Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
27 septembre 2023 3 27 /09 /septembre /2023 22:43
المنهج السيميائي: من سؤال النقد الأدبي إلى السؤال المرجعي للمؤنث

المنهج السيميائي

من سؤال النقد الأدبي إلى السؤال المرجعي للمؤنث

د. ادريس عبد النور

دراسة محكمة

أستاذ محاضر مؤهل بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس – مكناس /المغرب

أستاذ مادة اللغة العربية وعلوم التربية و الدراسات الجندرية والثقافة الرقمية

Abdennour.driss@gmail.com

 

ملخص

لعل من أبرز مقومات المناهج النقدية الحديثة قوة وقدرة على الوصول إلى أعماق العمل الأدبي، تكمن في إثارة الأسئلة، ومحاورة الذات والآخر بغية الوصول إلى إجابات مقنعة عن أسئلتها، ويشكل النموذج اللغوي ضمن المناهج النقدية نقطة مهمة أثْرَت حقل المنهجية الحديثة، وأنارت طريقها بدءً من النموذج البنيوي، الذي أنتج المجتمع من خلاله قيما جديدة تجلت في الصورة على شكل مفاهيم في بداية الستينيات، مرورا بالنموذج البنيوي التكويني الذي أعاد للذات الكاتبة اعتبارها، مُجَدِّدا ومخالفا بذلك أحكام النقد الشكلاني والبنيوي السابق، بحيث انقلب رأسا على البنيوية التي عملت على تقويم النص، مع الانتقاص من قدر المؤلف، بحيث نزع النقد التكويني القدسية عن النص وأطاح بمكانة مفهوم الأثر الأدبي، فانفتح بذلك انغلاق النص البنيوي عندما حل "ماقبل النص" مكان النص، خاصة مع الاستفزاز النقدي الذي دفع بالناقد جاك بوتي Jacques Petit لكتابة مقالته الشهيرة " لاوجود للنص" (1975م). مرورا بالمنهج السيميائي، الذي وسع من دائرة البنيوية، باعتباره:" أداة لقراءة كل مظاهر السلوك الإنساني بدء من الانفعالات البسيطة ومرورا بالطقوس الاجتماعية، وانتهاء بالأنساق الأيديولوجية الكبرى" ([1])، وأبعدها عن تشبثها باعتقاد امكانيتها في تحديد النصوص دون الاكتراث لمعانيها، على أساس أن المعنى كيان جاهز يمكن الامساك به خارج الرصيد المعنمي المودع في ذاكرة المعجم اللغوي، وبذلك انخرط المنهج السيميائي في عملية الكشف عن المعاني المودعة في الأشياء معتبرا المعنى نتاج نسق "ما"، يشكل أساس التحكم في إنتاجه، ونتاج روابط متحكمة بمصيره، وجزءا لا يتجزأ من سيرورة تكونه، كما أنه لا ينفصل عن الواقعة الثقافية التي تبنيه انطلاقا من المعارف التي يشير إليها النص، فأكدت السيميائيات بذلك أن العالم  دلالات، وأن المعاني ليست كيانات جاهزة

الكلمات المفاتيح: المنهج السيميائي، النقد الأدبي ، شارل ساندرس بورس،السيميائيات، المؤنثالسيميائي

Sommaire :

