجان كلية الطب والصيدلة بالبيضاء، ووريقات كتب فيها جديد قصصه القصيرة جدا عن جماجم الناس، ثم قال:

لعلها غواية الشعراء.

رد عبد الله متنحنحا: لعل جاذبيتنا إلى الأعالي هي السبب .

Partager cet article
Repost0
10 décembre 2012 1 10 /12 /décembre /2012 23:32

حلم شهريار

بقلم عبد النور إدريس– المغرب

حلم آخر للسواد

هب

أن الحلم بياض يسوِّد جسد الليل

أو رغبة عطشى

تحاول أن تستيقظ فيّ

أو شهادة سبحانها من سحَر..

/يقول فيها النهر/

هب

أني حلم سمكة

تبتهل استسقاءا للفيضان”


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للحفرة عمق المتاهة .. الثوب يحكي سجن الجسد .. وضع البذرة باسمه ذكرا ، وكان لا يتقن سوى إنجاب البنات، كانت كل البطون الجديدة تحمل له أملا في نهاية هذا البستان ..

راية الفتح لا تحملها أقدام تعشق الهاوية، إنه زمن اللهب الذي يسيطر على المشاهد التسع التي رقصت في فراغ البطن وبطن الفراغ..

إنها النهايات التي يحسها عميقة تمشي في عروقه أخاديدا ناشفة تجيء من الغيب لتحمل أقنعة يشدها ” العار” !!

” ملعون أبو البنات”….

اللعنة حيلته لتبرير العجز لقد أصبحت المساحيق رسالتهن إلى جيبه.. لقد أصبحت الأرغفة التي تخرج من الفرن كثيرة.. الفقر لا يقتل، إنه يصرع، يشل، يعبق الجو طاقة من فيض الانتحار والتلاشي…

يبدو أن استهلاك هذا الموضوع داخل حياته اليومية يضع بين يديه لحظات قاسية تزكي تلك السباحة الكلامية التي تتناسل في تساؤلاته التي لا تنتهي…

” ملعون أبو البنات”….

ذاك ما كان يردده كلما فاضت همومه وجراحه المحشوة بالملح، من أطول طريق مر به نحو أعشاب الشعوذة والتعاويذ…

لطفولته ماض لا يفهمه ولا يتذوق شقاوته إلا هو .. إنه ماضي حاطب الليل..

كان أكثر الصبيان حبّا وتعلقا بالدُّمى، كان يجد في اهتماماته فرحا ولذة.. كل الدمى بيده لا تمل السقوط على الأرض.. تنتهي الأحزان لتفتح الذكريات أفقا على الماضي، إن الحي لم يتغير.. ما زالت ملامح الذكرى واقفة ضد التبدل… الظلام والوحل هي الميزة الشاعرية التي ما زالت حاضرة في ابتهالات أطفال اليوم الذين يعبثون بالزوايا والأضلاع…

إنه ينغرس ولا ينهض إلا فراشة… له حكاية مجنونة مع الأنثى تبتدئ من عشق الدمى إلى عبادتها.. كان صاحيا فأسكرته تأوهات الأقداح.. بدت نظراته غير مستقرة.. شاردة..هشة..عابثة برياح أغنيته نحو عقم الهمس ومآقي الصراخ.. نحو سن اليأس الذي اقتات من رحم زوجته… إنه قانون الأنوثة…

..لم يوزع في حياته التحيات ” المستوردة” كما فعل يومها… ذاكرته واضحة التقليد.. ملأى بالوصف.. إنها أوسع بقعة للنوم… نوم الفُزَّاعة.

” ملعون أبو البنات”….

قافلة فريدة للضياع والهجر.. إنها متاهة الأنثى، لا وجود للذكر الذي يؤسس للخروج من هذه الذكرى – المتاهة.

قافلة فريدة للضياع والهجر..إنها متاهة الأنثى، لا وجود للذي يؤسس للخروج من هذه الذكرى- المتاهة..

ضاع في حنايا الشفاه..يعتصر أحلامه متجها بحماس نحو طبيبه الخاص.. إنه يستعجل قناعته في أن يحتفل بالدمى متألقة يغص بها ريقه ليعيش لحظات ممزقة فاضت بها ذكريات النساء..

قصة قصيرة بقلم عبد النور إدريس

Partager cet article
Repost0
19 octobre 2012 5 19 /10 /octobre /2012 16:04
◈ قاتل مُتَسَلْسل قصة قصيرة جدا

عبد النور إدريس

 

 ◈ قاتل مُتَسَلْسل

 

 قصة قصيرة جدا

 

بقلم: عبد النور ادريس

 

  

 

وقَرَت في نفسه رؤيا خاصة، ولأنها تمتطيه صهوة للأمر بالسوء، استجمع ذاته مفكرا في أن يقتلها شر قتلة، تهالكت أوامرها وهي تحاصر مكان الخوف منه.. فغمغم مُستاءً من الحلم الذي غنّاه قصيدة  :

 

أن تؤمن بذاتك..أن تتوحد مع رؤاك.. أن تنساب من أناك خيوط متعبة، فتمارس قتل  الأسئلة فيكَ، وتقود ضفيرتها إلى حبل المشنفة متدرعا بحتمية الانفلات من دهشة الحاضر  .

 

هكذا كانت ألوان الرؤية.. هكذا كان بقاؤها مرتبط بظل الكائن.. هكذا قرر أن يشنقها بدون رحمة  .

 

أعدّ كرسيا لتصعد عليه.. كان كُرسِيَّها وقد تآكل من فرط جلوسها عليه وهي تنتحب دوما كغيمة خرافية تهطل في المسافة، تارة تململ الليالي وتارة تندى على شفتي الورد  .

 

اقتنى حبلا شديد القساوة كي لا يترك لها فرصة النجاة  من كل هشاشة العالم .. قطع حبل الورد وهو ينصت إلى همس الأزمنة الشاحبة .. صعد على الكرسي، وضع عنقها داخل استدارة الحبل أبو عُقدة، نظرت إليه مندهشة من باطن الحدقة، وقبل أن ينساب من عينيها حلم الحياة ويتسلل من بين يديها وهج العربدة وجلال الوميض، يدفع الكرسي بكل قوة ولذة بعيدا ليقتل باستمرار تلك التي يستهويها شبق الرغبات.. ليقتل نَفْسَهُ الأمارة بالإغراء

 

................................ ... 

 

مكناس 04 مارس 2011

 
Partager cet article
Repost0
14 octobre 2012 7 14 /10 /octobre /2012 10:44

جمجمتي…وأنا…

قصة بقلم عبد النور إدريس

jmjmtywana.gif

 

لما استفقت ذات صباح ماطر…اتجهت مباشرة إلى المرآة المصلوبة على الجدار ..وضعت أصبعي تحت الجفن الأسفل لعيني اليمنى فتعرفت على عينيّ الذابلتين..وتذكرت للتو قطتي الصفراء اللون عندما تنتعل وجودها مع قط جارتي فاطمة التي تأتيني يوميا وهي تحمل ابتسامتها بين يديها لتأخذ حفنة صحف لتعبر بها الممرات المهترئة من نهار ماطر …
لم يكن قلبي يوحي بالدفء إلا لمن جرب وحدة طرقات المدينة…ولم تكن تساؤلات فاطمة لتوقظ فيّ أي شعور بعدم الوحدة….كان عندما يقع نظرها على جمجمتي تبرق عيناها فزعا ..وفي العديد من المرات..كنت أتجه إلى مؤخرة الدكان وأفتح أحد الأدراج وأنتزع منه صورة كنت قد كتبت خلفها يوما ما ..جملة مازلت أذكر كل تلك المشاعر الجميلة التي أخرجتني من نفق نفسي” إليك يا فتاة قوس قزح”
لست أدري لماذا كانت هذه الجملة تحمل اتجاهاتي الأربعة وبعض الحنين إلى صوت المطر وهو يتقاطر على سقف قصدير منزلنا القديم…
نظرت إلى صورتي ثم اتجهت توا إلى المرآه…
صحت بكل قواي في وجه المرآة المندهشة من خِلقتي…
- هذه ليست جمجمتي من هشّمها…لا شك أنها ضربة فأس عميقة..أو ربما ثقبتا رصاصتين ترحلان في اتجاه وعاء الأبجدية ولغة العشق..
آه تذكرت الآن…كنت أشعر قبل قليل كأن قردا قد قشّر موزة داخل جمجمتي ..وبعثر نصفيها …واستدرجني لمعاقرة الأحلام..
لالالا لاشك أنني أحلم …فمن عادة العشاق أن يحلمون بأنصاص الدوائر..سأخرج لملاقاة فاطمة …وأطلب منها أن تغرز دبوس ضفيرتها المخملية في جلدي…أكيد سأصيح…وألمّ الموضوع كأنه نكتة حلوة…وتشتهيني بعدها المرآة…
كانت فاطمة شتائية الدفء والحنان …كانت تصر على أنني كنت من ضحايا المجزرة وكنت أصيح من ألم الدبّوس المغروز في معصمي…يا لها من فتاة …ربّما تأكدَت الآن أن جمجمتي غير مثقوبة ولا ينفذ منها الضوء…
كانت تناديني بالرجل المطري وهي التي تعرف شغفي بصوت قطرات المطر على سقف الدكان …
فجأة صرخت في وجهي:
“أنا تعبانة يا عبد النور”..صمتتْ برهة ثم أردفتْ: أنت خائن ولا تقدر حبي لك …حبّي لصحفك التي كنت تجمعها لي كل صباح…فكنت أحتضنك بين دراعي وأذهب بك إلى البيت وأقرأ في كل صفحاتك …كنت عاشقة لرائحة ورقك ومدادك…أما الأقلام التي أشتريها منك …فقد فكرت بأن أقيم لها معرضا أمام مدرسة ” ابن العميد” للبناة….
كيف تدخل للمنتديات الالكترونية وتهجرني من أجل فأرة بئيسة يسيل منها الضوء الأحمر ولا تعرف سوى أن تطلق سهامها على الكلمات!!!!!؟
وقفت عيني مسمّرة على فم فاطمة وهي تغيّر من لهجتها …لحظات خلت نفسي في خط الاستواء نائما تحت سيل من قطرات المطر…كان المطر هناك بدون صوت…لكن يمكن أن تراه تحت الأضواء الليلية الخافتة….
استدارت فاطمة فجأة ناحية الشارع المرعب واصطدمت بحافة الدكان
وصرخت بهستيرية حزينة…قبل ذلك سمعت صوت رصاصتين اخترقتاني …شعرت بعطش شديد…ثم عاد صوت قطرات المطر إلى مسامعي..تهمس حياتها القاسية …فابتسمتُ وتهاوى جسدي …ولم أنم في حضن فاطمة كما جاء في قصّتها…

ــــــــــــــــــــــ

Abdennour_driss@yahoo.fr

 

Partager cet article
Repost0
25 février 2012 6 25 /02 /février /2012 02:40

  

سيناريو شعري  :نتوءات الهمس

 

  

 

بقلم عبد النور إدريس

 

ـــــــــــــــــــ

 

المشهد /1

 

خارجي /نهار

 

شارع إسفلتي لا تتكاسل فيه الخطوات

 

الكاميرا ترصد أرجلا متعدد .. أحذية تسير في اتجاهات مختلفة  ..

 

الأحذية مشدودة خيوطها بإتقان..تجهش بالنظام  ..

 

الكاميرا تتحاشى الاقتراب من كل الملامح ..لكنها للتو تقترب من جسم مغطى بإزار أبيض  ..

 

تنتقل عين الكاميرا فجأة إلى دمية عارية .. ملقاة بجانبها العين ـ البٍلْيـة، تنظر بإعجاب إلى جثة متلفعة بشجو العصا.. تتناسل الأسئلة لتعكس طيف الأجوبة المتهتّكة..يأتي الهمس من منصة الإخراج يحمل ضوء الدهشة في مكبّر الصوت .. وجه بمرايا متعددة يحكي غُنج الانكسارات  ..

 

ترصد الكاميرا لوحة ذات قسمات بيضاء وأقلام ملونة... وطباشير أحمر يتأبط عباءة سِفْر من ترانيم القتل وإصحاحات الموت المتسلسل قيئا أمام قبّة البرلمان، ممزوج بعطر خُزامى الكائن..أحاطه الغروب ولُهات شمس آفلةُ الشّجن  ..

 

cut

 

FADE IN

 

اقتراب تدريجي نحو خطوط تضيع مع كثرة الصّخب والنحيب  .

 

                  صراخ شابة يشق المكان  ..

 

         تأخذ عين الكاميرا في الاقتراب، يظهر عنوان الدرس على السبورة  ..

 

"الزمن المغربي  "

 

تقف الكلمات على حافة الاعتراف  .

 

الحائط  الذي تتكئ عليه السبورة يحمل صورة قمر مُكسّر،

 

شوق يُمطر في عين الكاميرا ..ينحث شتاتها المتكوثر   ..

 

تنتقل إلى حيوات صغيرة تتأمل عراء روحها من قلة الشغل..تخبئ في أضلاعها رفرفة الأمل الباسم..وفراشة لم تكتبها نظرية الفوضى  .

 

تدور الكاميرا دائخة لتُظهر معالم شارع تصدعت جدرانه في أمسيات النضال..يرتل فاتحة لم تهجس يوما بسحر المدينة  .

 

ترافَقَ الدوران بأبعاد صوتية لنشيد عربي تَحَلَّقَ في الحناجر، يردده أغنية وصهيلا كل سنابل الوطن، يلهث بها حُلم الرغيف..حلم تهالك منسحبا من الجهات الأربع..لن تعيده ثورات فبراير دون وضع "نبضة الضوء" بين هلاليتين  .

 

cut

 

ستار

 

جينيريك

 

مكناس في:  20 فبراير 2011

نص قصصي منشور بمجموعتي القصصية الثانية " جمجمتي..وأنا" الصادرة عن دفاتر الاختلاف في مارس 2011

Partager cet article
Repost0
1 janvier 2012 7 01 /01 /janvier /2012 16:20

 

◈ قصة قصيرة جدا:حُرية

 

بقلم عبد النور ادريس


قيل له أن القيد فكرة، لم يصدق، فقرر أن يكسر كل القيود.


خرج نحو الأفق مترنما بحريته..


إلتقى بها...


عصفورة جميلة ممشوقة القد   !!!


وشوش لها بجمال سلالته، و أن صيصانه منها سترث منه هذا الجمال الأخاذ.


نفش ريشه ثم استدرجها للعُش...


 استدار جهة العُش، وسرعان ما وجد نفسه يفتح باب القفص صادحا في وجه عصفورته:


تفضلي هذا مسكني الوثير.


 

Partager cet article
Repost0
2 décembre 2011 5 02 /12 /décembre /2011 23:09

 

 

فاطمة المرنيسي تكتب عن ألف ليلة وليلة

بقلم : فاطمة المرنيسي* -

ترجمة : سعيد بوخليط

شهرزاد، اسم امرأة شابة تحكي وقائع، تم تجميعها في عمل، سمي: ألف ليلة وليلة. لا نعرف الشيء الكثير عن أصل هاته الحكايات العجيبة، غير كون الرواة العموميون قصد الترفيه عن المارة في بغداد القرن الوسيط، يروونها بالعربية، حتى وإن وجدنا أصلها من الهند إلى فارس. ابن النديم، أحد المؤرخين العرب القدامى القلائل الذين انتبهوا في ذلك الإبان (القرن 11) إلى تأثيرها على الحشد ـ كانت من القوة، مما حتم على شرطة الخليفة البدء في مراقبة الرواة ـ أثبت بأن “أول من أبدع تلك الحكايات (…) هم فرس الأسرة الحاكمة الأولى (…) ثم قام العرب بترجمتها. أشخاص يتوفرون على موهبة أدبية، أضافوا أخرى جديدة مع صقلهم للقديمة”. فتح، حكايات “ألف ليلة وليلة”، يعني الدخول إلى عالم يجهل الحدود والاختلافات الثقافية، من الشاطئ الأطلسي إلى تخوم الصين. الفارسيون مثلا، تحدثوا العربية وحكموا بلدانا غريبة عنهم.

“شهرزاد” لفظ عربي لكلمتين فارسيتين : شيهرا، ثم زاد، بمعنى “مولود نبيل”. زوج السيدة الشابة، الملك شهريار، فارسي أيضا. اسمه اندغام لكلمتي شهر ودار، أي “صاحب المملكة”. مع ذلك، تتوجه شهرزاد إلى زوجها بواسطة اللغة العربية كلغة أجنبية وليس الفارسية. وشهريار يحكم شعبا، لم يكن مألوفا بالنسبة إليه، حيث تمتد سلطته إلى “جزر الهند، والهند الصينية”. بالرغم، من قدرتها على تجاوز الحدود الثقافية، تنهض الحكايات على عائق يستحيل تجاوزه : الاختلاف بين الأجناس. أكثر، من حاجز يفصل داخل الحكايات بين الرجال والنساء. إنه هاوية، والرابطة الوحيدة التي توحدهم، الحرب التي يستسلمون لها.

بالفعل، تنفتح “ألف ليلة وليلة” على حرب قاسية للأجناس، دراما مفعمة بالكراهية والدم، تنتهي مثل حكاية للجنيات Fées  ، نتيجة المهارة الثاقبة ل شهرزاد وتمكنها من فن التواصل.

تبدأ التراجيديا، بتاريخ ل شاهزمان أخ شهريار وملك “بلد سمرقند”. حين عودته إلى قصره، سيكتشف الملك زوجته بين “أحضان طفل يشتغل في المطبخ”. قتل العاشقان، ثم أخذ في معالجة ألمه بالسفر، ووصل على الفور إلى مملكة شهريار، البعيدة جدا عن مشهد الجريمة. ذات صباح جميل، يسير الحزين شاهزمان وسط حدائق حريم أخيه، فإذا به يلقي نظرة خاطفة : “كان يشكو مأساته، متجها بنظره نحو السماء ومسالك الحديقة. فجأة، شاهد انفتاح الباب الخاص لقصر أخيه. ثم ظهرت غزالة صاحبة عينين سوداوتين، إنها سيدة المكان زوجة أخيه. تتبعها عشرين خادمة، عشرة ذوي بشرة بيضاء وعشرة سود يجلسن ويتخلصن من ملابسهن. اكتشف إذن، بأن العبيد الذين تم إحصاؤهم، عشرة نساء بيض وعشرة رجال سود متنكرين في هيئة نساء. ارتمى العبيد السود فوق النساء البيض، وصاحت الملكة : “مسعود مسعود” . ظهر عبد أسود فوق الشجرة، قفز إلى الأرض، انقض عليها تم رفع رجليها وانغرز فيها لكي يمارس عليها الجنس. كان مسعود فوق الملكة بينما العبيد السود فوق العبيدات السوداوات، وبقوا على هذا الوضع إلى غاية منتصف النهار. بعد الانتهاء، استعاد العبيد العشرة ملابسهم، وأخذوا من جديد مظهر نساء سوداوات. نط، مسعود من فوق سور الحديقة واختفى، بينما اندست الملكة من الباب الخاص صحبة نسائها ثم أغلقن الباب بعناية”.

تنضاف إلى جانب خيانة المرأة للرجل، خيانة العبد لسيده. على مستوى اللغة العربية، فإن جملة : “كان مسعود فوق السيدة النبيلة (مسعود فوق الست)” تختزل هذه الرابطة القدرية بين الزوجة والعبد، التي هي جوهر الحريم كشكل للتراجيديا. تتحدد الخيانة ببنية الحريم ذاته : إنها التراتبيات والموانع التي يشيدها الرجال من أجل السيطرة على النساء اللواتي يحدثن العصيان ويفرضن قوانينهن. إن مرتكب الخيانة الزوجية، وهو يتصفح عمل “ألف ليلة وليلة” سيفترض وهما آخر يوطد بعده التراجيدي : الموانع التي تقوم حول الحريم هشة وقابلة للاختراق : يكفي أن يتنكر الرجال في شكل نساء كي يصيروا غير مرئيين.

ماذا فعل شهريار حينما اكتشف جريمة زوجته ؟ لقد عاقب المجرمين : قتل زوجته وخادمه. بل لم تتوقف رغبته في القتل عند هذا الحد : سيلازم لياليه. كما سيأمر وزيره، بأن يقتاد له عند كل صبيحة عذراء يتزوجها ويقترن بها ليلا. لكن مع الفجر، يقودها إلى الجلاد لينفذ فيها حكم الإعدام : “هكذا سيتواصل الأمر إلى غاية إبادة جميع الفتيات. كل الأمهات تبكين، فتصاعد الضجيج بين الآباء والأمهات…”.

نعاين إذن، منذ بداية “ألف ليلة وليلة” التشابك المعقد بين العنف الجنسي والسياسي. ما بدء قبل ذلك، كحرب بين الأجناس تطور نحو عصيان سياسي ضد الحاكم من قبل الآباء الحزينين على بناتهم.

لم تبق الآن، إلا عائلة وحيدة في مملكة شهريار تضم فتيات عذراوات. إنها عائلة الوزير الذي كان مكلفا بعمليات القتل، وهو أب لفتاتين تسمى الواحدة شهرزاد والثانية دنيا زاد، لم تصل شهرزاد إلى قصر شهريار إلا سنوات بعد حادث الحديقة. كان أبوها يرفض التضحية بها، لكن شهرزاد ألحت على مواجهة الملك : “أبي، مخاطبة الوزير المنهار، أريد الزواج من الملك شهريار، إما أنجح في تخليص شعبي أو أموت…”.

تحت هذه اليافطة، تمثل الفتاة الشابة التي تسكن خيال الفنانين والمفكرين المسلمين كما سنرى بعد ذلك، وجها للمقاومة والبطولة السياسية. لا تسير شهرزاد بسذاجة نحو الموت، بل لها استراتيجية وتتوفر على برنامج مصمم جيدا. محادثة الملك، إلى غاية أن تتملكه، بحيث لا يمكنه التخلي عنها وكذا صوتها. صار المخطط كما توقعته ثم حافظت شهرزاد على حياتها.

تقويم اندفاعات المجرم المتهيء لقتلك، وأنت تروي له حكايات، يعتبر انتصارا هائلا. لكي تنجح شهرزاد، يجب أن تضع على التوالي ثلاث استراتيجيات ناجحة. أولا، معارفها الواسعة، ثانيا، موهبتها في خلق التشويق بطريقة تشد معها انتباه القاتل. ثالثا، برودة دمها بحيث تسيطر على الموقف بالرغم من الخوف.

