Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
5 mars 2010 5 05 /03 /mars /2010 23:33

------------------.jpgدة زهور كرام
الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي

ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية، تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا

الناقد مطالب بامتلاك ثقافة التقنية ومعرفة التكنولوجيا

حاورها: رامز رمضان النويصري

أعادني كتابها، الذي وصلني حديثاً، إلى لقائنا الأول بطرابلس فترة انعقاد المؤتمر العربي الأول للثقافة الرقمية (مارس 2007)، حيث النقاش كان منصباً على حقيقة الثقافة الرقمية وإشكالياتها والمساهمة العربية، العديد من الأوراق ألقيت، والعديد من النقاشات والحوارات دارت. لكن الدكتورة “زهور كرام” الناقدة والباحثة، دعمت رؤيتها وقراءتها في المنتج الرقمي من خلال بحثٍ متخصص، نشر العام الماضي بعنوان (الأدب الرقمي- أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية)، والذي قرر ضمن المناهج الدراسية الجامعية بالمغرب. هنا نلتقي الدكتورة “زهور” في حديث عن الأدب الرقمي.

هل يمكننا القول بحقيقة الأدب الرقمي حقيقةً؟

إنّ التعبيرات التّعيينية (المصطلحات، التسميات، التوصيفات…) لأي ظاهرة، تعبّر عن وجود الموضوع. عندما ظهر مصطلح   ”الأدب النسائي”في  بداية الأمر،  رفضه البعض  لكونه يجزئ الأدب إلى  أنثوي وذكوري، و  دافع عنه البعض الآخر  لكونه يمنح للمرأة اعتبارا رمزيا، في الموقفين معا  كانت المقاربة لمصطلح ” أدب نسائي” تتم – في غالب الأمر-  من خارج النص النسائي ، النقد الأدبي بقي بعيدا – بعض الشئ- أمام هيمنة التعاقدات المألوفة من الذاكرة حول المرأة، لكن، مصطلح الأدب النسائي عاد إلى وضعيته المعرفية الموضوعية عندما اشتغل النقد الأدبي على النص النسائي، ووقف عند المتغيرات التي يطرحها النص الأدبي الذي تنتجه المرأة، والذي يقترح  دلالات مغايرة لمفاهيم متداولة. هذا المثال يشبه – إلى حد ما – النص الرقمي وعلاقته بهذا التجاذب بين الرفض والقبول حسب العلاقة مع التكنولوجيا أولا، ثم حسب إمكانية المتلقي لهذا الجديد الذي يدفعه إلى تغيير نظرته للنص الأدبي.  إنها مسألة تتعلق أكثر بمدى قدرة الشعوب على التعامل مع الجديد أي غير المألوف، واعتبار المألوف وضعية إنتاجية تاريخية أي تعيش التحول والتطور والتجاوز.

لهذا، فلا يمكن أن نتحدث عن شئ هو غير موجود. الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي في أمريكا وأوروبا، وعربيا ما يزال يخطو باحتشام كبير وهذا له علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور، ومدى توفرنا على مناخ  يسمح بمثل هذا الإبداع، كما يتعلق أيضا بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي .

ما هو الأدب الرقمي أو النص الرقمي؟

التفكير لا ينبني إلا على وجود موضوعه. الأدب الرقمي هو التعبير الرقمي عن تطور النص الأدبي.

الأدب  لا يعيش الثبات من حيث نظامه وبنائه، نظرا لكونه يعرف تحولات في شكله ولغته تبعا لتغير وسائطه مما يؤثر على مختلف مكوناته من جهة، ونظام ترتيب تلك المكونات من جهة ثانية. الأدب الرقمي هو محقق الآن في التجربة الغربية وهذا راجع لتطور وسائطه التي تساعد على الانخراط فيه بسرعة، أما في التجربة العربية فهو ما يزال يعرف تعثرا كبيرا في تحقيقه، لأن ثقافة الوسائط التكنولوجية التي يعتمدها الأدب الرقمي في إنجازه وتحققه ما تزال لم تتشرّبها بعد الذهنية العربية باعتبارها ثقافة الإنتاج وليس فقط ثقافة الاستهلاك.

ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا التي أصبحت المحرك الجوهري للزمن الراهن. ولا يمكن ضمان الانخراط في هذا الزمن إلا من خلال ضمان استثمار وسائط الزمن التكنولوجي. في نظرة سريعة حول المجال الذي يتحقق فيه النص الرقمي في التجربة الغربية سنلاحظ أن الجامعة   هي أرضية خصبة للتحفيز  أكثر على التفاعل مع هذه التجربة. ونحن ندرك جيدا أن تطور البحث العلمي  يضمن روح المغامرة والإبداع وتجديد الاكتشاف. البحث العلمي لدينا ما يزال مرتبطا بمنظومة تقليدية  ولهذا فهو لا يخلق الشروط الموضوعية لتبني  فكر المغامرة والإبداع. لكن، مع ذلك هناك بقع ضوء بدأت تظهر وتحفز على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في الأدب كما نجد في تجربة البحث العلمي بالمغرب من خلال تكوينات علمية في الماستر وأيضا بداية اختيار الطلبة الباحثين لمواضيع أطروحاتهم الاشتغال على مواضيع مثل النص التفاعلي والأدب الرقمي إلى غير ذلك مما له علاقة بمجالات الأدب والتكنولوجيا.

مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، وذلك لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني  بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال نقدي موضوعي لبلورة مختلف المفاهيم التي تؤطر الأدب الرقمي. وحسب طبيعة اشتغالي على الموضوع  يمكن التعامل مع مفهوم الأدب الرقمي باعتباره مفهوما عاما تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. وبهذا، تصبح باقي المفاهيم التي تحيط بالرقمي مفاهيم تحدد الحالة النصية الرقمية، مثل الترابطي باعتباره مفهوما يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، والتفاعلي باعتباره إجراء رقميا عبره تتحقق رقمية النص. لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق  مستجدات تجربة النصوص المنجزة رقميا.

أشرت في معرض إجابتك السابقة، إلى ضعف مستوى الأدب الرقمي المقدم.. فأين ترين المشكلة؟

لا أعني بالضعف المستوى الفني والجمالي للتجربة العربية ، ولكن أقصد  ضعف التراكم. لأن التقييم الفني والإبداعي يحتاج أولا إلى متن موضوعي يسمح بقراءة  التجربة  في إطار تصور عام لمخاض التجربة. صحيح نحن نمتلك رؤية نقدية ومعرفية حول المنجز الغربي في هذا المضمار، لكننا نحترم أيضا شروط تكوّن التجربة الإبداعية سياقيا أي احترام مناخ التأسيس، والذي أعني به الشروط الثقافية والعلمية العربية. لهذا اعتبر أن كل محاولة لإنجاز النص الرقمي في التجربة العربية تعد رائدة بالقياس إلى وضعية الوعي النقدي والإبداعي بهذا الأدب الجديد. وأرى أيضا أن كل الذين يحاولون  ويغامرون في التجربة  يؤسسون لذاكرة النص الرقمي العربي، هذه الذاكرة التي ستشكل محطة جوهرية في مسار تاريخ تشكل النص الأدبي الرقمي العربي. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. أما عن مشكل ضعف تراكم التجربة عربيا، فهذا يعود إلى علاقتنا بالتكنولوجيا ، وهي علاقة ما تزال تعتمد الاستهلاك أكثر من الإنتاج، إلى جانب كون  الانخراط في الأدب الرقمي إنتاجا وتفكيرا وأسئلة يحتاج إلى تفكير مرن ومغامر ، تفكير حر يتعامل مع الجديد بنوع من الاكتشاف، وليس النفور فقط بسبب الجهل. كما أن هذا الأدب يأتي في إطار تطور حالة النص الأدبي الذي يتغير بتغير الوسائط والأسئلة، والسؤال المطروح الآن هل النقد العربي يساير تطور الأدب من خلال مختلف تجلياته، أم أنه نقد يعتمد فقط مسايرة الراهن من حيث التلقي المنسجم مع المألوف، ذلك لأن الأدب الرقمي هو تجلي أدبي غير مألوف بالنسبة للتلقي، ولهذا فالتعامل معه في غياب خلق شروط معرفية نقدية واعية قد تخل بمنطق تلقيه، ومن ثمة تدفع نحو رفضه. ألا يتطلب الأمر من النقد العربي أن يناقش الأدب الرقمي  في إطار تحولات نظرية الأدب، ومسايرة تطور الأدب مع تجدد وسائط تجلياته؟. أضف إلى ذلك، أن المؤسسات الثقافية العربية والتي لها سلطة تدبير الشأن الثقافي ما تزال لم تقترب بعد من هذا الأدب، وهو ابتعاد يعبر عن طبيعة هذه المؤسسات. إلى جانب أن الجامعات العربية لابد أن تدخل مجال هذا الأدب من خلال تكوينات علمية أكاديمية، وشخصيا أعتبر أن الضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي، ذلك لأن الظواهر المعرفية والقضايا الأدبية الجديدة غالبا ما يتم النفور منها، ومعاداتها لكونها غير مألوفة، ولهذا يأتي البحث العلمي لتحصينها علميا. وهذا ما نجده اليوم في الجامعات الأمريكية والأوربية وهذا الاهتمام الكبير بالنص الأدبي والتكنولوجيا، لأننا عبر الجامعة نشجع التفكير المستقبل لهذه الظاهرة الجديدة، ونكوّن جيلا جديدا يتقبل الظاهرة بحس علمي ومعرفي. أظن أن الأمر يحتاج إلى اهتمام متعدد الجوانب، النظري والتجريبي مع لقاءات كثيرة تعرّف بالأدب الرقمي، وتنظيم ورشات تكوينية في الموضوع، وانفتاح المبدعين والنقاد على ثقافة التكنولوجيا.