L'une des composantes les plus importantes des programmes critiques modernes est peut-être la force et la capacité d'atteindre les profondeurs de l'œuvre littéraire, qui consistent à soulever des questions et à dialoguer avec soi-même et l'autre afin de parvenir à des réponses convaincantes à leurs questions. Le structuralisme, à travers lequel la société a produit de nouvelles valeurs qui se sont manifestées dans l'image sous forme de concepts au début des années soixante, en passant par le modèle structurel formatif qui a restauré l'auto-considération de l'écrivain, renouvelant et violant les dispositions du formel précédent et la critique structurale, pour qu'elle bouleverse le structuralisme qui travaillait à l'évaluation du texte, avec La dévalorisation de l'auteur, pour que la critique formative dépouille le texte de sa sacralité et renverse le statut du concept de trace littéraire, ouvrant ainsi la fermeture du texte structurel quand « l'avant-texte » a remplacé le texte, surtout avec la provocation critique qui a poussé le critique Jacques Petit à écrire son célèbre article « Il n'y a pas de texte. » (1975 ap. J.-C.). A travers l'approche sémiotique, qui élargit le cercle du structuralisme, comme : un outil de lecture de tous les aspects du comportement humain, en commençant par les émotions simples et en passant par les rituels sociaux, et en terminant par les grands systèmes idéologiques, et loin de s'accrocher à la croyance qu'ils peut définir des textes sans prêter attention à leurs significations, sur la base que la signification est une entité prête qui peut être tenue en dehors de l'équilibre sémantique déposé dans la mémoire du lexique linguistique, et ainsi la méthode sémiotique a été impliquée dans le processus de révélation de la sens déposés dans les choses, considérant le sens comme le produit d'un système « quelque », qui constitue la base pour contrôler sa production, et le produit de liens contrôlant son destin, et une partie intégrante du processus de sa formation, car il est inséparable de la réalité culturelle qui le construit sur la base des savoirs auxquels le texte se réfère, la sémiotique a donc confirmé que le monde est sémantique, et que les significations ne sont pas des entités toutes prêtes.

Mots-clés : méthode sémiotique, critique littéraire, Charles Sanders Burrs, sémiotique, Féminin Sémiotique.

ترشيف الدخول

اتجه النقد الحديث إلى تسجيل لحظات أساسية في تلقي النص الأدبي، من ميلاد القارئ المُساهم في معنى النص، إلى الكتابة عن النص والاحتفال به وتأويله بما يخرج عن الرأي الشائع، حيث أصبح النقد مُغَلِّبا خاصية المغالاة على الإحاطة بحدود النص، يقول رولان بارت في هذا الشأن: " ينبغي أن يكون ٍ[النقد] مغاليا بطبيعة الحال. فالنقد الذي يبقى حبيس الرأي الشائع لن تكون له خصلة مميزة أو طعم خاص" ([2])

وقد استمر المشروع البنيوي على النهج الذي بدأه الشكلانيون عقب تشتت وتيه الوسائط التقليدية بين القراءة والنص الأدبي، وأمام الرعب من فوضى التفسير لجأت البنيوية إلى مفهوم العلمية التي وفرها النموذج اللغوي، واكبتها في ذلك دعوتها إلى علمية النقد على يد رولان بارت التي وصفها ب: " علم شروط المحتوى"، للخروج بالنقد الأدبي من دوائر القراءات والتفسيرات الانطباعية.

ثم بدأ الإحتفال المعرفي بالنص يتجه نحو التأويل، الذي انطلق مع السميائيات، يقول ميشيل جاريتيMichel Jarrety في ذلك إن:" هدف البنيوية هو تبيان العلاقات القائمة بين عناصر النص لاستخلاص البنيات المجردة التي هي الموضوع الحقيقي للبحث. وعلى حين أن النقد التأويلي يربط شكل العمل الأدبي بمحتواه"([3])

وهنا لابأس من التطرق إلى بعض المكونات النظرية لأشهر المناهج النقدية السالفة الذكر لمعرفة منطلقاتها وبعض أسسها وآليات اشتغالها وخلفياتها المرجعية، التي قامت عليها تحليلاتها التطبيقية، والامساك بعدد من المفاهيم الإجرائية التي اعتمدت عليها في تحليل الخطاب الأدبي، فأصبحت من بين الأدوات التحليلية لكل ناقد عربي، حيث أصبحت هذه المناهج الثقافية ومن أهمها: البنيوية التكوينية والسيميائيات والتفكيكية نبراسا لكل ناقد يلج مجال الاشتغال على النص الأدبي، وشكلت معالم نقدية واضحة، تم بواسطتها تجلية أسرار النص وفك عوالمه المعنمية، خاصة وهي تتعاطى بالتحليل للسرد النسائي: القصصي والروائي