الامتياز الأول، ذو طبيعة ذهنية : تلقت شهرزاد تربية أميرية، تجلت ثقافتها الموسوعية منذ الصفحات الأولى من الكتاب : “قرأت شهرزاد مؤلفات في الأدب والفلسفة والطب. لا تنطوي القصيدة بالنسبة لها على أسرار، فقد درست النصوص التاريخية وبإمكانها الاستشهاد بالوقائع المثيرة للأوطان الغابرة والحكي عن أساطير الملوك القدامى. كانت شهرزاد ذكية عالمة، حكيمة ومهذبة. قرأت وتعلمت كثيرا”. لكن العلم وحده غير كاف لإعطاء المرأة سلطة على الرجل : انظروا إلى هؤلاء الباحثات المعاصرات عندنا، إنهن متعددات ولامعات سواء في المشرق أو المغرب : لكنهن عاجزات عن تغيير غرائز الموت عند شهريار العصر الحالي… من هنا فائدة القيام بتحليل يقظ، للكيفية التي خططت بها شهرزاد لنجاحاتها.

الامتياز الثاني لبطلتنا، يحمل طبيعة نفسية، فهي تتقن اختيار كلماتها لكي تؤثر في أقصى عمق فكر المجرم. إن التسلح بوسيلة وحيدة مثل الكلام للدخول في صراع مميت، يمثل اختيارا ينطوي على جرأة نادرة. إذا كان هناك من حظ للضحية كي ينتصر، فمن اللازم بالنسبة إليه فهم دوافع المهاجم واكتشاف قصدياته ثم إبطال الهجومات بالحدس كما هو الحال مع لعبة الشطرنج. الاختيار الذي سلكته شهرزاد أكثر صعوبة، بحيث يبقى أولا، الملك ـ العدو ـ صامتا. على امتداد ستة أشهر الأولى، اكتفى بالاستماع إلى ضحيته دون النطق بأية كلمة. أما شهرزاد فلا يمكنها حدس مشاعره إلا بناء على إيماءات وجهه وجسده. كيف يمكن لها في إطار هاته الشروط، أن تعثر على الشجاعة لمواصلة الحكي وحدها طيلة الليل ؟ كيف تتجنب الخطأ النفسي والخطوة الخاطئة القاتلة ؟ لذلك، مثل صاحب مخطط يستخدم معارفه في أفق توقع ردود فعل الخصم وتمثل تكتيكاته. كان، من الضروري بالنسبة لشهرزاد أن تكتشف باستمرار ما يدور في فكر شهريار، تبين ما سيحدث بعد ذلك بدقة كبيرة، فابسط خطأ يعتبر مميتا.

أيضا، يفضي الامتياز الأخير للمناضلة الشابة على الأقل، الاحتفاظ بوضوح الأفكار ومواصلة اللعبة عوض الخضوع للخصم. ستنقد شهرزاد إذن ذاتها اعتمادا على ذكائها وخاصياتها الدماغية التي تتميز بقوة هائلة على التخطيط. ستوظف نفس أسلحة الإغواءات الهوليودية أو جواري ماتيس Matisse  . تدحرج، بشبق جسدها العاري فوق سرير الملك، وإلا فستموت.

لا يفتقر هذا الرجل للجنس بل يعاني من تحقير حاد للذات نتيجة تعرضه للخيانة. ما يحتاجه الملك، علاجا نفسيا يساعده على أن يعيش ثانية المأساة التي تنخره ثم يتحرر منها، وهو بالضبط ما شرعت شهرزاد القيام به وذلك بجرأة نادرة. كانت تروي له مئات الحكايات التي تكرر بشكل لا نهائي نفس الحبكة، مثل هلوسة : رجال يتعرضون للخيانة من طرف نسائهم. ثم لكي تشجع شهريار على النظر بنسبية إلى مأساته، فإنها تورد حالة الجن، تلك الكائنات اللاأرضية التي من المفروض أنها لا تنهزم، فقد خدعتها النساء وهم يتسلون بحجزهن. جرأة الكلام مع رجل عنيف قصد مداواته من جرح يتآكله، يعتبر بالتأكيد تهورا ينبني على استراتيجية دفعت مجموعة من المفكرين، كي يكتشفوا في شهرزاد، امرأة محرضة على التمرد، محفزة المستضعفين على العصيان.

لاحظ جمال الدين بن الشيخ، أحد أفضل المختصين في الحكايات، بأن شهرزاد لم تنكر لحظة من اللحظات وجود القائد، رغبة النساء لتعطيل إرادة الرجل. هذا ما يفسر سبب رفض النخبة العربية تدوين الحكايات : ((الراوية التي تتوخى الحصول على رأفة الملك المخدوع من قبل زوجته، ستوظف كل خيالها المبدع، لتنسج وقائع تؤكد عدم ثقة هذا الأخير في النساء)). تنطوي الحكايات بالفعل على توضيحات لمزاج نساء الحريم، غير القابل للضبط. سيظهر مع الواحدة بعد الأخرى، إلى أي حد عدم واقعية، توقع رؤيتهن يخضعن لقواعد اللامساواة التي تفرض كقانون. بإمكان الرجال ، قراءة المصير التراجيدي الذي ينتظر كل واحد منهم. يكتب بن الشيخ : “نعرف بأن رعب الخيانة هذا، يغوص بجذوره إلى أكثر الثقافات قدما من ثقافتنا، معبرة عنه دائما بنفس الطريقة تقريبا… . لكننا في هذه الحالة، نشتغل على نص مكتوب بالعربية…”. ولأن العربية، تمثل لغة الكتاب المقدس، أي اللغة التي نزل بها القرآن ! فإن تدوين الحكايات بالعربية، يعني منحها معقولية خطيرة، هذا ما يفسر عنده إدانة النخب العربية الذكورية للحكايات طيلة قرون والاقتصار على تداولها شفويا. إن رفض المثقفين العرب المتنفدين، الترخيص لتدوين الحكايات وضعها داخل سياق الدونية، أمام الأوربيين الذين أعطوها امتيازا بترجمتها ابتداء من سنة 1704 (الترجمة الفرنسية ل Galland  ). بينما، لم تظهر أول طبعة عربية إلا قرنا بعد ذلك، وبالضبط سنة 1814، كما أن لا أحد من الناشرين ل “ألف ليلة وليلة” كان عربيا.

صدرت الطبع العربية الأولى، ب كالكوتا Calcutta   سنة 1814 من قبل هندي مسلم اسمه “الشيخ أحمد الشيراواني”، أستاذ العربية ب كوليج وليام الرابع. أما الثانية، فقد أنجزها “ماكسيميليان هابيش” Maximilan Habicht   ب بروسلو Breslau  ، ألمانيا سنة 1824. عشر سنوات، بعد ذلك، سيأخذ العرب المبادرة أخيرا، بالعمل على تسويق النسخة المصرية ل بولاق التي طبعت بالقاهرة سنة 1834. من المهم، الإشارة إلى أن الطبعة العربية الأولى ل “ألف ليلة وليلة” تبين الحاجة لتصحيح نسخة بولاق : “تحسين اللغة بطريقة تنتج عملا ذا قيمة أدبية أعلى من النسخة الأصلية”.

بإمكاننا التساؤل عن السبب الذي استندت إليه النخب، كي ترفض تدوين الحكايات ؟ ما هي الجريمة الأساسية التي اتهمت بها شهرزاد ؟ هل الأسباب سياسية أو دينية كما يحدث حاليا في إيران أو العربية السعودية، بمنع الكتب ؟ يظهر بأن العامل الأول الذي تم استحضاره هنا، أدبي بالأساس دون أي مضمون سياسي : لقد كانت النصوص ذات قيمة ضعيفة.

لاحظ “بن الشيخ” مستوى الخرافة الذي وضعت في إطاره الحكايات (مما يعني تقريبا “هذيان فكر مختل”) لكن وراء هذا البرهان الأدبي، يتحدد منتهى الجبل الجليدي السياسي : رفضت النخبة إخراج الحكايات لأنها تترجم مشاغل ورأي القوى الشعبية. هذه الجزئية الصغيرة، تجعلنا نستشف انفصاما ضخما : ألا يجسد الإرث الإسلامي المدون فكر النخبة ؟ ألا ترسم الشفاهية في جوف هذا الإرث فتحة واسعة وفراغا علينا الاهتمام به ؟ هذا التطابق بين الشفاهية والإقصاء، قاد بن الشيخ للتساؤل، إذا كان في الواقع رفض تدوين الحكايات كتابة يتأتى من كون النساء يظهرن فيها أكثر براعة من الرجال. بناء على منطق “ألف ليلة وليلة”، فإن القاضي (شهريار)كما لاحظ “بن الشيخ” كان مخطئا، بينما الصواب إلى جانب المتهمة (شهرزاد) : “لم يحاكم الملك فقط من قبل شهرزاد، لكنها أيضا تدينه حتى يغير طريقته في العيش وفق نزواته، إنه العالم معكوس. عالم، لا ينفلت فيه القاضي من عدالة ضحيته”. عالم ، حيث القواعد هي قواعد الليل : شهرزاد صامتة طيلة اليوم، غير مرخص لها بالتكلم إلا بعد غروب الشمس، حينما يلتحق بها الملك للاستماع إليها وهو على فراشه.تتذكرون الجملة المقتضبة التي تنهي كل حكاية : “وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح”.

هكذا، يقلب الأثر الحاسم للحكايات التي تتداعى في الظلام، قوانين محكمة الملك، الذي يبدو بأنه ليس شيئا آخر غير سراب، سريع الاندثار مثل ضوء النهار. بالفعل، يتخلى الملك عن اعتدائه المرعب، ويخضع لتأثير نافذ من قبل شهرزاد، مقرا بعدم صوابه حينما يسقط غضبه على النساء، “آه شهرزاد، جعلتني أزهد في ملكي، والتحسر على ماضي العنيف اتجاه النساء، وكذا أفعالي القاتلة ضد الفتيات الصغيرات”.

بالتالي، سيقر المستبد بتغير مفهومه عن العالم، بعد حواره الطويل مع زوجته. اعتراف، قاد مجموعة من الكتاب العرب في القرن العشرين، لكي ينسبوا إلى شهرزاد خاصة والنساء عامة سلطة مدنية. المفكر المصري اللامع طه حسين، أطلق نداء إلى المستقبل : لكي تستعيد مواقف الرجال حب امرأة، فمن الضروري أن تستند على السلم والهدوء بدلا من العنف. في كتابه المعنون ب : أحلام شهرزاد، الصادر سنة 1943، جعل من الحاكية الناطق الرسمي باسم الأبرياء الذين زج بهم في عذاب الحرب العالمية. حرب أشعلتها أوروبا، ولم تكتو بنارها فقط الشعوب العربية بل شملت كل الكون. تجسد شهريار عند طه حسين، نزوة الموت عند الإنسان المبهمة، والمأساوية. لم يفهم، الملك بأن سجينته مؤتمنة على سر نفيس جدا، إلا بعد سماعه لها لسنوات طويلة. من الضروري أن يكتشف هذا السر، لكي يدرك أخيرا النضج العاطفي والرصانة :

“شهريار :

ـ من أنت وماذا تريدين ؟

شهرزاد :

ـ أنا شهرزاد، كنت مرعوبة طيلة سنوات، ثم منحتك لذة الاستماع إلى حكاياتي. حاليا، اقتحمت مرحلة جديدة، قد أمنحك حبي لأنني انهزمت جراء الرعب الذي ألهمتني إياه. ماذا أريد ؟ أسعى، لكي يتذوق أخيرا سيدي الملك السكينة، ويحس ببهجة الحياة في عالم يخلو من كل قلق”.

حسب طه حسين، يتجلى الخلاص حينما يبدأ الحوار بين الطاغية والمظلوم، القوي والضعيف. لا يمكن للحضارة أن تزدهر حقا، إلا إذا تعود الرجال على إقامة حوار مع الكائنات الأكثر اقترابا منهم، النساء اللواتي يقتسمن معهم الفراش. بالتالي، هل بعث ثانية، طه حسين الضرير، المعاق والعاجز عن القيام بالحرب ـ تماما مثل المرأة ـ مضمون الرسالة كما تضمنته حكاية شهرزاد القروسطية : يوجد رباط بين الإنسانية وحرية المرأة. لذلك، فإن كل عمل يتأمل الحداثة داخل العالم الإسلامي المعاصر، يؤخذ كسلاح ضد العنف، الاستبداد. ويكتسي أيضا، صيغة دفاع عن النسوية.

بالنسبة لزعيم مسلم إصلاحي، كما هو الأمر مع الرئيس الإيراني خاتمي، المنتخب في الاقتراع المباشر لسنة 1997 ب 70 من الأصوات، نتيجة تصويت النساء. فمن البديهي لكي يصارع ضد المحافظين، أن يحث النساء على ولوج مواقع السلطة. ثم دعما لموقفه قصد هزم معارضيه في انتخابات يونيو 2001 ( %77 من الأصوات)، قام خاتمي بعملين عضد بواسطتهما مسار الديموقراطية. أولا، شجع النساء على المساهمة في انتخابات المجالس البلدية سواء في القرى الصغيرة أو المدن الكبرى، هكذا انتخبت 781 من بينهن. بعدها، دفع النساء لكي يشغلن وظائف مراكز القرار في دواليب الجامعة، بحيث أحرزن على %60 منها قبل ولايته الثانية. بشكل مفارق، فإن قرار ارتداء الحجاب الذي أعطاه آية الله الخميني إلى النساء سنة 1979 لإخفاء التعددية داخل الأمة الإسلامية، دفعهن للرجوع بقوة إلى المشهد السياسي بعد عقد من الزمان. مثلما في هاته الأحلام المتكررة بشكل لا نهائي، يعاد ثانية في كل مكان بالعالم الإسلامي، إنتاج السيناريو الإيراني المرتبط بالصلة الحتمية بين الديمقراطية وتأنيث السلطة. أن تذهبوا إلى الجزائر، تركيا، أفغانستان أو أندونيسيا، ستلاحظون وأنتم تنتقلون من قناة تلفزية إلى أخرى، بأن السجال حول الديموقراطية يقود حتما إلى سجال آخر يتعلق بالمرأة والعكس صحيح. هذا التداخل المثير، الذي يجمع بين التعددية والنسوية داخل العالم المضطرب للإسلام الحالي، تجسد قبل ذلك مع تاريخ شهرزاد وشهريار. لقد انتهى شهريار في ألف ليلة وليلة، بالتوصل إلى أن الرجل ملزم بتوظيف الكلام بدلا من القوة لتسوية نزاع ما. في صراع شهرزاد من أجل البقاء والحرية، فإنها لا تقود جيوشا ولكن مجموعة كلمات. بالتالي، يمكن اعتبار الحكايات مثل أسطورة متحضرة لازالت راهنية جدا. تتغنى “ألف ليلة وليلة”، بانتصار العقل على العنف. قادني هذا التأمل، لكي أعود إلى نقطة تتناقض كليا مع صورة شهرزاد في الغرب وكذا نسختها الهوليودية : في الشرق، المرأة التي لا تستعمل غير جسدها ـ أي جسدها دون دماغها ـ هي بالضرورة عاجزة عن تغيير وضعيتها. أخفقت إذن الزوجة الأولى للملك على نحو محزن، لأنها حينما سمحت لخادمها كي يمتطي فوقها، اختزلت ثورتها في الجسد. الخيانة الزوجية بالنسبة للمرأة، فخّ انتحاري. على العكس، نتعلم من نموذج شهرزاد إمكانية قيام المرأة بتمرد فعال، شريطة التفكير. ستساعد الرجل بقوة ذكائها، للتخلص من رغبته النرجسية إلى ارتباط بسيط. يبين التاريخ ضرورة، أن نقابل اختلافنا مع اختلاف الآخر، حتى يتأسس الحوار ثم نكتشف ونحترم الحدود التي تفصلنا. تثمين، حوار في كل جزئياته، يعني تقدير معركة تكون نتيجتها غير مضمونة، بحيث لا نعرف سابقا الغالب والمغلوب، لكن الانخراط في معركة كتلك تمثل موقفا يضع رجلا داخل وضعية تتميز بعدم الاستقرار، بعد أن اعتاد على أخرى مريحة حينما كان مستبدا.

عبد السلام الشدادي، مؤرخ مغربي وأحد أدق الباحثين في الإسلام المعاصر، يختزل رسالة “ألف ليلة وليلة” بقوله : “اجتهد شهريار حتى يكتشف فكرة استحالة إلزام المرأة، للامتثال للقاعدة الزوجية”. ثم، يضيف بقدر ثورية هاته الفكرة، فإنها أقل من الرسالة الثانية للحكايات : إذا أقررنا بأن اللقاء بين شهريار وشهرزاد، صورة للصراع الكوني الذي يتعارض في إطاره النهار (تمثيل ذكوري لنظام موضوعي) مع الليل (تمثيل أنثوي لنظام ذاتي)، بقاء الزوجة، يخلق لدى الرجل المسلم ارتيابا غير قابل للتحمل تقريبا : ما هي إذن نتيجة المعركة ؟ يكتب الشدادي : “حينما يحافظ الملك على حياة شهرزاد فهو ينتهك القاعدة التي وضعها. عمل شهريار بالفعل، وضد كل انتظار، على كبح ذاته مانحا شهرزاد الحق في الحياة والكلام ثم النجاح، “تتوازن القاعدة والرغبة ، حيث يلامسان نوعا من السكون المتقلب، دون التمكن من القول بأن أحدهما سيستعيد أم لا حركته الأصلية”. ما إن يغلق الرجل المسلم، الصفحة الأخيرة من الحكايات إلا ويحصل عنده اليقين بشيء واحد : الحرب بين الأجناس في نطاق تجسيدها للحرب بين العقل والعاطفة، تعتبر لا نهائية.

التعارض حسب “الشدادي” بين الملك والراوية له أهمية أخرى : إنه يعكس ويوسع النزاع الحاد الذي يفصل في الثقافة الإسلامية بين التقليد الشرعي والخيال. غلبة شهرزاد هو انتصار للخيال (الوهم)، على مشروعية حراس الحقيقة (الصدق).

يتحدث الشدادي عن مصير الحكواتيين المأساوي. رواة الشارع هؤلاء، حيث يشكل سلمان رشدي أحد ورثتهم في الزمان الحالي، اعتبروا عادة في بغداد القرن الوسيط، كمتمردين مفترضين ومثيرين للقلاقل. كما هو الأمر اليوم، مع صحافيي اليسار الخاضعين للمراقبة، فقد كان هناك سعي قصد منع هؤلاء الحكواتيين من مخاطبة الجمهور. أشار المؤرخ الطبري، في تاريخه عن الأوطان والملوك، أنه سنة 279 هجرية (القرن العاشر ميلادي) : “أعطى السلطان أمره، لإخبار سكان مدينة السلم (أحد أسماء بغداد)، بعدم الترخيص لأي حكواتي كي يستقر في الشارع أو المسجد الكبير”. إذا طرد الحكواتيين من المسجد يفسر الشدادي، فذلك لصعوبة القيام بتمييز واضح بين خيالهم والحقيقة. الطرد، وسيلة القصر الوحيدة لإسكات صوت هؤلاء المبدعون الخطيرون : “مع بداية النصف الثاني من القرن الهجري الأول (القرن السابع الميلادي). قام علي (الخليفة الرابع العقائدي) بمنع رواة الشارع من دخول مسجد البصرة. بالتأكيد، لن تتوقف مضايقة الحكواتيين، إلا بإنهاء الرابطة المهنية… وتعويضهم بالوعاظ. لقد كانت الوسيلة الوحيدة، من أجل تأسيس واضح للحد الفاصل بين ما يمكن اعتباره حقيقيا وصادقا ثم ما ينتمي إلى عالم الخيال والخطأ وكذا الزيف”.

لكي تخلخل أكثر العقول المتزمتة القديمة منها والمعاصرة، فإن شهرزاد تتوفر على سمة الإزعاج إلى أبعد حد. يعيد الشدادي التذكير بها : “مع أول ظهور لها في الكتاب، تكشف عن مواهب سلطة دينية إسلامية، “فقيه” بالمعنى المتكامل وصاحبة موقع حصين”. لا تتضمن معارفها اللانهائية ضبطا فقط للتاريخ، لكن أيضا الأدب المقدس من قرآن وشريعة وكذا مختلف التأويلات الدينية للمدارس الفكرية. تداخل عجيب بين ثقافة علمية جدا وخطاب ينحصر ظاهريا في عالم الخيال والليل. تمازج، جعل شهرزاد متهمة كثيرا، مما يفسر رفض النخب العربية تصنيفها ضمن الإرث المكتوب. تشير “ألف ليلة وليلة” إلى الخطر المحدق بطبقة الخاصة حينما تستمع للعامة. هذا الشعب الصارخ والقوى الأمية، تكرر لمن يريد الاستماع إليها بأن الطبقية، اللامساواة، والتفضيلات، تشكل أعداء لها.

أليس من الغريب،أن راوية متخيلة في القرن IX  ، تحتل من جديد مكانا مركزيا. بين ثنايا المشهد الفكري الإسلامي المعاصر، باعتبارها رمزا للصراع الديموقراطي ؟ هذا، لأنها عرفت قبل ذلك في بغداد العباسيين، كيفية التشكيل الواضح للأسئلة الفلسفية والسياسية الجوهرية، عجز حتى الآن زعمائنا السياسيين المعاصرين عن الإجابة عنها : هل يجب الخضوع لقاعدة جائرة فقط لأنها كتبت من قبل الرجال ؟ إذا كانت الحقيقة بهاته البداهة، فلماذا لا نترك الوهم والخيال المبدع كي ينموان ؟ معجزة المشرق، أن ذكاء شهرزاد الثاقب واهتمامها بالقضايا السياسية والفلسفية، جعل منها مغرية ومدمرة بشكل مريع.

تعود أصلا قوتها الإقناعية إلى ثقتها في الذات، بسبب هذا المعطى الذي يمثل فن جوهر التواصل، فإن شهرزاد مدهشة. لا تصرخ حينما ينتابها الخوف، فهي لا تبدد طاقتها. توظف الصمت لمعرفة نوايا خصمها وتحديد نقطة ضعفه، وعلى ضوء ذلك توطد استراتيجيتها المضادة. إنها، متيقنة بكونها شخصية رائعة، تتوفر على ذكاء مذهل. لو ظنت نفسها حمقاء، سيقطع الملك رأسها. تؤمن كثيرا بقدرة الكائن الإنساني على تغيير مصيره. السحر فينا، تلك هي دعوة شهرزاد. نأتي إلى العالم، ونحن مسلحين جدا للدفاع عن أنفسنا : دماغنا سلاح لا يقهر. احترام الذات سر النجاح، ذاك هو مصدر افتتان المسلمين ب شهرزاد، الأمس مثل اليوم وسواء كانوا رجالا أو نساء. من هنا، قيمة تأويل ما يحدث لها حينما تعبر الحدود اتجاه الغرب.

هل ستمر تلك الملكة بسلاح الفصاحة أم ستفقد لسانها عند الحدود ؟ شيء يقيني : نعرف بالتأكيد رحيلها إلى الغرب، ووصولها باريس سنة 1704.

