من ملف العدد الثاني:
سَـيِّدَةُ التَّشـييع
عبد الحكيم أبو جاموس
[إهداء: إلى أم الشهيد محمد أبو الهيجاء* من مخيم جنين]
يا أمَّ مُحمّدْ
يا حامِيَةَ النّارِ وَحارِسَةَ الحُلْم
يا ذاتَ الشّالِ الأسْوَدْ
يَدُكِ اليُمْنى،
يَنْتَصِبُ الشّاهِدُ فيها مُحْتَسِباً،
فيما يَبْصُمُ إِبْهامُكِ،
أَنَّكِ والدةُ الشُّهداءِ
وَفارِسَةُ المَشْهَدْ
واليُسْرَى تَقْبِضُ حَمَّالَةَ نَعْشٍ،
مَزْفوفٍ في عِزٍّ
وَتَصيحينَ بِصَمْتٍ جُوّانيٍّ:
(يا ثَوْرَتَنا مَنْصورةْ)
سَيَظَلُّ رِجالُ الحَيِّ،
وَأطْفالُ مُخَيَّمِ جِنينَ
يُباهونَ بِشَيْبٍ زَيَّنَ رَأْسَك
يا أُمَّ الشّالِ الأسْوَدْ
لَيْسَ حِداداً،
بَلْ رَمْزاً لِلأَحوالِ القَاتِمَةِ،
وَتَعْبيرَاً عَنْ قَهْرٍ مَكْبوتْ
***
يا أمَّ مُحمّدْ
هل يخجلُ منكِ دُعاةُ النّصرِ المزعومِ،
المُقتتلونَ على وَهْمٍ وَخُرافَةْ؟!
هل نُدركُ أنّا مُنساقونَ إلى الحَتفِ،
كَقَطيعٍ أبْلَهْ؟!
كانَ مُحمدُ يَرْقُدُ مِثلَ سَماءٍ صافِيَةٍ
فَوْقَ سَحابِ الكَتِفَيْنْ
كانَ مَلاكاً،
يَسْتَلْقي فَوْقَ جَناحٍ،
كَسَرَته في الغَدْرِ الغِرْبانُ،
فَكُنْ يا صَبْرُ رَفيقاً لِلأحْرارِ،
وَظَلِّلْ أجْواءَ النَّشمِيِّةِ،
أُمِّ النَّشمِيِّ أبي الهَيْجاءِ،
الطّالِعِ قَمَراً مِن "عَيْن الحَوْضْ"
والضّارِبِ في عُمْقِ صَفيحٍ ساخِنْ
بِمُخيّم جنينْ
يا أُمَّ مُحمّدْ
أَبْكَيتِ الصَّخْرَ،
وَلَمْ يُذْرَفْ دَمْعُكِ؟!
لمْ تَرْمشْ عَيْناكِ!
ما أقْواكِ!
ما أجبركِ!
ما ارْتَجَفَ الجَفْنانْ!
دارَيْتِ الهَمَّ وَخَبَّأْتِ الأحْزان!
وَتَصَدَّرْتِ الأضْواءْ!
وَتَحَمَّلْتِ الأعْباءْ!
وجابَهْتِ الأنْواءْ!
وَقُدْتِ مَسيرَةَ تَشييعِ الرّوحِ إلى المَثْوى!
في جَبْهَةِ عِزٍّ مَرْفوعةْ
كَأَنَّكِ فَيْلَقُ إصْرارٍ في ثَوْبِ امرَأةٍ
ما ماتَ مُحمّد يا أمّاه،
صَدَقْتِ،!
لقَدْ صارَ سَفيرَ الأحياءْ
وَصِرْنا نَحنُ الأمواتْ
يا سِتَّ النِّسْوانْ!
ــــــــــــــــــــــــــ
* أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، قضى شهيداً في 5/7/2007.