Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
19 janvier 2020 7 19 /01 /janvier /2020 14:09
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020

 

أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر 

يناير 2020

_99182_pen

النقد الجندري: تمثلات الجسد الأنثوي في الكتابة النسائية

للكاتب المغربي الدكتور عبد النور ادريس

 

صدر عن منشورات دفاتر الاختلاف ، يناير 2020 ،كتاب نقدي بعنوان "النقد الجندري: تمثلات الجسد الأنثوي في الكتابة النسائية، مطبعة بلال /فاس، للدكتور عبد النور ادريس يقع الكتاب في  309 صفحة من القطع المتوسط.

سيكون الكتاب متوفرا بمعرض الدار البيضاء برواق مكتبة دار الأمان,

 

أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
أحدث إصدارات منشورات دفاتر الاختلاف للنشر يناير 2020
Partager cet article
Repost0
10 octobre 2013 4 10 /10 /octobre /2013 17:08

الدكتور عبد النور إدريس

أدبية الجسد الأنثوي   في حكايا ألف ليلة وليلة

مقاربة  نقدية جندرية  

بقلم الدكتور عبد النور إدريس

 

مدخل:

إن حكايا ألف ليلة وليلة بوصفها نموذجا وفعلا ولغة ساهمت في تشكيل صورة المرأة العربية، فوضعت النموذج على سكة اللغة والفعل باعتبارها:

أولا : نصا سرديا متميزا، عَبَّرت جل عصور الذوق الفني والأدبي عن الإعجاب بها، باعتبارها مرآة لذوق المجتمع العربي من المحيط للخليج، وقد عبّر الأدب القروسطي، ولا سيما كتاب :"ألف ليلة وليلة" بكل وضوح وحماسة وحيوية كما تقول ليلى أحمد،" وبدون رقابة، عن تراث من الشهوة الجنسية والجنسانية النسوية بكل ما يميزها من فاعلية ونشاط [...] ومن المعروف أن هذه الحكايات في رواياتها وإعادة رواياتها تعبر على أقل تقدير عن أوهام وخيالات ونزوات اخترعتها النساء إضافة إلى الرجال، أما كيف تعبر مجموعة القصص هذه عن الجسد والجنسانية فمازال موضعا بحاجة للإستكشاف والتقصي"(1).

ثانيا : ثقافة عابرة للحدود الجغرافية للعالم العربي، وتشكل الجذع المشترك لكل سرد نسائي، وقد تحدثت الكاتبة فاطمة المرنيسي في كتابها " نساء على أجنحة الحلم" عن الكيفية التي تمكن المرأة من مغازلة السلطة مع بداية الليلة الثانية بعد الألف حين صمتت شهرزاد عن الكلام المباح تقول :" بكيت حين صمتت أمّي عن حكاية شهرزاد، ولكن كيف نتعلم الحكي لكي ننتزع إعجاب الملك؟، همست والدتي وكأنها تخاطب نفسها بأن ذلك قدر النساء، إنهن يقضين حياتهن في إتقان مثل هذه الأشياء، فلم يسعفني هذا الجواب الغامض بشيء، أضافت أمّي بأن سعادتي في تلك اللحظة رهينة بمهارتي في استعمال الكلمات" (2)، ويشكل الوقوف على عالم ألف ليلة وليلة ملخصا لزمن  المرأة التاريخي والاعتباري بوصفها فعلا ولغة، بالرغم من اتصافها بكونها نموذجا.

ولعل الأهمية التي يتفق حولها النقد الحديث هي كون حكايا ألف ليلة وليلة تُعد من بين أرقى آداب القرون الوسطى التي تطرقت للجسد الأنثوي بالعلاقة مع النوع الاجتماعي داخل مظاهر الايروتيكية العربية القديمة بنصوصها وأدبياتها، كما سجّلها الفقهاء والشيوخ الأجلاء في مؤلفاتهم القديمة (3)، ذلك ما دفعنا لمقاربة هذا العمل الجماعي باعتباره أدب عام يشترك فيه كل التراث الأدبي العربي والغربي  والعالمي. وخاصة ما تضفيه هذه الملحمة السردية من مكونات السحر والتخيل والأسطورة من خلال جماليات الجسد الأنثوي المسرود، الذي يبدو هو الآخر أكثر سحرا وأكثر جاذبية، وأكثر حضورا في بنية الحكاية سردا ووصفا وحوارا.