*Fatéma Mernissi : le Harem européen. Editions le Fennec, 2003, PP   : 59-76

boukhlet10@gmail.com

 

 

Partager cet article
Repost0
13 novembre 2011 7 13 /11 /novembre /2011 23:01

أُمبرتو إيكو ينقّح «اسم الوردة» إرضاء لجيل الإنترنت

 

 

 

 

 

مايا الحاج

يعترف أُمبرتو إيكّو أنّ رواياته صعبة، مُنهكة، لكنّها مُبهِرة. ويُفسّر الإقبال عليها بحاجة القرّاء إلى أعمال روائية مُستفّزة. الكتابات البسيطة والسهلة هي السائدة. والقارئ يحتاج إلى تجارب روائية مهمة ومعقدة تتحدّى قدراته الفكرية. هذا ما كان يقوله دائماً. أفكاره الراديكالية طالما وافقت عليها العامّة والنُخَب. إلى أن أصدرت دار «بومبياني للنشر» بيانها الصحافي المدوّي. «أُمبرتو إيكّو أعاد كتابة رائعته اسم الوردة ليجعلها أكثر انفتاحاً على القرّاء الجدد».

 

مشروع نشر طبعة مخفّفة ومُسهّلة إرضاءً لقرّاء جيل الإنترنت والـ «فايسبوك»، لم يمرّ مرور الكرام. بعد 31 عاماً على نشر إحدى أهم روايات القرن العشرين، هل يحقّ لكاتب «اسم الوردة» أن يُعيد طباعتها بنسخة مُجدّدة؟
هذا السؤال ما انفكّ يُطرح في الوسائل الإعلامية والأوساط الثقافية الأوروبية منذ تصريح الدار الشهير. إيكّو ليس أوّل من يقوم بنشر طبعات جديدة مُنقّحة ومُصحّحة. كتّاب كُثُر سبقوه. لكنّ «اسم الوردة» رواية مُختلفة. هي رواية تعود بنا إلى زمن القرون الوسطى. تُدخلنا عالم الكنيسة والأديرة في أوروبا القديمة. الرواية ضخمة وكبيرة وصعبة. لغتها مُكثفة. إلّا أنّ نجاحها الجماهيري كان كبيراً. تُرجمت الرواية إلى 47 لغة وباعت ملايين النسخ حول العالم.
خبر تغيير الرواية، التي زادها الفيلم المُقتبس عنها شهرة وانتشاراً، لم يكن وقعه عادياً. سجالات كثيرة طُرحت. أمّا الكاتب، فلم يُسمع له صوت داخل هذه المعمعة. التزم إيكّو الصمت. إلى أن اقترب موعد نشر الطبعة المُنتظرة. اختار صحيفة «لا ريبابليكا» الإيطالية ليردّ. واجه سيل الاتهامات بكلمات قاسية ومُكثفة كما في رواياته. كان هادئاً في حواره، ومُستفّزاً أيضاً. واجه المنتقدين بسخرية اللامبالي. «آلمتني خاصرتي من الضحك. لم أصدّق كمّ المقالات الذي نُشر عن إعادة كتابة أمبرتو إيكو روايته الأشهر. هذه إشاعة. لا أكثر ولا أقلّ. كان فصل الصيف، ولم يجدوا ما يكتبونه. اختاروا أن يجعلوا من ذاك البيان قضية. سال حبرهم وسوّدوا الصفحات. وبهذا حاولوا أن يلـهوا قرّاء الصحف والمجلّات عن التفكير في الأزمة الاقتصادية ربما».
في حواره مع موريزيو بونو أراد أُمبرتو إيكو القول إنّ الضجة نفسها أكبر من الخبر. والحديث عن إعادة نشر روايته الصعبة بطبعة تُناسب القرّاء الجُدد ليس في مكانه». الكتاب يجب أن يثير اهتمام القرّاء الجدد كما هو. كما كان. في صعوباته وتعقيداته. عليهم أن يحكّوا رؤوسهم. فمهمّة الشباب الأولى هي أن يُصبحوا شيوخاً، هذا ما يقوله بنيديتو غروشه وما أوافق أنا عليه تماماً».
ينفي إيكّو فكرة وجود جيل يقرأ وآخر لا يقرأ. أولئك الذين لا يقرأون في زمن الرسائل القصيرة والكلمات المختصرة هم أنفسهم الذين لا يقرأون في الأصل. في كلّ زمن ثمّة من يهوى المطالعة والقراءة الذكية وثمة من لا يجد في هذا المقام مقاله.
هذا الأمر نسبي من وجهة نظر إيكّو الذي يكتب فقط لمن يُريد القراءة والتعمّق والتحليل. ومن تابعه خلال مسيرته الأدبية وفي حواراته وردوده يعرف تماماً رأيه في هذه المسألة.
جهد وصبر
أُمبرتو إيكو ينقّح «اسم الوردة»  

 

 

مايا الحاج

يعترف أُمبرتو إيكّو أنّ رواياته صعبة، مُنهكة، لكنّها مُبهِرة. ويُفسّر الإقبال عليها بحاجة القرّاء إلى أعمال روائية مُستفّزة. الكتابات البسيطة والسهلة هي السائدة. والقارئ يحتاج إلى تجارب روائية مهمة ومعقدة تتحدّى قدراته الفكرية. هذا ما كان يقوله دائماً. أفكاره الراديكالية طالما وافقت عليها العامّة والنُخَب. إلى أن أصدرت دار «بومبياني للنشر» بيانها الصحافي المدوّي. «أُمبرتو إيكّو أعاد كتابة رائعته اسم الوردة ليجعلها أكثر انفتاحاً على القرّاء الجدد».

مشروع نشر طبعة مخفّفة ومُسهّلة إرضاءً لقرّاء جيل الإنترنت والـ «فايسبوك»، لم يمرّ مرور الكرام. بعد 31 عاماً على نشر إحدى أهم روايات القرن العشرين، هل يحقّ لكاتب «اسم الوردة» أن يُعيد طباعتها بنسخة مُجدّدة؟

هذا السؤال ما انفكّ يُطرح في الوسائل الإعلامية والأوساط الثقافية الأوروبية منذ تصريح الدار الشهير. إيكّو ليس أوّل من يقوم بنشر طبعات جديدة مُنقّحة ومُصحّحة. كتّاب كُثُر سبقوه. لكنّ «اسم الوردة» رواية مُختلفة. هي رواية تعود بنا إلى زمن القرون الوسطى. تُدخلنا عالم الكنيسة والأديرة في أوروبا القديمة. الرواية ضخمة وكبيرة وصعبة. لغتها مُكثفة. إلّا أنّ نجاحها الجماهيري كان كبيراً. تُرجمت الرواية إلى 47 لغة وباعت ملايين النسخ حول العالم.

خبر تغيير الرواية، التي زادها الفيلم المُقتبس عنها شهرة وانتشاراً، لم يكن وقعه عادياً. سجالات كثيرة طُرحت. أمّا الكاتب، فلم يُسمع له صوت داخل هذه المعمعة. التزم إيكّو الصمت. إلى أن اقترب موعد نشر الطبعة المُنتظرة. اختار صحيفة «لا ريبابليكا» الإيطالية ليردّ. واجه سيل الاتهامات بكلمات قاسية ومُكثفة كما في رواياته. كان هادئاً في حواره، ومُستفّزاً أيضاً. واجه المنتقدين بسخرية اللامبالي. «آلمتني خاصرتي من الضحك. لم أصدّق كمّ المقالات الذي نُشر عن إعادة كتابة أمبرتو إيكو روايته الأشهر. هذه إشاعة. لا أكثر ولا أقلّ. كان فصل الصيف، ولم يجدوا ما يكتبونه. اختاروا أن يجعلوا من ذاك البيان قضية. سال حبرهم وسوّدوا الصفحات. وبهذا حاولوا أن يلـهوا قرّاء الصحف والمجلّات عن التفكير في الأزمة الاقتصادية ربما».

في حواره مع موريزيو بونو أراد أُمبرتو إيكو القول إنّ الضجة نفسها أكبر من الخبر. والحديث عن إعادة نشر روايته الصعبة بطبعة تُناسب القرّاء الجُدد ليس في مكانه». الكتاب يجب أن يثير اهتمام القرّاء الجدد كما هو. كما كان. في صعوباته وتعقيداته. عليهم أن يحكّوا رؤوسهم. فمهمّة الشباب الأولى هي أن يُصبحوا شيوخاً، هذا ما يقوله بنيديتو غروشه وما أوافق أنا عليه تماماً».

ينفي إيكّو فكرة وجود جيل يقرأ وآخر لا يقرأ. أولئك الذين لا يقرأون في زمن الرسائل القصيرة والكلمات المختصرة هم أنفسهم الذين لا يقرأون في الأصل. في كلّ زمن ثمّة من يهوى المطالعة والقراءة الذكية وثمة من لا يجد في هذا المقام مقاله.

هذا الأمر نسبي من وجهة نظر إيكّو الذي يكتب فقط لمن يُريد القراءة والتعمّق والتحليل. ومن تابعه خلال مسيرته الأدبية وفي حواراته وردوده يعرف تماماً رأيه في هذه المسألة.

جهد وصبر

«اسم الوردة» تتطلّب من قارئها جهداً وصبراً لاجتياز أوّل مئتي صفحة. وقد واجه صاحبها في البداية نداءات بحذفها أو تقليصها لما تحمل من تطويل وتشعيب وتفاصيل مُرهقة. أمّا جوابه فكان واضحاً وضوح النهار. لم يقبل التغيير في استراتيجية كتابته السردية. وكانت حجته دائماً: «من يُرد الولوج إلى عالم الدير الشاقّ والمكوث فيه سبعة أيّام، فعليه أن يتحمّل هذا الإيقاع. وإذا لم يتمكّن من تحمّل ذلك، فإنّه لن يتمكّن من قراءة الكتاب في كلّيته». من هنا يُمكننا فهم آلية التفكير عند السيميائي والروائي والباحث في الفلسفة وعلم الجمال والشعر أُمبرتو إيكّو.

إذاً، هو لن يُغيّر الرواية كما كُتب. ولن يُخفّف من حجمها تماشياً مع موضة القرن الحادي والعشرين. لن يتوجّه كذلك إلى القرّاء الشباب دون غيرهم في طبعته الجديدة. بل جلّ ما في الأمر أنّه ألغى بعض الجمل المكرّرة والمتقاربة. قام بتعديلات بسيطة. فسّر معاني بعض الكلمات غير المفهومة باللاتينية. وترك هامشاً أوسع في الصفحات. الكتاب بنسخته الجديدة الصادرة حالياً عن «دار بومبياني» الإيطالية ليست نسخة مُختصرة. بل تزيد عن الطبعة الأصلية 18 صفحة. أمّا اللغط الحاصل فجاء نتيجة استخدام مصطلح «إعادة كتابة» في البيان بدلاً من «تصحيح». كما أنّ الصيغة التي كُتب فيها الخبر كانت مثيرة للجدل. صرّحوا بأنّ الطبعة الجديدة تهدف إلى جعلها أكثر سهولة بالنسبة إلى القرّاء الجُدد. أمّا إيكّو فقال في حواره مع «لا ريبابليكا» إنّ البيان الذي أصدرته الدار كان للدعاية. وأسلوبه التسويقي لم يخلُ من معيار تجاري يهدف إلى جذب الأنظار نحو الطبعة الجديدة. إلاّ أنّ الدار وضّحت في سياق البيان أنّ أُمبرتو لن يُعيد كتابة الرواية كما يفعل كتّاب آخرون، ولكنّ أحداً لم ينتبه لماهية هذه العبارة. وهنا كان عَتب إيكّو على الصحافة.

وفي معرِض حديثه عن تفاصيل الطبعة الجديدة أكّد الكاتب الإيطالي أنّ الرواية بنسختها الجديدة ستُقدّم تحت إشارة: «طبعة مُنقحّة». ولَفَت إلى أنّ كتابه يتألّف من 550 صفحة. وإذا ما قارنّاه بالطبعات السابقة فسنجد أنّه يزيد عنه قليلاً، ما يعني أنّ الطبعة الجديدة لم تأتِ مُخفّفة ولا مُبسطة كما أُثير. وعن السبب الذي دفعه لتقديم هذه الطبعة في هذا التوقيت بالذات اعترف إيكّو بأنّه كان يهتم لإيقاع الرواية وكان يجد أنّ حذف صفة أو جملة اعتراضية واحدة تكفي لضبط الإيقاع وتهوئة الصـفحة وتجميل العبارة. وهذا ما فعله.

بحثاً عن الراحة

«حضّرت طبعة منقّحة بهدف شخصي. قمت ببعض التعديلات من أجل سعادتي الذاتية. أردت أن أكون مرتاحاً أكثر لدى قراءة الطبعة الجديدة. أردت أسلوباً أكثر حرية ومرونة. تطلّعت إلى موسيقى الجُمل ونَغَم الكلمات. لا شيء سوى هذا. الكتاب لم يتغيّر. تعدّل. وأنا أعلم أنّه سيُحبط بعض قرّاء المُستقبل. ما فعلته هو ما يفعله أطبّاء الأسنان تماماً. لقد اعتمدت طريقتهم في العمل. عندما يضع طبيب الأسنان الرِمامة أو «الضرس الاصطناعي» يشعر المريض بادئ الأمر بثقل في فمه، فيُمرّر الطبيب دولابه الصغير المُسنّن للتخفيف من الحشو ويستمرّ في ذلك إلى أن يلغي كلّ الزوائد والشوائب ويأخذ الضرس مكانه المثالي».

إنّ الكتاب يستعرض مرحلة زمنية بعيدة جداً هي القرون الوسطى. تلك فترة صعبة وحساسة للغاية. ولا شكّ في أنّ كتاباً ضخماً بحجم «اسم الوردة» من الممكن أن تجد فيه بعض الأخطاء كاستخدام كلمات لاتينية في غير موضعها أو ذكر آلة موسيقية لم تكن موجودة باسمها وشكلها الحالي آنذاك أو الحديث عن نوع معين من الأكلات التي لم تكن مُكتشفة حينها. وهذا بالفعل ما لاحظه إيكّو بعد نشر روايته وانتشارها. وبفعل الترجمات بدأ يُلاحظ الثغرات في شكل أكبر. «لم يكن هناك أخطاء جسيمة في الكتاب. لكن هناك هفوات جعلتني أخجل كلّما وقع نظري عليها، طوال ثلاثين عاماً. كتبت عن آلة «الكمان» ولمّا تكن معروفة باسمها الحالي في القرون الوسطى.

اسـتخدمت كلمة «ثوانٍ قليلة» على رغم أنّ الثانية لم تكن مُعتمدة حينذاك كمقياس زمني…». هو راضٍ اليوم لأنّه تخلّص من هذه الأخطاء في الطبعة المنقحة. ويؤكّد أنّه إذا وجد الوقت المناسب سيقوم بتصحيح وتنقيح رواياته الأخرى.

«اسم الوردة» التي صدرت قبل أيام بطبعتها المُنقحة عن «دار بومبياني» هي الرواية التي هزّت الأوساط الأدبية منذ صدورها عام 1980. قضى الكاتب الإيطالي المولود عام 1932 خمسة عشر عاماً في كتابتها. السيميائي المُختص في أحد أصعب العلوم الإنسانية أصدر باكورته الأدبية «اسم الوردة» وهو في الخمسين من عمره. عندما عرضها أوّل مرّة على دار النشر قرّر صاحبها أن يطبع منها 30 ألف نسخة دفعة واحدة، اعتبره إيكّو مغامراً مجنوناً وعلّق بالقول: «لقد فقد الرجل صوابه». إلّا أنّه لم يكن يدري أنّ روايته ستُفقد صواب العالم الذي تهافت على ترجمتها ونشرها، إلى حدّ تصويرها سينمائياً بمشاركة أهمّ نجوم هوليوود.

تدور أحداث الرواية أواخر السنة الميلادية من عام 1327، حيث كانت تعيش المسيحية أصعب فتراتها وأحلكها. الانقسام كان سمة تلك الفترة. الكنيسة مُنشقّة. والبابا يُنازع الإمبراطور. قسم من الكهنة يستغلّون الوضع وينصرفون إلى ملّذاتهم. يجمعون المال ويُشعِلون الفتن. والقسم الآخر يُناضل من أجل إعادة الكنيسة إلى طُهرها وتخليصها من أيدي المنافقين. في ظلّ تقهقر الأوضاع وانتشار الرذيلة وسطوة المصالح، يصل العالِم فرنشسكاني غوليالمو دي باسكارفيل (مُحقّق سابق) برفقة تلميذه البندكتي أدسو إلى دير رهبان في شمال إيطاليا، بغية التوصّل إلى حلّ يفرض التصالح داخل الكنيسة. وما إن يصلا حتى يتمّ تكليف باسكارفيل التحقيق في سلسلة جرائم وحشية تمتد على مدار الأيام السبعة التي يقضيها وتلميذه في الدير. رواية تاريخية فلسفية كتبها عالم السيميولوجيا الكبير بأسلوب بوليسي مشوّق، فغدت الرواية المُعاصرة الأشهر في إيطاليا وأوروبا والعالم.

سواء كان من حقّ أمبرتو إيكّو إعادة تصحيح الرواية أم لا، تبقى كلّ طبعة جديدة من طبعات هذه الرواية الغنيّة قيمة كبيرة لنا كقرّاء معاصرين لمُبدع خطير انطبع اسمه على «اسم الوردة».

0.000000 0.000000

 

Partager cet article
Repost0
26 mars 2011 6 26 /03 /mars /2011 00:32
صمتك أيضاً يلهمني/
أنوار سرحان
أنوار سرحان
تاريخ النشر: 25/03/2011 - ساعة النشر: 12:15

لم أحلم برجلٍ شبقٍ يفكّ مغاليقَ جسدي فيُرعشه، ولكنّي ياما حلمتُ بصوتك يعاشر ذائقتي فيُنشيها. وحده صوتك  كان ورقةَ التّوت الأخيرةَ في ستر عورات عوالمهم البشعة المزيّفة، حتّى إذا ما غبتَ وغابَ، بانت سوءاتُ حقيقتهم في حفل عريٍ لأقنعةٍ ياما شغلني ومضُ صوتك عن رؤيتها..ولطالما ألهاني عبقه عن نتانتها..

 كلّ الوجوه منذ غبتَ تقشّرت. كلّ الملامح تكسّرت، عادت عجينةً من طينٍ مسموم. فلتهنأوا بأقفاصكم إذن -قلتُ باحثة عن ثقب نور- . سأفرد جناحيّ فوق سماواتكم أصدح مع الحلاج، أرتّل ألحان الله وحريّتي .. أعرج إلى جنّاتي وأسمو إليّ وحدي.. وعند سدرتي سأنسج رقصاتي الجذلى.

 

وحده صوتك كان بُراقي إلى روحي ومعراجي إليّ..  أناديه كلّما حاصرتني أقنعتُهم فألوذ بنبراتك الياما كانت كوّةَ النور تبدّد عتماتِهم المتزاحمة، ووحده حلمي من اتّسع لها تلك النبراتِ ترجّ أرجاءَ الصمت، فتحطّم هزائمي وتغلبُ انكساراتي، لتبرعم حقولُ عشقي الأسمى..

وكنتُ كلّما انساب إليّ صوتك، رأيتُ بعضاً من نور الله ينسكب إليّ من علٍ، فيعود إليّ السؤال القديم اللا يموت فيّ كلّما راودني صفاءُ صوتك مزيّناً حلمي: أكان ليوسف بعضُ وميض نبراتك حتّى   تتوسّله زليخة أن ينسكب إليها  بما لم يرَوا منه إلا العيبَ  دون أن يسعَوا لإماطة اللثام عمّا وراءه؟؟ فما الذي يجعل امرأةً عاليةً مثلها تهبُ نفسها إن لم تكن رأت نوراً لا يشبه أحداً؟؟  وهل للفجر شكلٌ أبهى من انسكاب النور إلى العتمة فيحيلها  نفسه متوحّداً فيها؟؟؟

 

 أكانت زليخة تبغي إذن نورَ صوت يوسف يسكنُ عمقها فتستحيُل عتماتُها بعضاً من نوره ؟؟

أوكانت كمايَ تلتقط ذاك البريقَ إذا ما نزّ ثغرُ يوسف بحّاتٍ كبحّاتك لها رائحةُ البخور وقداسة الصلاة، وشموخُ الله يظلّل على عباده ؟؟ وهل كنتَ يوسف هذا الزمانِ قبل أن تخطف يدُ ذاك اليصرّون أنّه ملَكٌ ويصرّ شيخنا أنّ شتمَه حرامٌ ، فيما لا أنجح مُذ خطفك إلى قبرك أن أراه سوى عدوٍّ قاسٍ ملك أن يهزمني حقاً، لولا رحابة الحلم تعود إليّ فيها نبرةً صافيةً، وطيفاً نقياً، وروحاً شاسعةً، وملاكاً طيباً يتّسع لروحي كلّما ضاقت الأماكنُ والأزمان، ويفيني أملي كلّما مارسوا أنفسَهم وأغدقوا عليّ بالخيبات والخذلان؟؟

 

 وما أن تفجّر السؤالاتُ براكينَ هذياني حتى يعودَ صوتك هامساً بعبقه اللا يموت  :" بحبّك" فأنسى وجعي وأنساهم وأنسى العوالمَ إذ أراها تُختزل في نبرتك العميقة.. أنتشي برائحة صوتك العتيق، أرقص على أنغام ضحكتك منّي يوم سألتُه ببراءةٍ إذ قال إنّها العناق والقُبل وما حذا حذوَهما، فيما علّمنا عن مقدّماتِ الجماع المكروهة في الصّيام.

.لم ينتبه  -معلّم الدّين الأحمق- أنّ  صوتك إذ ينسكب إليّ نوراً يحيلني ناراً!! قلت مستهجنةً: "والصوت يا أستاذ"؟ رمقني بنظرةٍ  قالت كم لم يفهمني، فيما ابتسمتَ أنت من مقعدك البعيد كأنما تقول إنّ شفرة عبارتي قد وهبتك نفسها وقالت هيت لك فلم تتمنّع، ورأيتَ برهانها، ثمّ رحتَ تفيييييييييييييض كلاماً لم أتبيّن منه حرفاً، ذاك أني انشغلتُ بلملمة ما تدفّق من نهرِ سحر صوتك، ومن لهفتي المكشوفة إذ خشيتُ أن تفضحني..

