Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
2 juin 2023 5 02 /06 /juin /2023 12:12

ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي

ثورة ضد العنف والجهل والمغامرة

 

أحمد الكبيري

روائي مغربي

 

عندما ننتهي من قراءة رواية "ثورة الأيام الأربعة " للكاتب المغربي عبد الكريم الجويطي الصادرة عن المركز الثقافي العربي (383 صفحة من الحجم المتوسط)، نكتشف بأن الكاتب لم يحك لنا إلا عن يوم واحد من تلك الأيام الأربعة. وبالتالي أي قراءة أ وتأويل لهذه الرواية، دون قراءة الأجزاء الأخرى التي لم تنشر بعد، ستظل قراءة مبتسرة وتأويلا ناقصا. لهذا لا بد من الإشارة، إلى أن قراءتي وفهمي وتأويلي سيقتصرون فقط على هذا الجزء. ولن أنتظر أ وأستشرف أ وأرجم بالغيب الأجزاء المتبقية. وكذلك لن ألوي للمعاني الواضحة في النص عنقها، لتساير معاني مفترضة في كتابة لاحقة، قد تأتي وقد لا تأتي. ثم إني أعتقد، أن كل النصوص الروائية، هي بشكل من الأشكال نصوص ناقصة ولن تكون أبدا مكتملة. وقد عبر غابرييل غارسيا ماركيز عن هذا، في أحد حواراته حين قال: "إننا لا ننتهي من كتابة، رواية وإنما نتخلص منها."

فماذا حدث في اليوم الأول من " ثورة الأيام الأربعة"، التي لم تطلق فيها إلا رصاصات معدودات، ليعتبرها الكاتب حدثا مهما، ويتفرغ ربما، لسنوات طويلة من البحث المكتبي والميداني للكتابة عنها؟ مع العلم، أن الحدث الذي استند عليه الكاتب لتشييد معماره الروائي، أ وما عرف بأحداث مولاي بوعز ة، التي وقعت في بداية السبعينيات من القرن الماضي، بتدبير من التنظيم السري لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبزعامة الفقيه البصري، بهدف الإطاحة بنظام الحسن الثاني وتأسيس نظام جمهوري، ه وحدث معروف. وأسال مدادا كثيرا وكتبت حوله العديد من الكتب والمقالات وقدمت فيه العديد من الشهادات. ما غاية الكاتب إذن، من العودة إلى حدث وقع قبل أكثر من نصف قرن، بهمة وعزم كبيرين، ليؤلف عنه رباعية روائية ضخمة؟ هل لأنه، كمهتم بتاريخ المغرب وتاريخ تادلة على وجه الخصوص حيث وقعت الواقعة، اكتشف خللا أ وفراغا ما في الكتابة التي أرخت للحدث، فقرر بكل عدته وعتاده المعرفي والتخييلي، الاتكاء على الرواية، بما تتيحه من حرية في التعبير والهدم والبناء، لتصحيح ذلك الخلل وملء تلك البياضات؟ أم هي فقط، عودة لهذا الحدث، لاتخاذه مطية مشوقة، للحديث عن أشياء أخرى تم إغفالها في تاريخ المنطقة، يرى الكاتب أنها جديرة بالالتفات وتسليط الضوء عليها إبداعيا وتقديمها في قالب روائي جميل للعالمين؟ أم هي تصفية حسابات ثقافية وفكرية، مع مرحلة ثورية إيديولوجية لها سياقها التاريخي. مرحلة، كانت سببا في حدوث مآسي سياسية واجتماعية كثيرة، وآثار وخيمة أعاقت لسنوات طويلة، تنمية البلد وتقدمه؟ وهل الشكل الفني والتقنيات المعتمدة في كتابة هذه الرواية وكذا اختيار الشخوص وأوصافهم والنعوت التي ألحقت بهم، وطريقة سرد الأحداث وبنائها، واختيار لغة شاعرية منتقاة كلماتها في كثير من الأحيان بعناية شديدة، كان مناسبا ومنسجما مع إنتاج خطاب روائي منطقي ومنسجم والقناعات التي تم دسها بذكاء في الحكايات. وتصريفها بدهاء، على لسان شخوص الرواية المتعددين؟ وهل يلامس القارئ، المطلع على ما جرى فعلا، تطابقا منطقيا وواقعيا في الأحداث المسرودة وتلك التي حدثت بالفعل. أم سيتعثر كثيرا باختلافات وتناقضات بينهما. وخصوصا من حيث الأحداث والشخوص والخطاب؟ وهل كتبت الرواية من أجل الانتصار لفكرة الثورة وأبطالها وإعادة الاعتبار لهم، كما فعلت بعض الكتابات والشهادات الأخرى، أم جاءت الرواية ( كما قد يفهم البعض) كثورة مضادة لما جرى والتنكيل بأصحابها والنيل منهم ومن أعراضهم بشكل فظيع؟ ثم ما هي الخلاصة أ والانطباع العام الذي يمكن لقارئ متأن أن يخرج به من قراءة هذه الرواية؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، سأركز على محورين أساسين: الواقعي في بناء رواية "ثورة الأيام الأربعة" (من جهة). والتخييل وهيمنة الخطاب الواحد فيها( من جهة ثانية).

أولا: الواقعي في البناء التخييلي للرواية.

مهم جدا أن أشير، بأنه من الصعب على القارئ العادي في قراءة عادية وعابرة، أن يميز في رواية الأيام الأربعة، بين ماحدث على أرض الواقع فعلا، وما تم دمجه في سيرورة السرد من أحداث متخيلة. وفي هذا الفصل، سأحاول التركيز فقط على ما جاء في الرواية من وقائع حدثت بالفعل. لأعود في الفصل الثاني، عند مقاربة خطاب الرواية إلى تسليط الضوء على المتخيل فيها.

تتضمن الرواية أربعة عناصر أساسية، نجدها هي نفسها في كتابات وشهادات أخرى متعددة، مثلا في" أبطال بلا مجد" للمهدي بنونة و"الثورة الموؤودة" لمحمد لومة و"ثورة لم تكتمل" لمحمد التوزاني ومقالات أخرى إلخ... ) وهذه العناصر هي:

1 _ تاريخ الثورة ومكانها

تشير الرواية إلى تاريخ مضبوط وكذا إلى المنطقة التي انطلقت منها هذه الثورة، وه ونفس التاريخ والمكان الذي انطلقت فيه مجموعة من الثوارعلى أرض الواقع في ليلة الثالث من ماريس 1973، في محاولة لقلب النظام الملكي في المغرب وتأسيس نظام جمهوري بديل." في مغيب اليوم الثاني من مارس عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين، صادف يوم جمعة، حوالي السادسة والنصف، بدأنا صعود الجبل...تجاه قمة تاصميت" ص 12. والمكان كما يبدو، ه وجبال الأطلس، منطقة تادلة بني ملال.

 

2 _ هوية الثوار

إن كان الكاتب قد أعطى للثوار في روايته ألقابا ونعوتا أخرى مموهة لهويتهم الحقيقية، على اعتبار أنهم شخوص روائية، إلا أنه أبقى على آخرين بصفاتهم وألقابهم أ وأشار إلى قرائن وصفات تدل عليهم، كما ه والحال بالنسبة للفقيه البصري وآخرين معه، وكذا قائد المجموعة إبراهيم التزنيتي المعروف بعبد الله النمري، عض وسابق في هيئة أركان حرب جيش التحرير. يقول السارد " كلما ذهبت للمكتبة، تبدى لي التزنيتي صاحب سر، بل أسرار. وكل ما حوله مجرد ديكور لإخفاء حياة أخرى أكثر حركة وثراء."ص 62.

 

3 _ خطأ في التنفيد وسوء في التقدير.

بسبب خطأ في التنسيق بين مجموعة من المسلحين متفرقين في عدة مناطق بالمغرب، للقيام بهجومات متزامنة يوم عيد العرش الثالث من مارس 1973، قامت فقط مجموعة واحدة بقيادة إبراهيم النمري (التزنيتي ) بهجوم مولاي بوعزة، بينما كانت المجموعات الأخرى قد أجلت هجوماتها لمدة أسبوع. وكما نجد هذا مكتوبا في عدة مصادر، نجد الإشارة إليه في الرواية واضحة. يقول السارد منتقدا بسخرية ومرارة، طرق التواصل بين قيادة الثورة ومنفذيها، التي أدت لخطأ فظيع عند التنفيذ: " ثورة تريد أن تنقل المغاربة نح والمستقبل، لكنها تستعمل أدوات القرون الوسطى، الرقاصة، الجفر والتوكل على الألطاف الإلاهية، لا ينقصنا إلا الحمام الزاجل مع القيادة العليا للتنظيم في الجزائر."ص 132

4 _ مآل الثورة

مصير الثورة، سواء في الرواية أ وفي الواقع، كان ه والفشل الذريع. بعض الثوار قتل في مواجهة السلطات، وبعضهم ألقي عليه القبض وأعدم أ وسجن. وبعضهم فر متسللا خارج المغرب إلى الجزائر. يقول أحد الثوار بيأس :" علينا أن نتفرق ويحاول كل واحد منا وبطريقته الخاصة، أن يتسلل إلى الجزائر، هذا ه والحل، الباقي جنون وانتحار. " ص 204

يستخلص مما سبق، أن الكاتب استند في كتابة روايته، على أحداث ووقائع تاريخية حقيقية. لكن طبعا، بعد تفكير وبحث عميقين في تفاصيلها، واشتغال طويل على بنائها سرديا وتخييليا ولغويا، من أجل إنتاج خطاب روائي متين ومحبوك ينتصر لثورة ثقافية فكرية تحارب الأمية والجهل والعنف. خطاب، رغم ما يوحي به تعدد الأصوات ووجهات النظر المتباينة داخل الرواية، يظل خطابا واحدا، كأنه تعبير مباشر عن قناعات الكاتب ورؤيته ومواقفه مما حصل في تلك الثورة." يا ثوار، لا يمكنكم أن تفعلوا أي شيء أمام كم السذاجة التي أراها، حاربوها أولا وسترون، لن تحتاجوا إلى إطلاق رصاصة واحدة. السذاجة عدوتي وعدوتكم ." ص 236. فأين يتجلى هذا الخطاب تخييليا في "ثورة الايام الأربعة"؟

 ثانيا : التخييل وهيمنة الخطاب الواحد في الرواية

يعتبر الناقد والروائي محمد برادة، في أحد حواراته وه ويتحدث عن التخييل،"أن الواقع مهما كان معبدا وفسيحا، يبد ودائما ضيقا لا نقبل أن نعيش فيه، دائما نبحث عن نوافذ تقودنا إلى عالم فيه الكثير من المخيلة والتخييل، ليسعفنا أن نتابع الحياة... ومجرد أن نتحدث عن شيء من خلال التخييل، يجعل ذلك الشيء وإن كان مصدره الواقع، متحولا ومتخيلا."

بهذا المعنى، حتى وإن ظهر بوضوح من القرائن التي تمت الإشارة إليها آنفا، أننا أمام أحداث تاريخية واقعية، فإن "ثورة الأيام الأربعة"، تبقى عملا تخييليا محضا أساسه اللغة والمخيلة. سواء من حيث البناء والشخوص،أ ومن حيث اللغة والخطاب. ذلك أن الكاتب لم يقم نسيج روايته على سدى الواقع وتصميمه، ولا على خطية زمنية كرونولوجية للأحداث، ولا استسلم لمنطق وفكر المشاركين في الثورة، كما حصل على أرض الواقع، وفرضه على شخوص الرواية وأبطالها. ولا تماثل طرحه للأشياء، مع جل تلك الأحداث وما قد يكون فرضه سياقها من موت ودماء وآلام وعذابات وضحايا بالجملة. بل كتب الرواية بجرأة تخييلية فظيعة، تقدم، خطابا ثقافيا فكريا ثوريا، يصل حد الاستخفاف والسخرية والتنكيل بتلك الثورة وبكل ما حصل فيها من تسرع وحماس زائد وسوء تنفيذ وتقدير وخسائر." الثورة حين لا تكون حقيقية، عاصفة،خاسفة، ناسفة، تتحول الى تلقيح للمخزن ضد قوى التغيير لسنوات وعقود، يقضي على الطليعة الثورية في المجتمع ويعيد ترتيب نفسه " ص270.

وهذا التخييل، لخصه الكاتب نفسه، وه ويخاطب قارئه المفترض، بوعي كبير، على لسان سارده العالم بكل شيء:" ما أرويه هنا فيه إعادة صياغة، وفيه إضافة مني بكل تأكيد" ص 108. ثم نجده يؤكد ذلك في الصفحة 112:" شيء ما بداخلي يقول لي، إن ما تراه غير واقعي، غير متماسك، فيه عناصر متنافرة: ثورة، جبل، ثكنة، سرمد، سلاح، جيب، تودا، جلابيب، فطور، مسدس، عناصر كثيرة تفتقد خيطا ناظما يعقلها.."