1- مدونة الجسد أو عند الجذور الأولى للسرد النسائي

لقد عرفت أقاليم المعنى مع شهرزاد أن الجسد الفيزيقي للمرأة نظرا للثـقب الحاصل في ذاكرته، والانفضاض الحاصل في تمفصلاته، لا يستطيع بتاتا مقاومة هذيان السلطة، من حيث أن  نضجه لم يستطع أن يضمن للأنثى سوى حياة ليلة واحدة مع شهريار: " فجو الجنس بسحره، وفضائه، كما تصوره الليالي غير قادر على تبديد أرق السلطة الذكورية" (4)، بينما استطاع الجسد المعرفي للجسد أن يضحي بالجسد الفيزيقي، ويبقى حاضرا بنضجه الجنسي عبر نسيج الحكي، وهو الفن الذي تمتلك شهرزاد ناصيته، نظرا لطريقة روايتها للحكاية التي تشد انتباه السامع وتغريه بالمتابعة والإنصات، خاصة وأن القتل هو أحد محركات الحكي الذي يملك هنا خاصية تعطيل فاعلية القتل ذاته بعرضه لقصص متشعبة مسترسلة عن القصة الأساسية، " إحك حكاية وإلا قتلتك"، استغلت فيها شهرزاد مستويات عدة، تبدأ بمستوى اللذة الذي يدفع المتلقي لاكتشاف بقية الأحداث في الحكاية، وتنتهي بمستوى الفعل الجنسي المُحرض على التلقي والموجود في معظم الحكايات بشكل مباشر أو غير مباشر.

 وقد جاء في كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ما يؤكد خروج المرأة إلى دوائر الضوء بعدما كانت رهينة الجسد الخام لتصبح رهينة الكتابة، فسُمح لها ما بين هذين المكونين بالتربع على عرش الحكي، يقول العلامة مولاي مصطفى بن عبد الله القسطنطيني " ومن الكتب المصنفة فيه [أي علم الباه] كتاب الألفية والشلفية، قال أبو الخير يحكي أن ملكا بطلت عنه قوة المباشرة بالكلية وعجز الأطباء عن معالجته بالأدوية فاخترعوا حكايات عن لسان امرأة مسماة بالألفية لما أنها جامعها ألف رجل فحكت عن كل منهم أشكالا مختلفة فعادت باستماعها قوة الملك" (5) .

لقد أضافت شهرزاد لمتعة الجسد متعة الكلام وما به من عقل ومعرفة، لكن الأذن العربية حولت ثقافة ألف ليلة وليلة إلى ثقافة إمتاع، بما أنها مستترة ومختبئة وليلية، أي ثقافة جارية ، فاستطاعت إثر ذلك تحويل وعي الرجل من شهوة الجسد إلى شهوة الكلام   )   الكتابة  (   ، فكان النص "الألفي " نصا للحياة في مواجهة الموت، نصا سرديا يحول عملية السرد إلى تعاقد ضمني أو علني بين راو ومستمع، "فجل الحكايات تبين أنه مهما اتّسعت الهوة بين الشخصين، فإن بالإمكان تحويل العلاقة المبنية على العنف والقهر إلى علاقة مبنية على الرقة والوداعة، بفضل العقل والإقناع" (6). فشهرزاد تروي كي لا تُقتل، تتلمس من عملية السرد أن تنتقل حالتها السيئة إلى حالة محمودة، وشهريار يُصغي لكي يتمتع بحكاية شيقة، ويضمد جراحه النفسية التي تركتها خيانة زوجته الحرة عندما اكتشف مذهولا علاقتها بخصيه الأسود، فالإرسال السردي ينتظم في سياق تأجيل الموت، فيما ينتظم تلقيه في سياق الاستغراق في المتعة، وقد اعتمدت شهرزاد في أدائها السردي على خطاب الجنس كمصدر لقوتها، فشكلت به، مع قدرتها على الحكي، نسيجا خاصا يأسر المتلقي ويُدخله فضاء الافتتان والاستمتاع الشبقي بالحكي، بينما لجأت إلى إبراز مفاتن الجسد الأنثوي المتخيل حتى يستطيع جسدها أن يمدها بطاقة التحدي والتفوق على ضعفها، لتمتص غضب فحولة شهريار المطعونة والمجروحة في كبريائها والمركبة خاصة من نرجسية السلطة التي تعتقد أنها أزلية وكلية، وهي تدرك أن العبد لم يتقمص حالة الاشتهاء الدائم لجسد سيدته أو بنت سيده أو جسد زوجته إلا رغبة في التنفيس عمّا يتعرض له من دونية ومهانة في قصر سيده. فالعبد لا يستطيع الإحساس بحضور حريته ووجودها إلا عندما تستثيره سيدته وتحرضه على الفعل الجنسي الكامن والمقموع عند حضور الرجل وقربه من مخدعه، وقد أثبتت شهرزاد أنها بارعة في الحكاية بأجمل جسد أنثوي "سلطاني"، تارة تصف نظام الأشياء كمعطى تابع، وتارة أخرى تؤسس لمعنى التحرر من فكرة المطلق الموجودة فيما سبقها من حكي الأولين .

هذا الاحتفال بأدبية الجسد المحكي لن ينسينا طرح العديد من الأسئلة على التخوم الفنية لحكايا ألف ليلة وليلة التي تتأسس على الكلام والسماع بدل القراءة، قصد فهم المنطق الداخلي لهذه الثقافة التي تستوطن تمثلاتنا.