 

كلّها تعود أمامي شريطاً زلالاً تلك الصّور بمجرّد أن تعود إليّ نبراتك حلماً .. كلّها تعود حيّةً نابضةً في أعماقي حالما أسمعك  تقول أيّ شيءٍ أو لا تقول، لأنسى قبحهم، ولو فسحةً، وأنسى قفارَهم ولو لحظةً تمطر فيها بهاءك في روحي وذائقتي لأذوبَ في سكرٍ روحيّ.. فأشهد أنّ صوتك ما زال يلهمني ولو صمتَّ في قبرك ألفَ ألف عام، وأنّي ما كنتُ بحاجةٍ يوماً أن توثّقه كما يفعل الأغبياء، ففي روحي بريقك خالدٌ أبداً.. أحبّك.

ـــــــــــــــــــــــــ

موقع عرب 48

 

Partager cet article
Repost0
15 mars 2011 2 15 /03 /mars /2011 14:10

أسرار موقعة

 خالد ساحلي

قاص وكاتب جزائري

 

ــ كان من المفروض أن تتأنق في الملبس حتى تبدو كخلق الله، عيون الناس هنا تقوم بعملية مسح عجيبة، الناس هنا كائنات غريبة حتى إنهم يهتمون بأقل التفاصيل التي يجب على الإنسان إخفائها. قالت له

ــ تعني حتى الثياب الداخلية بإمكانهم رؤيتها ، هذه أمور عجيبة حقا تحدث في هذا المكان، كان من المفروض على الدول التنافس لأجل هذه القدرات العجيبة  لتستثمر هذه الطاقات الجبارة وتمتلكها  حتى تعزّز بها أمنها القومي.

قال ساخرا بفم ينم عن طيبة و وجه ملائكي.

ــ لا تهزأ بي قلت لك أعطي قليلا من الاحترام لنفسك ، أنت لا تتميز عن أي متسول قد تصادفه في الطريق.

ــ المتسولة هم في الغالب ضحايا سرقات من أوكلت لهم أمور حماية الضعفاء والذين سطى عليهم الزمن و قست عليهم الحياة.

ــ كما تريد المهم نبهتك لأمر قد لا تأخذه مأخذ الجد و لكنك ستشكرني يوما ما حين يتجسد كلامي أمام ناظرك ويتجلى لك معناه.

ــ لكن يا عزيزتي أنا لا أرى فرقا بين ما أرتديه و ما يرتديه غيري إلا في بعض نواحي التكليف، المهم لا أبدو عاريا.

ــ لا لا يا عزيزي الأناقة تفتح لك أبوابا كثيرة و تجنبك بلايا كبيرة والعين التي تحتقرك تحترمك، الناس مهتمون للمظهر فلا تأخذهم بالباطن ، أنت لست روحانيا ولن تكون صوفيا.

ــ هل يفرض الاحترام ويقيّم  الإنسان بهذه الكيفية وعلى هذا المنوال؟

أمالت رأسها في كبرياء تحرك من خلالها شعرها الطويل الذي كان يتدلى على الكتفين بلون القش ، صاعرت خدّها كأنها ترفض كلامه جملة وتفصيلا مبدية إمتعاظا  وقليل  من غيظ وانزعاج. في الحقيقة هذا الحوار دائما يبدأ في الصباح أو في الليل حين يهجعان إلى سريريهما.   في السريرلا يفعلان  شيئا غير النوم ، وكالمعتاد هو لا يعطي الأمر أكثر من حجمه .

يعرف غالبية  النساء طبعن على الأمور المتعلقة بالزينة و الأدوات و الألبسة وأجهزة البيت. لذا يلتزم ما أمكنه من صمت لأجل أن ينفلت من حزمة التعليقات والملاحظات التي لا تتغير وكأنها أغاني أم كلثوم لا تملها والشيء الذي لا يستطيع الإنسان فعله يصمت عنه.

يهرب ما أستطاع من تأنيبها فلقد شغلت مكان أمه، الفرق بينها و بين أمه أن أمه تعاتبه على مظهره الذي لا يتغير ولا يتبدل وبالمقابل تعطف عليه مهما تخلى عنها ؛ أما زوجته فسلطة رقابة صارمة عليه .

 لقد عرف زوجته من سنين في شوارع العاصمة كانت منبهرة بشخصه حين كلّمها بلغة الإعجاب و الأخلاق و عن الحياة و تعقيداتها وعن المبادئ السامية التي يناضل من أجلها الأفراد ، لطالما قال لها أنه يريد أن يكون رمزا وطنيا أو مثالا للشباب أو على الأقل فردا يفرض احترام الغير له، كانت تبادله نفس الشعور وتعدّ له كم من امرأة في التاريخ صنعت رجالا و كانت قاعدة خلفية معنوية ربحها الرجل و أنهن معشر النساء عظيمات إذا ما أردن أن يكن كذلك. صدّقها و صدقته ؛ مع هذا كانت بين الحين و الحين تشير إليه و لو رمزا على أنه أنيق و لو يتأنق أكثر بثياب جديدة لكانت تنسجم معه أكثر لأنه يبهر الناس  بجماله و جسده. كان يصدقها الحديث بأن ثيابه رثة  ويبتاعها من سوق الرثاثة المستعملة القادمة من أوروبا و التي تعج السوق ببائعيها، ولا يجد حرجا في ذلك البتة وما العيب إن كانت هذه الألبسة أمتن وأبخس ثمنا من هذه الثياب الحارقة التي تشوي  أصابع من يلمسها لغلائها. يبدو لها الأمر عاديا فتغير في حديثها و لكنها تعيد الأغنية دائما وتكررها على نحو استثنائي حتى لأنه يشعر أنه لم يسمع هذا منها أبدا.

ــ تدري إن صديقاتي كلهن يمنحن كثيرا من الوقت لألبستهن وقد ينفقن كل ما يملكن من أجل فستان موضة جديدة أو مستحضر تجميل...

هذا يسمعه كثيرا مكررا، هو لم يرد سماع هذا بتاتا لكنه مجبر الآن على ذلك بعدما صارت زوجته ؛ يا لغرابة الزمن؟ التي كانت تكلّمه عن تاريخ الثوار في كوبا وعن نظريات المؤامرة  وعن الخيال العلمي الذي بفضله تمكنت أمريكا من إنشاء قاعدة عسكرية على المريخ و على الانفجار الأعظم الذي يبحث عليه كثير من الفيزيائيين و علماء الذرة و الذين يريدون فناء الدنيا من خلال بحوثهم هي الآن تتغير...

 مجبر هو على الإنصات إنه  فن صبر ولكم كان مجبرا وقتها وهو يخطب ودها أن يصبر لسماع هذا الخيال الخصب الغير منظم و الذي بدا له وقتها أنها تستقيه  من طاقة شبابها وعاطفتها لا غير، كانت بمثل قناة تلفزيونية  إشهارية تتكلم ؛ الأكثر من ذلك تيقن بلا ريبة بأن أحاديثها التي يسمعها هي نتاج ثقافة مشاهدة الأفلام الكثيرة التي تعج بها القنوات.

 الآن صار أكثر من ذي قبل ، أنتقل مع الوقت من مستمع  إلى أحاديث ثورية وأخلاقية إلى  مستمع لأشهر الموضات و الماركات .

كانت mamia    وهذا اسم دلال تغدق على نفسها ما استطاعت ولم تعد تلك المرأة اللينينية التي تباهت بمعارضتها لوالدها ورفضها لما يقدمه لها من هدايا وأموال، كانت على قدر كبير من الجمال وسعفها الحظ أن تكون صحفية إعلانات في إحدى الصحف المشهورة في العاصمة. فهي الآن تشتغل بنسبة أرباح  وتعرف كيف يمكن الوصول إلى قلب الثروة والحصول على اللازم منه ، لقد ابتكرت أنواعا من الإقناع بفضله  تمكنت من زبنائها وتمت التواقيع لعقود إشهار كثيرة . هي ترجع الأمور دائما إلى ذكائها الخارق و لو أن ذكائها لا يعدو أن يكون معلّقا بأشياء تابعة للجسد . لقد تمكنت بفضل وساطات والدها الذي صالحته وتراجعت عن كثير من مبادئها التي اعتقدتها خاطئة إلى حد كبير و ضيّعت الكثير من عمرها في تصوف أحمق وفي  تفاهات كانت تسمعها من هنا و هناك لبعض الفاشلين كما تسميهم الذين كرهوا الحياة وأكرهوها لغيرهم.  صالحت والدها و عوّضت ما فاتها من نعم الدنيا الكثيرة ، ولكم حسدت إخوتها وأخواتها الذين انتفعوا من مال أبيها الذي يتففن ويبدع بالإتيان به ولو كان في فم الغول.

 الآن لا يهمها من أين يأتي بهذا المال كله ، وما العيب إن كان الناس هم الذين يجودون به عن طيب خاطر ويستعبدون به أنفسهم بحاجة أو بدون حاجة. خدمات الأب لا تنتهي و كلما أرادت الحصول على غرض ما ترفع هاتفها المحمول و الأمر قضي في بضع دقائق.

 العمل الاشهاري مربح ومفيد، مكّنها من السفر كثيرا ، السياحة ، التمتع بالأكل الفاخر ، الفنادق الفخمة ذات الخمس نجوم ، إنها تنتفع لكل الذي تشهّر له، إنه عملها و تحبه و تتقنه إلى درجة قد يصل إلى كمال نسبي.

أما جوميار فقد أتضح له أنه لن يستطيع تغيير طباع زوجته مهما فعل بل إنه يخشى أن تنقلب عليه وتجعله يعيش باقي أيامه في محنة و عذاب و صراع بخاصة و هو الذي يكره الحروب الكلامية و لا يقوى حتى على مجابهة  إنسان ضعيف فما بالك بأسرة كاملة محاطة بالمال والهيبة والسلطة والسلاح ولذلك جنح للسلم في هناء وترك الأمور تجري كما أرادت mamia لها أن تجري، الشيء الوحيد الذي كان يرى فيه بارقة أمل أن تتركه زوجته هي لا أن يتركها هو وأن يرتدي لها الثياب التي تحرجها مع صديقاتها و طبقتها فتكرهه لكن وأسفاه يحزن فالحيلة لم تنطلي عليها.

 أحيانا كثيرة تلبسه عنوة لباسا قد تشتريه له من إحدى المحلات الفاخرة من قلب العاصمة لكنه يهمله و يكرفسه ، ففي الحفلات التي تدعى إليها لا يصطحبها جوميار أبدا ، تقتصر مهمته على حراسة البيت مع كلبه الذي يسميه جاك و الذي يلهو معه و لا يسكت عن مناداته "jack viens ici jack viens ici   "  يشعر جوتيمار أنه مهان في كرامته و هو يرى زوجته mamia      تأتي في منتصف الليل نصف عارية إلى ساقيها يصطحبها رجل  في سيارة فخمة ، يكثر مرافقها من الضغط على المنبه حتى أن الجيران يستيقظون، يطل جميعهم من وراء الزجاج بعدما يشعلون أنوار بيوتهم على الذي يزعجهم ليلا فيرون أنها mamia   زوجة جوميار المسكين. الواقع فهي  كلما دعيت لحفلة ما إلا و أوصلها رجل بملامح جديدة، هي اللعينة التي تصّر على أن يضغط على المنبه جتى يخرج جوميار الذي لا ينام والويل له إن أغمض جفنه ، إنه  ينتظرها حتى تأتي ليخرج مهرولا في اتجاهها و من ثمة تتكئ على كتفيه لأنه يعلم أنها أفرطت في الشرب ولا تقوى على رفع رجليها مترنحة يمنة ويسرة والسيجارة لا تفارقها ، تمصها و تأخذ نفسا عميقا بشفتيها المطليتين بأحمر شفاه فاضح ثم تنفثه في وجه جوميار وتخاطبه بعبارة:

ــ عزيزي لم تنم لا زلت تنتظرني كم أنت لطيف مثل جاك.

ينقلها مباشرة إلى السرير و كلبه يتبعه، يغطيها كما اللازم فتغط حينها في نوم عميق إلى أن تبزغ شمس الغد ناسية أمر الذي حدث كلية، هو لا يمانع أن لا تقوم بما تقوم به، ولا يخبرها بما فعلت ليلة أمس . mamia   تعتقد أن جوميار  يخفى عليه أمر علاقاتها المشبوهة التي تربطها بكل هؤلاء الذين يقلونها؛ المسكين لا يتوانى على إغفال الأمر و اعتبار الذي يحدث عقابا له عن سوء اختياره و اهتمامه بالقشور بدل اللب، نادم على استعجاله الارتباط بهذا الكائن الذي  لا يراعي فيه أدنى شعور يكررالجلمة في نفسه ندما "الشجر العظيم يلد ثماره في وقت طويل"  لقد أنخدع في صورة mamia   التي كان يراها ملاذا آمنا وشراعا لسفينة عمره والآن يراها تتحول إلى عاصفة تقتلع كل جميل غرسه في ذاته.

الجريدة التي تعمل فيها mamia   منحتها ترقية في زمن قصير تدرجت خلالها في المناصب ما جعلها تغّير في إستراتجيتها و تستقيل من هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى  إلى أن صارت امرأة أعمال مشهورة ، جوميار لم يكن يشعر أنه متزوج  بل ظن نفسه دوما خادما مطيعا والذين يرونه يعتقدون أنه خادمها الذي يصطحبها أو حارسها، بل وصلت الوقاحة  بزوجته أن أدخلت عشاقها إلى  بيته . كان هؤلاء العشّاق يرمقون جوميار بنظرات ازدراء فظيعة مقيتة وهو لا يعير هذه العيون الوقحة أي اهتمام كان ما يهمّه اللهو مع كلبه دائما مهملا كل الذي يجري من حوله:

ــ "    allez jack viens  viens ici mon ami  ici ici

  الكلب جاك كان يشعر بالألم الذي يعانيه صاحبه و لكم من مرة ينزعج جوميار حين تركل mamia   كلبه  بحذائها المدبّب وتوبخه بضرب مبرح بعصا فولاذية وتبصق عليه فيصّوت  الكلب جاك ألما فضيعا في نباح يشبه العواء ، الكلب يكشّر عن أنيابه على الدوام وينظر في mamia   بعينيه الكبيرتين اللامعتين و المنفجرتين قدحا و شررا و غضبا و حقدا، لولا جوميار لهاجمها  دون ريبة ومزّقها إلى قطع،  يجذبه  جوميار إلى صدره ويمسح على ظهره ويهدئه.

Mamia   تنزعج من جوميار حين عودتها من شركتها ، بالكاد تجالسه لدقائق إلى أن تنادي على السائق من خلال هاتفها المحمول و تأمره أن يشغّل محرك السيارة لأنها ستتوجه إلى موعد ضربته مع أحد الزبائن لتنهي صفقة مربحة، ببرودة أعصاب تقول لجوميار:

ــ " آسفة عزيزي لكنه العمل، أنت لطيف و متفهم"

ثم تغادر في خيلاء، الحقيقة أنها تتجه مباشرة إلى صالون الحلاقة مهيأة نفسها لحفلة جديدة من حفلاتها. هي فخر والدها  لأنها تمكنت بدهائها إلى ربح كل هؤلاء الأشخاص و السياسيين والضباط و المقاولين ورؤساء العصابات  كلهم في كفها، جمالها ومركز والدها منح لها كل ما تريد الحصول عليه فلا قوانين و لا شيء آخر يمنعها أو يحول بينها و بين الذي تريد فعله؛ إنها الصفقات المربحة .

ظل جوميار على حاله كما العادة  دائما لا ينتفع بهذا  الخير الوفير، فهو قانع بعمله الذي يتقاضى منه مرتبا محترما ، كان عاملا ببريد العاصمة وكان زملائه يعرفون ما يعانيه ، الجميع يهاب إثارة  موضوع زوجته أمامه التي كثر الكلام عنها في كل العاصمة بل أنتقل إلى مناطق أخرى، كانوا يخافون سطوتها و سطوة أبيها أيضا، جوميار  يعرف هذا  و هؤلاء المنافقين إنما يتحاشون ذلك خوفا  مما سيلحقهم لو أقدموا على هذا فليس احتراما لشعوره الإنساني و شفقة عليه الملاعين كما يقول الشيطان يسكنهم في أدق تفاصيل حياتهم.

لم يكن ليمنح نفسه الأبهة التي تأمره بهmamia     في كلامها الملعون كل يوم ، الحقيقة أنه صار رجلا مضجرا بالنسبة لها و لا تراه يصلح بأن يبقى زوجا لها . طردته من منزلها بطريقة غير لبقة بعدما منحته شقة في عمارة تبعد عن العاصمة بعشرات الكيلومترات وببرودة جليدية وقحة كسرت بها الأيام الخوالي الجميلة ، قتلته حين سخرت منه أن قالت له:

ــ خذ كلبك وأرحل.

لقد رفض كل ما أعطته إياه بروح رواقية فأكترى لنفسه منزلا مهترئا في حي قديم يعج بالمجرمين و اللصوص وتجار المخدرات ، في أول يوم قال لنفسه أهلا بك في جهنم.

 لقد طردته مع كلبه شر طردة ، شعر بتحرره أخيرا و قد نال مراده دون مواجهة ولا عنف وأنه المنتصر في نهاية المطاف بعدما قبلت بخلعها له ، تحاشى المشاكل فعائلتها تتصرف في القضاة و رؤساء المحاكم ، نفوذها خطير ونفوذ أصدقائها أخطر قد يفتحون له أبواب الجحيم. هذه التسوية جعلته سعيدا وآن له أن يفكر في حياة جديدة تعوّضه عن أشياء كثيرة فقد معناها، آن الآوان أن يضمّد جراحه.

مرت شهور ومن خلا ل الجرائد اليومية  قرأ خبر زواج مامية من رجل أعمال كبير شاهده على الصورة كأنه مألوف لديه لقد رئاه مرارا، كان دائما يحضر زوجته كل ليلة بعد انتهاء الحفلة ، كثيرون ممن يتذكر صورهم وأسمائهم وعناوينهم و أرقام سيارتهم و أبنائهم وزوجاتهم.

كان الكلب جاك دائما وفيا لجوميار حتى أنهما صارا لمجرد النظر إلى بعضهما يعرفان ما يدور في أذهانهما ولكم درّب جوميار كلبه في الشهور الأخيرة تدريبا قاسيا، كان الكلب جاك أحسن من آدمي.

في صباح الأحد كان الراديو يعلن على أمواج هوائه نبأ مقتل mamia    في فيلتها المطّلة على البحر رفقة زوجها، طريقة القتل تقول الشرطة أنها غامضة  ويعتقد أنّ الفاعل يملك درجات ذكاء خارقة مكّنته  من اختراق كل الطوق الأمني و الحراس ، لقد استولى على كثير من المجوهرات والحلي، كانت صفحات الجرائد كل يوم أحد بعد كل شهر تعّج بكثير من أخبار القتل و الانتحار لكثير من رجال المال المعروفين وأصحاب السلطة والنفوذ الذين كانت تربطهم بmamia علاقة صداقة أو عمل .

 

Partager cet article
Repost0
9 décembre 2010 4 09 /12 /décembre /2010 00:16
استطلاع أنجزه عبدالحق بن رحمون لجريدة الزمان اللندنية.
القصة القصيرة في المغرب أمام أسئلة مصيرها
سليلة الأسطورة الروسية ليست قطعاً من فتات ثلج

عبدالحق بن رحمون
ومن جهة أخري فإننا نجد كتاب القصة القصيرة يصابون في بعض الأحيان بالخيبة عندما يقارنون مابين وفرة الإصدارات القصصية و تعدد النوادي والجمعيات المهتمة بالقصة أمام ضعف النقد المواكب لإنتاجهم القصصي. لكن حينما نسائل النقاد ماسبب عدم مواكبتهم للمنجز القصصي بالمغرب للجيل الجديد، فإن رأيهم يذهب إلي القول بأن بعض المجاميع القصصية التي يطلعون عليها يلاحظون فيها قلة الاهتمام باللغة والصياغة والبناء في القصة، وقلة الإبداع في كثرة الإنتاج. وفي المقابل نجد كتاب القصة القصيرة من أبرزوا حضورهم اللافت للانتباه والمتميز، وهم قلة من لهم جرأة علي مستوي الحكي وتعرية الواقع وللذات والمجتمع وتناول مواضيع مسكوت عنها في الواقع المغربي بكل تمظهراته وكل ذلك بحس أدبي جميل. ولهذا فإن مستقبل القصة القصيرة بالمغرب مشروط بإمكانات الكتابة كمشروع وكمجال، لتداخل أشكال الثقافات وتفاعل العديد من المفاهيم، وما يجمع ويوحد تصريحات المشاركين في هذا الملف هو التفاؤل في مستقبل القصة القصيرة بالمغرب، والتي يراهن كتابها وخاصة من الجيل الجديد والذين يمثلون حركة تأسيسية لكي تكون قصصهم بمواصفات مغربية، وبقي أن نشير بأن أهم ما تميزت به هذه السنة أنه تم الاعلان خلال الملتقي الوطني للقصة القصيرة بمدينة مشرع بلقصيري في دورته الرابعة عن تخصيص يوم وطني للقصة القصي! رة بالمغرب والذي يصادف 28 أبريل من كل سنة .