وهل يمكن اعتبار ما يقدم من خلال الشبكة، أدباً رقميا؟

طبعا ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي. لأن الأدب الرقمي  ليس أن ننجز نصا ورقيا مثلا ثم نحوله إلكترونيا في الشبكة لكي نقول إنه رقمي. في الشبكة نتعامل مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونيا والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني، لأنه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية، ولا يقرأ إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره نصا أي وحدة إبداعية.

أين تقف تجربتنا الرقمية؟

عربيا من خلال نصوص الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أتمنى ألا يتخلى عن الإبداع في هذا المجال، وأيضا الشاعر العراقي مشتاق معن من خلال إنتاجه قصائد رقمية، ثم تجربة الكاتب المغربي محمد شويكة في القصة الترابطية وأيضا تجارب المسرح الرقمي بالعراق على الخصوص، بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصاحبها إلى دخول التجربة إبداعا، ثم تتجلى تجربتنا الرقمية عربيا من خلال النقد والتفكير في الثقافة الرقمية كما نجد مع الكاتب المغربي سعيد يقطين وأيضا الناقدة الإماراتية فاطمة البريكي والكتاب  السيد نجم وأحمد فضل شبلول  وعبير سلامة وعبد القادر حسام من مصر و العديد من الباحثين والنقاد الذين نشروا مقالات ودراسات حول الأدب الرقمي والنص التفاعلي خاصة في موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي يعد – بالفعل – واجهة لنشر الثقافة الرقمية. لا تنحصر تجارب الاهتمام بهذه الثقافة فقط في هذه الأسماء ولكن هناك الكثيرين الذين يحفزون على التعامل مع هذه الثقافة بوعي موضوعي من خلال دراساتهم. إلى جانب المؤتمرات والندوات والورشات التكوينية الخاصة بهذه الثقافة، وأذكر هنا على سبيل المثال أول مؤتمر حول الثقافة الرقمية والذي عرفته عاصمة ليبيا بطرابلس منذ سنوات، وأيضا الندوات التي انعقدت بالأردن ودول عربية أخرى. مع الإشارة إلى بداية انخراط البحث العلمي في هذه الثقافة كما نجد في الجامعة المغربية من خلال انفتاح الدراسات العليا( الماستر) على تكوينات علمية حول الموضوع، وأنا شخصيا كنت قد درّست مادة الأدب الرقمي قي ماستر الآداب المقارن بجامعة محمد الخامس بالرباط.إضافة إلى بداية اهتمام طلبتنا بهذا الموضوع واتخاذه موضوعا للبحث في أطروحاتهم الجامعية.