سنعمل في قراءتنا هاته على كشف الأطر المنهجية التي ينتظم فيها الفعل النقدي الأدبي، مع العلم أن الكشف عن المدارس النقدية وحضورها في الكتابة النقدية والإبداعية له أهمية منهجية في فهم الواقع النقدي، ليس فقط من أجل احتوائه بل أيضا من أجل تجاوزه

المنهج السيميائي

النموذج التأويلي

بعد أن تحرر النص الأدبي من صرامة القيد المنهجي المعتمد على اللغة، وبعد أن اعتُبر الخطاب حول النص نصا مستقلا بذاته يَتَجَدَّد بتعدد القراءات التي تحيل على أنه لم يكتمل بعد، على أساس أن تعدد قراءاته يبقيه في حيّز النص غير المُنجَز، يبدأ النموذج التأويلي تطلعاته النقدية السيميائية ذات المنزع اللساني مع فرديناند دوسوسير([4]) ،الذي فتح الباب أمامنا للتعرف على النص الأدبي، فأخذ النقد الأدبي يكتشف عجز البنيوية على استكناه كل الأسئلة المطروحة على النص، وصار النص وحدة تتجه إلى أهدافه المعلنة وغير المعلنة معتمدة على حقيقة ما يتحقق مع اللغة كما يراها جاك ديريدا Dérida Jacques( 1930-2005م)، الذي أعلن أن لا حقيقة خارج النص الذي يشكل بدوره رافدا من روافد الواقع الاجتماعي

وقد شكلت اللغة النموذج الأول للنموذج الثقافي الذي بدأ في التشكل مع السميائيات التأويلية، واكتمل مع التفكيكية والهرمنوطيقا، لكن تم الإتفاق بين هذه النماذج حول ما يشكله التمركز الغربي من حضور حول الذات والعقل، وما تستوجب أنماط تجلّيه من خلخلة وتفكيك، فتمكن شتراوس من خلخلة تمركز الغرب حول ذاته عندما رد الاعتبار للشعوب اللاكتابية وجعلها لا تقل منطقية عن منطقية الإنسان الأوروبي([5])

كما تم الإتفاق أيضا على أن مكونات هذه المناهج تكمن فاعليتها خارج النسق اللغوي، وبذلك اتصفت نظرية شارل ساندرز بورس Charles Senders PEIRCE (1839-1914م) السيميوطيقية([6]) بالسيميائية ذات المنزع المنطقي، كما اشتهرت بالتحديد الشامل والأكثر عمومية الذي أعطته لعلم العلامة، من حيث أن بورس جعل من العلامة ونسقها أساسا للعالم، يقول عن ذلك إيميل بنفنيست: "إن بورس ينطلق من مفهوم العلامة لتعريف جميع عناصر العالم سواء كانت هذه العناصر مفردة أو عناصر متشابكة، حتى الإنسان – في نظر بورس – علامة، وكذلك مشاعره وأفكاره، ومن اللافت للنظر أن كل هذه العلامات، في نهاية الأمر، لا تحيل إلى شيء سوى علامات أخرى"([7])، فهي [أي العلامة ] تقدم نفسها متجاوزة للمعطى المباشر باعتبار انتمائها إلى صفة الإنساني، وهي تتسرب إلى الذهن كفكرة عن الشيء، وليس الشيء ذاته، محيلة العالم إلى تمفصلات ممكنة للمعنى، وهي بالإضافة إلى ذلك تقدم نفسها إلى المتلقي كوحدة موضوعية ممتلئة بالتساؤلات حول المعنى الذي يحيل إلى  التساؤل عن معنى النشاط الإنساني وعن معنى التاريخ، داخل نسق من التوالد اللامتناهي للتدليل، والذي استوجب من إميل بنفنست إقرارا بوجود اختلاف بين العلامة والمدلول حتى لا تندثر العلامة، خاصة وأن أمر اكتفائها بذاتها أمر مستحيل ما دام "الأول" يحيل على " الثاني" عبر " "ثالث" هو نفسه قابل لأن يتحول إلى " أول " يحيل على " ثان" عبر " ثالث" جديد.([8])