قابلية مدهشة للتطور

مصطفي لغتيري

بداية اسمحوا لي أن أسجل أن السؤال بالصيغة التي طرح بها، يتضمن حكما قاسيا ومستفزا، وهذا بالتالي يدفعني إلي التعامل معه بكثير من الاحتراس..وبناء علي ذلك أجد نفسي في حل من منطوقه المباشر، لأركز الذهن علي مسكوته، إذ يبدو لي- في إحدي مراتب التأويل - يظهر عكس ما يضمر، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الواقع القصصي الراهن، الذي تكفي إطلالة عامة علي تجلياته لأن يقر المرء بأن الزمن الحالي زمن القصة القصيرة بامتياز... ليس هذا كلاما أطلقه علي عواهنه، بل هنا معطيات موضوعية تسنده، بعيدا - بالطبع - عن الانطباعات الذاتية، التي غالبا ما تجانب الصواب.. فعدد القصاصين في ازدياد مضطرد، والإصدارات القصصية تنهال تباعا علي سوق الكتب، أما عن الجمعيات والنوادي التي تتناسل من يوم لآخر جاعلة من القصة القصيرة شغلها الشاغل فحدث ولا حرج، ناهيك عن الكم الهائل من القصص، الذي ينشر يوميا علي صفحات الجرائد والمجلات والدوريات والمواقع الالكترونية.. كل ذلك وغيره، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الفن الجميل يعيش أزهي عصوره، حتي أنه أضحي - نتيجة لذلك- ينافس أجناسا أدبية أخري، هيمنت لردح من الزمن علي ال! ذائقة الأدبية المغربية والعربية، أقصد بالتحديد الشعر و الرواية. القصة القصيرة، الآن وهنا، لا تندثر، بل علي العكس من ذلك، تتطور وتتوهج، إنها تكسب تدريجيا مساحات جديدة في وسائل الاتصال، وتغنم قراء جددا، ويتعلق بأهدابها الأدباء الشباب بحثا عن المجد الأدبي.
وبمرور الأيام برهنت القصة القصيرة علي مرونتها، وقابليتها المدهشة للتطور، والاستجابة لمتطلبات العصر، إذ انفتحت علي الأجناس الأخري، فاستفادت منها لتتطور شكلا ومضمونا، حتي غدت قابلة للتكيف مع البيئات المختلفة لكل من الكتاب والقراء علي حد سواء. القصة القصيرة خاضت - بلا تهيب- غمار التجريب، فجددت أشكالها وعمقت مضامينها، وأخرجت من قبعتها السحرية ' القصة القصيرة جدا '، فبرهنت بذلك علي حيويتها، وعبرت عن قدرتها علي التعاطي مع عصرنا الموسوم بالسرعة، وفقدان ناسه الصبر علي تلقي الأشكال التعبيرية الطويلة. القصة القصيرة أخيرا تعبير عميق ودال علي أن الذهنية المغربية والعربية تمتلك - علي عكس ما كان رائجا - القدرة علي التحليل الجدلي والتفكير الموضوعي والتجسيد الدرامي، لذا أعتبرها ضرورة حضارية ملحة، وانعكاسا حيا لمدي التطورالحاصل في عقلية الإنسان المغربي والعربي .. لذا فإذا سلمنا بفرضية أن لذهنية العربية تتطور نحو الأفضل، أقصد نحو التفكير العلمي الموضوعي والجدلي، بعيدا عن مسلمات التفكير الخرافي والتعاطي العاطفي مع الذات والواقع، فإن القصة القصيرة- حسب رأيي- تعد مؤشرا من المؤشرات الدالة علي هذا التطور، وبالم! حصلة النهائية أجدني متفائلا جدا بخصوص راهن القصة القصيرة ومستقبلها.
أنظر بحذر لمسار
القصة القصيرة

عبدالعزيز الراشدي

أعتقد بأن القصة، من حيث الكم، لم تتلاش أو تضعف في مواجهة جنس آخر، وإن كانت الرواية قد بدأت تكتسح المشهد في المغرب خلال السنتين الأخيرتين كما هو الشأن في كل العالم .
أقول لم تتلاش من حيث الكم، لأن الكثير من المجاميع القصصية تُنشر كل شهر، والملتقيات تُنظم لأجل هذا الجنس، علاوة علي الإطارات الكثيرة التي تأسست لذات الغرض.
لكنني رغم ذلك أنظر بحذر لمسار القصة القصيرة في المغرب، إذ في مقابل أصوات قليلة تُحاول التكريس لفلسفة المغايرة والتجريب وإنتاج أنماط جديدة للكتابة، تسقط العديد من المجاميع في النمطية والابتذال، الشيء الذي يكسر الحدود، أحيانا، بين القصة والحكاية.
إن الزخم الكبير الذي يعرفه الإنتاج القصصي بالمغرب، لا يمنعنا من الشك في جدوي قصة لا تمتلك تقنياتها الخاصة، لذلك فإن الزخم، كميا واضح، لكنه علي مستوي إنتاج الخصوصية لايزال يواجه صعوبة.
إن اللازم في اعتقادي هو التريث ما أمكن والاشتغال علي النص وعدم التعجل والسرعة، لأن السرعة تُضعف النص خصوصا أمام ضغط النشر واتساع المجال الالكتروني وكترة الأصوات، مما يجعل الكاتب مُجبرا علي النشر السريع لتحقيق الحضور، لكنه في المحصلة يُنتج نصا هزيلا، وهذا لا يساهم بتاتا في ترسيخ صورته ككاتب.

انتصار للمقهورين
و المهمشين

إدريس اليزامي

سؤالك في غاية الأهمية..
القصة القصيرة في المغرب في السنين الأخيرة عرفت توهجا علي مستوي الكم من حيث التراكم الذي حققته.. ويتضح جليا في عدد المجاميع القصصية التي قذفت بها دور الطبع، ناهيك عن النصوص المنشورة في المنابر هنا وهناك علي الورق والنت والهواء..والكيف أيضا إذ نلمس دماء جديدة ضخت في شرايينها حيوية ونشاطا.. فصرنا نقرأ نصوصا جميلة وممتعة تجمع بين التأصيل والتجريب لهذا الفن الأدبي.. رغم شح النقد والتهميش الذي يطال فئة من القصاصين لجملة من الأسباب. والمتتبع للحركة الثقافية علي النت سيكتشف تزايد القصاصين المغاربة علي نذرتهم مقارنة بالمصريين والسوريين والسعوديين....و تأسيسهم لجمعيات ونواد وورشات ومنتديات يعزز ما أتيت علي ذكره. ومهما يكن ستظل القصة الجنس الأدبي الواحة المستظلة - لهذا الجيل الأزرق من الكتاب المغاربة - التي يحتمون بها من الرمضاء اليومية لنفسها القصير ولرحابة صدرها ولواقعيتها و تعبيرها عنه وانتصارها للمقهورين و المهمشين الذين طحنهم اليومي بإكراهاته.. ولكتابة قصتنا المغربية والعربية ما علينا إلا الإسهام فيها ورد الاعتبار لكتابها عوض الانتصار لجنس علي حسابها في المهرجانات والملتقبات و المؤتمرات...الثقافية.
جنس إبداعي.. يسمح للقارئ باستهلاكه

عبدالعالي بركات

القصة القصيرة لا يمكن أن تندثر، ولا يبدو لي هناك ما يبرر طرح التساؤل حول احتمال اندثارها، بل هي تعرف حاليا وأكثر من أي وقت سابق، ازدهارا ملحوظا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العصر الذي نعيشه، والذي يتسم بتعدد وسائط الإتصال، ينسجم إلي حد ما مع الوتيرة أو النفس الذي يميز هذا الجنس الإبداعي.. النفس القصير، الذي يسمح للقارئ بـ: (استهلاكه) في جلسة واحدة، وفي وقت وجيز. قارئ اليوم لم يعد لديه الوقت، لكي يقرأ رواية في أربعمائة صفحة مثلا، لقد بات يرغب في استغلال والإستفادة من مختلف الوسائط، وما أكثرها: الفضائيات، الأنترنت، الصحف، السينما، الهاتف النقال، المهرجانات، إلي غير ذلك من الإهتمامات الثقافية المتعددة، لم يعد بالتالي يرغب في أن يكرس وقته بالكامل، لاستهلاك منتوج بعينه. أشيد باقتراح جمعية النجم الأحمر، لتخصيص يوم وطني للقصة، وهناك من ذهب إلي التفكير في إنشاء بيت للقصة، علي غرار بيت الشعر، وكل هذه المبادرات هي في خدمة فن القص، مما يؤكد علي تزايد الإهتمام به.
ما تحتاجه القصة، باعتبارها فنا أدبيا أصيلا، هو المواكبة النقدية، حيث من الملاحظ أن هناك وفرة في الإنتاج القصصي، يوازيها تطور كبير علي مستوي طرائق الكتابة، في حين أن النقد يظل عاجزا عن رصد هذا التطور، ولعل التساؤل الذي يمكن أن يفرض ذاته بهذا الصدد، هو ما إذا كان الكسل النقدي- إذا جاز التعبير- يشكل خطورة ما علي مستقبل الكتابة القصصية، وهل فن القص يمكن أن يستمر في الوجود بمعزل عن المتابعة النقدية؟ في اعتقادي أن القصة أو بالأحري كاتب القصة، يملك من الوسائل ما يسمح له بالإستغناء عن خدمات الناقد، وليس غريبا أن بعض النصوص القصصية الجديدة، قد قلصت المسافة بين السرد والقراءة النقدية، ولذلك لا خوف علي القصة القصيرة من الإندثار.

نصوص رضعت
من حليب الأمهات

أحمد الفطناسي

أبدأ الجواب بالنفي، بحكم أن الحديث عن التلاشي والاندثار هو نعت مسبق لشيء انتهي أو لم يعد موجودا، حتي ولو أعدنا استدعاء الصورة فإنها تطل من نافذة التلاشي، لكن عندما نتحدث عن منجز يتنفس اليوم بأحقية الوجود، ونشكك في حضور قائم الذات. فإننا نقلب الصورة ونستدعي الإطار والذي لن يكون مغربيا خالصا..
إن مقولة أسلت التي هي الاندثار والتلاشي الموطأة في السؤال، لا تحمل مشروعية الوجود مادامت الذات الكاتبة اليوم حاضرة بقوة ما تكتبه من نصوص وما تحمله هذه النصوص في أفقها كمشروع يتشكل في الأفق. إن وجود القصة القصيرة اليوم في المغرب، في وقت أمست تتميز بدينامية لا تضاهيها عربيا أي مشهد بديل، يدعونا لقلب السؤال هل تحمل هذه الدينامية أي مشروع جديد للكتابة القصصية اليوم في المغرب؟؟
خصوصا أن الكائن القصصي وهو يحفر كينونته وتجربته الخاصة في الكتابة، فإنه يؤسس علي هامشها قلق التفكير في القصة، ويعمق ما قدم كمنجز في الماضي، بل ويطوره، رغبة في إشعاع هوية رضعت من 'حليب أمهات' هذه النصوص، و' نصوص أخري' عابرة للمحيطات من الشرق ومن أمريكا اللاتينية علي الخصوص..إن خلق نمط قصصي يتنفس من 'هواء' هذه التربة المتعددة، هو في الأساس رؤية للمستقبل، ورؤية النصوص لأفق كتابة تعبر عن كينونة مغربية أمست منذ الأزل تتميز بالاختلاف. ولعل الغني الثقافي الذي يميز المشهد الثقافي في المغرب وتضاريسه اللغوية والحضارية قد عمق من هذه الرؤية.. قد تصلح مقولة أسلت لمن تعودوا علي حس أخطبوطي يوطد لتلك المفاهيم القطعية الجاهزة والشبيهة بالأكلات المحمولة إلي المنزل!!..لكن عندما يتم الحديث اليوم عن القصة القصيرة في المغرب فيجب أن نعترف بزخم نصي لا مثيل له، وبحضور قوي لهذه النصوص، إضافة للملتقيات والندوات والموائد المستديرة والكم الهائل من الإصدارات والتي لم يعرفها المشهد القصصي قط..ولعل هذا الزخم، وهذه الدينامية تزيد من فكرتنا الأساسية والتي تؤكد أن القصة القصيرة اليوم في المغرب جغرافية كينونة مفتوحة وخصبة..

مستقبل نافذة الحلم

سعيد أحباط

بدءا أعلن تفاؤلي بثقة واطمئنان من مستقبل القصة القصيرة في المغرب، وهو تفاؤل نابع من عدة معطيات أجملها في:
ــ تزايد الإصدارات القصصية، التي لم يعد في استطاعة المهتم متابعتها وحصرها.
ــ تأسيس العديد من الإطارات والنوادي المتخصصة في القصة القصيرة في المغرب، والتي توجت في السنوات القليلة الأخيرة بتشكيل مجموعة البحث في القصة القصيرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدارالبيضاء. ــ إعداد كثير من الرسائل والأطروحات الأكاديمية بمختلف الجامعات المغربية حول موضوعات وإشكالات تهم هذا الجنس الأدبي، وهو ما يعني انفتاح نقدي من المؤسسة الجامعية علي هذا الجنس. ــ تنظيم عدد هائل من اللقاءات والندوات والملتقيات والمسابقات حول القصة القصيرة.
ــ تتويج كل ذلك بإصدار أول مجلة مغربية متخصصة في القصة القصيرة، وهي مجلة 'قاف صاد' من طرف مجموعة البحث في القصة القصيرة في المغرب، ويكفي متابعة حجم نشاطات هذا الإطار لنكتشف الاهتمام المتزايد والذي أصبحت القصة القصيرة في المغرب تحظي به في السنوات الأخيرة.
إذن، لهذه المعطيات وغيرها نؤكد أن لا خوف علي القصة القصيرة في المغرب، ولا خوف عليها لا من الرواية ولا من أي جنس أدبي آخر. مادامت تمتلك أدواتها التعبيرية الخاصة بها إضافة الي قدرتها علي امتصاص وتمثل بلاغة وآليات خطابات آخري إلي جانب حاجة العصر الملحة إليها. مستقبل القصة القصيرة ليس في علم الغيب، بل في خضم أسئلة الكتابة الإبداعية في المغرب، وهو ما يعطيها نفس الاستمرار والتطور. كما أن مستقبلها مشروط بإمكانات الكتابة كمشروع وكمجال، لتداخل أشكال الثقافات وتفاعل العديد من المفاهيم..إن هذه الدائرة المفتوحة والتي منها يستقي الإنسان مفاهيمه ومنها مفهوم الأدب والقصة القصيرة ويستمد منها كذلك اللغة والقيم ويتطلع إلي عوالم ثقافية وللإشارة إلي مبدأ أومن به يقول 'بعدم وجود تفاعل فيما بين الأجناس الأدبية والفنية وحتي الشعر نفسه الذي يضعه الكثيرون علي رأس القائمة، إذ أعتبره في الحقيقة شكلا تعبيريا يلبي لدي الإنسان جانبا من الحاجات التي لا تلبيها أجناس أخري.. إن الإبداع لا ينجز إلا من أجل أن نتذوقه والتذوق ' ألوان وأصناف ' كما الطعام والطبائع البشرية وإذا عدنا إلي الواقع المفترض الذي قد تؤول إليه القصة القصيرة في المستقبل أمكننا أن نحدس الازدهار الذي قد يعرفه هذا الجنس بوصفه شكلا تعبيريا قابلا للتداول بسهولة وجنسا يحقق التواصل بين المبدع والقارئ بطريقة حيوية رائعة..إننا نحلم ونتمني أن لا نكون مخطئين بارتفاع مستوي إقبال الناس علي القراءة وعلي مطالعة الكتب والمجلات والصحف. وحيث أن القصة القصيرة قد وفقت مند البداية في أن تجد مكانها بين صفحات الجرائد والمجلات بوصفها وسائط إعلامية شعبية، أما عن التعايش المحتمل فيما بين القصة القصيرة والأجناس التعبيرية الأخري مستقبلا فأري أن القراء سيكونون قد تخلصوا من عقدة المفاضلة بين الأجناس وأقبلوا عليها بروح ديمقراطية تستشعر خطورة الشكل الروائي في مجال التثقيف مثلما تستشعر خطورة الشعر والقصة ال! قصيرة والمسرحية وما إلي ذلك من أجناس الأدب وأنماط القول التي تغذو لدي القارئ الناضج منافذ متباينة المشارب يحلم بالوصول إلي الحقيقة من خلالها.
وهكذا لا يمكنني النظر الي مستقبل القصة القصيرة المغربية إلا من خلال نافذة الحلم، لكن هل يملك القصاص غير سبيل الحلم من أجل أن يتجاوز واقعه القاسي ويحلق في عوالم الخيال الرحب؟؟

القصة القصيرة
في نشاط دائم

محمد الشايب

صحيح أن بداية الألفية الثالثة لم تسجل ظهور قصاصين جدد كثيرين في المغرب كما هو الحال بالنسبة للعقد الأخير من القرن الماضي، وأن الإطارات والنوادي القصصية التي تأسست سابقا، توقفت عن الاشتغال أو كادت، باستثناء بعضها القليل. لكن رغم ذلك فالقصة القصيرة، مقارنة مع باقي الأجناس الأدبية الأخري، ما زالت تعرف نوعا من الحركية والنشاط، فالإصدارات القصصية يتزايد عددها بوتيرة متسارعة، والملتقيات الخاصة بهذا الجنس الأدبي تقام هنا وهناك. ونذكر من بين هذه الملتقيات، الملتقي الوطني للقصة القصيرة بمشرع بلقصيري الذي يتميز بانتظامه، والذي بلغ هذه السنة دورته الرابعة، التي توجت بإعلان 28 أبريل يوما وطنيا للقصة القصيرة بالمغرب، وهو إعلان تمخض عن اقتراح تقدمت به جمعية النجم الأحمر بمدينة مشرع بلقصيري المنظمة لهذا الملتقي، وتمت تزكيته من طرف المشاركين في الدورة من قصاصين ونقاد ومهتمين. كما أن القصة القصيرة بالمغرب الآن، تطرح عدة أسئلة علي مستوي الكتابة، فالجيل الجديد، الذي يبدو مجردا من الانتماء الحزبي علي الخصوص، ويكاد يكون بدون آباء رمزيين، هذا الجيل الذي خطا أولي خطواته الإبداعية مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، هذا الجيل، أو البعض منه علي الأقل، يكتب الآن قصة غير مهادنة تماما وموغلة في الشغب والتجديد والحداثة. مما جعل أسئلة القصة تكثر وتطفو بجلاء علي سطح الحركة الإبداعية في المغرب، وإن ظل النقد المغربي بعيدا أو مبتعدا عما يراكمه القصاصون خاصة الجدد منهم.
عموما فالقصة القصيرة المغربية تعد الآن من أنشط الأجناس الأدبية وهي ماضية تشيد لنفسها مكانا مميزا علي خارطة الإبداع في المغرب، ولا تبالي أبدا بذلك الصراع الوهمي الدائر بين الشعر والرواية.

إرهاصات التغيير
والتحولات العميقة

وفاء مليح

المتتبع للمشهد القصصي والأدبي في السنوات الأخيرة، يلاحظ أن القصة القصيرة المغربية فتحت أبوابا للنقاش، حركت أقلاما عديدة حراكا ونشاطا لم يعرفهما المشهد الأدبي من قبل، فرغم أنها جنس حديث النشأة مقارنة بالشعر والرواية، إلا أن جمعيات ثقافية تأسست لتشتغل علي القصة القصيرة وتحولاتها، ظهرت معها نواد للتجريب القصصي مما جعل القصة المغربية تمتلك هويتها سواء أكانت مكتملة الملامح أم لا، المهم أنها نفضت عنها تبعيتها إلي وقت قريب للأدب الشرقي. رغم الخلافات التي تعرفها النوادي القصصية، إلا أننا نقف عند تعدد تقنيات وأساليب كتابة القصة، حيث ظهر التجريب أحيانا إلي حد الغلو، كانت بعض التجارب تشوش أكثر مما تبني، فكثرت البيانات في التجريب، الشيء الذي حرك المشهد القصصي ودفع بجنس القصة إلي أن يكون من أكثر الأجناس إنصاتا لنبض واقع المجتمع المغربي وتفاعلا معه ومع إرهاصات التغيير والتحولات العميقة في صيرورة المجتمع والعالم، سواء من حيث نمط التفكير أو انهيار قيم وظهور قيم أخري جديدة. القصة القصيرة بالمغرب إذن تسير نحو بلورة رؤي متميزة، ومتفردة تثري الأدب المغربي والعربي الحديث.




المهدي لعرج

الأمر يتعلق - حسب السؤال - بالقصة القصيرة. و معني هذا أن نحترم حدود المفهوم في الجواب فلا نتخطاه إلي مفاهيم أخري من مثل: القصة أو الأقصوصة أو القصة القصيرة جداً، أو القصة الومضة أوالشذرة القصصية أوالقصة التجريبية أو غيرها من المسميات التي يمكن أن تتعدد بتعدد كتابها. إذ لا يستبعد - في خضم حمي الاختلاف التي تتم علي قدم وساق، عن حق أوعن غير حق - أن يكتب كل قاص تحت مفهوم يخصه هو وحده دون غيره، ليس من الكتاب فحسب بل من القراء أيضاً. وليس العيب في أن يبتدع كل كاتب شكله التعبيري المتفرد، ليس العيب في تعدد الأشكال الأدبية، ليس العيب في تراكم التجارب والتجريب، ليس العيب في الفرادة والعبقرية. العيب في هذا السباق المحموم نحو الاختلاف المجاني، الاختلاف الذي لا يعني أكثر من الإعلان عن الوجود ولفت الانتباه إلي الأنا المريضة با! لأنانية وحب الظهور بأية وسيلة ممكنة. لذلك فالسؤال يدفعنا إلي مضايق الالتباس و يلقي بنا بشكل تلقائي في دوامة من الغموض و عدم وضوح الرؤية.
2- وعلي أية حال، فالقصة القصيرة كجنس أدبي معروف، و كشكل من أشكال الكتابة في المغرب لا تزال موجودة، لها أنصارها من الكتاب والقراء معاً. وبجانبها طبعاً مجموعة أخري من الأشكال المحسوبة علي القصة أشرت إليها سابقاً. وإذا سلمنا جدلاً أن كل ذلك يدخل ضمن المشهد القصصي الراهن بالمغرب فإنه بإمكاننا أن نميز في هذا الصدد بين أمور منها:
- وفرة الإصدارات القصصية .
- تعدد النوادي و الجمعيات المهتمة بالقصة.
- ضعف النقد المواكب للإنتاج القصصي.
- ارتفاع وتيرة التجريب.
- قلة الاهتمام باللغة و الصياغة و البناء في القصة.
- قلة الإبداع في كثرة الإنتاج.
وأعتقد أن مفهوم ' القصة القصيرة ' يستوعب جميع المصطلحات الأخري. فالقصيرة هنا صفة لا تتقيد بكمٍّ ولا حدٍّ معلوم. هي القصة القصيرة فقط . إذا كان القصد هو تشقيق المسميات وتفريعها فإن ذلك يمكن أن يذهب إلي ما لا نهاية له. وهكذا، يمكن أن نقول عن كتابة معينة إنها: مسرحية قصيرة، ومسرحية قصيرة جداً. وعن أخري: رواية قصيرة، ورواية قصيرة جداً. و مقالة، ومقالة قصيرة، ومقالة قصيرة جداً ...إلخ. بل يمكن ننعت كتابة معينة بأنها: قصة قصيرة جداً جداً، أو قصيرة جداً جداً جداً (ثلاث مرات ) وهكذا. بل لماذا لا يكتب البعض ربع قصة فقط أونصف قصة أوقصة إلا ربع؟ !!مفهوم ' القصة القصيرة ' فيما أعتقد إذن كاف لاستيعاب مجمل التجارب التي من الممكن أن تتراكم في حقل الكتابة السردية التي تتأطر ضمن منطق هذا الجنس الأدبي. أما الذي يود الخروج من دائرة هذا المنطق فأرض الله واسعة. وسيكون من الإجحاف حتماً أن نقيد حرية الناس أو نلزمهم بشيء لا يستجيب لطموحهم وإمكانياتهم. وكما أنه بقدر ما يجب أن نحترم حقوق الناس وحريتهم ونحييهم في تشبثهم بهويتهم، فليس لأحد أيضاً الحق في أن يدوس حرية الآخرين ولا أن يعكس منطق الأشياء حسب هواه. القصة القصيرة مثلاً ليس قدراً مقدوراً، ليس شكلاً مرسلاً مقدساً معصوماً. القصة القصيرة شكل أبدعه الإنسان. إنه شكل من أشكال الكتابة. شكل ليس قابلاً للتغير فقط، بل من الممكن أن ينقرض تماماً. لا أحد الآن يكتب الملحمة الشعرية كما كتبها هوميروس و فيرجيل وجلجامش والفردوسي، ولا أحد الآن يكتب المقامة كما كتبها الحريري وب! ديع الزمان والسرقسطي، الأرجوزة أيضاً كشكل شعري اندثرت ولا نقدرها إلا حين ندرس تاريخ الأدب. السوناته، أيضاً في الشعر الغربي. هي أشياء تحدث ولا نكاد نحس بها، ولكنها حقيقة ماثلة. اندثار الأشكال الأدبية وانقراضها مثله مثل انقراض باقي الكائنات، في هذه الحياة. وليس لنا أن نندم علي انقراض أي شيء، فلست في هذا الأمر علي شرط حماة البيئة. فالحاجة إلي الأدب حاجة أيضاً متجددة. الذوق أيضاً متجدد. فأين المشكلة؟ 5 - لو قرر كاتبٌ ما أن يبدع شكلاً أدبياً جديداً لكان الأمر مزحةً. الإبداع ببساطة لا يتم بمثل هذا القرار. نعم الإبداع فاعليةٌ تخيلية تخييلية مدبرة وفعلٌ واعٍ، لكنه يتم من داخل صيرورة العملية الإبداعية. كاتب يمتلك ما يكفي من الموهبة بإمكانه أن يبتدع شكلاً أدبياً جديداً. غير أن ذلك ليس متاحاً للجميع. الذين يكتبون القصة القصيرة في المغرب الآن أغلبهم يكن لها العداء، وهذا أمر ينطوي علي مفارقة. قلما تجد أوفياء لهذا الجنس الأدبي الوديع. إذ ما معني أن نخدم القصة؟ ما معني أن نطورها؟ بأي معني يكون الارتقاء بها فنياً وجمالياً؟ صحيح أن مهمة النقاد لها قيمتها، لكن كتاب القصة أنفسهم أيضاً لا يطورون أدواتهم بشكل خلاق. التسرع من أجل الظهور يفقد الكتابة ألقها ويوقع في الهفوات المشينة. صورة القاص إذن أكثر حضوراً من القصة في مشهدنا. الجلبة والضوضاء التي يحدثها القصاصون حولهم أكثر ارتفاعاً من صوت القصة المؤثر.
وخلاصة الأمر أن القصة في مشهدنا الثقافي الراهن بالمغرب تعاني حقيقة، تعاني من انحسار واضح في مستوي الأداء الفني، و في مجال المتابعة النقدية. أحياناً يخيل لي أن بعض الكتاب المحترمين يشجعون الكم علي حساب الجودة، فقط إعجاباً بالمريدين الذين لا نستطيع - مع الأسف - أن نقاوم هوي النفس وجموحها في الإعجاب بهم. وفي خضم الفوضي لاتزال القصة القصيرة موجودة . لكنها، مثلها مثل أي درة لابد لها من غواص .