عنوان الرواية نفسه"ثورة الأيام الأربعة"، كأحد عتبات النص الأساسية، يضمر استخفافا وسخرية واضحين من هذه الثورة المعلنة فيه. مما يدفع القارئ لطرح العديد من الأسئلة، بتعجب واندهاش كبيرين: هل فعلا تصرف الثوار على النح والذي سرده علينا الكاتب في هذه الرواية؟ ثوار يصطحبون معهم سلحفاة ووسادة؟ ينشغلون في أول ليلة من ثورتهم، بإغلاق ماخور وتزويج الرجال المعتقلين داخله من فتياته؟ كيف وجدوا الوقت الكافي لسماع حكاية تودا،( قوادة الماخور) وتاريخها المجيد؟ وكيف سمحوا لزطاورو(محتال يوناني متشرد وأحد معتقلي الماخور) أن يكون له رأي في ثورتهم، وأن ينعث، بكل وقاحة، المغاربة بالسذاجة والغباء؟ وأي ثوار هؤلاء، وهم في طريقهم لإطلاق الشرارة الأولى لثورتهم، وجدوا الوقت والمزاج لتأمل خصائص البغال وأهميتها لسكان الجبال؟ وأن ينتقدوا معداتهم وأسلحتهم، التي يحملونها لمهاجمة النظام، ويصفونها بالخردة؟ وأن يجدوا الوقت الكافي لزيارة معرض صور بالجبل واستطلاع الرأي حوله؟ وأن يهتموا لحكايات نساء ينتظرن منذ سنوات على ربوة، عودة أبنائهن من حروب بعيدة؟ وأن تسعفهم اللحظة بأن ينبشوا في أصول ساكنة الجبل الذين أنهكتهم الحروب والهجرة والعداء التاريخي بينهم؟ وما هذا العبث، في أن يكون أحد الثوار، نجلا للرجل الذي لم ينجح في لعب دور صغير جدا في مسرحية، يخاطب فيها الفرنسيين بكلمتبن كأنه دغول، ه وأحد القادة الذين سيطلق الشرارة الأولى للثورة ضد نظام الحسن الثاني؟ ثم ما معنى أن يقيم الثوار في يومهم الأول، محاكم تفتيش في الجبل ويفتحون تحقيقا مع باحثين أجنبيين، روزا الفرنسية وصامويل الأمريكي المقيمان في الجبل لأسباب بحثية؟

ثم لماذا أصلا، هذا الاستخفاف والاحتقار والتنكيل ول وتخييليا، بحدث تاريخي(اتفقنا أ واختلفنا معه) يظل قائما بما له وما عليه، وله سياقه والأسباب التي دفعت إليه؟

أعتقد أن ما جعل وقائع الرواية وعوالمها، تبد وعلى هذا النح ومن العبث والفانطازيا أحيانا، ه والارتكاز المقصود والذكي من الكاتب على ثلاثة عناصر مهمة جدا لإنتاج خطاب مضاد لكل فكر ثوري، يمجد العنف غير المحسوب العواقب. وهي : شخصية السارد، أحداث توابع، أ وحكايات سردية هامشية لا يربطها أي منطق بالحدث الأساس/ الثورة. ثم اللغة.

 عبد الكريم الجويطي في "ثورة الأيام الأربعة"، لا يكتب رواية للمتعة والتسلية وإنما يخوض، بجدية كبيرة ووعي حاد، ثورة ثقافية فكرية،عبر مشروعه الروائي، ضد الجهل والعنف والحماس الزائد. وسأحاول فيما يلي، توضيح ذلك باقتضاب شديد.

1 _ شخصية السارد

كان التنظيم الثوري الذي قاد تلك الأحداث في بداية السبعينيات من القرن الماضي، يتكون من :

_ القادة، ( يحركون الأمور من مقراتهم الآمنة في الجزائر وليبيا)

_ ذوي الخبرة العسكرية العالية ( يقودون الثورة في مناطق متعددة من المغرب)

_ أصحاب الخبرة القتالية المتوسطة وأصحاب التجربة الميدانية.( منفذين )

 _ منتمين للثورة ( من داخل التنظيم، لكن لا خبرة قتالية لهم )

_ سكان محليين( تورطوا أ وزج بهم في تلك الأحداث).

 ويبد وأن الكاتب، تعمد اختيار شخصية سارده من هذه الفئة الأخيرة، سارد غريب، يتلون كالماء، ينتقل كالريح،يتقوقع كسلحفاة، يتصرف كحثالة، يرتفع كجبل ويتحدث كرسول حكيم.وفي الآن نفسه، هوشخصية خبزية ضعيفة، مترددة، رعديدة، مغلوبة على أمرها، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد لا بثورة ولا بفكر ثوري ولا خبرة لها لا في نضال ولا تنظيم ولا قتال ولا حمل سلاح. وإنما أستاذ بسيط من عامة الناس، زج به في فعل ثوري خطير لإطلاق شرارته الأولى. لكنه مع ذلك، سارد مواكب لجميع أحداث الرواية ومرافق لشخوصها. يعلم كل صغيرة وكبيرة عنهم، تاريخهم، بلدهم، مشاكلهم، أسرارهم وتطلعاتهم بل حتى ما يمور ويروج في أنفسهم وأحلامهم. " ليس لي أي انتماء سياسي، وحتى في جامعة فاس كنت أتجنب الحلقات والنقاش السياسي وأنسل في أيام التظاهرات والاحتقان وأركب حافلة تبعدني إلى بني ملال. أنا من الخبزيين الكبار ومن الحشود الهائلة..."ص 142.

 

2 _ التركيز على أحداث توابع.

ماذا ستنتظر، من سارد جبان رعديد، وه ويحكي لك عن مشاركته في تنفيذ ثورة يقودها الحثالة من الخارج، غير أن يحدثك عن البغال والسلحفاة والماخور والعداوات وخنوع مقهورين، ومعرض صور الموتى، وعن تودة القوادة، والمحتال زطاور وونساء ثكالى ينتظرن على ربوة أبناءهن إلخ.

 وكما سيلاحظ القارئ، فهذه المحكيات لا علاقة منطقية لها، لا من قريب ولا من بعيد، بثورة أ وفكر ثوري. ولكنها هي التي شكلت صلب التخييل في الرواية، وهي التي وظفها الكاتب بإتقان ودهاء وحرفية عالية، لبناء خطابه الروائي. خطاب يحمل على كتفيه مدفعية من الوزن الثقيل وجه طلقاتها (على الأقل في هذا الجزء الأول من الرباعية)، نح وكل فكر ثوري يختار المغامرة والعنف والحماس الزائد لإحداث التغيير.

وكما سيستخلص القارئ المتأني بنفسه، فالكاتب لم يركز في" ثورة الأيام الأربعة"، على أحداث مولاي بوعزة، وعلى محاولة سردها كرواية تاريخية، أ وكسيرة تخييلية رصينة ومنطقية، كما ه والحال في كتابات وشهادات أخرى قاربت نفس الموضوع، وإنما اتخذ تلك الأحداث مطية، ليجرنا معه مقيدين بسلاسل حبكة متينة ولغة شاعرية منتقاة بعناية، إلى أحداث وحكايات هامشية، وظفها لتنامي الحكي وتصاعده. وكذا لإضاءة الحالة النفسية والجوانية لشخوصه. ليسلط أضواءه الكاشفة عن أشياء كثيرة، تبد وفي كثير من الأحيان تافهة، معتمة وغير منطقية وبعيدة كل البعد عن الذي حصل في تلك الأحداث وفي تلك المنطقة. لكنها مؤسسة لخطاب خطير في الرواية، ينتصر فيه الكاتب لثورة الفكر والثقافة والوعي.

3 _ اللغة

 الكاتب على هذا المستوى، متمكن جدا. لغته جميلة ودقيقة ومنتقاة مفرداتها بعناية، بل تكون شاعرية أحيانا، لتعبر بسلاسة عما يريد قوله. لغة، لا يخطئ المبنى فيها معناه. يستمتع القارئ معها ويستفيد، كما ل وأنه يقود سيارة فارهة في طريق سيار، متحكما في مقودها وفي الراكبين معك داخلها. له الحق في التساؤل والتأمل والمناقشة والاستماع إلى الموسيقى والاستمتاع بالمناظر من حوله، لكن علامات ممنوع الوقوف والتوقف منصوبة على طول الطريق في وجهه. وهذه اللغة، هي التي جعلت خطاب الرواية خطيرا. بل موجها للقارئ ومتحكما فيه، منذ أول جملة في الرواية إلى آخر كلمة فيها. حتى إنك تخال الكاتب من شدة تدفقه وغزارة حكاياته والألغام التي يدسها لك بين صفحات روايته،كما تدس الأم لرضيعها دواء مرا في ملعقة عسل، أنه لا يكتب ليمتعك ويتبادل معك وجهات نظر في الموضوع، وإنما يفيض عليك كسيل من عل، ليجرفك معه وأنت منوما وعاجزا عن أي مقاومة، تماما كما تجرف سيول عاصفة رعدية، على حين غرة، كل ما تصادفه في طريقها.

لهذا كان لابد لي، قبل الكتابة عن الرواية، من إعادة قراءتها لأكثر من مرة، والعودة من جديد لقراءة (بالتوازي معها) بعض الكتب والمقالات التي كتبت حول الموضوع، وعلى رأسها كتاب المهدي بنونة" أبطال بلا مجد"، حتى يتأتى لي الصمود في وجه هذا الخطاب الجارف، وفك ما بدا لي متناقضا أوملتبسا فيه. وذلك من خلال استحضار وجهة نظر ورؤية أخرى مختلفة، تم تغييبها بالمرة في هذا اليوم الأول من " ثورة الأيام الأربعة". وهي وجهة نظر ورؤية الثوار أنفسهم أ وعائلاتهم، المفروض أنها جزء من الحقيقة، إن لم تكن الجزء الأكبر منها. ليس الذي عاش الحدث واكتوى بنيرانه، كمن سمع أ وقرأ عنه. قد يأتي الكاتب على ذكر ذلك في الأجزاء المتبقية من هذه الرباعية الجبارة. لكن هذه قراءة في " ثورة الأيام الأربعة". كنص مستقل بذاته.

الخلاصة

رواية" ثورة الأيام الأربعة" رواية كبيرة، فيها مجهود جبار وبحث عميق. وتقدم معارف شتى حول تيمات مختلفة، الثورة، الجبل، الهجرة، الأنا والأخر، النفس البشرية، الألم والعجز، الخيبات، الخيانة، السلطة، الذاكرة، التاريخ، الجهل، الموسيقى، الوراثة إلخ وتحتاج أكثر من قراءة. وهي إذ تقصف بقوة أحداث مولاي بوعزة وما جرى فيها، لا أعتقد أنها تروم الإساءة لأحد، بقدر ما تنتصر لفكرة تنشد التغيير المبني على التوعية والتأطير وبناء الإنسان، ضد أي فكر ثوري متطرف، ينشد إحداث تغيير جدري، عن طريق حمل السلاح والصعود إلى الجبل، ليزج بالبلاد والعباد في دوامة العنف والقتل والفوضى. وهذا واضح في مقولات كثيرة مباشرة، جاءت مهيمنة داخل النص على لسان شخوص متعددين،

 

 أذكر منها ما يلي:

" أتعرف ماهي الثورة يا أستاذ؟ شيء يريد أن يولد وشيء لا يريد أن يموت، وبين هذا وذاك عنف ودماء وغرائز بدائية وسيبة وضربات غادرة وتصفيات حسابات " ص102.

" أنا لم أعد أثق في الثورات، عد إلى التاريخ ستجد أغلبها صنع من طرف البوليس السياسي... الثورة يقودها الحثالة الذين يكونون في أماكن آمنة ويقتل فيها الشجعان."ص 238.

"مالي والتاريخ. اللعنة على هذا التاريخ الذي لن يتقدم الا اذا كنت وقودا له..." ص "381.

 

 

 

 

Partager cet article
Repost0
19 mai 2022 4 19 /05 /mai /2022 22:16
الكتابة النسائية من السنن الثقافي إلى النسق النقدي -قراءة في كتاب للدكتور عبد الرحيم وهابي

الكتابة النسائية من السنن الثقافي إلى النسق النقدي
-قراءة في كتاب للدكتور عبد الرحيم وهابي-

 

د. ادريس عبد النور

 

أستاذ باحث  بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس – مكناس /المغرب
أستاذ مادة اللغة العربية وعلوم التربية والنقد النسائي
Abdennour.driss@gmail.com

 

ملخص
الكلمات المفاتيح: السرد النسوي- السرد النسائي- النقد الأدبي- السنن الثقافي-عبد الرحيم وهابي
إن دوافعي لقراءة هذا الكتاب الموسوم ب "السرد النسوي العربي من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية" للدكتور عبدالرحيم وهابي، يختلط فيها المعرفي بالشخصي حيث لا تشكل هذه القراءة إحاطة كلية بالوقائع النقدية للكتاب، كما أنها لا تدعي الإحاطة الشاملة لهذا النص المتميز والمرجع المهم في المجال، وقد أقف عند حدود ما هو معرفي لأركز على عناصر بعينها من حيث المساءلة باعتبارها تشكل نسقا فرعيا داخل البناء المعماري للكتاب، وقد يكون طموحنا في هذه القراءة هو تتبع المسار التي تشكلها ذات الناقد في الفعل النقدي


Mots clés : narration féministe - narration féminine - critique littéraire - Sunan culturel - Abderrahim Wahabi


résumé
Mes motivations pour la lecture de ce livre intitulé "Le récit féministe arabe de l'intrigue de l'événement à l'intrigue du personnage" du Dr Abderrahim Wahabi, dans lequel le savoir se mêle au personnel, car cette lecture ne constitue pas un briefing complet des faits critiques du livre, il ne prétend pas non plus couvrir de manière exhaustive ce texte distingué et la référence importante dans le domaine, et je me suis arrêté aux limites de ce qui est cognitif pour me concentrer sur certains éléments en termes de responsabilité car ils constituent un sous-forme au sein de la structure architecturale du livre, et notre ambition dans cette lecture peut être de suivre le cheminement tracé par le même critique dans l'action critique.