·        هل استطاعت شهرزاد الحاكية تحويل شهريار من آلة جنسية إلى عاشق حقيقي؟

·    هل اعتبر شهريار أن معاشرته لشهرزاد استحكمتها كتابة جسدية،  بمعنى أن أطفاله الثلاث منها بمثابة صفحات كتبت بمائه الخاص، ماء يستطيع محو آثار سابقيه؟

نلاحظ من خلال البناء السردي لألف ليلة وليلة أن بنية الحكاية تجعل العلاقات الإنسانية تنخرط في خضم التحويل المبني على علاقة سردية ثابتة     ،حيث يتّجه فعل الحكي ويستقر من الضعيف في اتجاه القوي: " فالسرد وليد توتر بين قوي وضعيف، حين يشد القوي بخناق الضعيف لا يجد هذا الأخير خلاصه إلا بسرد حكايته أو حكاية أشخاص آخرين. الحكاية مرادفة للتوسل والرجاء، إنها القربان الذي يذبح لتهدئة غضب الشخص المتسلط وتقريبه من الشخص الذي يوجد تحت رحمته." (7)، وهكذا استعملت شهرزاد حكمتها ودهاءها لاقتلاع جذور الهمجية والضغينة من نفسية شهريار: " فجل حكايا ألف ليلة وليلة تشير إلى أنه مهما اتسعت الهوة بين شخصين، يبقى بالإمكان تحويل العنف والقهر إلى الرقة والوداعة، يبقى بالإمكان، بفضل العقل والإقناع، تحويل علاقة القوة إلى علاقة المساواة" (8).

إن امرأة الليالي تعيش في زمن النهار حالة فراغ كينوني تكون فيه موضوعا لرغبة الرجل، بينما في زمن الليل تعيش حالة ملء ملتصق بسرد ينطلق من الإمكانات التي يتيحها مخزون الذاكرة، والمقتطع من نسق التدليل الاجتماعي الذي يعمل من خلال آلياته على استحضار قانون النسق العام، عملت شهرزاد على إخضاعه لعملية انتقاء في بناء نص مهادن، أعزل في إمكانية انفتاحه على ذاته، مُشَكَّل بإرادة سابقة على فعل الحكي الذي يأتي فقط شارحا لرؤية معطاة سلفا، وقابلة للاستهلاك من طرف المتلقي (شهريار).

إن شهرزاد تتحرر في زمن الحكي من كل القيود وتستعمل خطابا يتحكم في الوحدات الدلالية والمضمون القيمي الذي تبني به النص السردي. ولما كان الواقع يُشَيِّءُ جسدها، لم تُحْدِث الحكاية عندها قطيعة مع الخطاب الذي تتغذى عوالمه المخيالية المشرعة على حجم التأويلات، جعلت الراوية من الجسد الأنثوي جسدا منقوعا مُصَفَّى، يحاول النص عبره بناء نفسه من خلال هذه الإستراتيجية، دون التنصيص على بؤر التوتر التي تدعو توليد معان موازية للنص الأصلي، فتحضر امرأة الليالي في النص أحيانا دون الوضع الاجتماعي للعبد، وتقدَّم أسيرة لشهوتها الجنسية لدرجة الشذوذ الجنسي، فهي لا تميز بين الذكر الآدمي والذكر الحيواني، إذ تضاجع الدب في حكاية "وردان الجزار والمرأة والدب"، بالليلة 354، وتضاجع القرد في حكاية "بنت السلطانوالقرد"، بالليلة 356، وكأنها تتخلص بذلك من إكراهات القيم الذكورية التي تعتبر العبد شيئا، يقول النص في الليلة 356:" ومما يحكى أيضا أنه كان لبعض السلاطين ابنة، وقد تعلق قلبها بحب عبد أسود فافتض بكارتها وأولعت بالنكاح، فكانت لا تصبر عنه ساعة واحدة. فكشفت أمرها إلى بعض القهرمانات فأخبرتها أنه لا شيء ينكح أكثر من القرد. فاتفق أن قرّادا مر تحت طاقتها بقرد كبير فأسفرت عن وجهها ونظرت إلى القرد وغمزته بعيونها، فقطع القرد وثاقه وسلاسله وطلع لها فخبأته في مكان عندها، وصارا ليلا ونهارا على أكل وشرب وجماع. ففطن أبوها بذلك وأراد قتلها" (9).