حائك السجادة

لحسن حمامة

قبل أن أجيب عن هذا السؤال سأعطي نموذجا لقصة قصيرة قرأتها مؤخرا في كتاب صدر عام 2004 وهي لقاص من أصل زنجي، أمريكي الجنسية، هذه القصة عنوانها: ' حائك السجادة '، ويتحدث فيها كاتبها عن شخصية سجين من أصل إيراني، ولكي يزجي هذا السجين الوقت ولا يحس بضياعه، كان ينسج سجادة في ذهنه، فهذه القصة القصيرة مكتوبة بطريقة تقليدية وهي قصة حديثة، ما أود أن أخلص له من خلال هذا المثال، إذ أنني لا أعرف لماذا يتحدثون الآن عن التجريب في القصة القصيرة بالمغرب، إذ لا أفهم ماذا يعنيه البعض من التجريب، وكان قد سبق لـ: جون بارت الروائي أن كتب دراسة بعنوان: ' طبيعة الرواية التجريبية' يتحدث فيها عن التجريب... / ربما أعتبر القصة القصيرة التجربيية التي يتحدثون عنها بأن مظاهرها ومكوناتها وآفاقها ومقصدياتها غير واضحة، علي اعتبار أن! القصاصين الذين يكتبون بهذا الشكل حتي الآن لم يصدروا بيانا مقنعا يشرحون ويوضحون فيه أسباب انتهاج هذه الطريق، ولكن ما أعرفه عن القصة القصيرة أنه يجب أن تكون فيها حكاية، لأنه بدون حكاية لا يمكن أن نقرأ قصة قصيرة لا تتوفر علي وحدة الزمان ووحدة المكان والشخصية ومجموعة من الأشياء المكونة لها ...وفي نظري يمكن أن نسمي القصة التجريبية وتجاوزا لذلك بالقصة المحدثة أو القصة الحداثية، ولكن القصة التجريبية حتي الآن مازال مفهومها ملتبسا، وبطبيعة الحال عندما نتحدث عن الحديث فإن أصله هو قتل القديم.
وهناك من القصاصين المغاربة من لم يكتبوا قصة تقليدية وتجاوزوها إلي قصة التجريب، ربما ذلك بسبب إخفاء الضعف عندهم، لكن في المقابل نجد قصص قصيرة رائدة في التجريب لعدد من رواد القصة بالمغرب مثل محمد زفزاف: في قصة ' بورخيس في الآخرة' .
أما عندما نتحدث عن مسار القصة القصيرة في المغرب فإننا نجدها بدأت تكتب منذ الثلاتينيات، وكان السبب الوحيد لازدهار القصة القصيرة هو الجرائد، حيث لم تكن المطابع منتشرة بشكل واسع، هذا هو الذي يجب أن نعرفه بمعني أن الوضع السوسيوثقافي في ذلك الإبان، كان يحتم علي الكاتب أن يكتب قصة قصيرة لكي تنشر في الجرائد، حاليا هناك المطابع.
وربما المسألة الأخري الجدلية بين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي أن كل مجال يؤثر في الجانب الآخر، وهذه التفاعلات كلها هي من تعطي نوعا جديدا من القصة القصيرة ...أما حينما نأخذ مثلا قصة قصيرة كتبت في الولايات المتحدة الأمريكية أو في فرنسا ونسلخها ونحسبها علي مسار جديد، لا أعتقد ذلك، فالمتغيرات هي التي تعطينا تصور حديث جدا، وأنا باعتباري أشتغل علي السياقات الثقافية فأؤكد بأن هذه السياقات هي التي تعطينا ! نوعا من الطريقة في الكتابة دون أن نلمس أو نشوه التواثب


.ديوان زاخر بالاسماء

سعيد بوكرامي

القصة القصيرة بالمغرب تعرف ازدهارا ملحوظا من حيث الكم، فهناك مجموعة من الإصدارات للقصاصين الجدد، وهناك أيضا استمرارية لبعض القصاصين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، لكن علي العموم عندما تتم غربلة هذا المنتوج القصصي؛ نلاحظ أن قيمته الفنية والجمالية تكاد لا تلحظ بشكل قوي مقارنة بالنصوص الروائع التي ظهرت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، يمكن أن نمثل بذلك قصة ' الفركونيت' وقصة ' الغابر الظاهر' وما شابه ذلك من نصوص قصصية كانت ذات تميز وتفرد ملحوظ، لكن في السنوات الأخيرة لاحظنا أن القصة القصيرة المغربية بدأت تتهلهل في منتوجها، وبدأ بعض القصاصين يفرضون أنفسهم فرضا، إما من خلال ملتقيات أو من خلال محسوبية ما لإظهار اسم ما ومجموعة قصصية، لكن علي العموم القصة القصيرة المغربية بمنظور مشرقي يمكن أيضا أن نتبين هذه المسألة بمنظور شرقي فالمشارقة الآن يهتمون با! لقصة القصيرة المغربية بشكل كبير، ويعتبرون المغرب يعرف ازدهارا قصصيا كبيرا علي غرار الازدهار الشعري بالمشرق، وربما ديوان القصة القصيرة بالمغرب هو ديوان زاخر بالأسماء وبالإبداع وواعد بالمستقبل .

تجاربنا منتجة وسوف نتلمظ ونستلذ ثمارها

عبد الواحد كفيح

يدهشني أن تكون القصة مستهدفة بالتلاشي والاندثار.القصة كما نعلم جنس أدبي هجين ولذا فلن تصيبها أمراض التشهير بالأفول والفناء فخلاياها تتجدد بشكل رهيب وتأبي أن تكبر في فضاءات ملوثة من شأنها أن تجرها من تلابيبها إلي مزالق التلاشي ومهاوي الاندثار.
فهي جنس أدبي مدلل وما هذه المختبرات السردية بالجامعات المغربية ومجموعات البحث في القصة والنوادي، بل تخصيص يوم وطني للقصة القصيرة، لدليل قاطع علي التجديد والتشبيب والاستمرارية في زمن أضحت فيه القراءة والكتابة لا تستهوي إلا أقلية هائلة ممن اكتوي بلوعة الحرف.
القارئ المتلقي المفترض طوقته متطلبات العصر الروتينية وتعقيدات الحياة اليومية، ففي تلك الأنفاس التي يستقطعها ويختلسها مكرها من أويقات استعمال زمنه اليومي يلجأ فيها إلي قراءة قصة، يجد فيها لذة إن علي مستوي الحدث الحكائي أو الأسلوب أو شيء آخر لا هذا ولا ذاك. فالقارئ والمبدع كلاهما ينشغل بالإبداع خلال فترة يخرج فيها من وعيه إلي اللاوعي، فالأول يقرأ ويستمع وينصت، والمبدع يكتب أثناء هنيهة تواجده خارج نفسه فتصدر عنه أشياء جميلة، وتبقي القصة القصيرة الجنس الأدبي الوحيد المؤهل ليشغل فراغ هذا التواصل وتكون أجمل وأقصر حلقة وصل بين المبدع والمتلقي، حتي ونحن في زمن غزتنا فيه الصورة والصوت تبقي القصة ملاذا لا محيد عنه تنهل منه التقنية الحديثة حتي تكتمل الصورة والصوت. ولعل إلقاء نظرة عجلي علي ما تزخر به مواقع القصة القصيرة علي الشبكة العنكبوتية لدليل آخر علي ما أصبح للقصة من حضور قوي- إن علي مستوي النشر الالكتروني أو الورقي- ينبئ بمستقبل واعد..
فهذا المد الفني الذي تشهده القصة ليس ظرفيا أو موجة أو .. وحتي وان زعم متشائمو القصة أنه موجة فالموجة تدمر وتؤدي وظيفة التجديد والتجميل قبل العودة إلي المنطلق. تجاربنا القصصية لا محالة منتجة وسوف نتلمظ ونستلذ ثمارها ولو بعد حين.إذ لابد في ظل هذا الزخم الكمي أن يفرز النص النوعي الذي مازال لم يكتب بعد. فرضت القصة ومازالت تفرض نفسها اليوم بقوة داخل مشهدنا الثقافي، وليس بغريب أن ينعت المغرب بمغرب القصة أو أن تصبح القصة ديوان المغاربة. فلضيق وقت المتلقي وزحمة متطلبات الحياة اليومية المتكررة ولحضور عصر السرعة والاختزال بقوة في حياة الإنسان فقد كانت القصة الملاذ الأمثل لكل من أصابته لعنة القصة قراءة أو إبداعا .
فما أسلت ولا تلاشت ولا أفلت بل شبه لهم .ومازالت القصة تعبد طرقها بثبات، تبني صرعها- علي أسس فنية متينة وتكبر بمبدعيها- أمام أعين المشككين وهم عنها غافلون.

رهان الانفتاح علي تجارب الآخرين

عبدالسلام المودني

قد أجد في نفسي الكثير من التحفظ علي كل رأي يعتبر أن القصة القصيرة في المغرب تعرف نكوصاً وتراجعاً واحتضاراً لعدة اعتبارات يرجح منها ما هو موضوعي علي الذاتي في رأيي هنا. إن المتتبع للمشهد القصصي بالمغرب يدرك دون كبير جهد زخم الأسماء التي تزين سرادق هذا الجنس الإبداعي الذي يقتسم رغيف غوايته الكاتب والمتلقي علي حد سواء.
وقد شكل جيل التسعينات قاعدة انطلاق هامة للجيل الذي تلاه، وجسراً متيناً بين ما سبق وما لحق من أصوات كان ميسمها الأساس الغني والتنوع، إذ نهلت من مختلف المدارس القصصية والسردية فكسبت بذلك رهانها بالانفتاح علي تجارب الآخرين فتبادلت معها التأثر والتأثير.
كما عرفت السنوات القليلة الماضية ظهور أسماء جديدة أثرت الساحة القصصية المغربية كماً وكيفاً، ساعد في ذلك إفادتها من التقنية الحديثة، كما أنها تجدّ في نشر إنتاجها ورقياً أيضاً سواء في الدوريات المحلية أوالعربية أوعن طريق مجاميع قصصية. صحيح أن النشر الإلكتروني يفتح الباب علي مصراعيه لنشر الغث والسمين، لكنها حالة صحية في اعتقادي فالبقاء للأصلح كما كان دوماً حتي في زمن انحسار النشر في ما هو ورقي سواء في الملاحق الثقافية أوفي إصدارات خاصة. ولعل ما ميز هذه السنة هو اختيار يوم 28 أبريل يوماً وطنياً للقصة باقتراح من جمعية النجم الأحمر علي هامش فعاليات ملتقي القصة بمشرع بلقصيري، وهذا ما يعتبر فتحاً جديداً للقصة وللقصاصين بالمغرب.

.

نسرق الفرح
من خزائن طفولتها

عزالدين الماعزي

القصة القصيرة منذ نهاية القرن الماضي وهي تنتشر وتسود، ليس لأنها خير معبر ومنفلت لأحلامنا بل هي المنجز الوحيد لتوحيد وتحرير أوضاعنا وآهاتنا طوال السنوات السابقة.
القصة قطة تتربص باللحظات المنفلتة، والقصة بتعريف سي أحمد بوزفور طفلة تصفف وترتب أدواتها، تشع وتضيئ، إنها زرافة مشتعلة. طفلة نسرق الفرح من خزائن طفولتها نتربص لاقتناص لحظات الجمال كما قلت سابقا ولا أدل علي ذلك كثرة وتوالي الإصدارات بالمغرب في السنوات الأخيرة بحيث أضحت الجنس الأكثر اهتماما، تكتلا وتأطيرا من النوادي والجمعيات المهتمة في الحواضر الكبري والقري الهامشية، فإذا قيل مثلا إن الشعر هو بالعراق فالقصة بدون شك بالمغرب وسوريا الآن تنفلت من كل تعريف وتمحيص وترتيب تسعي لتأسيس ذاتيتها وفرادتها.
وفي هذا الحضور الجديد حضور وسائل الإعلام والثورة الرقمية حيث العالم قرية صغيرة، عصر السرعة أراهن علي القصة القصيرة جدا لان لها أكثر من شساعة في وجدان القارئ حيث تتميز بالاختزال والقصر والكثافة والاقتصاد والايحاء اللغوي..إنها رصاصة منفلتة من يد ساحر، تختزل الكون الواقع في لقطة سريعة الإضاءة، شديدة المفعول، منفتحة و رهيبة ...إنها القصة القصيرة جدا التي علي مقاس السنتيمتر، تبعد وتنآي، تقترب... تكبر لتنفجر ... لتنشطر، لا تخطئ الهدف أبدا ..


سليلة الأسطورة الروسية

أحمد شكر

أسلت يعني الاضمحلال والموت، والقصة القصيرة كجنس إبداعي يحتكم لصيرورة الكونية(قانون الارتقاء).
أي جنس لن يلج مرتبة الفناء إلا بعد أن يكتمل نموه ويبلغ ذروة العطاء! لتأتي مرحلة التقهقر والذوبان النهائي. والقصة القصيرة تعرف بعضا من تألقها التي يربطه البعض بعدد المتيمين بها، والطفرة التي عرفتها الإصدارات القصصية وتأسيس الإطارات الجمعوية التي تحنو علي هذا الجنس الذي يحتاج إلي كل الحب. إذن هي لم تصل بعد إلي هذه الذروة التي تترصدها هذه الحتمية القهرية.
أظن أن ! الكون لايزال يضم بين جنبيه هذه التمايزات الصارخة، وينصت بعمق لدفق
الحب ويحفل بالجمال، وينشده لرؤية البحر...إذن سيبقي الإبداع حاضرا لأنه
الراصد الكبير لكل هذا، والقصة القصيرة هي شكل إبداعي راقي انخرط بتلقائية في
الصيرورة الحياتية واستفاد من أشكال الإبداع ليطور شكله ولغته ورؤيته...ومن
وسائط الاتصال ليحقق الانتشار المحلوم به .
كمتلق متواضع وفاعل بسيط في الكتابة القصصية ومعني بشكل أو آخر أراهن علي
الكتابة القصصية كحامل أساسي لكل! نبض الحب وألق الجمال، وكراصد مهم لكل ما
يعتمل في المحيط الإنساني، وأستشعر حضورا أكبر لهذا ال! جنس سواء في الصحافة
المكتوبة(صفحات إبداعية وملاحق ثقافية) أو في الشبكة العنكبوتية أو في حجم الملتقيات وأهميتها في تأسيس اهتمام نوعي بجنس القصة.
القصة القصيرة ليست قطعا فتاة الثلج سليلة الأسطورة الروسية التي تولد في
الشتاء وتذوب وتضمحل في فصل الربيع، بل هي الطفلة التي لن تكبر أبدا: نضرة
ريانة كلها حياة وماء، لن تشيخ فبالأحري أن يلحقها الفناء، تستمد ألقها وتوهجها
من كل هؤلاء المتيَمين بها والمخلصين لعشقها، الذين يقدمون لها النذور والحب
والشغف كل الشغف.


تأرجح الكينونة

عبد النور إدريس

عرف عقد الثمانينات بالمغرب علي مستوي إنتاج القصة القصيرة من الناحية الابداعية امتدادا لنفس النموذج التيموري- نسبة إلي أحمد التيمور-، وقد ظهرت أسماء بارزة حطت طريقها في مجال السرد المغربي نذكر من هذه الأسماء علي سبيل المثال لا الحصر: محمد عزالدين التازي، مصطفي المسناوي، وربيعة ريحان...إلخ، والتي نعتبرها في القصة المغربية القصيرة صلة وصل ما بين هذا النموذج وبين جيل التسعينيات، الذي سيعرف من بين القاصين المغاربة 1- قاصات نسائيات من بينهن: زهور كرام، مليكة مستظرف، لطيفة باقا، زهرة زيراوي، لطيفة البصير، فاطمة بوزيان، الزهرة رميج، بالإضافة إلي قصاصين من بينهم:أنيس الرافعي، عبد الرحيم العطري، محمد أمنصور، مصطفي ! لغتيري، عبد النور إدريس و محمد سعيد الريحاني...إلخ. هؤلاء القاصاصين أجمعت كتاباتهم عن صدور تجنيس واضح للقصة القصيرة المغربية وفق نمط قصصي خاص، وفهم معين للفعل الأدبي، حيث أننا وكما جاء مع محمد برادة: لا نستشعر في هذه القصص أن صاحب النص يريد أن يغير المجتمع، ولكن يكتفي في غالب الأحيان بالإستجابة للدافع الداخلي، والكتابة تصبح بمثابة ملجأ لهذه الذات وباعثة لنوع متميز من التواصل'.
وقد ميز محمد برادة كذلك في هذا الطرح بين عدة إشكاليات تتعلق بممارسة القصة في مسارها وإنجازاتها.
فالقصة القصيرة بذلك لم تعد تتقمص دور المنتقد والكاشف عن عيوب المجتمع كما أنها لم تعد تهتم بالتحولات الإجتماعية المتسارعة الإيقاع كما أنها تجاوزت مفهوم الذيلية للخطابات السياسية والإيديولوجية تماشيا مع الإضطراب الإيديولوجي الحاصل لدي المتلقي المعاصر، والذي جعل القاص يكتب أساسا لذاته ولا يضع في اعتباره أي مقوم من مقومات قارئ نموذجي محتمل.
إلا انه وبالرغم من تنامي النشر في الآونة الأخيرة، والاصدارات الشخصية للأدباء المغاربة وفي غياب أي دعم رسمي تبقي شروط الإنتاج الأدبي ونشره وتوزيعه في المغرب من الشروط المقلصة لدور القصة القصيرة في مواكبة الواقع، وهذا لا يجعلنا ننظر إلي القصة القصيرة بالمغرب علي أنها تلاشت وتلاشي دورها في المجتمع بل بالعكس سيتنامي دورها مستقبلا بشكل لافت وقوي نظرا لارتباط حضورها بتنامي أزمة المجتمع، ففيما يخص حقيقة القصة القصيرة بالمغرب لا يسعني إلا أن أأكد حقيقة واحدة وهي تضعنا أمام حالة النشر والتوزيع ببلادنا والذي لا يدفع بمخطوطات الأدراج إلي النور.

القارئ غائب

زينب سعيد
عندما نتحدث عن القصة القصيرة بالمغرب فإننا نتحدث عن جنس أدبي حديث العهد، فالمغرب لم يعرف القصة القصيرة إلا في عهد الاستعمار، كانت نتيجة صدمة الحداثة. وكانت تقتصر موضوعاتها علي القضية الوطنية أنذاك وقضايا الوطن، وبعد الاستعمار اتجهت إلي تناول القضايا الطبقية والاجتماعية فكان موضوعها هموم الإنسان الهامشي، أما الآن فيمكن القول إن القصة المغربية وصلت إلي نضجها بتناولها مواضيع كونية وقضايا إنسانية. فلا يمكن القول إن القصة أسلت بقدر ما يصح القول إن قارئ القصة انطفأ. فالواقع المغربي اليوم أصبح يعرف إنتاجا غزيرا للمادة القصصية، بل ان هذا الإنتاج يعرف تصاعدا في خط أفقي يقاوم التوقف، الا أن مستهلكها أو قارئها غائب. وقد يعود هذا إلي التطور التكنولوجي وعالم المعلوميات الذي خلق عزوفا عن الثقافة الورقية في مقابل ثقافة الصورة. أو ان هناك هوة بين ما يكتب أو ما يبدع وما يستهلك ...أي أن المادة الأدبية الحالية لم تعد ترضي طموح القارئ في مضمونها أو في شكلها أو في حجمها أو....كما أننا لا يجب أن نغفل الاكراهات التي تواجه المبدع في النشر. فصعوبة النشر قد تخلق عزوف المبدع عن عملية الإبداع، أو! عزوفه عن النشر خاصة أن إمكانياته محدودة، مما يجعله يتواري إلي الخلف ليمارس طقوسه الإبداعية في الخفاء، من وراء ستار. لكن كل هذا لا يلغي بشيء حضور القصة المغربية القصيرة وتطورها، وساعدها في ذلك دخو لها عالم الانترنيت الذي سهل عملية التواصل والنشر.
Partager cet article
Repost0
15 juillet 2010 4 15 /07 /juillet /2010 11:30

 

chaise1

 

 

 

جنون المسافات...