ما هي أهم سمات هذا الأدب؟

أهم مظهر يعين طبيعة هذا الأدب باعتباره حالة تطورية لمسار الأدب هو علاقته بالوسيط التكنولوجي، الذي يغيّر مادته اللغوية. فإذا كانت اللغة المعجمية هي الأساس في تجربة النص الأدبي، فإن موقعها في النص الرقمي يتغير، وتصبح اللغة المعلوماتية ذات وجود جوهري في إنجاز النص الرقمي. النص الرقمي بتحققه فهو يحقق اختلافات جوهرية في إنجاز النص الأدبي بدءا من شاشة الكومبيوتر إلى البرامج المعلوماتية إلى مكونات الإنتاج التي تؤدي إلى تغير في مفاهيم منتج النص (المؤلف) وقارئه ولغته ونظامه، وكذا الحالة الأجناسية للنص نفسه.  كل شئ يتغير في نظام النص الرقمي لأن الوسائط مختلفة ، وبالتالي فإن نظام البناء يؤسس لشكل أدبي مغاير، تبعا لطبيعة اللغة الجديدة والتي تأتي بلغة المعلوميات وتنجز مساحة مفتوحة للنص، معها يتحرر القارئ من التعاقد المألوف في الكتاب الورقي( بداية ونهاية)، فالقارئ عبر تقنية الرابط يمتلك سلطة تدبير النص ، من خلال خياراته في تشغيل الروابط أو تركها، أو التعامل مع بعضها فقط.

تنتج هذه الوضعية الجديدة للقارئ مفهوما جديدا للنص الأدبي الذي لا يوجد إلا من خلال القراءة المختارة(وليس المنتهية)، لأن في الأدب الرقمي ليس هناك قراءة منتهية. كل قراءة مفتوحة على أخرى حسب مزاج القارئ وقدرته على الترحال بين الروابط، ولهذا، فحتى مفهوم منتج النص يتغير.

يمكن القول بأن النص الرقمي هو امتداد لتجربة التجريب في النص الأدبي الحديث خاصة السردي حيث تتلاشى الحكاية ويصبح للقارئ الدور الأهم  في إعادة بناء الحكاية من جديد. الأدب الرقمي لا يخرج عن حالات تطور الأدب المكتوب ورقيا،ولهذا فوعينا به لا يجب أن يتم في إطار اقتطاعه من تاريخ الأدب الحديث، والتعامل معه على أساس أنه ظاهرة بدون ذاكرة ثقافية.

الأدب الرقمي حالة تطورية للأدب في صيغته التكنولوجية، واستجابة لأسئلة الإنسان في هذا الزمن.

ومن ثمة، فإن التعامل مع هذا الأدب هو تعامل مع تطور التعبير البشري.