إن تكوين العلامة  الثلاثي (ماثول- موضوع- مؤول) هو بالتحديد استعادة للتقسيم الثلاثي الذي يحكم عملية إدراك الكون، وضبط قوانينه كما يقول د. سعيد بنكراد ولهذا :" فإن استيعاب كنه العلامة وطرق اشتغالها ونمط الاحالات داخلها مشروط بفهم إواليات الإدراك الذي يستند ، عند بورس" إلى النوعية والاحاسيس (أول) ، وإلى الموجودات الفعلية  (ثان)، وإلى رابط الضرورة والفكر والقانون (ثالث). ومن السهل جدا وضع هذا الترابط  ضمن منطق الإحالات الخاصة بالعلامة: والأول يحيل على الثاني عبر أداة التوسط التي يمثلها الثالث. وبعبارة أخرى، فإن الأحاسيس والنوعيات هي معطيات عامة (أول) تُصب في الموجودات الفعلية (ثان) وذلك عبر قانون يضمن دوام الإحالة وتحديد وجودها استقبالا (ثالث)" ([9])، وسنمثل هذا التصور في الخطاطة التالية:

* السيرورة التأويلة عند بورس:

لقد ساهم شارل ساندرز بورس في بناء رؤيتنا للوقائع والعالم، من خلال تركيزه على ما تحمله الواقعة من طاقة لإنتاج الدلالة من جهة، ومن خلال اعتبار حضور العلامة الذي يغطي في الآن معا إنتاجها للمعنى وتلقيها له، حيث اهتم بالكيفية التي تنتج بها علامة ما علامات أخرى، كما أبرز وظيفة الدلالة المفتوحة "سيميوزيس" sémiosis ، أي السيرورة المؤدية إلى إنتاج الدلالة وتداولها والتي تتناسل فيها أنساق العلامات ودلالاتها دونما نهاية محتملة لتخومها، وخاصة ما يتعلق بمظاهر السلوك الثقافي، مع تأكيده على الطابع الثلاثي للعلامة الذي يتكون من ماثول «représentamen »( كمستوى تركيبي) وموضوع » « objet(كمستوى دلالي له علاقة بالعلامة) ومؤول  «interprétant » (كمستوى تداولي في علاقته بالعلامة) والذي يعتبر حجر الزاوية في تعريف ووجود هذه العلامة، وفي أشكال تجلياتها، وهو يستقي عناصر تأويله من مصادر متنوعة منها الثقافي والأيديولوجي والخرافي والأسطوري والديني، فبورس يرى أن كل مفهوم معرفي إذا ما فُهم على أنه علامة أو رمز فله ثلاث وظائف أساسية هي الوظيفة: الأيقونية والإشارية والرمزية، من تم، فالسيميائيات في نظر بورس، وكما يعرفها السيميائي المغربي د. سعيد بنكراد: "ليست صنافة جامدة تدرج أنواع العلامات في خانة قارة بشكل نهائي، إنها، على العكس من ذلك، ترد كل الأنساق إلى حركية الفعل الإنساني، إنها تجعل من الانسان علامة وتجعل منه صانعا للعلامة وتقدمه كضحية لها في نفس الآن" ([10])