قصة قصيرة بقلم عبد النور إدريس

 

يعدو..يعدو.. يمر سريعا كعدسة المصور على ملامح الوجه، يُلقي بصيحاته الزاعقة، فتتبعه شُلّة الأطفال في جنون، كانوا مبعث فخره، إنه يحلم كما يحلمون، لم يكن يعرف أنهم حصاره الأبدي، كان يمشي إلى الحُلم ببساطة فتسبقه حناجرهم إلى النّصر، كانوا يُحرّضون حلمه على الانتفاض.. أكيد إنه الآن يوقد شعلة كي يسجد لها وينتمي إلى السماء..

أطلّ من تحت عينيه على صراخ الأطفال.. لو تأخر قليلا لكانت الهُتافات تنساه كالذباب الموسمي..ليس للمسافات أن تسبقه حتّى يضيع تحت هدير المتفرجين الغاضب...

كان حي ابني امحمد يعتبره البطل الأزلي لسباقات المدينة، تحوّل إلى نموذج لأسئلة الغد، ففي إلحاحه على امتطاء الأسئلة المباشرة تكمن قوّته، كان النصر يلازمه كظله، لكن من يعترف له بذلك؟؟، من يضيء نموذج انتصاره ؟؟...

أصبح داخل الحي، يمثل الزمن...زمنهن القياسي لصنع عجينة خبز، لم يستطيع أن يتحرر من ابتسامة الأطفال ونزقهم، كان واثقا أنه محطّ اهتمامهم ولم يكن يعرف أنه أصبح جزءا من أرضية السباق...

كان في هذيانه سعيدا وهو يقذف بانتصاره في وجه المارّة...لا يريد أن تنام حنجرته على التهميش والصّمت..لا يريد أن يلعن الشّيطان وفورة الغليان حتّى يرمي إلى  آذان من أرهقتهم "القُفّة" وارتفاع الأسعار..

ـ الطّويهْرا فاز بالسباق..

ـ الطّويهْرا مات... قتلوه  أوْلادْ الكلاب...

الكل يصرخ في وجهه، إنه يُتلف أعصاب "الكل"، والجميع يتطلّع إليه .. لقد ألف الحي أن يتحوّل من العادي إلى غير العادي..

وقف فاغرا فاه وقلبه ينزف، يرفرف من إيقاع المسافات التي حملته إلى الموت... موت الحدود في الذاكرة وبياض الطريق... فدون موت الحكاية لا قيمة لأي سباق في الحناجر المغروسة على الطريق..

كان يحمل اليوم ..هنا..والآن.. جريدة وُضعت عليها صورته، حاول أن ينسى أن النسبان قد غَلقَ في وجهه دخول الإضاءة إلى مشاهد تتنفس لحظات أيّامه .. كل الجرائد قد تجاهلته حتّى البارحة.. لقد وصفوه بالأرنب والكلب و... كان سعيدا بذلك، كان يبكي عند كل سباق وهو الآن ينتحب أمام صورته وينتظر العودة إلى حضْن الأسماع ميّتا ...

كنت على يقين من "أنّهم" قد فتحوا جرحا عميقا في قلبه لعله بعد ذلك ينام..هذا "الشيء" الذي بحثت عنه في ذاكرتي فوجدته يجري.. يجري..يجري..

 

 

Partager cet article
Repost0
22 mai 2010 6 22 /05 /mai /2010 22:53

فطنة ساردة رقمية

قصة قصيرة جدا69.gif

بقلم : عبد النور إدريس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال: وهو يعرف أن السرد أسير مقدماته: كنت في حاجة إلى عطلة في الجبل، وأنت تجعلين الأحداث على الشاطئ ، إنني أكره أن ينظر إليك أحد عارية ...

قالت: أنا غاضبة منك، طبعا، أنا أعرف انك ستقول دائما تلك الجملة الذكية لتزيل ممكنات شكوكي السردية....

قال: آه نعم...آه نعم... وصلت البارحة إلى سريري، تهالكت مرتميا دون أن ألتفت إلى إقامتي في مسرودتك الفاتنة ، في الصباح اكتشفت نفسي في رعب صحوك مشدودا إلى ربطة عنقي ، ثم التفتت إلى مرآتي فوجدتُني قناعا...

قالت: تلك حقيقة، أنت تعرف أن لاشيء يبقى على حقيقته عندما تمر عربة النفاية، والأسئلة من الخذ الأيمن كالأسئلة من الخذ الأيسر، ولا يمكن للصفعة إلا أن تكون حاضرة " الآن" .

قال: أتعنين أنني لم أكن موجودا قبل "الآن" ولست موجودا بعد "الآن" ، أتنسجين خيوط لعبة حبنا بين عدمين !!! أين ستقيمين في وجود الممكنات؟؟

قالت: أنت ترغب في عطلة سرية تجعلك موجودا بقوة الكلمات، شيء كالآن لا تحدده شهادات الميلاد، أنت تحتاج إلى ضريبة النظافة لتعرف أنك بين عدمين، إنك تخونني في احدهما...

قال: عذرا...قليلا من التريث السردي أرجوك، لو جلست منتظرة على ضفة لقائنا  الأول لطفت لا محالة، وفي أية لحظة جثة من تكرهين فوق الماء.

قالت: هذه حالة تناصية فقط ، إنك تريد أن تقتل زوجتك الواقعية في حوارنا..لتسكنني معك جنة الرقمي...

قال: لالا أنا فقط أريد أن أخرج شيئا من الماء... إنه ضوء ممكنات وجودكِ " الآن".

ــــــــــــــــــــــ

مكناس في: 22-05-2010

 

 

Partager cet article
Repost0
24 mars 2010 3 24 /03 /mars /2010 12:21

she3r.gifالخلوة في عالم مزدحم

جمال الموساوي

 

 

الشعر هو أكثر شيء ينبغي أن يكرس رغبتنا في البقاء، ليس في هذا الأمر طوباوية من أي نوع، لكنها الفكرة الممكنة للتعبير عن مدى الحاجة إلى الكلمات، ليس من أجل وصف الواقع أو سرد الوقائع، بل لعكس تقلبات النفس وما يعرج في الروح.

اعتقدت دائما أن الشعر ضرورة حيوية كالماء مثلا، أو كقطعة الخبز التي لا تحيا الملكات إلا بها. لكنني بت أطرح سؤالا مؤرقا في هذا الإطار بسبب أنني أفتقد تلك الغزارة وذلك التدفق الدائم الذي كان يملأ البياض ولا يبالي بأي إكراهات خارجية. سيكون من التعسف القول إنه انطباع يستند فقط إلى التجربة الشخصية المتواضعة، لأنه أعمق من ذلك وقابل للتعميم إلى أقصى الحدود الممكنة.

هواجس البداية جعلت من الشعر، ومن الكتابة بشكل عام وطنا تلجأ إليه الذات لتستريح من وعثاء اليومي البغيض، أو خندقا تستطيع المقاومة منه، والتواصل من خلاله مع العوالم المتوازية داخل الكائن الواحد، لكنه أضحى في ما بعد أفقا مفتوحا للتأمل في الحياة ولطرح الأسئلة المتعلقة بالوجود، وبجدوى هذا الوجود في عالم يتنكر للوجدان والمشاعر. صار الشعر ممارسة للخلوة الضرورية للكائن في عالم مزدحم. صار وسيلة لمقاومة التنميط وللتعسف الذي يمارس في اتجاه فرض النموذج المهيمن للعيش.

وإذا كانت المناسبة شرطا، أشعر أن فكرة الاحتفال بيوم عالمي للشعر قد بدأت في التلاشي خلال السنوات القليلة الأخيرة. الشعراء تسرب الملل إلى مسامهم من هذا الاحتفال. السبب؟ لا أحد يعرف تحديدا !! على الأقل هذا اعتقادي الشخصي في اللحظات التي أكتب فيها هذه الكلمات.

ما الذي تغير من أحوال الشعر منذ الشروع في إحياء اليوم العالمي للشعر؟ أتحدث فقط عن الشعر في المغرب الذي خرجت منه الفكرة. الفكرة التي لم يمنع نبلها الشعراء من الشعور بالملل من تكرارها، بينما عادة الشعراء التمرد على النمط وعلى الإطار. ها قد عدت إلى الفكرة السابقة !!

إذا استثنينا مراكمة الإصدارات من الدواوين، ما الذي استفاده الشعر؟ هل ارتفع عدد قرائه مثلا؟ هل أكثر النقد من مواكبته والتحريض على ما ينطوي عليه من قيم الجمال؟ تولد القصيدة وحيدة في مكان ما، في ليل أو نهار، ومكتوب لها، وعليها، أن تتقدم إلى الجمهور مجردة من أي سلاح عدا ما تحمله من قدرة على الإدهاش، وكل الخوف أن يكون ثمة من ينسج لها الفخاخ أو يحيك ضدها المؤامرات تحت ذرائع مختلفة. القصيدة غريبة في هذا الزمن بالرغم من كثرة الشعراء. طوبى للغرباء إذن، طوبى لهم دائما، لكنني أعتقد أن القصيدة بغض النظر عن كل الاعتبارات النقدية، والاعتبارات المتحاملة، تبقى في حاجة إلى التعاطف، ليس من باب التضامن أو الشفقة، بل من باب النظر إليها كضرورة تسند الكائن في خيبته حتى يتعافى !

الشعر ابن الدهشة، كما قال أحد أوليائه. ولأنه كذلك، وفي ظل غروب نقد فاعل، يصبح من الصعب الادعاء بإمكانية الحكم عليه حكما مطلقا، لأن الحقيقة نفسها تبقى معلقة إلى الشك بالرغم من جاذبية اليقين أحيانا. بمعنى ما، الشعر ليس مدينا بالولاء لأي ذوق أو أحد أو مدرسة أو نمط. للأسف هذا معطى يتم التعامي عليه وتجاهله. وربما لهذا السبب تحديدا تكثر داحس والغبراء بين الشعراء. شرارات حروب الشعراء إرهاصات لقصائد يتم تحويل اتجاهها من الورق إلى جبهات القتال التي لا تسفر أبدا عن منتصر، بل تخلف في العادة خاسرا واحدا وحيدا هو الشعر.

أعترف أن الفرح بكتابة قصيدة صار أقل وقعا عما كان عليه في أوقات سابقة، وأعترف أيضا أن قراءة رواية مثلا، صارت أكثر متعة وأكثر مدعاة للفرح. هل هذا لأن القراءة تسمح بالدخول إلى عوالم الغير أم لأن جدوى فعل الكتابة غامضة وضبابية؟

لا أريد أن أتناقض. الشعر هو أكثر شيء ينبغي أن يكرس رغبتنا في البقاء. هذا لا غبار عليه، كما يقال، لكن في أي شروط، في إطار أي حوافز؟ لقد كانت فكرة اليوم العالمي للشعر حاملةَ أحلام، ومليئة بالأمل في أن يقترب الشعر أكثر من الناس، وفي أن يقرأوه ويقبلوا عليه، لكن الفقاعة انفجرت. لا النقد حرض على الشعر، ولا الناس تخلوا عن جزء من اهتمامهم باللاشيء والخواء من أجل الشعر. تولد القصيدة غريبة وتنتهي في كتاب أو مطبوع يسترق النظر، حزينا، إلى الوجوه التي لا تزال تسمح لنفسها بزيارة الأكشاك والمكتبات. طوبى للغرباء؟

الشاعر كائن انتحاري. لم يعد الشعر قادرا على "حشد الجماهير" من أجل ثورة مثلا، أو فقط حبا في الجمال، فأضحى الشاعر يكتب قصيدته وهو أشبه بكائن انتحاري يحمل الجمرة، وينتهي إلى الانفجار في سوق الكلمات الحاشد كي لا يقتل في النهاية سوى نفسه.

هذا الواقع، مع ذلك، لم يمنع الشعر من التقدم والارتقاء، كما لم يمنع الشعراء من الاستمرار في التواطؤ مع الحلم، من أجل ليلة بيضاء، في المجاز، تنتهي بسواد على بياض. بقصيدة تسرح في المطلق غير عابئة بكل أسباب القتل، التي تترصدها.

 

 

Partager cet article
Repost0
24 mars 2010 3 24 /03 /mars /2010 11:42

http://www.doroob.com/wp-content/images/authors//433.jpg

سبع أرواح
  أنيس الرافعي  

الأولى

يحدث في حياة كهاته، أن تصير امرأة تجلس خلف الواجهة الزجاجية لمقهى وتبكي. تبكي بمرارة لأنك تشاهد في زاوية شارع ما رجلا وامرأة تحت مظلة. عشيقان يحاولان التماثل من وعثاء فراق وشيك، ومزاولة غريزة الانفصال على مضض ، مادامت العين لن تتملى برؤية العين إلا بعد انقضاء مدة طويلة . يبتعدان متقهقرين بخطوات كسيرة في اتجاهين متعاكسين ، لكنهما سرعان ما يعودان تحت زخات المطر بخطوات مظفرة إلى تباريحهما ويدخلان من جديد في غمد بعضهما والمظلة كما يدخل القمر في المحاق . تحتسي المشهد برمته وأنت تواصل البكاء بمرارة أكبر، لأنك كنت ذلك الرجل الذي ودع تلك المرأة إلى الأبد في حياة سابقة.

الثانية

يحدث في حياة كهاته ، أن ترى نفسك وحيدا مثل زرافة في الصحراء داخل الحافلة التي تقلك كل صباح إلى جحيم العمل. بل كلال، تبصر عبر زجاجها الجانبي التقاطع اللانهائي ، ذهابا أو إيابا ، للحافلات الأخرى المارقة. لاتعلم شيئا عن الوجهة التي ستيمم شطرها، لكنك تعلم علم اليقين إن كانت ستصل أم لا ، وأنك هناك على أحد المقاعد كما لو أن حياتك انحلت في حيوات كثيرة أخرى. هناك بعد أن حزت جماع ذاكرتهم وأضحت السبل المتضاربة لمصائرهم في عهدتك. هناك طفلا أو عجوزا. كهلا أو فتاة في ريعان الصبا. طويل القامة أو قصيرها . معافى أو كسيحا. أبيض البشرة أو أسمرها. ترى نفسك وحيدا مثل زرافة في الصحراء داخل الحافلة التي تؤوب بك إلى عزلة المنزل ، ولاتفكر مطلقا في أن تلقي أدنى نظرة خارج الزجاج الجانبي .

الثالثة

يحدث في حياة كهاته، أن تقتحم حياة ليست في ملك يمينك وتسكن فيها. وها أنت ، منذ أسبوع مضى ، في شقة صغيرة ، بعد أن انتحلت كيان شاعر فاشل وأقمت في وجدانه وتصرفاته وأفكاره كما نقيم في بلد غريب. سيهيمن عليك ملل حاد ودخان سجائر لاعد لها. سيفتك الكحول بعافيتك وستدور كدمية في آلة غسيل بحثا عن أخيلة مناسبة. سيرتعد قلمك كارتعاد الدلو في البئر ومن البياض ستنفلت كلماتك كانفلات الشعاع من الكف القابضة. لن يفارقك الإحساس أنك مجرد كومبارس لم يطلعه أحد على السيناريو في فيلم لانهاية له وسيتفاقم فشلك. ستنهار مؤرقا بكوابيس ووساوس من أشنع الأنواع وسيجافيك النوم. لن تحتمل أكثر هذا الغرق في رواسب شخص آخر وأنك مجرد ظل وضيع لرجل كئيب محطم. أخيرا ، ستغادر دون رجعة ليس فحسب لأن مهنتك كموظف صغير أكثر بهجة من كل الإغراءات المزيفة لصورة الشاعر ، بل أيضا لأن ثمة دائما ألما أفضل من غيره.

الرابعة

يحدث في حياة كهاته ، أن تجد نفسك، ذات صباح و بمحض الصدفة الخالصة ، وجها لوجه مع نسخة طبق الأصل منك. النسخة التي سترضخ سريعا لما عرضت عليها أن تنتحل لبعض الوقت جلدك وقائمة المسؤوليات المناطة بك داخل الأسرة. وبعد فترة تمارين تسخينية وجيزة ، برعت فيها النسخة براعة قصوى في المواظبة على الذهاب إلى العمل والسوق . في تسديد الفواتير وتدبير الخلافات . في مراجعة دروس الأولاد ومضاجعة الزوجة، قيض لك أخيرا أن تتلمظ شعور الأجنحة الذي ينتاب الحشرة التي كانت عالقة في دبق الصمغ. غير أنك، في غضون إجازتك الاختيارية ، من فندقك الرخيص الواقع في جهة بعيدة مجهولة، كنت تكلم بديلك يوميا لتطمئن على أحوال العائلة. فجأة ، سيصيب الهاتف الخرس.ستنزعج وسوف تفتر همتك كما لو أنك لم تتحمل لأمد طويل أن تكون ذلك الرجل المستهتر، المنحرف، والعدمي الذي طمحت للارتقاء إليه دوما. ستهرع للعودة على أول قطار وفي نيتك المطالبة باسترجاع كامل صلاحياتك ووضع حد نهائي للعبة تبادل الأدوار هاته، ثم ستقرع باب منزلك القديم، لكنك ستجد نسخة جديدة طبق الأصل منك تخبرك بضرورة تأجيل مطلبك حتى عودة نسختك السابقة من إجازتها الاختيارية في فندق رخيص يقع في جهة بعيدة مجهولة.

الخامسة

يحدث في حياة كهاته، أن يعلن عن افتتاح مستودع للأرواح. وبما أن روحك أمعنت دوما في وخزك والإثقال عليك كمسمار الكيف في قدم ، وأضحى لزاما أن تبتعد عنها قليلا كي تصير أكثر عافية وخفة ، فانك ستبادر إلى إيداعها هناك لمدة شهر مقابل وصل. بيد أنك لما عدت لاستردادها ستكتشف أن المستودع أصبح يوفر خدمة استئجار الأرواح البديلة . لم تتردد، وجربت ليومين واحدة محلية. أعدتها لأنها لم ترقك، ثم استخدمت واحدة مستوردة. أعجبتك جدا، فأصبحت مدمنا على الأرواح البرانية. فتارة أنت سويدي، وتارة أخرى أنت موريطاني. أحيانا ماسح أحذية أمريكي، وأحيانا أخرى راقصة ستربتيز تايلاندية. نسيت روحك المستأصلة تماما وانتهى بك الهجران أن عرضت عليهم في المستودع شراءها بأي ثمن. روحك الضائعة والمشردة بين الأجساد المضيفة ، التي تكلمك بين الفينة والأخرى من كل أصقاع العالم .

السادسة

يحدث في حياة كهاته، ألا تتعمد البثة العيش على هذا المنوال البغيض والمذل لما تبقى من العمر ، لكن ما ذنبك إذا ما كانت الروح قد قررت البقاء معك ، في حين أن جسدك الناحل سيغادرك بلا رجعة في هيئة أدنى ليسكن جسدا آخر كنت على الدوام تضمر الرغبة في اقتلاع أحد عينيه كما اقتلع ” ادغار ألن بو” عين
” بلوتو” بمخلب معدني. جسدا سمين الحجم ، ناعم الملمس، وبدون قلق أنطولوجي على الإطلاق. البوال أسفل الأشجار. النباش حاويات الأزبال. المتلبد تحت المقاعد الوتيرة . الغافي على بطنه سحابة النهار كلما استجار بعتبة المنزل، في انتظار أن تسطع زوجتك الجميلة بصحن الطعام. وهات دخولا وخروجا من بين قدميها، وهاك تسلقا لثيابها ، وهاتيك قفزا في حضنها، وهات هاك هاتيك غمرا لها بدلاله الكريه، لتنتهي هذه
الوصلة الضاغطة على حبال أعصابك بأحذية الغيرة بالحركة المرتعشة في كل حدب وصوب للذيل المنتصب وموجة النباح النشوان مباشرة بعد لحس الصحن عن آخره.

السابعة

يحدث في حياة كهاته، أن يسرق أحدهم منك روحك على حين غرة ويتبدد في العدم. وبعد انصرام سنوات من البحث المضني ودفع شبهة الموت لأن الجسد وحده لايكفي لإثبات عدم الغياب، سوف تعثر عليه. كان ساعي بريد. ستطالب باسترجاعها، لكنه سيخبرك وعلى وجهه كل أمارات الأسف أنها منذ مدة في حوزة شرطي. ستجد الشرطي بعد جهد جهيد، وستكرر طلبك. غير أن ذلك سيكون مرة أخرى متعذرا لكونه خسرها دفعة واحدة في جلسة قمار وملكيتها الآن آلت إلى ساقية في حانة حسب ما أنهى إلى علمك. بعد هذا، ستكف عن المطالبة بها ،ستبدأ فحسب في المواظبة على أقصى زاوية من الكونطوار، وستتسلى كل ليلة حتى يتآكل فحم السهر برؤية روحك في كامل غنجها. روحك التي تعكف على تهذيب عبوسها . روحك التي تتلوى على إيقاع الشعبي والراي . روحك التي تضحك كالأرجوحة . روحك التي تتفنن في تقديم البيرة وكؤوس البيرة. روحك التي ستغادر بعد قليل مع الزبون الذي أعجبها ودفع أكثر. روحك التي تود أن تكون هكذا بحذافيرها في حياة قادمة.