 

   أولا السنن الثقافي

من ناحية موضوع هذا الكتاب فهو مخصص  لدراسة السرد النسوي العربي، وهو قوام شائك يعود لكتابة المرأة وما مرت به من مراحل وتطورات متباينة، وبقدر ما لا يعنينا الدخول في تفاصيل هذه المراحل نقف على حافة المفهوم أدب نسوي عند الأستاذ عبدالرحيم وهابي ، حيث تطرق المؤلف لمواضيع متفرقة من كتابه وخاصة الإشارات التي جاءت أساسا كاقتباسات ، وهو يتحدث عن خصائص السرد المؤنث مصورا المغلق ومهتما بالتفاصيل الصغيرة للجسد الأنثوي وغرف النوم، و بهذا يمكن اعتبار الرواية النسوية العربية كما جاءت داخل المتن: " قناعا للسيرة الذاتية، تعتمد على البوح بحميمية الذات وأسرارها ... مع الاعتماد على الاستبطان، والتمثل لموضع الوجع لديها، فكتابتها نبض للقلب، وانفتاح على الداخل" (1).
ومن خلال استقرائنا لجل النصوص السردية التي اعتمدها المؤلف والتي يزخر بها الكتاب بما هي مجهودات جبارة لرصد خريطة الكتابة النسائية على امتداد العالم العربي، يبدو أن هذه الكتابة ما تزال مهووسة بيوميات متشرنقة داخل الجسد ولا تخلو من تكرار هذا المنظور على مستوى المنهج، فخطاب هذه السرود كما جاء على لسان جيرار جينيت يمكن ان يقول مرة واحدة ما وقع مرات لا نهائية حيث يقول: "على سبيل التبسيط يمكن القول أن حكاية أيا كانت يمكنها أن تروى مرة واحدة ما وقع مرة واحد، ومرة واحد ما وقع مرات لا نهائية، ومرات لا نهائية ماوقع مرة واحدة، ومرة واحدة ما وقع مرات لا نهائية"(2 ).
لا بد أن نضع نصب أعيننا واقعة منهجية اعتبرها أصلا في مقاربتي كتابة المرأة وهي تتعلق بكتابة الرجل حيث لا يمكن أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا سنقيس كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل.
وإذ نتبنى ونقترح مصطلح "الكتابة النسائية" نعتبر أن هذا المطلح يقوم فقط بدور تصنيفي، فهو يمكننا من رصد خصوصيات هذه الكتابة على اعتبار أن مصطلح الكتابة النسائية يؤكد بالخصوص على أن للمرأة الكاتبة تصورا مختلفا للمسكوت عنه بمقدار الفروق الفردية بين الجنسين، واعتقد أن اللبس الحاصل في رنين المطلح والمفهوم ماهو إلا نتيجة للخلط المنهجي الحاصل بين صيغتيتن: صيغة (الأنثى والكتابة) وصيغة (المرأة والكتابة).
فالصيغة الأولى (الأنثى والكتابة) تركز على أهم خاصية لدى المرأة وهي الأنوثة وتلخص المرأة في صفتها الجنسية ولاتجعل الدائرة تتجاوز الطرح المقتصر على الأنوثة والذكورة في بعدهما الطبيعي، أما بالنسبة للصيغة الثانية (المرأة والكتابة) فإنها تستند على مخرجات مقاربة النوم الاجتماعي وتعتبر في المرأة الجنس و الكيان و الشخصية القائمة على البناء الثقافي حيث الكتابة واجهة تحررية من التصورات السائدةـ فالقول بكتابة إبداعية نسوية/نسائية تمتلك هويتها وملامحها الخاصة يفضي إلى واحد من حكمين:
أ‌-    إما كتابة ذكورية بقلم مذكر أو مؤنث/قاسم أمين/ تمتلك هذه الهوية والكيان والخصوصية وهو ما يردها بدورها إلى الفئوية النسوية.
ب‌-    وإما كتابة بلا خصوصية جنسية أي كتابة خارج الفئوية مما يسقط الجنس كمعيار للتمييز.
•    هل مصطلح" الكتابة النسائية، داخل الممارسة الاجتماعية، يتمكن من خلاله الناقد معرفة حدود تواجد المخيال الذكوري في المنتوج الإبداعي النسوي على اعتبار أن التنشئة الإبداعية للأنثى كانت من مشملات الثقافة الذكورية؟
•    هل صيغة المؤنث كافية لتحديد التصور النسائي للعالم؟
    ثانيا الناقد النسائي: حدود القراءة
يبدو أن الاهتمام بالكتابة النسائية يتطلب التسلح المعرفي بالقضايا الجندرية واللغوية خاصة أخذ الحيطة والحذر مما تنتجه اللغة من معاني تحجرت في المعجم الذكوري وهذا ما لمسته في ثنايا كتاب الدكتور عبدالرحيم وهابي "السرد النسوي العربي" وهو المختص في قضايا اللغة والتواصل وتحليل الخطاب وهو ينقش في وعينا النقدي ويصور المغلق وفاعلية الحواس وشاعرية الحلم وأزمة ميديا ويصور الجسد الآثم وعقدة البكارة ليحيك للجسد المؤنث قيمة ثقافية فكان المؤلف يصغي إلى الشفرات المؤنثة المبثوثة في النصوص السردية التي اعتمدها مدركا لإيحاءاتها، لا على مستوى البناء التشريحي الفيزيولوجي أو ببنائها الثقافي والاجتماعي.
    ثالثا النسق النقدي: النقد النسائي/النقد النسوي
إن الكتابة التي تكتبها المرأة عند الوهابي مفتوحة على مستوى التجنيس حيث استقطبت وجهات نظر متعددة /أدب نسائي/أدب أنثوي/أدب نسوي من حيث أن كتابة الجسد التي انخرطت فيها المبدعة يمتلك هويتين الأولى ساهمت في تأسيس الثانية وحددت ملامحها، فأصبحت كتابة الجسد  writing bodyكما لمسها المؤلف من خلال استشهاداته والروايات التي قرأها مرتبطة أشد الارتباط بالخرق السوسيو- ثقافي حيث تتمثل الثقافة العربية جسد الأنثى بما هو موضوع ملتبس بسبب ثقل المحظورات التاريخية وطغيان ثقافة التحريم على آليات الإبداع,
 وليس اعتباطا أن يخصص الباحث الفصل الرابع للحديث عن الجسد والجسد الأنثوي خاصة ليقف على حقيقة مفادها أن هذا الجسد قبل تسريده كان يرزح تحت وضعية بدئية لا تحيل إلا على ما هو وظيفي متعي يعود بالجسد إلا حالاته الملآى بالرغبات وأوهام الذات، وهي كلها تمظهرات تقع ضمن دائرة المحظور والممنوع والمحرم من طرف المنتفع (المذكر).
ولهذا كان الجسد الآثم محددا لهذا الفصل الذي حاول عبر صفحاته (127-161) أن يستعيد لهذا الجسد قيمته الثقافية بالرغم من أن الكتابة في الكثير من النصوص القديمة والحديثة كتبت أو حكت بلغة القاموس المذكر وليس بلغة الأنثى، وبالتالي فالنساء الكاتبات رغم تعددهن واحدة أي كلهن شهرزاد وكل الحكايات حكاية واحدة.

    رابعا التلقي وآلية الدفاع الذكورية
وإذ يصرخ الجسد داخل النص منكتبا يتلصص المتلقي ليستمع بنتوءاته داخل الحقل الأدبي حيث تتمتع الكاتبة في جنس السرديات بحس فني مغاير يجترح من الكتابة بناءاته ودلالات نصية تتطلع على مستوى الأشكال والمضامين والاستطيقا إلى الحديث عن الذات بضمير المتكلم حتى تخال أن كتابتها إقرار واعتراف بشبهة النص وتأويلاته وكأن كتابة المرأة اعتراف صامت بما أن جسدها ذو قيمة أيروتيكية قي الثقافة الذكورية، " فضمير الغائب لا يملك سلطان التحكم في مجاهل النفس، وغيابات الروح، على حين أن ضمير المتكلم بما هو ضمير للسرد المناجاتي يستطيع التوغل في أعماق النفس البشرية" ( 3) حيث أن الأشياء الحميمة نكتبها ولا نقولها كما يقول هنري ميشو. ويشكل المجال العشقي أهم تيمة يحفل بها النص النسائي باعتبار أن حديث المرأة في العلاقات العاطفية يعد بمثابة خرق للمسكوت عند اجتماعيا حيث يصنّف الحب داخل الاعراف والعادات والتقاليد المجتمعية جريمة أخلاقية، ولم تهتم المرأة بالحرية في الحب إلا لكونه يحقق لها الاختلاف والتميز بالرغم مما يشكله من خرق وما يمثله من محظور في العرف الاجتماعي والقيم الأخلاقية الدينية.
ولم يكن لنسقية البناء النقدي عند الدكتور عبدالرحيم وهابي إلا أن يصل إلى نتيجة تحفل باستطاعة الكاتبة وعن طريق اللغة أن تستعمل بفنية التقطيع الفيزيولوجي لجسدها وهي تنيبه في الكتابة عن نفسها، حيث انكتب عنها داخل النص نظرا للعلاقة الخاصة والمتشكلة ما بين المرأة الذات والمرأة الكاتبة وما بين جسدها وموضوع الكتابة، وكأن على كل نص نسائي أن يحقق ذات الساردة بما هو ممتلئ بجينات شهرزادية يتم التفاعل معها بصيغة المفردـ قربته اللغة من عقل الرجل حيث نتج عن فعل التلاقي هذا ولادة الأنثى الرمزية بصيغة الجمع تملك فيه الكاتبة القول والفعل.
وإذ يتحدث الفصل الخامس من كتاب (السرد النسوي العربي) عن ما ورائية القص في السرد النسوي العربي يضع المؤلف يده على اشكالية تلقي المسرودة النسائية حيث توضع على المفترق بين الواقعي و المتخيل إذ " تغذو المسألة حساسة، عندما تربط بين ما تكتبه المرأة وبين ما تعيشه في الواقع، فأن تكتب المرأة عن تجربة المرأة وبين ما تعيشه في الواقع، فأن تكتب المرأة عن تجربة الحب، لا يعني أنها تنقل تجربة عاشتها في الواقع" ( 4)ليخرج الأستاذ عبدالرحيم وهابي بخلاصة يؤكد فيها ضرورة تخليص أدب المرأة من هذه المحاكمة الظالمة.
وحيث أن التفسير النقدي يؤكد جدل الانتقال بين ثوابت النص ومتغيراته المتعاقبة والمتزامنة، فالنص النسائي بهذا المعنى يتحرك في اتجاه خلق ردود فعل القارئ التي تكون حسب بيير زيما مستقلة عن سياق نشأة النص وغير مستقلة عن بنيته بمعنى غير مستقلة عن الثوابت الدلالية والأساليب السردية، أو قارئ خارج التخييل كما قالت سوزان لانسر.
فالقارئ هنا يأتي النص من خلال مرجعياته التي تحدد بدورها المعطيات النهائية لتفسير شفرات النص وهي مرجعيات تتمحور حول المركز حيث تلخص الانسانية في الرجل" فالإنسانية في عرف الرجل شيء مذكر، فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الانساني الحقيقي.. أما المرأة فهي تمثل في عرفه الجنس الآخر" (5 ).
وإذ يتطرق المؤلف إلى قضية الحبكة خاصة وهي بين حبكة الحدث وحبكة الشخصية، يركز   مرافعته هاته لصالح هذه الكتابة وكأنني به يريد أن يؤرخ لمرحلة متأخرة من كتابة المرأة حيث قال : "لقد صار جسد المرأة في الكتابة النسوية مثقفا، يعرف حقوقه وواجباته، ويعرف كيف يحترم ذاته، ويستمتع بوجوده، ولم يعد سلعة، أو هدف... ولم نعد نجد في كتابة المرأة وصفا للجسد، بقدر ما صرنا نراه في حالة فعل، يتحرك، ويشعر، ويقرر ويعاني الكثير" (6 ).

    رؤية وبعد نقدي متفرد وكأنه يميز بين

   نص يعيش داخل الجسد كمتغير ثقافي
 
نص التحرر عبر الجسد  النص التحرري
رضوى عاشور في رواية ثلاثية غرناطة
إننا أمام هجنة تؤكد على تحدي التقاليد الذكورية عبر التناصات التاريخية لالتهام الآخر
ليلى بعلبكي
 تم تطعيم الجسد كوسيلة خرق لسلطة الآخر.
خناتة بنونة
إشارة وجود من أجل إثارة انتباه الآخر ومساهمتها في تحرير أخيها العبد.