وينتقل هذا الحضور داخل الفعل الإنساني بين الماضي والمستقبل دون قطيعة بالنسبة للإحالات التي تولدها العلامة في الحاضر من حيث أن استيعابها في شكلها الكلي لا يقول بموتها، بل يوحي بانتقالها إلى نسق دلالي جديد ينبعث من قابلتيها للامتداد في فعل العلامة واستمرارها في الذات المؤولة، بمعنى أن العلامات الثقافية لها دلالتها المحلية المرحلية التي تحيل عليها العلامات مباشرة، أي دلالة المعنى الحقيقي المباشر DENOTATION وهي دلالة عينية، لكن هذه العلامات تتحول إلى دوال ذات دلالة أخرى في مرحلة أخرى مشبعة بالإيحاء، أو ما يسمى بظلال الدلالة CONNOTATION وهي دلالة مجازية، كما سنبينها هنا

واقترح رولان بارت في كتابه"الأساطير" ما يشكل حقل الدوال حقل العبارة، وما يشكل حقل المدلولات، حقل المحتوى كما رسمناه هنا في  الترسيمة التالية: التدليل الرئيسي عند بارت  

يرى بارت، حسب الشكل الذي اقترحناه أعلاه، أن باقة الورد مجرد دال إذا كانت العاطفة دلالتها، وهكذا يكون لدينا مصطلح جديد: هو العلامة- التي هي نفسها باقة الورد- نتج عن اتحاد الدال والمدلول معا في "باقة الورد" ، ولهذا فباقة الورد هي علامة نتجت عن اتحاد الدال والمدلول، وهي بوصفها كذلك تختلف عن باقة الورد بوصفها دالا أي بوصفها وحدة زراعية نباتية، فباقة الورد كدال شأنها في ذلك شأن الدال اللغوي، مفرغة من الدلالة، لكنها كعلامة تكون مشحونة بالدلالة لا بسبب وجودها كنبات، ولكن نتيجة المزج الحاصل بين القصد البشري وطبيعة المجتمع وصيغ أعرافه وتقاليده وأدوات اتصاله.

إن التطور الحاصل في مجال السيميائيات، انتقل بفعل تأثير جماعة موسكو تارتو (école tatu) إلى سميائيات ثقافية تنظر إلى الثقافة على أنها من المولدات القوية للمعنى، على اعتبار أنها نظاما دالا كبيرا Macro Système حسب يوري لوتمان Youri Loutmanالتي بلور فيها فياتشلاف. ف. إيفانوف v.v.Ivanov مفهوم"النموذج" فوصفت الأنظمة السيميائية بكونها أنظمة مندمجة يؤسس فيها العالم أساس التصور المحمول في اللغة، على اعتبار: "أن اللغة الطبيعية تحمل في طياتها "نسقا للعالم"، أي أن البشر يودعون في اللغة نظرتهم للعالم "([11]).

 سميائيات الثقافة

لقد أصبح الإنسان مدركا للأشياء من خلال بعدها الرمزي، غير منفصلة عن نسق ما من العلامات التي تحدد تكامله وانسجاميته كل المعاني المودعة خلسة في النصوص المشتملة على تلك الأشياء، والتي يتم تأويلها وفق غايات نفعية مرتبطة بما يوفره المحيط والقارئ والسياقات الخارج – نصية من إمكانية لإنتاج المعاني الناتجة عن العناصر التأويلية التي تمنحه انفتاحه وتنوعه، وتعود إلى الأيديولوجيا والأسطورة والدين.

  المؤنث وذكورية المنهج السيميائي

تقارب الكتابة النسائية موضوعا مُغلَّفا بالعديد من الطابوهات التي تتوالد في اللغة من جهة، وفي المناهج النقدية من جهة أخرى من حيث أن : الجندر"- على عكس النقد الجنثوي المعني بالكتابة الأنثوية- وعلى عكس مفهوم  "الأنثوية " في فكر ما بعد البنيوية هي استكشاف لكل ما ينجم عن نظام الجنس التكويني والجنوسة من حفر أيديولوجي وتأثيرات أدبية"([12]).