Partager cet article
Repost0
4 mars 2010 4 04 /03 /mars /2010 23:41

أرشيف القدر

قصة قصيرة http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:DtJ6AGYROPcrNM:http://2.bp.blogspot.com/_nS39QL5MR3g/SgnY-fCNFTI/AAAAAAAAAMo/9lQErFkrsi4/s400/3athraa.jpgعبد النور إدريس


تحركت موجة عاتية نحو الشاطئ كأنها تكنس البحر من زبد الحقيقة فترامى نحو أبصارهم صندوقا منقوشا بماء الفضة والذهب، تجمدت اللحضات في أبصارهم وتأجل الفضول في علامات الاستفهام الكبيرة التي رُسمت على شفاههم، تقدم أوسطهم بشجاعة المتهور، ممزوجة بالحذر نحو الصندوق، وقد كانت شخصيته تخبئ متاهة البحر وجرأة السندباد، وهو الذي يستطيع دون الآخرين أن يقرأ أي علامة من أولها إلى آخرها دون أن يتلاشى وجوده داخل تعرجات الدلالة، تعلم كم مرة كيف يستضيف القَدر في حياته الفقيرة، همَّه الوحيد منذ أن وعى ذاته هو أي يستمر في كينونته بالرغم من معرفته بحتمية الموت، فتح الصندوق على عجل وقد انطاع ولم يدع كما في السابق إلى مرحلة فك أقانيم الرصد والأختام السلطانية، أخرج لفيفة أو ربما رسالة قديمة مصنوعة من مادة ترجع إلى زمن ولّى حددها السارد بشكل مؤقت في مادة "البردي"، مكتوبة بصمغ قديم أفقده الزمان لونه الأبدي، الكتابة مألوفة وغريبة في نفس الآن كأنها تُروى على الورق في محفل طقوسي يفك طلسم المختبئ والمفارق في عالم لايضمن القيمة لأي شيء، المحتوى غير مألوف ربما هو قصة أو حكاية.. لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر، أسرار قد تتشكل بين العادي والعجيب وقد تَُحكى بلطف وحنان وقد تَُحكى وليس بمقدورها تأجيل لحظة الموت، لكنها كلها موجودة لتساعدنا على التذكر أننا نعني بالحياة الاستمرارية وإن مات المؤلف فتستطيع القصة أن تَحْيى في الملف المتعدد للسارد.
تنحنح لينتقل بهذا المخطوط من حالة الانكتاب إلى حالة وعي، ثم أخذ يقرأ :
" أنتم أربعة رجال... يحلمون أمام الغروب برحلة فاجرة نحو الضفة الأخرى
تسكن عيونكم امرأة بيضاء لا تمل من الابتسام وتثقن لغة الجسد، تتأود في قاموس الذكورة بدون خجل.. كنتم تعتقدون أن بداخل الصندوق كنزا لم تره عين ولا خطر على بال بشر أو جنّيا له الاستطاعة أن يَعْدِ بكم إلى الجهة التي تكتشفون فيها ذواتكم، وقد انتابت أحدكم هواجس شبقية اتجاه الصندوق، الذي حمّله السراب، قبل موج البحر، رائحة أنثى ما يزال جنّي سليمان يسجنها عن مشاهدة جنسها من الرجال.. وأنتم تعرفون أنها تجمع خواتم الخيانة بين غفوة الجنّي الأزرق وصحوة النهار".
توقف عليلوش بُرهة، وهو يتابع التقطعات في فَهْمِ السامعين متلمسا التحجر والخرس في وجوههم وقد أشَعَّ من أعينهم وميض مملوء بكسل الوجود، ثم أردف:
"هذا الذي يقرأ المخطوطة الآن سيرمي بها بعد قليل اتجاه البحر مُهدفا ثم يستلقي على ظهره وهو يستمع إلى البرنامج الإذاعي" حلقات مفقودة" " .)انتهى(
تسمر الأصدقاء للحظة.. تخال فيها الزمن منخرطا في قراءة نفسه، ثم انفجروا ضحكا وهم يتجهون نحو البحر للاستحمام...
أما عليلوش فقد كوّر الرسالة ورمى بها مسجلا هدفا وهميا اتجاه البحر ثم استلقى على ضهره تحت الشمسية وهو يستمع إلى آخر جملة لضيف برنامجه الإذاعي المفضل حلقات مفقودة.
"- طبعا ..طبعا../يقول المُحاوَر/ يمكن أن أجيب على سؤالك الأخير هذا بوضع علامة الاستفهام على كيفية تعاطينا مع الأحداث التي تقع لنا، لكن لا ننسى أن الأشجار الحيّة هي التي تنحني للرياح...
أرأيت ..إن تعاستنا الواضحة تكمن في انفتاح أرشيف القَدَر على أيامنا العادية...فإن أريت أحدا مستقبله لن يبق له أي مستقبل....نحن فقط حلقات مفقودة في دوائر..بل نحن الدوائر، متراصة وغير منتظمة يخترقنا سهم واحد يترك نقطة واحدة فقط بكل دائرة..أحيانا نسمي تكرارها تشابُها مع أحداث القدر وهو يستنسح نفسه في ذواتنا...الأمل وحده هو ما يجعل الانسان يعيش في تناغم مع مستقبله، ولهذا فلا حاجة للإنسان في ان يعرف قَدره..."
ـــــــــــــــ

      اضف تعليقك على هذه المادة     
 
Partager cet article
Repost0
1 mars 2010 1 01 /03 /mars /2010 23:25

      كاتب النصّ : عبدالله بن المقفع       مقدمة كتاب كليلة ودمنة 
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:oHTs5z0XfcINRM:http://upload.arabsbook.com/imgcache/20823.imgcache.jpg

(وينبغي لمن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه التي وضعت له؛ وإلى أي غايةٍ جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إلى البهائم وأضافه إلى غير مفصحٍ؛ وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالاً: فإن قارئه متى لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني، ولا أي ثمرةً يجتني منها، ولا أي نتيجة تحصل له من مقدمات ما تضمنه هذا الكتاب. وإنه وإن كان غيته استتمام قراءته إلى آخره دون معرفة ما يقرأ منه لم يعد عليه شيءٌ يرجع إليه نفعه.
ومن استكثر من جمع العلوم وقراءة الكتب؛ من غير إعمال الروية فيما يقرؤه، كان خليقاً ألا يصيبه إلا ما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه اجتاز ببعض المفاوز، فظهر لو موضع آثار كنز؛ فجعل يحفر ويطلب، فوقع على شيءٍ من عينٍ وورقٍ؛ فقال في نفسه: إن أنا أخذت في نقل هذا المال قليلاً قليلاً طال علي، وقطعني الاشتغال بنقله وإحرازه عن اللذة بما أصبت منه؛ ولكن سأستأجر أقواماً يحملونه إلى منزلي، وأكون أنا أخرهم، ولا يكون بقي ورائي شيءٌ يشغل فكري بنقله؛ وأكون قد استظهرت لنفسي في إراحة بدني عن الكد بيسير الأجرة أعطيهم إياها. ثم جاء بالحمالين، فجعل يحمل كل واحدٍ منهم ما يطيق، فينطلق به إلى منزله: فلم يجد فيه من المال شيئاً، لا قليلاً ولا كثيراً. وإذا كل واحدٍ من الحمالين قد فاز بما حمله لنفسه. ولك يكن له من ذلك إلا العناء والتعب: لأنه لم يفكر في آخر أمره. وكذلك من قرأ هذا الكتاب، ولم يفهم ما فيه، ولم يعلم غرضه ظاهراً وباطناً، لم ينتفع بما بدا له من خطه ونقشه؛ كما لو أن رجلاً قدم له جوزٌ صحيحٌ لم ينتفع به إلا أن يكسره؛ وكان أيضاً كالرجل الذي طلب علم الفصيح من كلام الناس؛ فأتى صديقاً له من العلماء، له علمٌ بالفصاحة، فأعلمه حاجته إلى علم الفصيح؛ فرسم له صديقه في صحيفة صفراء فصيح الكلام وتصاريفه ووجوهه؛ فانصرف المتعلم إلى منزله؛ فجعل يكثر قراءتها ولا يقف على معانيها. ثم إنه جلس ذات يومٍ في محفلٍ من أهل العلم والأدب، فأخذ في محاورتهم؛ فجرت له كلمةٌ أخطأ فيها؛ فقال له بعض الجماعة: إنك قد أخطأت؛ والوجه غير ما تكلمت به، فقال وكيف أخطئ وقد قرأت الصحيفة الصفراء؛ وهي في منزلي? فكانت مقالته لهم أوجب للحجة عليه وزاده ذلك قرباٌ من الجهل وبعداً من الأدب.
ثم إن العاقل إذا فهم هذا الكتاب وبلغ نهاية علمه فيه، ينبغي له أن يعمل بنا علم منه لينتفع به؛ ويجعله مثالاً لا يحيد عنه. فإذا لم يفعل ذلك، كان مثله كالرجل الذي زعموا أن سارقاً تسور عليه وهو نائم في منزله، فعلم به فقال: والله لأسكتن حتى أنظر ماذا يصنع، ولا أذعره؛ ولا أعلمه أني قد علمت به. فإذا بلغ مراده قمت إليه، فنغصت ذلك عليه. ثم إنه أمسك عنه. وجعل السارق يتردد، وطال تردده في جمعه ما يجده؛ فغلب الرجل النعاس فنام، وفرغ اللص مما أراد، وأمكنه الذهاب. واستيقظ الرجل، فوجد اللص قد أخذ المتاع وفاز به. فأقبل على نفسه يلومها، وعرف أن لم ينتفع بعلمه باللص: إذ لم يستعمل في أمره ما يجب. فالعلم لا يتم إلا بالعمل، وهو كالشجرة والعمل به كالثمرة. وإنما صاحب العلم يقوم بالعمل لينتفع به؛ وإن لم يستعمل ما يعلم لا يسمى عالماً. ولو أن رجلاً كان عالماً بطريقٍ مخوفٍ، ثم سلكه على علمٍ به، سمي جاهلاً؛ ولعله إن حاسب نفسه وجدها قد ركبت أهواءً هجمت بها فيما هو أعرف بضررها فيه وأذاها من ذلك السالك في الطريق المخوف الذي قد جهله. ومن ركب هواه ورفض ما ينبغي أن يعمل بما جربه هو أو أعلمه به غيره، كان كالمريض العالم برديء الطعام والشراب وجيده وخفيفه وثقيله، ثم يحمله الشره على أكل رديئه وترك ما هو أقرب إلى النجاة والتخلص من علته. وأقل الناس عذراً في اجتناب محمود الأفعال وارتكاب مذمومها من أبصر ذلك وميزه وعرف فضل بعضه على بعض كما أنه لو أن رجلين أحدهما بصير والآخر أعمى ساقهما الأجل إلى حفرة فوقعا فيها، كانا إذا صارا في قاعها بمنزلةٍ واحدةٍ؛ غير أن البصير أقل عذراً عند الناس من الضرير: إذ كانت له عينان يبصر بهما، وذاك بما صار إليه جاهل غير عارف.
وعلى العالم أن يبدأ بنفسه ويؤدبها بعلمه، ولا تكون غايته اقتناؤه العلم لمعاونة غيره، ويكون كالعين التي يشرب منها الناس ماءها وليس لها في ذلك شيءٌ من المنفعة، وكدودة القز التي تحكم صنعته ولا تنتفع به. فينبغي لمن يطلب العلم أن يبدأ بعظة نفسه، ثم عليه بعد ذلك أن يقبسه ؛ فإن خلالاً ينبغي لصاحب الدنيا أن يقتنيها ويقبسها: منها العلم والمال. ومنها اتخاذ المعروف. وليس للعالم أن يعيب أمراً بشيءٍ فيه مثله، ويكون كالأعمى الذي يعير الأعمى بعماه. وينبغي لم طلب أمراً أن يكون له فيه غايةٌ ونهايةُ، ويعمل بها، ويقف عندها؛ ولا يتمادى في الطلب؛ فإنه يقال: من سار إلى غير غاية يوشك أن تنقطع به مطيته؛ وأنه كان حقيقاً ألا يعني نفسه في طلب ما لا حد له، وما لم ينله أحد قبله، ولا يتأسف عليه؛ ولا يكون لدنياه مؤثراً على أخرته: فإن من لم يعلق قلبه بالغايات قلت حسرته عند مفارقتها. وقد يقال في أمرين إنهما يجملان بكل أحدٍ: أحدهما النسك والآخر المال الحلال ولا يليق بالعاقل أن يؤنب نفسه على ما فاته وليس في مقدوره؛ فربما أتاح الله ما يهنأ به ولم يكن في حسبانه. ومن أمثال هذا أن رجلاً كان به فاقةٌ وجوعٌ وعريٌ، فألجأه ذلك إلى أن سأل أقاربه أصدقاءه، فلم يكن عند أحد منهم فضل يعود به عليه. فبينما هو ذات ليلةٍ في منزله إذ أبصر بسارقٍ فيه؛ فقال: والله ما في منزلي شيءٌ أخاف عليه: فليجهد السارق جهده. فبينما السارق يجول إذ وقعت يده على خابية فيها حنطةٌ، فقال السارق: والله ما أحب أن يكون عنائي الليلة باطلاً. ولعلي لا أصل إلى موضع آخر، ولكن سأحمل هذه الحنطة. ثم بسط قميصه ليصب عليه الحنطة. فقال الرجل: أيذهب هذا بالحنطة وليس ورائي سواها? فيجتمع علي مع العري ذهاب ما كنت أقتات به. وما تجتمع والله هاتان الخلتان على أحدٍ إلا أهلكاه. ثم صاح بالسارق، وأخذ هراوةً كانت عند رأسه؛ فلم يكن للسارق حليةٌ إلا الهرب منه، وترك قميصه ونجا بنفسه؛ وغدا الرجل به كاسياً. وليس ينبغي أن يركن إلى مثل هذا ويدع ما يجب عليه من الحذر والعمل في مثل هذا لصلاح معاشه؛ ولا ينظر إلى من تواتيه المقادير وتساعده على غير التماس منه: لأن أولئك في الناس قليلٌ؛ والجمهور منهم من أتعب نفسه في الكد والسعي فيما يصلح أمره وينال به ما أراد.
 وينبغي أن يكون حرصه على ما طاب كسبه وحسن نفعه؛ ولا يتعرض لما يجلب عليه العناء والشقاء؛ فيكون كالحمامة التي تفرخ الفراخ وتذبح، ثم لا يمنعها ذلك أن تعود فتفرخ موضعها، وتقيم بمكانها فتؤخذ الثانية من فراخها فتذبح. وقد يقال: إن الله تعالى قد جعل لكل شيءٍ حداً يوقف عليه. ومن تجاوز في أشياء حدها أوشك أن يلحقه التقصير عن بلوغها. ويقال: من كان سعيه لأخرته ودنياه فحياته له وعليه. ويقال في ثلاثة أشياء يجب على صاحب الدنيا إصلاحها وبذل جهده فيها: منها أمر معيشته؛ ومنها ما بينه وبين الناس؛ ومنها ما يكسبه الذكر الجميل بعد. وقد قيل في أمورٍ من كن فيها لم يستقم له عملٌ. من التواني؛ ومنها تضييع الفرص؛ ومنها التصديق لكل مخبرٍ. فرب مخبرٍ بشيءٍ عقله ولا يعرف استقامته فيصدقه.
وينبغي للعاقل أن يكون لهواه متهماً؛ ولا يقبل من كل أحدٍ حديثاً؛ ولا يتمادى في الخطأ إذا ظهر له خطؤه ولا يقدم على أمرٍ حتى يتبين له الصواب، وتتضح له الحقيقة؛ ولا يكون كالرجل الذي يحيد عن الطريق، فيستمر على الضلال، فلا يزداد في السير إلا جهداً، وعن القصد إلا بعداً؛ وكالرجل الذي تقذى عينه فلا يزال يحكها، وربما كان ذلك الحك سبباً لذهابها. ويجب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ بالحزم، ويحب الناس ما يحب لنفسه، ولا يلتمس صلاح نفسه بفساد غيره، فإنه من فعل ذلك كان خليقاً أن يصيبه ما أصاب التاجر من رفيقه.
فإنه يقال إنه كان رجلٌ تاجرٌ، وكان له شريكٌ، فاستأجرا حانوتاً، وجعلا متاعهما فيه. وكان أحدهما قريب المنزل من الحانوت؛ فأضمر في نفسه أن يسرق عدلاً من أعدال رفيقه؛ ومكر الحيلة في ذلك، وقال: إن أتيت ليلاً لم آمن من أن أحمل عدلاً من أعدالي أو رزمة من رزمي ولا أعرفها؛ فيذهب عنائي وتعبي باطلاً. فأخذ رداءه، وألقاه على العدل الذي أضمر أخذه. ثم انصرف إلى منزله. وجاء رفيقه بعد ذلك ليصلح أعداله، فوجد رداء شريكه على بعض أعداله، فقال: والله هذا رداء صاحبي؛ ولا أحسبه إلا قد نسيه. وما الرأي أن أدعه هاهنا؛ ولكن اجعله على رزمه؛ فلعله يسبقني إلى الحانوت فيجده حيث يحب. ثم أخذ الرداء فألقاه على عدلٍ من أعدال رفيقه ومعه رجلٌ قد واطأه على ما عزم عليه، وضمن له جعلاً على حمله؛ فصار إلى الحانوت؛ فالتمس الإزار في الظلمة فوجده على العدل؛ فاحتمل ذلك العدل؛ وأخرجه هو والرجل، وجعلا يتراوحان على حمله؛ حتى أتى منزله، ورمى نفسه تعباً. فلما أصبح افتقده فإذا هو بعض أعداله؛ فندم أشد الندامة. ثم انطلق نحو الحانوت، فوجد شريكه قد سبقه إليه ففتح الحانوت ووجد العدل مفقوداً: فاغتم لذلك غماً شديداً؛ وقال: واسوءتاه من رفيق صالحٍ قد ائتمنني على ماله وخلفني فيه! ماذا يكون حالي عنده? ولست أشك في تهمته إياي. ولكن قد وطنت نفسي على غرامته. ثم أتى صاحبه فوجده مغتماً، فسأله عن حاله؛ فقال إني قد افتقدت الأعدال، وفقدت عدلاً من أعدالك، ولا أعلم بسببه؛ وإني لا أشك في تهمتك إياي؛ وإني قد وطنت نفسي على غرامته. فقال له: يا أخي لا تغتم: فإن الخيانة شر ما عمله الإنسان، والمكر والخديعة لا يؤديان إلى خيرٍ؛ وصاحبهما مغرور أبداً، وما عاد وبال البغي إلا على صاحبه: وكيف كان ذلك? فأخبره بخبره، وقص عليه قصته. فقال له رفيقه: ما مثلك إلا مثل اللص والتاجر. فقال له: وكيف كان ذلك? قال: زعموا أن تاجراً كان له في منزله خابيتان إحداهما مملوءة حنطة، والأخرى مملوءة ذهباً. فترقبه بعض اللصوص زماناً، حتى إذا كان بعض الأيام تشاغل التاجر عن المنزل؛ فتغفله اللص، ودخل المنزل، وكمن في بعض نواحيه. فلما هي بأخذ الخابية التي فيها الدنانير أخذ التي فيها الحنطة، وظنها التي فيها الذهب؛ ولم يزل في كدٍ وتعبٍ حتى أتى بها منزله فلما فتحها وعلم ما فيها ندم. قال له الخائن: ما أبعدت المثل، ولا تجاوزت القياس؛ وقد اعترفت بذنبي وخطئي عليك، وعزيز علي أن يكون هذا كهذا. غير أن النفس الرديئة تأمر بالفحشاء. فقبل الرجل معذرته، وأضرب عن توبيخه وعن الثقة به؛ وندم هو عندما عاين من سوء فعله وتقديم جهله.
وقد ينبغي للناظر في كتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزاويقه. بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال، حتى ينتهي منه؛ ويقف عند كل مثلٍ وكلمةٍ، ويعمل فيها رؤيته؛ ويكون مثل أصغر الاخوة الثلاثة الذين خلف لهم أبوهم المال الكثير، قتنازعوه بينهم؛ فأما الكبيران فإنهما أسرعا في إتلافه وإنفاقه في غير وجهه؛ وأما الصغير فإنه عندما نظر ما صار إليه أخواه من إسرافهما وتخليهما من المال، اقبل على نفسه يشاورها وقال: يا نفسي إنما المال يطلبه صاحبه، ويجمعه من كل وجهٍ: لبقاء حاله، وصلاح معاشه ودنياه، وشرف منزلته في أعين الناس، واستغنائه عما في أيديهم، وصرفه في وجهه: من صلة الرحم، والإنفاق على الولد، والإفضال على الإخوان. فمن كان له مالٌ ولا ينفقه في حقوقه، كان كالذي يعد فقيراً وإن كان موسراً. وإن هو أحسن إمساكه والقيام عليه، لم يعدم الأمرين جميعاً من دنيا تبقى عليه، وحمدٍ يضاف إليه؛ ومتى قصد إنفاقه على غير الوجوه التي علمت، لم يلبث أن يتلفه ويبقى على حسرةٍ وندامةٍ. ولكن الرأي أن أمسك هذا المال، فإني أرجو أن ينفعني الله به: ويغني أخوي على يدي: فإنما هو مال أبي ومال أبيهما. وإن أولى الإنفاق على صلة الرحم وإن بعدت، فكيف بأخوي? فأنفذ فأحضرهما وشاطرهما ماله، وكذلك يجب على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجرٍ، ويلتمس جواهر معانية، ولا يظن أن نتيجة الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبعٍ لثورٍ: فينصرف بذلك عن الغرض المقصود. ويكون مثله مثل الصياد الذي كان في بعض الخلجان يصيد فيه السمك في زورق فرأى ذات يوم في أرض الماء صدفةً تتلألأ حسناً، فتوهمها جوهراً له قيمة وكان قد ألقى شبكته في البحر، فاشتملت على سمكةٍ كانت قوت يومه، فخلاها وقذف نفسه في الماء ليأخذ الصدفة، فلما أخرجها وجدها فارغة لا شيء فيها مم ظن. فندم على ترك ما في يده للطمع، وتأسف على ما فاته، فلما كان اليوم الثاني تنحى عن ذلك المكان، وألقى شبكته، فأصاب حوتاً صغيراً، ورأى أيضاً صدفة سنيةً، فلم يلتفت إليها، وساء ظنه بها، فتركها. فاجتاز بها بعض الصيادين فأخذها، فوجد فيها درةً تساوي أموالاً. وكذلك الجهال إذا أغفلوا أمر التفكير في هذا الكتاب، وتركوا الوقوف على أسرار معاني، وأخذوا بظاهره. ومن صرف همته إلى النظر في أبواب الهزل، كان كرجلٍ أصاب أرضاً طيبةًَ حرةً وحباً صحيحاً، فزرعها وسقاها، حتى إذا قرب خيرها وأينعت، تشاغل عنها بجمع ما فيها من الزهر وقطع الشوط؛ فأهلك بتشاغله ما كان أحسن فائدةً وأجمل عائدةً.
وينبغي للناظر في هذا الكتاب أن يعلم أنه ينقسم إلى أربعة أغراضٍ: أحدها ما قصد فيه إلى وضعه على ألسنة البهائم غير الناطقة ليسارع إلى قراءته أهل الهزل من الشبان، فتستمال به قلوبهم: لأنه الغرض بالنوادر من حيل الحيوان.
والثاني إظهار خيالات الحيوان بصنوف الأصباغ والألوان: ليكون أنساً لقلوب الملوك، ويكون حرصهم عليه أشد للنزهة في تلك الصور.
والثالث أن يكون على هذه الصفة: فيتخذه الملوك والسوقة، فيكثر بذلك انتساخه، ولا يبطل فيخلق على مرور الأيام؛ ولينتفع بذلك المصور والناسخ أبداً.
والغرض الرابع، وهو الأقصى، وذلك مخصوص بالفيلسوف خاصةً.

 

 

                       
Partager cet article
Repost0

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107