واستطاعت شهرزاد من خلال هذا الانتقاء السردي أن تتحكم في جزئيات المحكي فسربت للنسق الثقافي العام عناصر ثقافية جديدة متسلحة بسلطة المتخيل، فبنت تصوراتها عن النسق القيمي، وأدانت فيه تقسيمه جسد المرأة إلى (جارية-بكارة) و(زوجة- رحم للولد) حيث " الشخوص داخل الحقل السلطوي، ترى في بكارة الجارية أو الوصيفة مجرد حالة استمناء لقتل الأرق والفراغ، أما إذا كان مقصد الشخوص الزواج من الجارية وفق شرائط إنسانية، فإن ذلك مرفوض، إذ لا يكون هذا الزواج إلا من بنت ملك أو وزير، أو كبير قوم " (10)، ولما تم خرق هذا المعيار الاجتماعي في الحكايتين رقم 45 و46 ، بدأ التوظيف الأيديولوجي للسلطة بالتلويح بالقتل لمّا : "عشقت ابنة السلطان عبدا أسودا، وبهذا فقد مجتمع الحكاية مرجعيته الثقافية، انهدَّ التمايز بين الطبقتين فاستقطب "تاريخ" الحكاية تاريخ المجتمع"(11)، تقول الحكاية :"  ففطن أبوها لذلك وأراد قتلها" (12)، فكان لتشهّي ابنة السلطان لذكورة العبد توظيفا أداتيا فتحت به حضارة المنع كل المحظورات، من حيث أن إخصاء العبيد المكلفون بحراسة النساء في القصور كان يُنظر له على أنه تحويل للهوية الجنسية من الذكورة إلى جنس خارج النظام الجندري الثنائي، لكن بقاء الرغبة الجنسية العارمة لدى الخصيان كانت مصدرا آخر للاضطراب التراتبي الجندري، ويبدو أن العبيد في مجتمع ألف ليلة وليلة كانوا محل إعجاب النساء لأنهم على حد قول الجاحظ:" سريعو الإفاقة طويلو الإراقة، مأمونون من اللقاح" (13)، كما رجعت ابنة السلطان لطبيعتها الحيوانية مع استدعاء الفعل الجنسي للقرد الذي جسد صورة عنيفة لشهوة شبقية مجنونة يصفها المرجع الديني بالشهوة البهيمية، وهي شهوة حيوانية تتجاوز الطاقة البشرية .

 وقد بلغ الوصف السردي إلى حد انشطاره عن المقدس، الشيء الذي جعل البنية اللغوية للسرد تخترق البنية اللغوية والمعرفية للوسط الإسلامي، من ذلك إبراز الفعل الجنسي وتوظيفه لمصطلحات تنتمي لدائرة المقدس الإسلامي: كالإمام والمحراب والركوع والسجود والتسبيح. نجد في حكاية "علي شار وزمرد الجارية"، تشبيها لعلي شار بالأسد إمعانا في تصوير الفعل الجنسي ببعده الحيواني، يقول " قالت : أنا جاريتك زمرد. فلما علم ذلك قبّلها وعانقها وانقض عليها مثل الأسد على الشاة وتحقق أنها جاريته بلا اشتباه، فأغمد قضيبه في جرابها. ولم يزل بوابا لبابها وإماما لمحرابها، وهي معه في ركوع وسجود وقيام وقعود، إلاّ أنها تتبع التسبيحات بغنج، في ضمته حركات ..." (14)

 كان حكي شهرزاد مستساغا للسمع ليلا، أما في الصباح فكان السكوت عن الكلام المباح من بين أهم الطقوس المصاحبة للحكي. ولم يكن يُسمح لها بالكلام في النهار إلا وهي وراء ستار مخدعها مانحة للسلطان جسدها الفاتن وجرعة الجنس والرعشة وجمرة الجسد الملتهبة، بعد أن حركت مواطن الشهوة لديه من خلال جرعة الحكي وإيقاظ التمثلات الايجابية والمثالية عنده حول العشق والحب والجنس والرعشة البوهيمية التي تُفقد الوعي، فشهرزاد تحتمي بأنزيمات السرد وعجائبيته وانفتاحه على الشهوة الجنسية واللذة المتخيلة التي يحققها تفاعل شهرزاد واندماجه في شخصية المقتحم والفاعل الجنسي، تلك الصورة الفحلية التي خلقتها الساردة لتحقيق الرعشة الجسدية لشهريار، وهي تستدعي ثبوثية النسق الثقافي بتركيزها على الفعل الجنسي بما هو فعل إنساني، وما الاستثناء الخارج عن هذه القاعدة فينتمي إلى عالم الحيوان، يقول سارد حكاية بنت السلطان والقرد وقد التجأ إلى إحدى العجائز اللائي يحمين النسق من الداخل: " ثم أمرتني بنكاح الصبيّة فنكحتها إلى أن غشي عليها، فحملتها العجوز وهي لا تشعر وألقت فرجها على فم القِدر فصعد دخانه حتى دخل فرجها، فنزلت من فرجها شيء فتأملته فإذا هو دودتان: إحداهما سوداء والأخرى صفراء، فقالت العجوز: الأولى تربت على نكاح العبد والثانية تربت عن نكاح القرد" (15)، ومن ذلك فقد حددت العجوز باعتبارها ناطقة باسم النسق الثقافي أهمية وغلبة دودة الانسان وتميزها على باقي الدود الأسود والأصفر فتجاهلت تعداد الفعل الجنسي التي يأتي بالغشي الذي وصل إلى عشرة تردادات المقرونة بوطء القرد، تقول الحكاية :" ثم أنها أحضرت خمرا وشربت منه وسقت القرد، ثم واقعها القرد نحو عشر مرات حتى غشي عليها" (16)، ثم تقول الحكاية عن وطئ الدب :" ثم وثب عليها وواقعها ولما فرغ جلس واستراح، ولم يزل كذلك حتى فعل ذلك عشر مرات ثم وقع كل منهما مغشيا عليه وصارا لا يتحركان"(17) فجعلت من العلاقة الجنسية البشرية مُعادلة تفوق كل المعادلات، ففي حين يتم الإغماء إثر العلاقة الجنسية مع الحيوان (القرد والدب) عبر تكرارها إلى عشر مرات، لا يتعدى الوصول لحالة  الإغماء في العلاقة البشرية  إلا لعلاقة واحدة كي تفي بالغرض، وبذلك أراد النص، أن يعيد الاعتبار إلى الفعل الإنساني من جهة، وأن يبهر المتلقي من جهة ثانية، وذلك بإقراره أنه لا توجد متعة جنسية ممكنة بدون بلوغ حالة فقدان الوعي (الإغماء).