 إن سيطرة الرجل على السياقات اللغوية المتنوعة بما فيها الخطاب الرمزي بكل أشكال الدعم الديني ،الفلسفي، القانوني والأدبي والفني، جعلته يعزز مركزيته القضيبية Phallogocentrisme، بما هي منظومة تجعل الكتابة موضوع تهميش ومحو، وتُعلي سلطة القضيب والقيم التي تجعل الرجل سيد المرأة، وتجعل التفكير تأكيدا للهوية وإنكارا للاختلاف، من ذلك اعتبر الرجل مجال اللغة بشكل خاص مجالا حيويا مَوْضَع فيه رؤيته للعالم، واختصره إلى مصطلحات تنتمي لهذه المركزية، كما أخضع لسلطته الأشياء والأشخاص بما فيها المرأة التي لم تعد كما في السابق: "كائنا شفاهيا لا تملك سوى الخطاب الشفوي البسيط الذي ظلت المرأة محبوسة فيه على مدى قرون من التاريخ والثقافة. ولم تعد كائنا ليليا لا تحكي إلا في الليل ولا تتمثل لها اللغة إلا تحت جنح الظلام، وإذا حل الصباح سكتت عن الكلام المباح" ([13]).

فعندما تُقارَب وضعية المرأة من طرف المنهج البنيوي تصطدم صورة المرأة بلغة تنتشي بعمق ذكوريتها، ونفس الصورة تنتجها بعض المناهج الثقافية مابعد البنيوية، كالبنيوية التكوينية والسيميائيات التي تتعاظم فيها نظرة الإقصاء ودونية المرأة لسببين:

أولا: بسبب البناء الذكوري للمفاهيم.

ثانيا: بسبب البعد السياقي، الذي يضيف الحضور والتألق للمناهج الثقافية، ويُذكي الاغتراب الثقافي للنساء، الشيء الذي دفع بالمرأة وفئة الكاتبات خصوصا إلى الكتابة بالجسد للتعبيرعن الحضور الذاتي لمواجهة الخطاب الذكوري المركزي.

إن الجسد الأنثوي يمنحنا كمتلقين بؤرة التفاعل مع ثقافة مجتمع ما، ومن هنا نستخلص أن النموذج المثالي للجسد هو الذي يعزل باستمرار كل الاختلافات حول طبيعته المادية إلى حدود التحييد الشامل للإختلاف الجنسي، ليصبح جسدا صافيا خاليا من كل الأبعاد الدلالية التي أُلصقت به. فالجسد الأنثوي يجعل النص السردي مكشوفَ كل الأبعاد الإنسانية، ويتمثل في مادية النص وقد أكد د. سعيد بنكراد على أن غياب الجسد الأنثوي داخل النص الروائي بمثابة غياب للنص ككل (جاء ذلك في سياق تطرقه بالتحليل لرواية الضوء الهارب لمحمد برادة،([14])، وقد طرح سببين لتعليل ذلك حيث قال: " يكمن الأول في أنه إذا كان بالإمكان التخلص من بعض الشخصيات الرجالية دون الإخلال ببناء النص، فإنه يستحيل فعل ذلك مع شخصية نسائية واحدة دون أن تنهار الرواية. ويعود الثاني إلى أن الخطاب في كليته مؤسس على "دورة كلامية" تقود من "أنا" مذكرة تؤسس عالمها انطلاقا من "أنتِ" مؤنثة. إن أي إخلال بهذا "النظام التلفُّظي" هو إخلال بنظام القيم المبثوثة في النص."([15]).

