من ملف العدد الثاني:
أدب الأطفال بين الشعرية والتقنيات الرقمية
لعل أكثر ما يلفت انتباه المهتمين بأدب الطفل في العالم العربي، هو قلة التناول النقدي للمنتج
الابداعى في أدب الطفل، سواء في القص أو الشعر وغيرهما. ولا يتعدى الحال سوى بضع دراسات جامعية (أكاديمية) غالبا ما ينتهي الباحث من بحثه ومن الاهتمام بما بحث، فور حصوله على الشهادة الأكاديمية.
من هنا كانت أهمية الجهد الفردي للشاعر والناقد أحمد فضل شبلول بنشر قراءات نقدية لبعض الأعمال الشعرية والقصصية في أدب الطفل، في كتابه \'أدب الطفل بين الشعرية والتقنيات الرقمية\'، والذي صدر مؤخرا عن دار \'التلاقي\' للكتاب عام 2009.
يقع الكتاب في 112 صفحة، ويضم أربعة محاور، هي: الطفل والحرب في فضاء الشعرية العربية المعاصرة، والتقنيات الرقمية وتحقيقها لغايات أدب الطفل، وفي القصة المكتوبة للأطفال، وأخيرا من رواد أدب الأطفال في العالم العربي.
وهى عناوين هامة بلا شك، وتتسم بالمتابعة، على مستوى التقنية (وسيلة الكتابة) وأجناس الكتابة للطفل (قصة وشعر)، بالإضافة إلى الرؤية التاريخية لأدب الطفل.
* تحت عنوان \'الطفل والحرب\'، قسم الناقد شعر الأطفال إلى ثلاثة أنواع: شعر مكتوب عن الأطفال، وظاهره يخاطب الأطفال، مثل قول الشاعر نزار قباني:
يا أيها الأطفال ..
من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل الأفيون في رؤوسنا
...
ونوع آخر، شعر مكتوب للأطفال، ومنه قول الشاعر أحمد سويلم:
في مدرستي
كونا مجموعة عمل وطنية
تنشر كل الأخبار اليومية
حتى يعرف كل الأصحاب
ماذا يفعل أعداء البشرية
بالإنسان
.....
ونوع ثالث، ما كتبه بعض الشعراء الذين كتبوا شعرا بسيطا لم يقصدوا أن يكون للأطفال.
وقد لجأ عدد من الشعراء العرب إلى الحديث عن الحرب، وقد استعان الناقد ببعض الأعمال الشعرية حول المقاومة الفلسطينية، ومنها تلك القصيدة التي كتبها الشاعر الأردني سليم أحمد حسن عن الطفل الشهيد \'محمد الدرة\'، يقول فيها:
أنا طفل فلسطيني
وهذا الفخر يكفيني
وأما اسمي، واسم أبى
وعائلتي.. فهذا ليس يعنينى
وأرفض أن أكون الرمز
أو رأس العناوينِ
.....
* أما عن التقنيات الرقمية، فقد تناول الناقد جانب مشاركة تلك التقنيات المعاصرة لغايات أدب الأطفال الإسلامي، مشيرا إلى أنه لم يعد النظر إلى شعر وقصص الطفل يجب أن يتسم بالبساطة وحسن العرض وجملة الخصائص العامة المعروفة في أدب الطفل، ثم التقديم في كتاب جيد الطباعة والإخراج الفني.
إن التقنية الجديدة أتاحت للجميع فرصة البحث عن صيغ جديدة لتقديمها للطفل، مع الاستفادة من معطيات التقنية نفسها، سواء بالصورة أو الصوت أو غيره.
على الجانب الآخر، توقف الناقد أمام سلوكيات الطفل أثناء التعامل مع التقنية الجديدة والإنترنت، وقد حذر الناقد من جلوس الطفل إلى جهاز الكمبيوتر دون التسلح بالقيم الدينية، وكيفية التعامل مع المعارف الجديدة والغزيرة أيضا.
كما أن تلك البرامج المعدة سلفا للطفل يمكن وضعها في أسطوانات ممغنطة قادرة على نقل المعارف والألعاب إلى الطفل من مكان إلى مكان، أي من أي مكان في العالم. مثل استقبال تلك البرامج على الشبكة فائقة السرعة (الإنترنت) وهو أمر إيجابي إذا تسلح الصغير باللغة ثم بالقدرة على الاختيار مع إمكانية أن تتوافر البرامج المناسبة باللغة العربية، بما تتضمنه من معايير ثقافية وأخلاقية تناسب الطفل العربي.