إن شهرزاد حكت استجابة لسمر نسائي، وبطلب من أختها دنيا زاد بعد أن حاكت "سيناريو" توديع أختها من أجل فتح عالم حكي النساء على عالم الرجال، "بالله عليك يا أختي حدّثينا حديثا نقطع به سَهَرَ ليلنا " (18)، فدخل شهريار متسللا إلى الفُرجة ناظرا إلى ذاته ومُتفرجا عليها، كي يشاهد الفعل الجنسي من زاوية نظر أخرى ليتحقق له عري ذاته، حيث يأتي دائما فعل المشاهدة من الأعلى في اتجاه الأسفل " وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه.فنظر..." (19) وكأننا بحضور فعل التلصص على الفعل الجنسي من أعلىن كل ذلك يرمز إلى تشبيه الفعل الجنسي بالعمل الحيواني لدونيته " فوجدت صفة صغيرة بها طاقة تشرف على قاعة، فنظرت في القاعة فوجدت امرأة .." (20).

لم تدوّن شهرزاد حكاياتها بنفسها، بل دوّنها رجال أضافوا للحكايات تفاصيل لم تذكرها، واغلبها نصوص تحمل أفكارا تخدم الفكر الذكوري المسيطر، جعلوا فيها الرجل هو السيد الآمر الناهي والمرأة هي المسودَة والخاضعة، وبذلك وقياسا لحجم الأبعاد الرمزية التي مثلتها آنذاك، استطاعت شهرزاد تحويل الجسد من الموضوعة الجنسية إلى موضوعة التخييل الجنسي، أي من تجربة الحب الحسية إلى التجربة الفنية،   حيث يستدعي الحب عالم المخيلة التي تدخل في صراع مع العوالم الفنية وتخلق حركة درامية في تطور شخصية السارد(ة) حيث :" يوجد بين التجربة العشقية والتجربة الفنية رابط، هو في نفس الوقت متشابه ومتضاد، فالحب كما الفن محكومان بالرؤية الذاتية، بما أن الخيال يخلق موضوعه" (21).

يشكل هذا النمط من إعادة إنتاج التمثل العام للمجتمع حول الجسد، خطوة جعلته بمثابة سلطة لتعطيل العنف السلطاني ليس بالمفهوم العلاجي النفسي- لأن النص السردي ليس أطروحة بسيكولوجية محضة - فانتقال شهريار إلى سلطة الإنصات أفسح المجال لتجلي سلطة الحكي الأنثوي الذي يمنح للقيم الذكورية، والفحلية منها، فاعلية وجودها كما جاءت في كشف الظنون.

 إن صدق الخطاب الذي امتازت به شهرزاد جعل خطاب شهريار ينتقل من مبدئه الجوهري الذي تغطيه السلطة الزمنية "إحك حكاية وإلاّ قتلتك" إلى خطاب يتعايش فيه الموت والحكاية ويتنادمان من أجل تأجيل الوعد بالقتل على أساس عذوبة القص وانحباسه في عقد سردية تستوجب استرسال التلقي من أجل تجليتها، وبالرغم من أن الحكايات تستمر متأثرة بفعل الخيانة التي لم يستطع القتل أن يمحوها ويُشفي الفاعل من جراحاتها، فقد انتقل دافع القتل عند شهريار من القتل الجسدي للمرأة إلى رغبته في استمرار القص بدافع القتل المعنوي لكل النساء: " فاللذة العجيبة التي كان يجدها شهريار في قتل نساء مدينته تعادل لذة الليالي الحمراء التي ترويها شهرزاد"(22)، أو الليالي البيضاء التي يقول فيها عبد الكبير الخطيبي حيث :" تتعرض شهرزاد لخطر الموت، فإنها ترفع عنصر الليلة البيضاء إلى مستوى أبيض نظري، وإلى مستوى نظرية باذخة من حكايات سلسلة من الليالي." (23) ، فالسرد هنا يلغي ويمحو فعل القتل، ويعطل فاعليته، ويشيد تلقيه على أجساد النساء ويميل إلى مبادلة القتل بالحكي والجنس، فالمبدأ الشهرياري  يعطي الأسبقية للحكي على القتل "احك حكاية وإلا قتلتك" حيث يجعل الجسد الأنثوي الفدية المثلى للتنازل عن القتل والتعويض عن فعل الخيانة الذي فجر غضب شهريار " احك حكاية وإلا قتلتك، ثم امنحيني جسدك" (24)، الشيء الذي يحول شهرزاد من ساردة لفن قصصي إلى معشوقة باعتبارها فنانة محبوبة .