إن الجسد الأنثوي ينتمي بقوة القيم الاجتماعية إلى الحقل السيميائي وخاصة الحقل التواصلي، فالجسد الأنثوي في النص الأدبي يتحرك باعتباره أفقا سرديا مشمولا بضرورة الحضور الفيزيائي،  وخاصة حضور النسق الابستمولوجي للثنائيات الذي يجعل السيميائيات منهجا ثقافيا، ولهذا فأنتَ لوحده في السرد عقم تُؤدي في النهاية إلى سرد نرجسي يتمركز حول ذاته، من هذا المعنى، فالذكر بالسرد لا يتمكن من الحضور المطلق، الفاعل، المقدس إلا بوجود أنتِ المؤنثة، من حيث أن الرجل لايستطيع أن يتحدد بوصفه رجلا إلا من خلال مقابل له، أي المرأة، والتي يضعها على أنها آخر أو "لا رجل"، فهو هنا لايخص نفسه بقيمة إيجابية إن لم يخصها هي بقيمة سلبية مقابلة، ولذا لا تكون المرأة مجرد آخر مطلق بل هي "آخر" متعلق بالرجل صميميا بوصفها الصورة لما ليس هو، وهكذا يحتاج الرجل إلى هذا الآخر كي يكون ماهو عليه في النسق الثقافي، حتى وهو يقصيه ويهمشه، ولهذا فالحضور المطلوب هنا هو حضور شكلي يمنح المرأة الدور الثانوي الحريمي، بما هي غائبة عن الفضاء العام ومكان القرار، وحاضرة في فضاءات ذات الطابع الحريمي والأنثوي، ويأتي حضورها الشكلي فقط ليعيد التوازنات لمكونين ذكوريين أساسين هما :

1 النظام التلفظي.

 فحيث أن هناك علاقة وطيدة تربط بين الكلمة/ اللغة والسلطة لدرجة أن رغبة أحدهما تتحقق في الاستيلاء على الآخر، يصبح خطاب اللغة بالسرد سلطويا يحافظ على صورة الذكر بصورة آلية، لأن أي تغيير في هذا الخطاب يفترض اقتسام هذه الامتيازات مع المؤنث، ويعني ذلك نفوذا أقل للمذكر، ولهذا فحضور المرأة يمنح الذكر كلية الحضور، ويمنحه سلطة المراقبة والفعل، ولهذا فالنظام اللغوي التلفظي يعمق الاختلافات بين الجنسين.

الإخلال بنظام القيم المبثوثة في النص.2

إن العمل الأدبي يقرؤنا بقدر ما نقرؤه، والقيم المبثوثة في النص هي قيم مجتمع تأسست على إقصاء الأنثى كجوهر، والإبقاء عليها في الهامش لتحيل فقط على الجسد العام وتميزه، وهذا الوضع يحتاج نقدا شموليا مغايرا تماما لما سبقه، لتفكيك الترابط الغامض الذي يترسخ عبر وساطة القراءة واللغة، فالرسالة الغامضة تجعل المُرسَل إليه غامضا بتعبير رومان ياكوبسون، وهذا الغموض يعتبر من أهم أدوات السلطة، ولهذا لا يبرز تفوق الذكر الحامل لرؤية وقيم مجتمع ذكوري إلا مع وجود الأنثى، حيث وجودها الضروري بالسرد يعزز العلاقة السلطوية بين المرسل العارف (كامل العقل) والمرسل إليه الجاهل (نصف عقل)، وأعتقد أن الجسد العام المعني هنا يُغَلِّبُ الجسد المذكر على المؤنث.

إن الجمع التشاركي بين الذكورة والأنوثة يجعل من الأنوثة دالا وتصبح الذكورة هي المدلول، أما العلاقة بين هذه الثنائية فهي تنتج الحد الثالث أي تصبح هنا الأنوثة علامة، وهي بوصفها كذلك مختلفة كليا عن الأنوثة بوصفها دالا، وبهذا المعنى وحسب السيرورة التأويلية لبورس يكون المذكر معطىً عاما يحيل على المؤنث عبر قانون النسق الثقافي.(أنظر الجدول التالي)

المؤنث في البناء السردي السيميائي

إن الأنوثة هنا باعتبارها دالا فهي فارغة، أما كعلامة فهي مليئة بنفس قيم المجتمع المألوفة، فأنتِ المؤنثة بالسرد عندما تغيب يغيب المدلول المحدد وهو التميُّز الذكوري، ولهذا أصبحت الأنثى علامة، ومن ذلك ينهار السرد بدون أنثى في المنهج السيميائي، إذ حضورها الشكلي بالسرد، يجعل المذكر قويا ومتميِّزا في مرتبة اللغة والمجتمع.

