آيت أومغار أو تيه السالكين
رحلة في الممتنع الروائي لعبد الغني سيدي حيدة
بقلم عبد النور إدريس
استطاعت الرواية الأطروحة "الدرس الخيميائي" في جزئها االثاني والذي يحمل عنوان ״آيت أومغار او تيه السالكين״ ان تنتزع لنفسها رقعة في عالم السرد الروائي،وأن تضع تاج البطولة في النهاية على رأس كائن يدعى ״أطروحة״ .
ان الروائي عبد الغني سيدي حيدة واحد من الذين اختاروا لغة الحكي للتعبير عن نظرية منذ صدور الجزء الأول من روايته ״الدرس الخيميائي״ سنة 2003 .
ان العالم في هذا النص الذي بين أيدينا عالمان ، عالم يستمتع ببياضه وصفائه وهو يرزح تحت نير الخرافة والشعوذة وعالم يستكنه واقعيته السوداء وعلميته الموضوعية . وقد استطاع الكاتب استدماج عوالمه المتخيلة وهو يراوح بين هذين العالمين من أجل اقناع المتلقي بالمعرفة التي يحاول اعادة بنائها ، فجاء أسلوب الرواية مهتما بتوالي الأحداث التي قامت بوظيفة التوجيه الدلالي أولا : لمجموع الأحداث المروية ، وثانيا : للخطاب الذي تروى به .
ان وظيفة السرد في حكي الروائي عبد الغني سيدي حيدة هي التي تقرر معنى اتصاف الرواية ״بالرواية الأطروحة״ ، من حيث ان الكاتب ذاته يعيش داخل النص كذات راوية ، عارفة بأصل الأحداث ومنبعها ، ويحاول من خلال هذه القناعة ان يغير تمثلات المتلقي الشاردة في ملكوت الخرافي،المنغرس في تيه النظرة التصوفية الملتبسة بالمجهول،الى عالم التمثل العقلي وفق استراتيجية سردية محكومة بهاجس الطرح العلمي،الطرح الذي يقف بين الخطاب الروائي والخطاب النظري الذي اعتمد في حجاجه على هوامش شكلت فيه الملاحق المرفقة بالرواية مادة تاريخية منسجمة مع تعدد الفاعل الأطروحي.
- فأين ينتهي الروائي ليبدأالتاريخ والعلم ?
- وأين ينتهي العلم ليبدأ الروائي ?
ان رواية ״ايت أومغار أو تيه السالكين״ لا تاخذ مشروعية تداولها الفني والأدبي الا من خلال البعد التاريخي والعلمي الذي يعيد انتاج المعلومة التاريخية والعلمية في قالب روائي مشوق .
ان لعبة السارد التي اشتغل عليها الكاتب لعبة ثنائية داخل/خارج . فالسارد داخل النص يشاكس المحكي الشفوي ويعطي الانطلاقة لبداية الخروج كذات عن الخط الآفقي بتيار الفيض الصوفي والسحري الذي يؤثت مدارات الحكي،وهو كسارد خارج النص يدخل دواليب الخط العمودي ليتقاطع الحكي مع الملحقات التي تغطي بتنوعها الفائض في المعلومة للتوسيع من امكانيات استيعاب الفائض المنفلت من السلطة الذهنية التي يسيجها اطار التلقي التقليدي الذي ينجز فيه فعل القراءة .
ان ״رواية الدرس الخيميائي״ (في جزئيها الآول والثاني) تعد بحق تأسيسا جديدا،في عوالم السرد ، لسيمياء الرمز والحرف والعدد في بعدي الزمان والمكان من أجل اعادة قراءة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل في״ دوائر ثلات״ تمتح من التأويل والاستنباط والتجميع،ولا تخضع الا للعقل والمنطق والتجريب.
أدعوكم الى اكتشاف المتخيل الروائي والدرس الخيميائي لعبد الغني سيدي حيدة وهو يقر ضمنيا بأن العالم ينتظم بين مفازات السحري والخرافي والتصوفي والعقلي وأكثره يخضع للانسجام الدقيق ولقانون النسبية وسط مخملية اللوغوس logos والرياضيات .
مكناس في 28-01-2010