إذن، كيف تعرفين: الكاتب أو المؤلف الرقمي، الناقد الرقمي، القارئ الرقمي؟

المؤلف الرقمي هو الذي يؤلف النص، مستثمرا وسائط التكنولوجيا الحديثة، ومشتغلا على تقنية النص المترابط، وموظفا مختلف أشكال الوسائط المتعددة. هو لا يعتمد فقط على الرغبة الإلهامية والمحفزة على الكتابة، ولكنه إلى جانب ذلك إنه  على دراية بثقافة المعلوميات، لكونه يستعمل في إنجاز نصه اللغة المعلوماتية، وإذا لم تكن له ثقافة بالأمر فإمكانه أن يستعين بتقني أو مبرمج. وهذا شئ جديد في نظرية الأدب التي لم تكن تنظر إلى منتج الأدب في إطار تكونه العلمي. طبيعة الأدب الرقمي تتطلب هذه الخبرات أو على الأقل إدراك وظيفيتها في حال الاستعانة بشخص آخر.المؤلف هو الذي يؤلف بين مجموعة من المواد( اللغة، الصوت، الصورة، الوثائق، لغة البرامج المعلوماتية..) لينتج حالة نصية متخيلة غير خطية لا يتحقق جنسها أو نوعها إلا مع القارئ الرقمي الذي من المفروض أن يكون هو أيضا له علاقة بثقافة التكنولوجيا وإلا فإنه لن يتمكن من قراءة النص الرقمي قراءة رقمية. القارئ الرقمي يتغير وضعه  في الأدب الرقمي مثل المؤلف. تصبح له حرية كبيرة ذات علاقة بمستوى تفاعله مع النص الرقمي، وبطبيعة اختياره للروابط. فالقارئ الرقمي ينتج النص الرقمي من جديد حين يختار له بداية مع رابط دون آخر، وحين ينهي قراءته للنص مع رابط دون آخر. بداية القراءة مع رابط تحدد نوعية القراءة ومن ثمة تعيّن نوعية النص.القارئ الرقمي أصبح له دورا مهما لأن قراءته لا تعني تلقي النص الذي أمامه، وإنما إعادة كتابته من خلال طبيعة تشغيله للروابط. فبداية قارئ قد تختلف مع بداية قارئ آخر مما يعني أننا لم نعد أمام نفس النص. النص الرقمي إذن مع هذا التحول في مفهومي المؤلف والقارئ يتغير منطقه ونظامه، وهذا ينعكس على شكل التلقي وعلى نظرية القراءة. القارئ الرقمي هو شريك في إنتاج النص.

في كتابك (الأدب الرقمي) تناولت بالتحليل الرواية الرقمية كنموذج. هل الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد القابل لأن يكون نصا رقمياً؟ وهل يمكن تحويل أي نص أدبي إلى نص رقمي؟

اختياري لرواية سناجلة ” شات” لم يكن وراءه اختيار الجنس الأدبي (الرواية)، ولكن منطلقي كان الاشتغال على أكثر النصوص الرقمية العربية نضجا، والتي تسمح مساحتها البنائية والفنية بالتفكير في معنى النص الأدبي الرقمي. ” شات” تعد رواية رقمية عربية، تتوفر على مكونات مهمة تسمح لها بالانتماء داخل الأدب الرقمي. وبالفعل فقراءتي لها جعلتني أقف عند تحولات النص الروائي في بعده الرقمي. أما النص الثاني الذي اشتغلت عليه نقديا ” صقيع ” لسناجلة أيضا فلم أعتبره رواية لاعتبارات تخص منطقه  وشكل بنائه، ولهذا فقد جنّسته ب” محكي- ذاتي مترابط/ hyper- auto-récit    لأنه نص يأتي بمتغيرات بنائية وسردية وتقني- رقمية مست على الخصوص البعد التجنيسي لنص “صقيع”، أو ما يصطلح عليه ” جون ماري شيفر” بالهوية النصية.دور النقد هو الإصغاء إلى التحولات التي يعرفها منطق النص وهو يتشكّل لغويا، وهنا في وضعية النص الرقمي، وهو يتشكل رقميا.

إذن، ليس الجنس الأدبي هو محور الاشتغال على التجربة الأدبية الرقمية، وإنما في الدرجة الأولى النص الأدبي وهو يخرج عن منطقه المألوف إلى وضعية جديدة، ثم بعد ذلك نشتغل على التجنيس إذا طرحه  النص. كنت أتمنى – وأنا أشتغل على هذا الموضوع في كتابي- أن يكون أمامي مجموعة من النصوص الرقمية السردية المحقّقة عربيا، حتى أستطيع أن أكتشف التجربة العربية في أبعادها وتمظهراتها المتعددة.