  

ولهذا تشتغل الساردة بالحكي وفق منطق يجعلها منفصلة عن المؤلفة "فما لا يستطيع البطل أن يقوله لا يستطيع المؤلف أن يخبر به" كما قال مارتن والاس في كتابه نظريات السرد الحديثة،فما على المؤلفة للمسرودة النسائية سوى أن تتشبث بالحضور الواعي للساردة باعتبارها منتجة للنص من الداخل.
ولما يعجز المتلقي الذكر للمسرودة النسائية عن إعادة صياغة فعل الحكي الخاصة وتطعيم واقعيتها بالتخييل تمارس القارئة ما أسماه روبير اسكاربت بمطالعة هروب حيث تنضاف القارئات إلى جانب المتلقين بشكل كبير يقول "إن تصرف القارئات يبدو، في جميع الطبقات الشعبية، متجانسا أكثر من تصرف القارئين " ( 7).
خاتمة
 إن النسق النقدي عند الدكتور عبدالرحيم وهابي في كتابه الموسوم بالسرد النسوي العربي من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية ومن خلال مجموع الفصول داخله، تشكل السند الرئيسي الذي تقارب من خلاله هذه الكتابة حيث تواجد مستويين:
 يحدد الأول للأستاذ وهابي قدرته على الغوص في بنية السرد النسائي العربي من خلال  رصده لسرود نسائية غطت خريطة العالم العربي ومن ذلك فإننا لا نستطيع أن ندرك ما يحتوي عليه الواقع إلا من خلال ما يجود به اللسان.
كما يتشكل الثاني في البناء النمذجي لهذه الكتابة التي تسمح لقارئ هذا الكتاب أن ينتقل من العالم الواقعي إلى عالم الممكنات .
وفي الأخير لا يمكن إلا أن نقول على لسان الشاعر ميشو " في غياب الشمس تعلم أن تنضج داخل نص نسائي"
المراجع

    1. الأخضر بن السائح، سرد المرأة وفعل الكتابة 2012، دراسة نقدية في السرد وآليات البناء ، دار التنوير، الجزائر، ط1، 2012، ص 54..
    2. جيرار جينيت، خطاب الحكاية بحث في المنهج، ترجمة محمد معتصم، عمر حلي، عبدالجليل الأردي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1996 ص 130.
    3. عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية، ص 185.
    4. عبدالرحيم وهابي ، السرد النسوي العربي، ص169.
    5. سيمون دي بوفوار، الجنس الآخر، ص 6.
    6. نفس المرجع السابق، السرد النسوي العربي،  ص158.
    7. روبير اسكاربت، سوسيولوجيا الأدب، 121

    

د. ادريس عبد النور

د. ادريس عبد النور

Partager cet article
Repost0
19 janvier 2020 7 19 /01 /janvier /2020 14:09
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020

 

أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر 

يناير 2020

_99182_pen

النقد الجندري: تمثلات الجسد الأنثوي في الكتابة النسائية

للكاتب المغربي الدكتور عبد النور ادريس

 

صدر عن منشورات دفاتر الاختلاف ، يناير 2020 ،كتاب نقدي بعنوان "النقد الجندري: تمثلات الجسد الأنثوي في الكتابة النسائية، مطبعة بلال /فاس، للدكتور عبد النور ادريس يقع الكتاب في  309 صفحة من القطع المتوسط.

سيكون الكتاب متوفرا بمعرض الدار البيضاء برواق مكتبة دار الأمان,

 

أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
Partager cet article
Repost0
6 novembre 2018 2 06 /11 /novembre /2018 10:40

أسرار موقعة

 خالد ساحلي

قاص وكاتب جزائري

 

ــ كان من المفروض أن تتأنق في الملبس حتى تبدو كخلق الله، عيون الناس هنا تقوم بعملية مسح عجيبة، الناس هنا كائنات غريبة حتى إنهم يهتمون بأقل التفاصيل التي يجب على الإنسان إخفائها. قالت له

ــ تعني حتى الثياب الداخلية بإمكانهم رؤيتها ، هذه أمور عجيبة حقا تحدث في هذا المكان، كان من المفروض على الدول التنافس لأجل هذه القدرات العجيبة  لتستثمر هذه الطاقات الجبارة وتمتلكها  حتى تعزّز بها أمنها القومي.

قال ساخرا بفم ينم عن طيبة و وجه ملائكي.

ــ لا تهزأ بي قلت لك أعطي قليلا من الاحترام لنفسك ، أنت لا تتميز عن أي متسول قد تصادفه في الطريق.

ــ المتسولة هم في الغالب ضحايا سرقات من أوكلت لهم أمور حماية الضعفاء والذين سطى عليهم الزمن و قست عليهم الحياة.

ــ كما تريد المهم نبهتك لأمر قد لا تأخذه مأخذ الجد و لكنك ستشكرني يوما ما حين يتجسد كلامي أمام ناظرك ويتجلى لك معناه.

ــ لكن يا عزيزتي أنا لا أرى فرقا بين ما أرتديه و ما يرتديه غيري إلا في بعض نواحي التكليف، المهم لا أبدو عاريا.

ــ لا لا يا عزيزي الأناقة تفتح لك أبوابا كثيرة و تجنبك بلايا كبيرة والعين التي تحتقرك تحترمك، الناس مهتمون للمظهر فلا تأخذهم بالباطن ، أنت لست روحانيا ولن تكون صوفيا.

ــ هل يفرض الاحترام ويقيّم  الإنسان بهذه الكيفية وعلى هذا المنوال؟

أمالت رأسها في كبرياء تحرك من خلالها شعرها الطويل الذي كان يتدلى على الكتفين بلون القش ، صاعرت خدّها كأنها ترفض كلامه جملة وتفصيلا مبدية إمتعاظا  وقليل  من غيظ وانزعاج. في الحقيقة هذا الحوار دائما يبدأ في الصباح أو في الليل حين يهجعان إلى سريريهما.   في السريرلا يفعلان  شيئا غير النوم ، وكالمعتاد هو لا يعطي الأمر أكثر من حجمه .

يعرف غالبية  النساء طبعن على الأمور المتعلقة بالزينة و الأدوات و الألبسة وأجهزة البيت. لذا يلتزم ما أمكنه من صمت لأجل أن ينفلت من حزمة التعليقات والملاحظات التي لا تتغير وكأنها أغاني أم كلثوم لا تملها والشيء الذي لا يستطيع الإنسان فعله يصمت عنه.

يهرب ما أستطاع من تأنيبها فلقد شغلت مكان أمه، الفرق بينها و بين أمه أن أمه تعاتبه على مظهره الذي لا يتغير ولا يتبدل وبالمقابل تعطف عليه مهما تخلى عنها ؛ أما زوجته فسلطة رقابة صارمة عليه .

 لقد عرف زوجته من سنين في شوارع العاصمة كانت منبهرة بشخصه حين كلّمها بلغة الإعجاب و الأخلاق و عن الحياة و تعقيداتها وعن المبادئ السامية التي يناضل من أجلها الأفراد ، لطالما قال لها أنه يريد أن يكون رمزا وطنيا أو مثالا للشباب أو على الأقل فردا يفرض احترام الغير له، كانت تبادله نفس الشعور وتعدّ له كم من امرأة في التاريخ صنعت رجالا و كانت قاعدة خلفية معنوية ربحها الرجل و أنهن معشر النساء عظيمات إذا ما أردن أن يكن كذلك. صدّقها و صدقته ؛ مع هذا كانت بين الحين و الحين تشير إليه و لو رمزا على أنه أنيق و لو يتأنق أكثر بثياب جديدة لكانت تنسجم معه أكثر لأنه يبهر الناس  بجماله و جسده. كان يصدقها الحديث بأن ثيابه رثة  ويبتاعها من سوق الرثاثة المستعملة القادمة من أوروبا و التي تعج السوق ببائعيها، ولا يجد حرجا في ذلك البتة وما العيب إن كانت هذه الألبسة أمتن وأبخس ثمنا من هذه الثياب الحارقة التي تشوي  أصابع من يلمسها لغلائها. يبدو لها الأمر عاديا فتغير في حديثها و لكنها تعيد الأغنية دائما وتكررها على نحو استثنائي حتى لأنه يشعر أنه لم يسمع هذا منها أبدا.

ــ تدري إن صديقاتي كلهن يمنحن كثيرا من الوقت لألبستهن وقد ينفقن كل ما يملكن من أجل فستان موضة جديدة أو مستحضر تجميل...

هذا يسمعه كثيرا مكررا، هو لم يرد سماع هذا بتاتا لكنه مجبر الآن على ذلك بعدما صارت زوجته ؛ يا لغرابة الزمن؟ التي كانت تكلّمه عن تاريخ الثوار في كوبا وعن نظريات المؤامرة  وعن الخيال العلمي الذي بفضله تمكنت أمريكا من إنشاء قاعدة عسكرية على المريخ و على الانفجار الأعظم الذي يبحث عليه كثير من الفيزيائيين و علماء الذرة و الذين يريدون فناء الدنيا من خلال بحوثهم هي الآن تتغير...

 مجبر هو على الإنصات إنه  فن صبر ولكم كان مجبرا وقتها وهو يخطب ودها أن يصبر لسماع هذا الخيال الخصب الغير منظم و الذي بدا له وقتها أنها تستقيه  من طاقة شبابها وعاطفتها لا غير، كانت بمثل قناة تلفزيونية  إشهارية تتكلم ؛ الأكثر من ذلك تيقن بلا ريبة بأن أحاديثها التي يسمعها هي نتاج ثقافة مشاهدة الأفلام الكثيرة التي تعج بها القنوات.

 الآن صار أكثر من ذي قبل ، أنتقل مع الوقت من مستمع  إلى أحاديث ثورية وأخلاقية إلى  مستمع لأشهر الموضات و الماركات .

كانت mamia    وهذا اسم دلال تغدق على نفسها ما استطاعت ولم تعد تلك المرأة اللينينية التي تباهت بمعارضتها لوالدها ورفضها لما يقدمه لها من هدايا وأموال، كانت على قدر كبير من الجمال وسعفها الحظ أن تكون صحفية إعلانات في إحدى الصحف المشهورة في العاصمة. فهي الآن تشتغل بنسبة أرباح  وتعرف كيف يمكن الوصول إلى قلب الثروة والحصول على اللازم منه ، لقد ابتكرت أنواعا من الإقناع بفضله  تمكنت من زبنائها وتمت التواقيع لعقود إشهار كثيرة . هي ترجع الأمور دائما إلى ذكائها الخارق و لو أن ذكائها لا يعدو أن يكون معلّقا بأشياء تابعة للجسد . لقد تمكنت بفضل وساطات والدها الذي صالحته وتراجعت عن كثير من مبادئها التي اعتقدتها خاطئة إلى حد كبير و ضيّعت الكثير من عمرها في تصوف أحمق وفي  تفاهات كانت تسمعها من هنا و هناك لبعض الفاشلين كما تسميهم الذين كرهوا الحياة وأكرهوها لغيرهم.  صالحت والدها و عوّضت ما فاتها من نعم الدنيا الكثيرة ، ولكم حسدت إخوتها وأخواتها الذين انتفعوا من مال أبيها الذي يتففن ويبدع بالإتيان به ولو كان في فم الغول.

 الآن لا يهمها من أين يأتي بهذا المال كله ، وما العيب إن كان الناس هم الذين يجودون به عن طيب خاطر ويستعبدون به أنفسهم بحاجة أو بدون حاجة. خدمات الأب لا تنتهي و كلما أرادت الحصول على غرض ما ترفع هاتفها المحمول و الأمر قضي في بضع دقائق.

 العمل الاشهاري مربح ومفيد، مكّنها من السفر كثيرا ، السياحة ، التمتع بالأكل الفاخر ، الفنادق الفخمة ذات الخمس نجوم ، إنها تنتفع لكل الذي تشهّر له، إنه عملها و تحبه و تتقنه إلى درجة قد يصل إلى كمال نسبي.

أما جوميار فقد أتضح له أنه لن يستطيع تغيير طباع زوجته مهما فعل بل إنه يخشى أن تنقلب عليه وتجعله يعيش باقي أيامه في محنة و عذاب و صراع بخاصة و هو الذي يكره الحروب الكلامية و لا يقوى حتى على مجابهة  إنسان ضعيف فما بالك بأسرة كاملة محاطة بالمال والهيبة والسلطة والسلاح ولذلك جنح للسلم في هناء وترك الأمور تجري كما أرادت mamia لها أن تجري، الشيء الوحيد الذي كان يرى فيه بارقة أمل أن تتركه زوجته هي لا أن يتركها هو وأن يرتدي لها الثياب التي تحرجها مع صديقاتها و طبقتها فتكرهه لكن وأسفاه يحزن فالحيلة لم تنطلي عليها.