خاتمة

جاء المنهج التفكيكي بعد ذلك معتمدا على منهجية الحفر والتنقيب فيما هو مغيب في الخطاب الفلسفي والأدبي، متخذا من الانفتاح على النص وعلى إمكانياته التأويلية مَعْبَرا واستراتيجية لفتح التأويل على مصراعيه، كما احتفل بذلك جاك ديريدا في نصوصه النقدية التي تُقْرِن عملية قراءة النص بعملية فض "بكارة" أنثى أسطورية، بمجرد "اختراق" غشاء بكارة النص، يلتئم الغشاء من جديد ليعود النص بكرا ينتشي بحالة عذريته واستعصائه على قارئه، وهو يحقق في القراءات المتتالية للنص نفسه عملية إرجاء مستمرة للمعنى، ولم يتم تجاهل نتائج الدراسات النفسية والاجتماعية والجمالية ومناهج النقد الأدبي المعاصر، وخاصة جمالية التلقي والتفكيك والنقد الثقافي كما تم تجاهلها مع البنيويين والشكلانيين الذين ركزوا فقط على التحليل الألسني للنص

المراجع

  1. - د. بنكراد سعيد، " السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها" منشورات الزمن، شرفات، الكتاب رقم: 11، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، سنة: 2003، ص: 16.
  2. - بارت رولان،" النقد والحقيقة" ترجمة إبراهيم الخطيب، مراجعة: محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، الطبعة الأولى، سنة: 1985، الصفحة: 120.
  3. - جاريتي ميشيل،" النقد الأدبي الفرنسي في القرن العشرين"، ترجمة د. محمد أحمد طجو، النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، الرياض، الطبعة الأولى، سنة 2004، ص: 73.
  4. - الغانمي سعيد، "معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة" تأليف جماعي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، الطبعة الأولى، حزيران 1990، ص: 58.
  5. - بنفنيست إيميل، "سميولوجيا اللغة في أنظمة العلامات" تعريب حنون مبارك، مجلة دراسات أدبية ولسانية، المغرب، عدد: 2 ، سنة: 1986، ص: 172-173.
  6. -Benveniste (Emile) : Problèmes de linguistique générale Π , éd Gallimard,
  7. - د. بنكراد سعيد، "المؤول والعلامة والتأويل –بصدد بورس- " مجلة علامات ، العدد: 9 سنة 1998، ص: 93..
  8. - د.بنكراد سعيد، " السيميائيات والتأويل، مدخل لسيميائيات ش.س.بورس" المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة: 2005، ص: 28.
  9. - عواد علي وآخرون: معرفة الآخر.." نفس المرجع السابق، ص 107.
  10. - د. الرويلي ميجان ود. البازعي سعد " دليل الناقد الأدبي.." نفس المرجع السابق، ص: 152
  11. - الغذامي محمد عبد الله: المرأة واللغة – 2 – ثقافة الوهم مقاربة حول المرأة والجسد واللغة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،الطبعة الأولى، سنة: 1998، ص: 128.
  12. - د. بنكراد سعيد ، الجسد بين السرد ومقتضيات المشهد الجنسي، مجلة علامات، العدد: 6، سنة 1996،ص: 28. التشديد منّي
 
 
المنهج السيميائي: من سؤال النقد الأدبي إلى السؤال المرجعي للمؤنث
Partager cet article
Repost0

commentaires

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107