عندما نقول إن النص الرقمي لا يتحقق إلا باعتماد أرضيته الرقمية والمعلوماتية، إلى جانب اللغة المعجمية المألوفة إضافة إلى استثمار الوسائط المتعددة الحديثة ، ونؤكد على وضعية النص الرقمي في كونه لا يمكن قراءته إلا بواسطة إمكانيات إنتاجه، أي يقرأ على شاشة الحاسوب  مع تنشيط الروابط وامتلاك قدرة قراءة الوسائط ، لهذا، فإمكانية تحويل نص أدبي ورقي مثلا إلى نص رقمي غير ممكنة، لأننا لا نكتب النص الإبداعي إلا مرة واحدة، إن حدث ذلك فمعنى هذا أننا غادرنا النص الأول في وضعيته الورقية وأنتجنا نصا آخر رقميا مختلفا كل الاختلاف. النص الإبداعي تجربة مخاض لغوي وحالة ذاتية، وهذه الوضعية هي التي تحدد عناصر بناء النص، وشكل البناء هو الذي يشخّص الوعي الإبداعي للنص.  الروايات المكتوبة التي تم تحويلها إلى السينما  لم تبق  هي نفسها، رواية الكاتب الفرنسي فلوبير” مدام بوفاري” التي تحولت إلى السينما وفي عدة تجارب، مع ذلك بقيت الرواية المكتوبة هي الأكثر تبليغا لأثر اللحظة الإبداعية- حسب رؤيتي ومقارنتي بين قراءتي للرواية ومشاهدتي للفيلم- ، وهناك نصوصا أخرى عندما تم تحويلها سينمائيا جاءت أكثر بلاغة من النص المكتوب، هذا مؤشر على كون اللحظة الإبداعية لا يمكن أن تتحقق بنفس الشكل والرؤية في شكلين مختلفين، لأن اللحظة الإبداعية تتم برؤية، وعندما يختلف الوسيط تأخذ الرؤية شكلا مغايرا.

على أي أساس يمكننا نقد النص الرقمي؟ إبداعياً أم تقنياً؟

النقد يتطور مع تطور شكل النص الإبداعي. تاريخ النقد هو تاريخ الإصغاء إلى تحولات النص الأدبي.

وشرعية النقد في قدرته على امتلاك قدرة تدبير القراءة من منطلق إمكانيات النص التي تتجدد بتجدد مفهوم النص الأدبي. ولهذا، فالنص الأدبي الرقمي شأنه شأن النص الأدبي في مختلف مراحله هو بناء ولغة رمزية وعناصر بنائية ومعرفة وفن وجمال وكلها عناصر يصهرها المنطق التخييلي لتشخّص رؤية ما، النقد لا يتعامل مع جانب دون آخر، لأن النص الأدبي هو وحدة منسجمة بمنطقها التخييلي. النقد الرقمي يشتغل على مختلف مكونات النص الرقمي من لغات متعددة ومختلفة( لغة معجمية، لغة البرامج المعلوماتية، الوسائط السمعية البصرية…)، والمدخل إلى إبداعية النص تبدأ من الإشتغال على عناصره التكوينية أي التي تكوّنه.

أليس من الضروري أن يكون مثلث النص (الكاتب- القارئ- الناقد) على ذات المستوى من الثقافة الرقمية واستخدام هذه التقنية؟

قراءة النص بشكل عام تتطلب وعيا بنوعية اللغة التي يكتب بها النص، وبماهية النص في إطار نظرية الأدب. فقارئ النص المكتوب ورقيا مثلا، لا يمكن أن يقارب نصا ويحلله، إذا لم تكن له دراية بمفهوم اللغة الإبداعية، وإذا لم تكن له خلفية ثقافية بالنظرية الأدبية ومناهجها وبمختلف الحيثيات التي تصنع تجربة النص الإبداعي، وإلا فإنه لن يكون إلا قارئا مستهلكا للمضمون أو الحكاية، و لن يستطيع أن يقترب من النص باعتباره خطابا أي يشتغل على طريقة صوغ النص إبداعيا.