 أحيانا كثيرة تلبسه عنوة لباسا قد تشتريه له من إحدى المحلات الفاخرة من قلب العاصمة لكنه يهمله و يكرفسه ، ففي الحفلات التي تدعى إليها لا يصطحبها جوميار أبدا ، تقتصر مهمته على حراسة البيت مع كلبه الذي يسميه جاك و الذي يلهو معه و لا يسكت عن مناداته "jack viens ici jack viens ici   "  يشعر جوتيمار أنه مهان في كرامته و هو يرى زوجته mamia      تأتي في منتصف الليل نصف عارية إلى ساقيها يصطحبها رجل  في سيارة فخمة ، يكثر مرافقها من الضغط على المنبه حتى أن الجيران يستيقظون، يطل جميعهم من وراء الزجاج بعدما يشعلون أنوار بيوتهم على الذي يزعجهم ليلا فيرون أنها mamia   زوجة جوميار المسكين. الواقع فهي  كلما دعيت لحفلة ما إلا و أوصلها رجل بملامح جديدة، هي اللعينة التي تصّر على أن يضغط على المنبه جتى يخرج جوميار الذي لا ينام والويل له إن أغمض جفنه ، إنه  ينتظرها حتى تأتي ليخرج مهرولا في اتجاهها و من ثمة تتكئ على كتفيه لأنه يعلم أنها أفرطت في الشرب ولا تقوى على رفع رجليها مترنحة يمنة ويسرة والسيجارة لا تفارقها ، تمصها و تأخذ نفسا عميقا بشفتيها المطليتين بأحمر شفاه فاضح ثم تنفثه في وجه جوميار وتخاطبه بعبارة:

ــ عزيزي لم تنم لا زلت تنتظرني كم أنت لطيف مثل جاك.

ينقلها مباشرة إلى السرير و كلبه يتبعه، يغطيها كما اللازم فتغط حينها في نوم عميق إلى أن تبزغ شمس الغد ناسية أمر الذي حدث كلية، هو لا يمانع أن لا تقوم بما تقوم به، ولا يخبرها بما فعلت ليلة أمس . mamia   تعتقد أن جوميار  يخفى عليه أمر علاقاتها المشبوهة التي تربطها بكل هؤلاء الذين يقلونها؛ المسكين لا يتوانى على إغفال الأمر و اعتبار الذي يحدث عقابا له عن سوء اختياره و اهتمامه بالقشور بدل اللب، نادم على استعجاله الارتباط بهذا الكائن الذي  لا يراعي فيه أدنى شعور يكررالجلمة في نفسه ندما "الشجر العظيم يلد ثماره في وقت طويل"  لقد أنخدع في صورة mamia   التي كان يراها ملاذا آمنا وشراعا لسفينة عمره والآن يراها تتحول إلى عاصفة تقتلع كل جميل غرسه في ذاته.

الجريدة التي تعمل فيها mamia   منحتها ترقية في زمن قصير تدرجت خلالها في المناصب ما جعلها تغّير في إستراتجيتها و تستقيل من هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى  إلى أن صارت امرأة أعمال مشهورة ، جوميار لم يكن يشعر أنه متزوج  بل ظن نفسه دوما خادما مطيعا والذين يرونه يعتقدون أنه خادمها الذي يصطحبها أو حارسها، بل وصلت الوقاحة  بزوجته أن أدخلت عشاقها إلى  بيته . كان هؤلاء العشّاق يرمقون جوميار بنظرات ازدراء فظيعة مقيتة وهو لا يعير هذه العيون الوقحة أي اهتمام كان ما يهمّه اللهو مع كلبه دائما مهملا كل الذي يجري من حوله:

ــ "    allez jack viens  viens ici mon ami  ici ici

  الكلب جاك كان يشعر بالألم الذي يعانيه صاحبه و لكم من مرة ينزعج جوميار حين تركل mamia   كلبه  بحذائها المدبّب وتوبخه بضرب مبرح بعصا فولاذية وتبصق عليه فيصّوت  الكلب جاك ألما فضيعا في نباح يشبه العواء ، الكلب يكشّر عن أنيابه على الدوام وينظر في mamia   بعينيه الكبيرتين اللامعتين و المنفجرتين قدحا و شررا و غضبا و حقدا، لولا جوميار لهاجمها  دون ريبة ومزّقها إلى قطع،  يجذبه  جوميار إلى صدره ويمسح على ظهره ويهدئه.

Mamia   تنزعج من جوميار حين عودتها من شركتها ، بالكاد تجالسه لدقائق إلى أن تنادي على السائق من خلال هاتفها المحمول و تأمره أن يشغّل محرك السيارة لأنها ستتوجه إلى موعد ضربته مع أحد الزبائن لتنهي صفقة مربحة، ببرودة أعصاب تقول لجوميار:

ــ " آسفة عزيزي لكنه العمل، أنت لطيف و متفهم"

ثم تغادر في خيلاء، الحقيقة أنها تتجه مباشرة إلى صالون الحلاقة مهيأة نفسها لحفلة جديدة من حفلاتها. هي فخر والدها  لأنها تمكنت بدهائها إلى ربح كل هؤلاء الأشخاص و السياسيين والضباط و المقاولين ورؤساء العصابات  كلهم في كفها، جمالها ومركز والدها منح لها كل ما تريد الحصول عليه فلا قوانين و لا شيء آخر يمنعها أو يحول بينها و بين الذي تريد فعله؛ إنها الصفقات المربحة .

ظل جوميار على حاله كما العادة  دائما لا ينتفع بهذا  الخير الوفير، فهو قانع بعمله الذي يتقاضى منه مرتبا محترما ، كان عاملا ببريد العاصمة وكان زملائه يعرفون ما يعانيه ، الجميع يهاب إثارة  موضوع زوجته أمامه التي كثر الكلام عنها في كل العاصمة بل أنتقل إلى مناطق أخرى، كانوا يخافون سطوتها و سطوة أبيها أيضا، جوميار  يعرف هذا  و هؤلاء المنافقين إنما يتحاشون ذلك خوفا  مما سيلحقهم لو أقدموا على هذا فليس احتراما لشعوره الإنساني و شفقة عليه الملاعين كما يقول الشيطان يسكنهم في أدق تفاصيل حياتهم.

لم يكن ليمنح نفسه الأبهة التي تأمره بهmamia     في كلامها الملعون كل يوم ، الحقيقة أنه صار رجلا مضجرا بالنسبة لها و لا تراه يصلح بأن يبقى زوجا لها . طردته من منزلها بطريقة غير لبقة بعدما منحته شقة في عمارة تبعد عن العاصمة بعشرات الكيلومترات وببرودة جليدية وقحة كسرت بها الأيام الخوالي الجميلة ، قتلته حين سخرت منه أن قالت له:

ــ خذ كلبك وأرحل.

لقد رفض كل ما أعطته إياه بروح رواقية فأكترى لنفسه منزلا مهترئا في حي قديم يعج بالمجرمين و اللصوص وتجار المخدرات ، في أول يوم قال لنفسه أهلا بك في جهنم.

 لقد طردته مع كلبه شر طردة ، شعر بتحرره أخيرا و قد نال مراده دون مواجهة ولا عنف وأنه المنتصر في نهاية المطاف بعدما قبلت بخلعها له ، تحاشى المشاكل فعائلتها تتصرف في القضاة و رؤساء المحاكم ، نفوذها خطير ونفوذ أصدقائها أخطر قد يفتحون له أبواب الجحيم. هذه التسوية جعلته سعيدا وآن له أن يفكر في حياة جديدة تعوّضه عن أشياء كثيرة فقد معناها، آن الآوان أن يضمّد جراحه.

مرت شهور ومن خلا ل الجرائد اليومية  قرأ خبر زواج مامية من رجل أعمال كبير شاهده على الصورة كأنه مألوف لديه لقد رئاه مرارا، كان دائما يحضر زوجته كل ليلة بعد انتهاء الحفلة ، كثيرون ممن يتذكر صورهم وأسمائهم وعناوينهم و أرقام سيارتهم و أبنائهم وزوجاتهم.

كان الكلب جاك دائما وفيا لجوميار حتى أنهما صارا لمجرد النظر إلى بعضهما يعرفان ما يدور في أذهانهما ولكم درّب جوميار كلبه في الشهور الأخيرة تدريبا قاسيا، كان الكلب جاك أحسن من آدمي.

في صباح الأحد كان الراديو يعلن على أمواج هوائه نبأ مقتل mamia    في فيلتها المطّلة على البحر رفقة زوجها، طريقة القتل تقول الشرطة أنها غامضة  ويعتقد أنّ الفاعل يملك درجات ذكاء خارقة مكّنته  من اختراق كل الطوق الأمني و الحراس ، لقد استولى على كثير من المجوهرات والحلي، كانت صفحات الجرائد كل يوم أحد بعد كل شهر تعّج بكثير من أخبار القتل و الانتحار لكثير من رجال المال المعروفين وأصحاب السلطة والنفوذ الذين كانت تربطهم بmamia علاقة صداقة أو عمل .

 

Partager cet article
Repost0
20 janvier 2011 4 20 /01 /janvier /2011 23:12

 

عبد النور إدريس

 

سيناريو – تلاوين روح هائمة
بقلم: عبد النور إدريس


المشهد/1
خارجي / نهار(غروب)
مكان خارجي يضع فيه الكوبويْ حصانه


أنا الراكب على حصاني- الجسد
أقف أمام الصالون
انتهى صوت الحوافر..جلجلة رٍكاب
أنزل
الكاميرا تتجه إلى يدي وهي تربط حصاني على خشبة مطلية بالبني
أتجهت إلى مدخل الصالون- الحانة
صوت صهيل قوي
أقف ...كل رِجل في درج ... اليسرى على مدرج السلم الثانية
أستدير - موسيقى رعب مقلقة...صوت ارتطام قوي..
الكاميرا تتجه بسرعة من البعد إلى استدارة وجهي..تقف مركزة على جحوظ عيني..
cut
تتجه الكاميرا بشكل خاطف إلى الحصان الأبيض / صورة أمامية يظهر منها الرأس والرجلين الأماميين فقط داخل الكادر..
تقترب الكاميرا من الوجه وتركز على عين الحصان اليسرى
عين قوية دامعة
صوت داخلي يفتت تركيزي..
– الصوت ثقيل كأن المسجٍّلة أكلت الشريط
جسدي- الحصان يناديني ملوحا
الإحساس بالزمن ثقيل تجسده نوطة واحدة طويلة و غليظة من البيانو..
"لقد أخذتَ روحي معكّ"
رجع الصدى متقطع..

Cut

المشهد /2
داخلي / امام كونتوار الحانة
شبح رجل يعطي ظهره للكاميرا
ضوء خافت
جلبة اصوات
قهقهات نسائية فاجرة
موسيقى صاخبة
ارتطام كؤؤس..
تتجه الكاميرا ببطء في اتجاه قفى شخص جالس امام الكونتوار
ثم تنتقل الى الوجه المنعكس على المرآة .. وسط القنينات المصفوفة بانتظام
لقطة قريبة للوجه المغطى بيدين معروقتين
صوت قوي دراكولي
تفتح اليدين لتظهر وميض لقطات متتابعة لوجه الحصان الذي يعقبه وجه بيدين

Fade in
اختفاء تدريجي للصورة الشبح الجالس على الكونتوار
مع اندثار متقطع للجلبة
ترتسم على المسامع نوطة رقيقة حالمة لبيانو..

Cut

عودة للمشهد/1
خارجي/ عام (لقطة غروب الشمس)
الجسد- الحصان مرمي تحت شجرة

الكاميرا تضع أمامها عنق الحصان يتدلى منه اللجام ثم تتجه ببطء ليدخل المنظر في الكادر
آخر نزعات غروب الشمس
الخلفية الصوتية للبيانو تختلط مع صوت صهيل متدرج
في الأفق انعكاس ضوء الشمس وراء سحابة كبيرة داكنة اللون تشوبها حمرة قانية... على شكل حصان
آذان يترامى على الأسماع
" الله أكبر"
cut

fade in
اختفاء تدريجي لمنظر غروب الشمس

ظلام شامل على الشاشة ينبعث منه ضوء متلألئ لشمعة بيضاء عادية
لهبة الشمعة تتحرك بفعل اقتراب جسم متنفس
ضوء من تحت يظهر شفتي حصان
وصوت نفخ يطفئ الشعلة
ظلام مع اشتداد صوت البيانو الحالم
Cut

ستار
جينيريك
قصة وسيناريو
عبد النور إدريس
Partager cet article
Repost0
8 janvier 2011 6 08 /01 /janvier /2011 22:30

الرواية -   الأقصوصة: جـمـجـمـة عـبـد   النـور


هذه رابع تجربة في الكتابة القصصية الافتراضية المشتركة التي سميتها بالرواية   -الأقصوصة سيشارك فيها كل من القصاصين :

 فاطمة غودي وعبد النور إدريس و وفاء الحمري

هنا بمنتدى شروق بتاريخ:28/06/2006  http://www.shrooq2.com/vb/showthread.php?t=5726