يتبع

Partager cet article
Repost0
15 août 2011 1 15 /08 /août /2011 11:48

تعتبر نفسها "زائرة دائمة لجسدها"

RITA11

ريتا باروتا لـ "تحولات": الكتابة عن الجسد لم تحررني

 

أسماء وهبة


 


جلست أراقب صمت الأشياء


فابتسمت لي


يقين عارف باستحالة البكاء


جمعت ما سيكون من جمر أخفاه صدري


نثرته عنبرا على سرير رطب


لم أعد لأنني لم أكن


لم أبك لأنني منه وإليه أعود


عدم يشبه ضلع أمي


إنها قصيدة "الأشياء" للشاعرة والصحافية ريتا باروتا التي اختارت تفاصيلها الخاصة والأكثر حميمية لتقدمها للقارىء وليمة دسمة. شرعت له سريرها وجسدها و"هرطقتها" كما تقول، ليتأمل ويسبر أغوار حياواتها الداخلية. اختارت ريتا "السرير" مكانا لقصيدتها، وجعلت منه عنوانا لديوانها الشعري "هرطقة بلون سرير" الصادر عن دار أبعاد. إنه المكان الذي تقضي فيه الجزء الأكبر من حياتها. ولعله الأجمل والأتعس كما تقول! وفيه تستطع أن تعبر عن جسدها دون مواربة أو خوف، ليولد من رحمه قصائد وصفت ب "الجريئة".
ماذا قصدت بعنوان ديوانك "هرطقة بلون سرير"؟
لا أستطيع ترجمة العنوان، لأنني عندما أكتب لقصيدة أتخيل صورة معينة فأحاول قدر استطاعتي نقلها إلى القارىء بالكلمة والخيال. وأعتقد أن العنوان يحمل صورة كونتها عن حياتي، وهو أحد أشكال "الهرطقة" التي أعيشها.

ماذا يعني "السرير" بالنسبة لك؟
هو المكان الذي أصب فيه كل شيء أعيشه من حب وفرح وحزن. وهو المكان الأكثر حميمية بالنسبة لي، وهنا لا أقصد الحميمية الجنسية فقط بل حميميتي الحياتية.
ولكن العنوان يحمل إيحاءا جنسيا!
بالطبع. ولكن ربما أردت أن ألتف حول العنوان قليلا ليحمل المعنى الجنسي الذي لا أستبعده والمعنى النفسي الذي يكشف أحد جوانب هرطقتي الشخصية من دون المساس بالمحرمات الإجتماعية، خصوصا أن السرير لا يشكل بالنسبة لي "تابو"، بل هو المكان الذي يختصر حياتي! أما الإيحاءات الجنسية فهي ترجمة لإنتشائي عند الكتابة، لأنني أشعر بسعادة بالغة عندما أمسك ورقة وقلما وأكتب نصا شعريا.
هل يساوي السرير الجسد؟

بكل تأكيد. وكل شيء في حياتنا يمر بالسرير. فلا يمكن أن نفهم الحياة دون أن نمر بجسدنا وأجساد الآخرين، لأننا لا نستطيع العيش خارج أجسادنا!
هل الجسد قصيدة؟
الجسد في القصيدة هو مكان مباح وفي الوقت نفسه شديد الخصوصية. وهو المكان الذي أعطي فيه كل شيء وآخذ كل شيء. وبالمناسبة الجسد ليس شيئا، بل هو مكان مقدس أمارس فيه طقوسي الخاصة حتى أطوعه كما أريد. وفيه أقدم أقصى درجات التضحية من دون أن أمتلكه. لهذا أعد نفسي زائرة مستمرة لجسدي.
تواجه العديد من الكاتبات والشاعرات معضلة الكتابة عن الجسد: ماذا عنك؟