* وينتقل الناقد إلى عرض لثلاث مجموعات قصصية، نشرت خلال الفترة القليلة السابقة. مجموعة \'أجنحة صغيرة للأطفال\' لهويدا زكريا (وهى مجموعة من القصص الإنسانية، وظفت فيها الكاتبة الحيوانات والطيور والإنسان، لتحقيق قيمة محببة ومطلوبة). ومجموعة \'تفانين في متحف الفن\' لفريال كامل (وهى تتناول الجانب المعرفي والمعلوماتى لبعض الفنانين، من خلال حكاية بسيطة حول كل فنان وأعماله الفنية، أي الجمع بين العنصر المعلوماتى والقص). ومجموعة \'روبوت سعيد جدا\' للسيد نجم (وهى من المجموعات القصصية القليلة في العالم العربي التي يوظف فيها الكاتب \'الخيال العلمي\'، في أدب الطفل. حيث عالجت القصص لفكرة التنبؤ بمعطيات الروبوت مستقبلا، وقصة حول ثقافة البيئة، وقصة تصور الصراع الجرثومي أو الحروب الخطرة الجديدة باستخدام الميكروبات، ثم قصة حول فكرة رفض الحياة مع الوحدة لأحدهم سافر إلى القمر).
* أما المحور التأريخي بالتوقف مع السيرة الذاتية وبعض أعمال شعراء العربية الرواد في شعر الطفل. وهم على ترتيب الكتاب:
ـ عبدالكريم الكرمي. \'أبو سلمى\'.. وهو الشاعر الفلسطيني، من طولكرم (1909-1980)، وتعلم في فلسطين والأردن ثم هاجر إلى سوريا، وعمل بالمحاماة، من أعماله، قصيدة \'لا أحد\' ويقول فيها:
شخص سمى لا أحد
كان يطوف في البلد
ويختفي وراءه
كل فتاة وولد
من كسر الزجاجا
وأطفأ السراجا
هل أنت يا زياد
أم أنت يا سعاد
كل يقول: لا أحد
واضح الدرامية وروح الطفولة والبساطة والحيل الجمالية في القصيدة الطويلة.
ـ أحمد شوقي. \'أمير الشعراء\'.. ولد بالقاهرة (1868-1932) أبوه كردي، وأمه تركية. درس الحقوق والترجمة في فرنسا، ونفى إلى برشلونة بإسبانيا لاتصاله بالدولة العثمانية. ودعا في مقدمة الشرقيات عام 1898م الشعراء العرب لكتابة شعر للأطفال. يقول في قصيدة \'هرتى\':
هي ما لم تتحرك.. دمية البيت الظريفة
فإذا جاءت وراحت.. زِيد في البيت وصيفة
شغلها الفأر تنقى.. الرف منه والسقيفة
وتقوم الظهر والعصـ.. ـر بأدوار شريفة
وهكذا تتوالى الأبيات الوصفية التي عالج بها الشاعر تجربته مع قطة.
ـ سليمان العيسى. من قرية النعيرية غربي مدينة أنطاكية بسوريا 1921، وعمل مدرسا، وعضوا بالمجمع اللغوي بدمشق. وحصل على جائزة شعر الأطفال من الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم). قدم مقطوعات تفوق مستوى إدراك الأطفال، وقد برر ذلك، وأرجعه إلى استخدام الرمز في أعماله. في قصيدة \'فلسطين داري\' يقول:
فلسطين داري
ودرب انتظاري
تظل بلادي
هوى في فؤادي
ولحنا أبيا
على شفتيا
وهي قصيدة مباشرة حماسية جزلة من أعماله.
ـ كامل الكيلاني. ولد بالقاهرة (1897-1959)، تعلم بالأزهر، وتعلق بالشعر. وعمل بالصحافة. أصدر قصة هامة \'السندباد البحري\' فكانت أول قصة حديثة يقوم بها أديب عربي بالتأليف للطفل خارج المقررات المدرسية. وهو الذي كتب قصيدة \'لا أحد\':
شخص غريب تسمعون دائما ** به وإن لم يره منكم أحد
ولست أدري أبدا ما شكله ** وكم له من معجزات لا تعد
أما اسمه، فهو شهير عندكم ** تعرفه كل فتاة وولد
فإن سألتم: ما اسمه؟ ** فهو يسمى: لا أحد
ـ محمد عثمان جلال. ولد ببلدة الوسطى بمصر (1829-1898) تعلم بالألسن بالقاهرة، ودرس الترجمة، ويعتبر من أوائل من اهتموا بأدب الطفل في العالم العربي، وله كتابه الشهير \'العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ\' وهو على هيئة ديوان شعر مزدوج القافية، يحتوى على مائتي قصة منظومة على لسان الحيوان.
***
وأخيرا يعتبر هذا الكتاب النقدي نزهة تاريخية ومعاصرة في أدب الطفل، وجهد تحتاج المكتبة العربية إلى مثله الكثير، لدعم منظومة الاهتمام بأدب الطفل في العالم العربي اليوم
ـــــــــــــــــــــــ.