ــــــــــــــــــــــ 1ـــــ أقصوصة عبد النور ـــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ بقلم فاطمة غولي ---
هكذا كأشياء غامضة كثيرة تحدث، ارتبط هذا الاسم بالأوراق
والأقلام، بأحزان الحرف وأحزاني.
دكانه الصّغير أفق مفتوح على النّور، وقلبه الدافئ الحاني مفتوح على العطاء ، وصمته في الأيام الأخيرة ، مرير مرير يبعث على التساؤل ...
لاشيء بقي من الرّجل غير جمجمة مهشمة ، ورصاصتان تستقرّان داخل الجسد الملقى هناك .
مرّت الجمعة ككابوس رهيب ، هناك القتلى و القتلى فقط - هكذا قالوا – و من بينهم ذكر ذلك الذي هشمت جمجمته بضربة فأس ...
ووقعت بين الحلم واليقظة ، ومرّ زمن غير يسير وأفقت ، أهلي يقولون أنّي تعافيت ...
نعم ، صباح يوم أفقت على جرح ينزف بعمقي ، وما دريت له سببا ... حسبتني ألقيت من شاهق ، أو أنّي ألقيت من شاهق
أو أني نمت فوق المعتاد ، و أننّي ضائعة وحزينة كعادتي، ولاح بريق اختلاج مفاجئ ، وتذكرت موعد خروجي لاقتناء جرائد الصّباح .
سرت بتثاقل ، الصّداع ينخر رأسي ، الوجوه جامدة ، النّظرات غائرة ، والبلدة في ذهول .
سرت بعينين لا تريان ، هرولت ثمّ جريت ، ثمّ عدت إلى حالتي الأولى وعلى بضع خطوات من الدّكان .. توقفت .
شعرت بالرّهبة تجاه المكان ، خطوة ، خطوتان وتبينت الواجهة الأمامية بنوافذها المفتوحة ، الباب مفتوح ، والجرائد في المدخل وأمام الباب ، وجماعة الشّباب من الأصدقاء جالسة –كالعادة –أسفل الواجهة، ودخلت.
-
صباح الخير ..
-
أهلا .. هاهي جرائد الأيام التي غبت فيها ، لم تحضري ولم ترسلي من يأتي لأخذها .
فعلا ، لقد كنت مريضة ، لا ، نعم ، أظنّ ذلك .
يصمت الرّجل الطّيّب المجامل - على غير عادته - ثمّ يقولها دفعة واحدة :
-
فكّرت في ترك البلدة ،، ثمّ يواصل :
ولكن هنا الأهل .. الأصدقاء ، وحتّى المكان ألفته كثيرا .
وألتفت يسارا و أقول :
-
ألم تنفد - بعد – الأعداد الماضية لهذه المجلّة ؟
يكتم حسرته ، وأندم . ولكنّي على الأقلّ فهمت بعضا من أحزانه ، أو هكذا صوّر لي لحظتها .
..
يضيف، كلّما نعتقد أنّ هناك بصيصا من الأمل ، تعود الأوضاع وتنقلب من جديد .
يتنهّد ...
ثمّ يستدرك : المشكل ليس في الجرائد والمجلات المكدّسة ... سبتمبر على الأبواب ، وسيعود الكثير
من عطلتهم ..
-
انظري .. فهذه صناديق الأدوات المدرسيّة ، وهذه محفظة ألا تعجبك ؟. و أسأله عن ثمنها ، أو شيء كهذا .
أحتضن لفّة الجرائد بنشوة ، و أستشعر بعض العافية وأجد بلسما للنبأ الفاجع .
وأودّعه لشؤون أخرى .. ويدخل آخرون ...
-
هذا الرّجل يقولون ويصّرون ويذكرونه لي بالاسم ويؤكدون أنّه كان من بين ضحايا المجزرة
الأخيرة ، أحاول تقبّل كلامهم على مضض ، وحين يأتي الصّباح لا أملك إلاّ أن أذهب لاقتناء
اليوميات التي أشتاقها كلّ يوم .. أشتري أقلاما جديدة وأسأله عن أحواله .
وظلّ وما يزال .. يردّد في حسرة ، وبعد تنهّد حزين :
-
هناك أكثر من فرصة للخروج .. ولكن ننتظر..
ننتظر فهناك أكثر من أمل .. وهناك أكثر من بصيص نور في هذا الليل الحالك .
ولكن ...
وأستدير ناحية الشّارع الرّهيب ، ويصدمني الدّكان المغلق ، فأصرخ :
-
أين أنا ؟
ماذا حدث ؟


2 ــــــ أقصوصة جمجمتي...وأنا... ـــــــــــــ
ـــــــــــــــ بقلم عبد النور إدريس

لما استفقت ذات صباح ماطر...اتجهت مباشرة إلى المرآة المصلوبة على الجدار ..وضعت أصبعي تحت الجفن الأسفل لعيني اليمنى فتعرفت على عينيّ الذابلتين..وتذكرت للتو قطتي الصفراء اللون عندما تنتعل وجودها مع قط جارتي التي تأتيني يوميا وهي تحمل ابتسامتها بين يديها لتأخذ حفنة صحف لتعبر الممرات المهترئة من نهار ماطر من سنة 1997 ..
لم يكن قلبي يوحي بالدفء إلا لمن جرب وحدة طرقات المدينة...ولم تكن تساؤلات فاطمة لتوقظ فيّ أي شعور بعدم الوحدة....كان عندما يقع نظرها على جمجمتي تبرق عيناها فزعا ..وفي العديد من المرات..كنت أتجه إلى مؤخرة الدكان وأفتح أحد الأدراج وأنتزع منه صورة كنت قد كتبت خلفها جملة مازلت أذكر كل تلك المشاعر الجميلة التي أخرجتني من نفق نفسي" إليك يا فتاة قوس قزح"
لا أدي لماذا كانت هذه الجملة تحمل اتجاهاتي الأربعة وبعض الحنين إلى صوت المطر وهو يتقاطر على سقف قصدير منزلنا القديم...
نظرت إلى صورتي ثم اتجهت توا إلى المرآه...
صحت بكل قواي في وجه المرآة المندهشة من خِلقتي...
-
هذه ليست جمجمتي من هشّمها...لا شك أنها ضربة فأس عميقة..
آه تذكرت الآن...كنت أشعر قبل قليل كأن قردا قد قشّر جوزة داخل جمجمتي ..
لالالا لاشك أنني أحلم ...سأخرج لملاقاة فاطمة ...وأطلب منها أن تغرز دبوس ضفيرتها المخملية في جلدي...أكيد سأصيح...وألمّ الموضوع كأنه نكتة حلوة...
كانت فاطمة شتائية الدفء والحنان ...كانت تصر على أنني كنت من ضحايا المجزرة وكنت أصيح من ألم الدبّور المغروز في معصمي...يا لها من فتاة ...ربّما تأكدت الآن أن جمجمتي غير مثقوبة ولا ينفذ منها الضوء...
كانت تناديني بالرجل المطري وهي التي تعرف شغفي بصوت قطرات المطر على سقف الدكان ...
فجأة صرخت في وجهي:
"
أنا تعبانة يا عبد النور"..صمتت برهة ثم أردفتْ: أنت خائن ولا تقدر حبي لك ...حبّي لصحفك التي كنت تجمعها لي كل صباح...فكنت أحتضنك بين دراعي وأذهب بك إلى البيت وأقرأ في كل صفحاتك ...كنت عاشقة لرائحة ورقك ومدادك...أما الأقلام التي أشتريها منك ...فقد فكرت بأن أقيم لها معرضا أمام مدرسة " ابن العميد" للبناة....
كيف تدخل للمنتديات وتهجرني من أجل فأرة لا تعرف سوى أن تطلق سهامها على الكلمات!!!!!؟
وقفت عيني مسمّرة على فم فاطمة وهي تغيّر من لهجتها ...لحظات خلت نفسي في خط الاستواء نائما تحت سيل من قطرات المطر...كان المطر هناك بدون صوت...لكن يمكن أن تراه تحت الأضواء الليلية الخافتة....
استدارت فاطمة فجأة ناحية الشارع المرعب واصدمت بحافة الدكان
وصرخت بهستيرية حزينة...قبل ذلك سمعت صوت رصاصتين إخترقاني ...شعرت بعطش شديد...ثم عاد صوت قطرات المطر إلى مسمعي حالما..تهمس فِيَّ حياتها القاسية ...فابتسمتُ وتهاوى جسدي ...ولم أنم في حضنها كما جاء في قصّتها

ــــــــــــــــــــــ 3ـــــ الأقصوصة الثالثة ـــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ بقلم وفاء الحمري

ساعات كنت اتمنى ان اقتحم عالم هذين الكائنين الغريبين
كانت هي قمة الذكاء تتقد حيوية وحماسا
هو كان بسيطا حد القلة كبيرا حد الكثرة ... عظيما حد السلطنة ... شامخا حد القمة ...لم املك له و لشخصه تفسيرا ...غزاني ذات ليلة وانا بين اوراقي ...وقف شامخا بعينيه الواثقتين
طردته بجرة قلم ...فتبدى لي وانا امارس حياتي الطبيعية....
اجده متكئا على حافة الاريكة بجانبي حتى اكادني اسمع حفيف نفسه الساخن ...يقترب اكثر ...يلمسني ...انفك منه بصعوبة واجري الى غرفتي...اطرح ثيابي واتمدد ...اجده تحت اللحاف اهرب ..اجري ادخل المطبخ ...اصنع قهوتي ...امد يدي لنزع مربع سكر من قاع السكرية فاذا به يمدها لي وعيناه مصوبتان كالسهم الي .... افزع...الهث...اختنق...اهرق القهوة واسرع امد يدي الى البرطمانات في الرف لاسحب برطمان البابونج والمريمية ...فنجان اعشاب مهدئة ضرورية هذه اللحظة ...رددتها مع نفسي وانا اشعل النار ...لم يكن معي الان ...تنفست الصعداء ...ملات فنجانا كبيرا بل هو في الحقيقة اناء اصيص النباتات ...لم اجد اكبر منه كي احضر فيه الاعشاب...كنت بدات ارتاح عندما وجدته سبقني الى الحديقة ...من ادراه اني ساخرج الى هناك ؟ اغمضت عيناي وسكبت السائل العشبي في معدي سكبا ...لم اتوقف الا عندما مال راسي بشدة الى الوراء اعلانا بفراغ الاناء من سائله ...جلست وهو امامي
قمت وتركته هناك ...دخلت مسرعة في حركة سباق حاسم او مطاردة شديدة ... دخلت مكتبي واقفلت علي بالمفتاح ...وتنفست من اعماقي ...اخدت مذكرتي وقلمي وبدات اكمل قصة حب رومانسية بداتها قبل ايام قبل ان يقتحم هو علي خلوتي ويوجه الهامي ويصوبه الى حيث يريد...قهقهت في سري... انا مالي و الوجع والالم ... و...
كتبت دليلة رسالة عشق الى عبد الجبار ...احم احم .... ومذا بعد ...وماذا بعد يا دليلة ...اكتبي لاكتب ....تكلمي ...تحدثي ...قولي ... دليلة خرست عند هذه النقطة ...تمخضتُ ...توجعتُ ...استحلبت ضرع الهامي ...لا شيء ...لا شيء ...التفت فجاة لاجده عند الركن الايمن من الغرفة ...صرخت ...عرفت من اسكت دليلة ...عرفت من منعها من كتابة
رسالتها لحبيبها ....يريده هو ...يريده هو البطل...لكن بطلي لا يشبهه...بطلي حالم ورومانسي...بطلي سابح في بحر الحب والاحلام...شعره حرير وقلبه ذهب ...
هو رجل قاس... اظافره مقضومة ... شعره اشعث ...قلبه حديد صلب... محارب من زمن الشجعان ... عليه ثقل يحمله منذ ولد ... حمّله اياه ابوه الذي ورثه هو ايضا محاربا عن محارب ...
وجهت وجهي الى باطن كفي ومسحته بقوة ... اخذت المذكرة ...مزقتها ...كسرت القلم ... جلست الى حاسوبي ...
لم يكن يتبعني ... تفقدته ....افتقدته .... استلهمته ... لم اجد صعوبة ...كان بداخلي هذا المتمرد ...كان ساكنا فيّ ....كان يتلبسني ...يتملكني ...كنت اتظاهر بالجنون كي اطرده من محفزات الهامي ... لانه يشبهني في ثورته ... كان الرجل الوحيد والاوحد في تلك البلدة ...الباقين لم استرض ودهم لانهم اشباه ونسخ ... هو الوحيد الذي لم يكن يشبه احدا ...الا اني اقتبست منه شهابا استمد منه النور في ايامي المظلمة ...
في يوم حالك لم اجد مني مزيدا من العطاء ...مزيدا من الخلق ...مزيدا من تنبيت البطولات ... سمعت نشرة الاخبار ..
توجهت راسا الى الحاسوب ...نقرت على ملف الرواية...ضربته طلقتين عن قرب...تهشمت جمجمته...التفت اليها...فاطمة ...وجدتها هناك في بيتها لم تدر بعد بما حصل ... اخبرتها اني قتلت البطل ...لم تصدق ..سقطت ارضا ومرضت اياما ...خرجت باذني تبحث عنه ...كنت معها ...اخبرها الحقيقة وهي غير مصدقة ...سمعت صراخا التفت ...وجدتها ساقطة على الارض..
عندما قدمت الرواية الى دار النشر وقراها اخبرني ان زمن البطولات انتهى ....وعزاني في وفي نفسه ...وقبلت العزاء ...
عدت البيت ...فتحت ملف الرواية ....ايقظت عبد النور ...مسحت عنه دمه ...رتقت ثقوب جمجمته ... ضمدت جراحه ...سرحت شعره ...عطرته ...اشربته خمرا ... حقنته مورفين كي ينسى شخصه الحقيقي حتى لا يتمرد مرة ثانية ...
وضعت زهرة في يده ...هاتفت الحبيبة ...جاءت على عجل ...تعانقا ...غابا عن الدنيا ...كان في القرب صوت اطلاق نيران ...جعلتها انا نيرانا صديقة ...مجرد طلقات من مسدس اطفال ...كنت اريد ان الا يستيقظ من غفوته...بطلي ذاك الغير المرغوب فيه ... قتلته وانا اتالم ...
اليوم قدمت لصاحب دار النشر روايتي المعدلة ... لا ادري ....ربما استعدتها منه ... ربما احييت بطلي عبد النور ...ربما حنوت على فاطمة ...
ربما .... ربما ....ربما ....