لا أواجه هذه المعضلة. وعندما اتهمني أحدهم بكتابة نصوص جريئة لم أهتم بالرد عليه لأني لم أتحرر عند كتابتي عن الجسد! في حين أن العديد من الكاتبات يواجهن معضلة الكتابة عن الجسد، لأن المرأة في الشرق تخاف من جسدها الذي يعتبر رهينة للآخر، حتى أنها تشعر باستمرار أنها تحمل خطيئة تنتظر القصاص. فمن المعيب بالنسبة للمرأة الشرقية أن تحب وأن تبوح لحبيبها أو زوجها بنشوتها رغم أن هذا حقها الطبيعي، الأمر الذي ينسحب على كل سلوكها. وهنا تنشأ حرب بين المرأة وذاتها، لأنها لم تتعلم أن تحب نفسها. لهذا تأتي بعض الكتابات النسوية عن الجسد فيها الكثير من المبالغة من دون أن يقدمن صورة حقيقة عن علاقتهن بأجسادهن، فتخبرنا مثلا احدى الكاتبات بما تتمنى أن تعيشه من خلال جسدها، فتأتي أحلامها مفتعلة وتقع في شرك الخيال ما ينعكس على مصداقية النص. وهناك كاتبات يظهرن كبتهن الإجتماعي بين السطور عند تناول الجسد، وهذا أمر لا يتقبله القارىء!
لماذا لم نجد حضورا لجسد الرجل في قصائد كتابك؟
أردت أن أرسم علاقتي بجسدي، وكيف أحتفي به. أما الرجل فهو طيف يمر في قصائدي، يشاهدني وأنا أنتشي من دون أن يكون هو السبب في ذلك.
كيف ترين جسد الرجل؟
أعيش من خلاله حالات معينة، لذلك هو ممر نحو شيء آخر قد يكون نشوة جنسية أو روحية. ولكن معه أشعر بسعادة أشبه بألوان قوس قزح!
هل يمكن أن يكون الرجل قصيدة؟
الرجل قصيدة إفتراضية أترجمها عبر جسده.
أليست خطوة جريئة جدا منك أن تشرعي الباب أمام القارىء ليكشف بعضا من حياتك الجنسية؟
إنها رد فعل على "التابو" الذي عشته. وأنا لا أقدم حياتي الجنسية للقارىء، بل إن هذه الحميمية بكافة تفاصيلها لا يمكن أن تتحول إلى قصيدة. لكني أقدم له نصا إيروتيكيا وليس بورنوغرافيا. وأعتقد أن الخيط الرفيع بينهما هو حرفية الشاعر الفنية في رسم مشهد جنسي، لأنه ليس من السهل تصوير التصاق رجل بإمرأة عبر القراءة غير المباشرة!

((تحولات))

Partager cet article
Repost0
6 juillet 2011 3 06 /07 /juillet /2011 16:09
هل مُنحت الرواية النسائية العربية …حقها؟
 

ماري القصيفي

دور المرأة العربيّة في الرواية موضوع شائك ومجاله واسع لا تفيه حقّه الصفحات المئة والأربع والأربعون من القطع الصغير، التي ضمها كتاب «المساهمة الروائيّة للكاتبة العربيّة» للروائي والناقد السوري نبيل سليمان. وبدا الكتاب أقرب إلى دليل حافل بأسماء الكاتبات العربيّات، يرشد إلى عناوين أهمّ الروايات التي ساهمن من خلالها في هذا النوع الأدبيّ، مبيّنًا في إشارات خاطفة إلى ما هو قيّم يستحقّ الدارسة وما هو عابر أو يتيم أو مقلِّد، فيغري القارئ بالبحث عن رواية يطالعها بشغف أو يطمئنه إلى أنّه ما دام ليس باحثًا أو دارسًا متخصّصًا فليس في حاجة إلى قراءة بعضها. ليس في هذا الكلام إساءة إلى مجموعة نصوص الكاتب والباحث السوريّ «نبيل سليمان» الصادرة من ضمن منشورات مجلّة «الرافد» الإماراتيّة، بمقدار ما فيه إصرار على عدم تحميل الكتاب ما لم يدّعه. فهو قطعًا ليس دراسة شاملة وافية