فالقراءة تختلف من قراءة انطباعية تعتمد على حس الذوق والآراء العامة، وهذا مستوى بسيط في القراءة يلتقي فيه القراء العاديون، إلى قراءة نقدية معرفية تتم بواسطة قارئ ممتلك  لخلفية أدبية.        ولهذا فحتى مع النص الرقمي فالقارئ الناقد مطالب بامتلاك ثقافة التقنية ومعرفة التكنولوجيا لكي يحسن التواصل مع النص، القارئ العادي الآن قد يحصل له بعض النفور من النص الرقمي، لأنه لا يمتلك ثقافة تقنية ومعرفية بالموضوع، لكن الناقد المنخرط في الدرس الأدبي فهو مسؤول على مرافقة حالات تطور النص الأدبي في الواجهة الرقمية، وهذا يتطلب منه أن يبذل جهدا كبيرا لكي يعقد التواصل معه، لأنه هو المسؤول على توصيل هذه التجربة إلى القارئ العادي، وتفسيرها وشرحها بأدوات نقدية مفهومة وقابلة للأخذ بها. غير أن الأمر لا يعني أن الناقد مطالب بأن يكون مهندسا معلوماتيا لأن في  وضعية النص الورقي الناقد غير مجبر بأن تكون لغته لغة الإبداع، لأن لغة الناقد هي لغة واصفة تعتمد المناهج والأدوات وأساليب المقاربة المتعددة، بل حتى منتج النص الرقمي غير مطالب بأن يكون متخصصا في البرامج المعلوماتية،  لأن بإمكانه أن يعتمد- تقنيا- على مهندسين، وهذا ما جعل النص الرقمي تجربة   تتجاوز الكاتب / المفرد إلى الكاتب/ الجمع مما يجعل النص منفتحا على تعددية في القراءة.

ألا ترين أن تدخل التقنية الرقمية يسلب النص الكثير من غوايته؟ وأنه يوجه القارئ في اتجاه واحد؟

بالفعل، أحيانا عندما أقرأ بعض النصوص الرقمية الأجنبية  مثلا، ينتابني هذا الشعور، الشعور بانفلات النص من روحه، إذ تصبح التقنية هي المهيمنة ، فتضيع المتعة. ولهذا فالنص الرقمي لكي يحقق إبداعيته ويدخل في إطار نظرية الإبداع فلابد أن يحقق أدبيته. مسألة أدبية النص الرقمي مسألة ضرورية وهي التي تمنح الشرعية الأدبية للنص الرقمي، وإلا فهو نص رقمي تقني خارج زمن الأدب. لا يمكن أن نضحي بجوهر الأدب في سبيل التقنية.ولا ينبغي أن نفقد المتعة الفنية والجمالية في الأدب بسبب  التقنية، لأن الأدب يبقى في مختلف العصور مرتبطا أكثر بالوجدان، ويفعل في الإنسان من خلال أبعاده الإنسانية والجمالية والفنية.

ما هي حظوظ التجربة العربية في هذا المجال؟

كما قلت في جواب سابق، ما يزال الاقتراب من النص الرقمي في التجربة العربية باهتا، ما عدا تجربة الكاتب الأردني محمد سناجلة وبعض الكتاب العرب  فإن التجربة لم تحقق تراكما بعد، لكي تخلق المناخ الذي من خلاله يتطور ما يسمى بالنص الأدبي الرقمي.   المسألة ستتطلب وقتا ربما طويلا، مع الأسف يعبر هذا الوضع عن علاقتنا بالتكنولوجية وأيضا علاقتنا بمفهوم مسايرة التطور الذي يستوجب سرعة الانخراط حتى لا نبقى خارج الزمن. أظن أن اتحاد كتاب الانترنت العرب ساهم بشكل كبير في التحسيس بهذا الأدب وبالثقافة الرقمية بشكل عام، وحتى مبادرة الجائزة التي كان قد أطلقها حفزت الكثيرين على المغامرة في إنتاج النص الرقمي،   أتمنى أن تعود هذه المبادرة  من جديد، وأن يتم تفعيل هذه الثقافة الرقمية بتنظيم ورشات كتابة النص الرقمي من خلال عقد الشراكة مع مكونين عرب وأجانب أيضا ممن يمتلكون منهجية التكوين في هذا الموضوع، لأن مثل هذه الثقافة تحتاج إلى التحفيز والتكوين.

أعتبر أن كل منشغل بثقافة هذا الأدب الرقمي في المشهد العربي فإنه يساهم – على قدر المستطاع- في   خلق شروط موضوعية للانخراط في منظومة الزمن التكنولوجي.

_________________

* نشر بصحيفة القدس العربي

Partager cet article
Repost0

commentaires

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107