Partager cet article
Repost0
8 janvier 2011 6 08 /01 /janvier /2011 22:16

 

 

الرواية – الأقصوصة : لا أدري....( عمل افتراضي مشترك)
بقلم عبد النور إدريس و وفاء الحمري


عبد النور إدريس
الحوار المتمدن - العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23

تقديم العمل:

كتبت الأقصوصة الأولى ( لا أدري) فتابعت القاصة المتميزة وفاء الحمري سرد أحداث جديدة في معارضة قصصية رائعة بدون تنسيق سابق، فجاءت الرغبة في دخول هذه التجربة ( الرواية -الأقصوصة) التي تتطلب مشاركة أكثر من قاص لتخرج متكاملة...
ويسرني أن أعلن عن ميلاد هذا النوع من المعارضات القصصية ( الرواية الأقصوصة) كمتخيل جماعي الذي بدأ في منتدى ميدوزا .
شكرا للأخ نضال قحطان المشرف على منتدى فضاءات التي تمّ فيها هذا العمل بدون مضايقات...
http://www.fdaat.com/vb/showthread.php?t=3050


الأقصوصة الأولى
بقلم : عبد النور إدريس

يسوق دراجته الهوائية ..يحمل وراءه كل يوم صنفا معينا...كيس1...كيس2...تبن..حشائش...ملابس قديمة..ملابس جديدة..اكياس... ثم أكياس..

يمر أمام الجمركي الوشيك التقاعد.. استوقفه العجوز كما في كل مرة.. وسأل صاحب الدراجة راجيا..

أنا لست مغفلا...أنا أحس أنك تُهَرِّب شيئا ما فوق دراجتك.. قل لي أستحلفك بالله ..أفتشك دائما ..ولا أجد معك شيء .. أنا لا أدري شكل تلك المهربات...قطعا إنني أشم رائحة التهريب في عينيك...

أنقد حيرتي..وقد بقي لي سويعات على تقاعدي.. أريد أن أفرح بأحفادي وأنا مطمئن البال..عندما تكبر معهم دهشتي..وينطون أمامي كالعفاريت..

أريد أن أهمس أمام مرآتي أنني كنت عفريتا مثلهم..أنا لست مغفلا...أنا فقط لاأدري..

رد عليلوش سائق الدراجة..وهو لا يدري ما يقول ..وبعد أن أشاد بفطنة الجمركي..قال :

لقد كنت أهرب الدراجات الهوائية...

ــــــــــــــ 2 ـــــــــــــــــــ

بقلم : وفاء الحمري

قال الشاويش للمدير العام وهو يحمل له المحفظة اللامعة من امام باب المبنى :

كل المستخدمين محتجزون في المصعد رقم واحد للشركة سيدي ....

دعهم "يبردو" الرؤوس التي سخنت البارح في الاضراب ....واردف :

والمصعد رقم اثنان ؟....

فاض يا سيدي ...

اصعد ....

والعمال المحتجزون سيدي ؟ ما العمل ؟

لا ادري ...

في الدور العاشر توقف المصعد واظلم ... قبض بعنف على يدي الحارس علي بفزع شديد ...

ما العمل الان اخي علي ؟؟؟؟

لا أدري ...

ـــــــــــــــــ 3 ــــــــــــــــــــ

بقلم : عبد النور إدريس


ما ذا وقع في الشركة يا ولد؟

والله يا سيادة المدير العام ما تدري ما حدث..

آه نسيت تقنيو الكهرباء مضربون..وهم معتصمون في المصعد الأول..

رد السيد المدير والخوف يظهر في لمعان محفظته الانيقة ..عمي علي عندنا ثلا ث كهربجية..إذا كانوا في المصعد الاول الذي احتجزه المضربون ..من شغل المصعد الثاني الذي نحن فيه..

لقد اتفقنا على أن يبقى السي العربي خارج المصعد الاول ..في الاحتياط....وهوالذي شغل مصعدنا

الثاني...

طيب والثالث السي عليلوش ..لقد قالوا لي أنه ولد كويس.. يعمل أعمال كثيرة في الشركة ..اعطيني رقم " الموبايل" وسأتصل به لينقدنا..لأول مرة يقف بي المصعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي..

رد الشاويش بامتعاض ..وماذا تقول سيادتكم في موضوع الاضراب... حق العمال مشروع..و..

قاطعه السيد المدير العام..انهم مهابيل..في زمن العولمة...ساخرج من هذا المصعد و"سيهزهم الما كلهم" سأعلن عن إفلاس الشركة وأطردهم للشارع ..هات هات هاتف ..للّي اسمه إيه...

عليلوش ..أمولاي....راه رجل واعر امولاي..خد هاهو رقمه..

عقب المدير العام : اعليلوش واللاّ الزفت ...

استعمل السيد المدير العام الأزرار على ضوء المحمول..وضغط على زر التفعيل ..وانتظر..

في تلك اللحظة رن هاتف عمي علي .. أخذ وقته الكافي يستمع الى موسيقى المحمول ..ثم ضغط على الزر الأخضر و قال:

آلو هنا اعليلوش الكاتب العام لنقابة شركة خوك أنا لصنع الدراجات الهوائية...من معي..على الخط...

 


ــــــــــــــــ 4 ــــــــــــــ
 


بقلم : وفاء الحمري
انقطع الحس الا من لهاث السيد المدير الذي يصاحبه صفيرالمريض بالضيقة ....
علي ؟؟؟؟...
نعم سيدي ....
هل ما زلت هنا ؟؟؟
ضحك الشاويش ضحكته المدوية وقال :
عشرة يا سيدي ....عشرة .....
ساد صمت ثقيل قبل ان يردف المديربالسؤال عن العشرة ....
لا يدري كيف مر بخاطره تذكر العشرة المبشرين بالجنة ....
بل لم يدري لماذا مر حينها امامه شريط طويل مصور عن الجنة والنار والحساب والعقاب والحياة والموت ....
كلما قلّ نفسه الا ويتضخم ذاك الشريط ويطول كانه فيلم مصور....
سيدي ....
نعم ....
هل انت معي ....
لا... أقصد نعم ... قال لا وهو صادق في قولها ....لفد كان لحظتها هناك ....هناك مع الشريط ....
بل وجد نفسه في لحظة ما داخل الشريط ...بل البطل الرئيسي لذاك الشريط ....
سيدي .....
قلت لك نحن في رقم عشرة .... الطابق رقم عشرة ....فكيف تراني ساغادر؟؟؟؟
بحث في جيبه عن هاتفه الجوال كي يضيء بانارته البسيطة اجواء المصعد القاتمة
ضغط على زر الخدمة ... صمت ....
ضغط ثانية .....صمت مطبق .....

فقد تحول المكان لديه الى قبر موحش .... بل احس باللحد يضرب جبينه وهو يحاول الخروج ....
انقض بكلتا يديه على الذي ظن انه امامه فاصطدم بباب حائط المصعد ....
تسارعت لقطات الشريط امامه ....
تضيق نفسه اكثر فاكثر ....
يبحث كالمجنون في كل انحاء المصعد ....
يصرخ .... يستغيث .....
يجيبه الشاويش علي من تحت ....
فقد جلس القرفصاء بعدما تعبت رجلاه بالوقوف ....
سيدي اقعد ... وتحسس مكان المدير واجلسه ارضية المصعد ....
سيدي لو بامكاني لااحضرت لك العرش المرصع لتجلس فوقه ....لكن ....
عن أي عرش واي كرسي تتحدث يا رجل .... انا ميت ....ميت ....ميت .....
انا الان داخل قبري .... واسال كيف دفنوك معي في نفس القبر ....
خرجت من الشاويش ضحكة مجلجلة لم يضحكها من قبل .....
قل سيدي المدير ....
قل انت لما دفنوك معي في نفس القبر يا هذا .....
تعالت من الاخر ضحكة اخرى اقوى من سابقتها ....
وتحسس ظهر المدير وربت عليه قائلا
سامحني سيدي على تطاولي على مقامك العالي .....
وقهقه اكثر من قبل حين تذكر انهما الاثنان يوجدان الان
في المقام العالي فعلا من بناية الشركة الضخمة ....
عالي ... مقام عالي في ظلمة الليالي .... ومالوا ؟ ....
عالي وفي العلالي ....يا علي ....وبدا يترنم بهذه الكلمات ويلحنها على نغمة
( يا نخلتين في العلالي ....) ولو انه يعلم انه ليس نخلة ولا يحزنون .....
تسرب الشك اليه حين انقطع عنه صفير سيادة المدير ....
سيدي ...سيدي .... وبدا يرجه بعنف حتى استعاد وعيه ....
اين انا ؟؟؟؟ ....
في العلالي يا سيدي .... أقصد في أعلى دور من الشركة ...
ومالي لا ارى النور يا علي ؟؟؟؟ ....
النور ؟؟؟؟
الله ينور علي وعليك سيدي ....
نحن محتجزان في المصعد رقم اثنين للشركة ....
وأين العمال ؟؟؟..
محتجزون في المصعد رقم واحد ....

كلهم ؟؟؟ .....
كلهم سيدي ....
حتى عليلوش ؟؟؟؟
نعم سيدي ....
ومن سياتيني بالبضاعة ؟؟؟؟
سيدي ...هل انت بخير؟؟؟؟
لو وصلت البضاعة بسلام فانا بخير .....
ادعو الله ان نخرج من هذا المازق وحينها سانظر في الامر ....
ومالك أنت والامر؟ .....
لاني صاحب الامر .....
واليد اليمنى لجواد نائبك المحترم ....
سمع في هذه اللحظة صوت ارتطام والذي لم يكن الا ضربة قوية على جبهة المدير اعادته الى صوابه والى واقع الحال ...
عادت حالة الضيق الى السيد المدير وعلا صفيره وحجرجة تنفسه ....
وعاد الشريط المعلوم يتتالى بوضوح امامه ....
وبدأ صوت نحيبه يعلو ويعلو ....
بدأ صاحب السجن يبكي هو الاخر .... علا نحيبه ... التقت اصوات نحيبهما وشكلت سنفونية جنائزية حزينة ....
اشتد الضيق بهما ....
تعانقا ... تلاصقا ....
اتعرف الان لما دفنوني معك في نفس القبر يا صاحبي ؟؟؟؟
ازداد نحيب المدير وتبعته وصلة من ذاك اللحن الجنائزي من الاخر ....
في هذه اللحظة ... اشتعل نور المصعد ....
هبا واقفين في نفس اللحظة .....
تحرك المصعد في وضعية النزول ....
استدار المدير الى المرآة .... ارترعب من منظره فارتمى على ربطة العنق واعادها الى مكانها بحركة احترافية سريعة ....
خلل شعره باصابعه ساحبا اياه للوراء ... مسح دموعه بمنديل التقطه بسرعة البرق من جيبه ...
في هاته اللحظة وصل المصعد الى الاسفل وفتح على مصراعيه ....
سحب المديرالعام محفظته اللامعة بسرعة وتوجه للشاويش عليلوش .....قائلا :
هات البضاعة فورا .... والتحق بي في المكتب ...
والمصعد المعطوب سيدي ؟؟؟ والعمال المحتجزون ؟؟؟؟
خلي النقابة تنفعهم ....المهم ان تقدم استقالتك من تلك النقابة .....
والعمال سيدي ؟؟؟؟
ستصبح مدير مصلحة المستخدمين ....
فورا سيدي ....
البضاعة سيدي ...متى تريدها ؟؟؟
الليلة .... ومعها لوازم السهرة ....
فورا سيدي فورا ..
 


ـــــــــــــــ 5 ـــــــــــــــــ
بقلم عبد النور إدريس
 


بحث عن البخاخة في جيبه فلم يجدها ..زوجته سميحة لا تهتم به ..قد تهتم بالديباردور وتنساه احيانا كالذباب الموسمي ..طلب من عمي علي أن يبحث عنها في المحفظة الامعة..تلك المحفظة لها حكاية عجيبة..قال بصوت خافت ..ابحث عنها...

لم يفهم عليلوش أو تصنع عدم الفهم ..أنا لا أعرفه جيدا ..وقد تحدث لي عنه الاستاذ زكي مرة ، ونسيت كل ما جاء في كلامه ..ولم يبقى من حديث الاستاذ سوى كون عليلوش مراهق نساء.. انتفض عمي علي والبريق في عينيه يفضح فهلوته..أأبحث عن سميحة يا سعادة المدير..

رد المدير العام بصعوبة...أنت حمار يا أخينا ...سميحة غائبة ..لقد ذهبت عند أبيها بمدينة غزة .

أخذ السيد المدير العام نفسا عميقا من البخاخة ثم اتكأ على المرآة التي تشهد ذلك اللقاء بين شخصين لهما نفس اللقب(عام) في حراك اجتماعي يناقض نفسه..

لم يحلم السيد عليلوش بذلك المنصب الهِبة (مدير مصلحة المستخدمين) .

حمل المحفظة/البضاعة وقبل أن يلتحق بسيده المدير العام رجع لمرآة المصعد ليصلح من شانه كما يفعل المديرون..لم يتفاجأمن وجهه..إنه نفس الوجه الذي يتسلى دوما بالسهر..مرر لسانه على شفتيه وترك عليلوش مسمرا بالمرآة تدور في عينيه المقلتين :
roll: وفر هاربا من نفسه نحو عالم المديرين الذي كان يسحره في جميع الامكنة التي يرتادها وهو خاوي الوفاض..
لشد ما تملى بلحظات كان يحسب نفسه فيها مديرا بالفعل لما كان يتمتع بثمن الدراجة المهربة ويصرفها على أحلامه الممتدة على الماضي كصحو النهار...
عمغم في حبور... اللهم أنت كريم يارب...الشيشة المصرية وبضاعة السيد المدير العام وسميحة ...يا إلاهي...هكذا تكون "التموديرة" ولا بلاش...
 


ـــــــــــــــــ 6 ـــــــــــــــــ
بقلم وفاء الحمري
 


لم يكن سؤال عمي علي عن سميحة جزافيا ...
كان يسال عنها بكل ملامح الرجولة التي تتفجر منه ....
كانت هناك ....في فكره .... بين شغاف فؤاده ... ببهائها ... بصمتها ....بسمتها .... بكل حروف الطهر كانت هناك .....
عاد عليلوش مساء ذلك اليوم المشهود الى الشركة بقامته الفارهة التي كاد الفقر ان يأخذ منها ...
وهو يضع النظارة السوداء ... لا يدري ان كانت تحجب عنه الناس ام تحجب الناس عنه ....
دخل بخطى واثقة ورأس مرفوع ...
لاول مرة يرى الناس من فوق ....
لطالما رآهم من تحت .... وأحايين كثيرة لا يرى منه الا السوق ....وفي أحسن الاحوال الاعناق ....
هاهو اليوم يرى عباد الله من علي .... كأنه وحده الواقف والباقي قعود ....
جرى نحوه احد اعضاء الحراسة الرسميين ببذلته الزرقاء وحذائه اللامع ...
يحاول اراحته بحمل تلك الحقيب اللامعة الى حد المكتب ...
ارخى له عليلوش الحقيبة في حركة تقليد لا شعورية ... لكنه ما لبث ان نزعها منه بقوة جعلت الحارس يسقط أرضا ....
تركه ساقطا ومضى الى مكتب مدير المدير ....
فغر المدير العام فاه امام هذا الكشف المفاجئ ...
لم يشأ ان يكذب على نفسه ويقول انه لم يتعرف على عليلوش ...
عرفه من شاربه الكث الاشهب الذي يشبه شارب المناضل العمالي الروماني ليش فاليسا ايام العز والنضال ....
لم يلقبه بعليلوش الا لهذا السبب اذ كان يناديه( بعلي –ليش ) ثم قلبها الى عليلوش لسهولة النطق ....
حط عليلوش المحفظة على المكتب وجلس باعتدال على الكرسي الفخم المقابل لمكتب المدير العام ...
حركات مديرية كبيرة من دون تمرين ....
حط النظارة السوداء بكل حرص في الجيب الايسر لبدلته السوداء الفاخرة ....
ونظر نظرة ندية شاخصة الى الاخر ....
بما نبدا ....
بالبضاعة طبعا ....
ولما لا بسميحة ؟؟؟؟
شخص المدير العام بعينيه واسعا ....
حرك شفتيه بكلام خرج من دماغه فكرا ولم يخرج من فمه صوتا ...
لاول مرة يراه عصيا ....
مد يده بحركة سريعة واخرج البخاخ ورش باستعجال داخل فيه الذي فتحه واسعا
وكانه يستنجد بالكلمات لتخرج ....
يفتح لها فاه لتمر ....
سميحة لم تكن تريدك ....
جحضت عينا الاخر وهو يحرك شفتيه دون ان ينطق حرفا واحدا ...
هي التي أخبرتني بذلك ....
شهق المدير العام شهقة بعدها انطلقت الكلمات كالصاروخ ...
كانها كانت تنتظر تلك الشهقة العجيبة لتندفع من فوهة المدفع ....
السي علي لم يدع الفرصة تنفلت من بين يديه وبدا باطلاق الرصاصات تباعا ....
خذ البضاعة واترك لي سميحة .....
الا سميحة ...رد عليه المدير العام ....
فقام عليلوش من كرسيه كانه احد كبار زعماء المافيا المفاوضين ....
اذن ساخرج بالبضاعة ....
ولا البضاعة ايضا ....رد المدير العام ...
انظر يا صديقي ....قالها بكل ثقة وهو يدور دورة احترافية على مكتب المدير ليطوقه بذراعه الضخمة ...
عندما حبسنا في المصعد لم يكن لنا خيار الا ان نتعانق ونتباكى سويا .... لم يكن لنا خيارا اخر ...
خيار ولا بطيخ ...ردد المدير العام وهو يرش من البخاخ على فيه المرة بعد الاخرى ....
هات البضاعة وخذ النسبة المئوية التي كان يمدك بها نائبي جواد وارحل بعيدا ....
لا اريد ان أراك ثانية .....
وانت اطلب سميحة تعود من غزة واتركها لي وسنرحل ....
كاد المدير العام يهجم عليه ويخنقه لولا حالة ضيق التنفس اللعينة التي تشل اعصابة
وتحبط قوته وتتركه كالطائر المذبوح يتخبط ....
فكر اخيرا بالتفاوض مع علي كشخص متحضر ...وبينه وبين نفسه كان يقول كاي شخص فاقد الحيلة ....
طيب يا علي ....نتفاوض ....
هي لك ...اللعينة العاهرة ... هي لا تستحقني ...خذها لعلك تجد فيها بعضا من حقارتك ....
الا سميحة يا رجل .... ساقتلك ان تكلمت فيها كلاما باطلا ....
وانت مسموح لك ان تفعل بها فعلا باطلا ؟؟؟؟
هي ضحية ...
يا سلام ...ضحية ماذا يا البطل المنقد من الضلال ...
ضحيتك انت ....
من قال هذا ....
هي بعظمة لسانها ( كان دوما يكرر هذه اللفظة ويخرج بعدها لسانه
ويبعث عن ذاك العظم ليتاكد من صدق هذه المقولة )
لكنه الان لم يقم بتلك الحركة .... لزوم بروتوكولات آل الخدمة الادارية العليا.....
كانت صبية من مخيم ديرالبلح .... صبية جميلة ورائعة ....
اردف المدير مكملا الحديث وكانه عاد ثلا ثين سنة الى الوراء ....
كنت محاسبا في شركة بريطانية ... بل اسرائيلية ....
قيل لنا هي ابريطانية لكي ياخذوا خيرة المتخرجين من المعهد الهام .
كنا شبابا في قمة الحماس والنضال ولم نكن لنعمل عند الاسرائيلين لولا كذبهم علينا ....
وليكن .... كان بامكانك المغادرة يوم علمت بالامر ....
قهقه المدير العام عاليا ....وقال .... بامكاني المغادرة ؟؟؟؟ انت تحلم يا رجل ....
او الهرب ...
ولا الهرب ....
اذا من اجل المال .....
ولا من اجل المال رد الا خر ساهيا ....
اذن لم بقيت في تلك الشركة .....
قل لم بقيت في تلك الشبكة ....
شبكة ؟؟؟؟
نعم شبكة الجاسوسية والمخدرات و.....و.... دعارة ...
لفظ الكلمة الاخيرة بصوت يكاد لا يسمع لولا انتباه السي علي لمكاشفة المدير العام ....
وسميحة ؟؟؟؟ لا ..لالالالالالا ....لا تظلم سميحة لم تكن تعلم ابدا ....
كنت قد عقدت آنذاك عليها .... و.... وخفض بصره للأرض وسكت ....
و ماذا يا صاحبي ....؟؟؟؟
قد كنت احببتها حبا كبيرا ولم استطع المقاومة ....
تورطها المسكينة ....؟؟؟؟
كان انتحارا ثنائيا ليس الا ....
اذن كانت تعلم بطبيعة عملك ....
لم تكن تعلم ...
ايها الحقير ...ما ذنبها المسكينة ....
كانت تظنني مناضلا ... بطلا .... تاتيني باخبار المقاومين ....
وتحركات المناضلين لامدادهم بالعون والمساعدة ...
يا لك من حقير ...
واهرّب بها كميات كبيرة من الهيروين ....
يا كلب .....
وادلل بجمالها مامورياتي عند الكبار ....
يا بن العا...........
واخيرا هددتها برؤوس المقاومة فاستسلمت ....
لك ؟؟؟؟
لا ...لهم ....
من ؟؟؟؟
الكبار في الشبكة ....
يعني العرض مقابل الارض .....
اليس افضل من الارض مقابل العرض ...
ولكن اخذوا ارض والعرض .... علام المساومة ؟؟؟؟
على البقية الباقية ....
ممن ؟؟؟
من المقاومين ....
وقبلت هي العرض ؟؟؟
قبلت الارض ...
كيف ؟؟؟؟
عادت الى غزة ....


ــــــــــــــــــ 7 ـــــــــــــــ
بقلم : عبد النور إدريس


وقفت ممشوقة القد.. يبدو على محياها وقار مصطنع شحدته تفاصيل الأيام التي تراكمت فوق عينيها..
دخلت عمارة كان يسكن فيها أحد من تربت على يديه ..كل التفاصيل ما تزال قابعة مستسلمة لم تتحرك إلا في واجهة الأشياء..حتى طُعم المرارة التي كانت تجده كلما نزلت من شقته لم يبق له نفس الرنين... وقد التصقت آنذاك معاني الأشياء لديها في البدء بمعرفة معنى الاحتلال لغة واصطلاحا ومعنى الشرف ..والمبادئ ..والنضال ووو ..
وهي الآن قد جاءت بعد ثلاثين سنة لتحيي معه ذكرى الايام الخوالي..
طرقت الباب..سمعت صوتا مبحوحا يجيبها بمشقة وراء الباب..من الطارق..قريب أم غريب.؟
ردت وفي صوتها غنج واضح القسمات..ويلي..افتح وسترى.. خايف يا أستاذ ..ولاّ إيه.. قريب طبعاااااااااا..
فتح الباب على مصراعيه ..بدت عليه الدهشة و الاستنكار من جحوض عينيه.. تسمر في مكانه يتأمل امرأة في خريف عمرها ..ناضجة تلبس من أحدث مودة ..فالديباردور الوردي لا يلائمها أما الميني فونتر الأبيض فقد مسخها ... وتركها بدون هوية..
تصنَّع الصبر ثم قال ... يا مرحبين ..حضرتك مين .. وعايزة مني إيه..
شهقت بابتسامة عريضة ثم قالت ألا تدري يا أستاذ ..أنا تربية يديك ... لقد عجنتني طفلة ثم شابه ..فكنت جميلة في أخلاقي ..أنشد الحرية من سجني ..كنت مناضلة في شرودي..في صمتي وفي غضبي ..لكنك تركتهم يخبزوني كيفما شاؤوا ..فأصبحت كما ترى ...يقاسمني الاحتلال لغة العينين ..ويستبيح من جسدي أشجاره ...ومنذ طعنته الأولى وأنا مدمنة على كل طعناته ..وقد كنت تقول لي أن الاستسلام الأول ..حينما يتسلل إلى تاريخ العرب ..ستصبحين نبتة بدون جذور..كيف خانك خيالك وآمنت بوضع السلاح..وتركتني عارية ألتف بعباءتي ..وأختبئ من عذريتي..أنت ظالم يا أستاذ ..ألا تدري أنهم حولوا تقاطيع جسمي إلى دمية وتفاصيل اسمي إلى طفولة مشردة .. وما تنفع الحجارة التي راودتَها في كتاباتك.. الخنجر يقابله الخنجر ..وما حجارة الجدار الذي هدموه فوق رأسي سوى فاتحة حزن طويل مفتوح على الأطلال......أنا كبرت الآن ..وجئت فقط يا أستاذ زكي لأعلمك بقراري.. وقد رفعت عليك دعوى قضائية ستصلك استدعاؤها مع أحد الحوامات التي تمر أما م تلفازك ..
لم يتركها الأستاذ أن تُتْمِم لَمّ جراحها حتّى صرخ في وجهها..حَدَّ الله ما بيني وبينك يا شيخة... معاد الله أن أكون قد خبزت مثلك يوما ... ألم تقرئي روايتي..زمن الغياب ..التي كبرت مع السلاسل..كانت فيه البطلة تغني للحرية ..وتحلم بالتجوال في المدينة باسم كل النساء...
قرأتها بكل جوارحي .. وأسردها عند كل مساء لمن يتنزه في جسدي ..
قال وهو يهم بإغلاق الباب...من أرسلك عندي ..كيف تعرفين كل تفاصيل حياتي ...ألا تدري أنني كاتب فقط..لم أخبز أحدا ..لقد غلطت في العنوان...
تابعت في لهفة...أستاذ ..أستاذ زكي ألا تعرفني ...ألا تدري أنك أنت الذي خلقتني.. أنا ساردتك ...أنا سميحة..
ــــــــ
تحية للقاص الفلسطيني زكي العيلة

Partager cet article
Repost0

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107