 اتّبع فيها صاحبها منهجًا علميًّا صارمًا يقيس فيه إبداعات المرأة العربيّة في هذا النوع الأدبيّ، وفق عصور وأبواب وموضوعات. إنّما هو اعتراف كامل، وبملء رغبة الكاتب، بأنّ مساهمة المرأة العربيّة أمر شغله طويلًا، فأعطاه ما استطاع من الاهتمام في كتبه وبخاصّة في العقد الأخير، وكذلك في مقالاته طوال سنوات في جريدة «الرأي» الأردنيّة، وتحت عنوان أثير لديه هو: «بنات شهرزاد» (ص6). وما هذا الكتاب إلّا القبلة التي يطبعها على جبين شهرزاد الأمّ، وانحناءة تقدير وحبّ ووفاء أمامها (ص7). البداية من لبنان مع رائدات الرواية في العقدين الأوّلين من القرن العشرين: أليس بطرس البستاني، لبيبة هاشم، زينب فوّاز، عفيفة كرم، لبيبة صوايا، فريدة يوسف عطيّة. ثمّ بدءًا من العقد الخامس، يتوزّع زخم كتابة الكاتبة للرواية، بحسب تعبير الباحث، من لبنان إلى سورية ومصر. «وعلى أيّة حال، يضيف، جاء ظهور الروائيّة العربيّة إعلانًا عن حدث ثقافيّ وظاهرة أدبيّة، وإن بلجلجة ستطول حتّى سبعينات القرن العشرين» (ص11). هذه «اللجلجة» تتبدّى في أكثر من مظهر لا يتردّد الكاتب في توجيه الأنظار إليها وإعطاء الأمثلة عليها، وإن بشكل سريع لكن من دون أن تفقده السرعة بُعد الرؤية وحسن الرأي. ومن ملامح الاضطراب الذي رافق الرواية «النسائيّة» منذ البدايات حتّى الآن: الأسماء المستعارة التي فرضتها ظروف كانت ولا تزال تمنع المرأة من ممارسة حريّتها في الكتابة خشية أن ينظر إلى روايتها من باب السيرة الذاتيّة؛ انتماء الكاتبات إلى أسر بورجوازيّة مدينيّة؛ الجمع بين الرواية وأنواع تعبيريّة أخرى كالصحافة والشعر والعمل الأكاديميّ والمسرح والقصّة القصيرة؛ تمحور المواضيع حول حريّة الجسد ورغباته؛ دور الدين وانعكاس أوامره ونواهيه على المجتمع؛ التاريخ وما تركه من آثار في تكوين الشخصيّة وصولًا إلى الصراع العربيّ الإسرائيليّ؛ العلاقة مع الهجرة والاغتراب؛ دخول عنصر الثقافة على الرواية كعامل مؤثّر في رسم الشخصيّات النسائيّة. وبقدر ما تبدو هذه العناصر دليلًا على بحث الروائيّة العربيّة عن لغة ومضمون، تشير في الوقت نفسه إلى مواكبتها التغيرات التي تطرأ على الحياة والمجتمع والوطن والأمّة. لكن تبقى المشكلة في اللواتي يبدأن الآن من حيث انتهت أخريات، فتبدو أعمالهنّ ترجيعًا لصدى أزمنة عبرت وغبرت. يخصّص الكتاب فصلًا لمساهمة المرأة الإماراتيّة في الرواية، من دون أن ينسى الإشارة إلى كونها مساهمة طريّة العود لا تزال تنتظر الوقت كي تثبت نفسها وتؤكّد حضورها، وبعد عرض لبعض الأسماء والعناوين، يلفت الباحث إلى أنّ في هذه الرواية (الإماراتيّة) «ما يمثّل تاريخ الرواية العربيّة ما بين البداية وما هي عليه اليوم: فأغلب الروايات ينادي بما كتبت أليس بطرس البستاني أو لبيبة هاشم، في فجر الرواية العربيّة حتّى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كما في روايات باسمة يونس وآمنة المنصوري وأسماء الزرعوني. بل إنّ لهذه الروايات من الأخطاء الإملائيّة والنحويّة ما يؤخّرها عن بدايات الجدّات. واللافت جدًّا أنّ هذه الأخطاء تطغى في أغلب الروايات الأخرى» (ص87). أمّا القسم الأخير من الكتاب فأضاء فيه نبيل سليمان على نصوص روائيّات من السعوديّة (أمل الفاران) وفلسطين (إيمان البصير) والجزائر (سارة حيدر) ومصر (سلوى بكر) وسورية (سمر يزبك) والأردن (سميحة خريس) والعراق (صباح خليل متعب) والكويت (ليلى العثمان) واليمن (نادية الكوكباني) وتونس (نجاح محمّد يوسف). وما غياب غيرهنّ من البلدان نفسها، أو سواها من الدول العربيّة، سوى البرهان على الحاجة إلى مزيد من الدراسات الموسّعة تعطي هذا الموضوع ما يستحقّه من قراءة وتحليل ونقد.

عن الحياة اللندنية

Partager cet article
Repost0
16 juin 2011 4 16 /06 /juin /2011 08:29

امرأة تكسر حلما رمادي الطين

القاصة المغربية لطيفة مرابط

 

 

 

سئمت كل هذه المهانات لم أعد أحتمل أكاد أجن كلما رأيتك برفقتها وعلمت أنك في حضنها.

 

لكنني لا أمتلك شرعية الٳعتراض أو حتى التعليق فلابد من الحصول على ترخيص كتابي علني مرفوق بشهود عيان ذكور عاقلين بالغين راشدين

 فكل ما بحوزتي لا يتعدى تفويض شفاهي يفتقر للثقة والمصادقة.

 

آه كم يغريني الدخول ٳإلى بيتك الزجاجي لاستكشافه من الداخل.

 

كل أبوابه موصدة، الداخل ٳليه مفقود والخارج منه مولود لا أحد يستطيع أن يبرح مكانه فالكل متمسك بغرفته وسريره وكرسيه.

 

أحاول أن أسترق السمع من الخارج ربما ألتقط بعض الشفرات تساعدني على اقتحامه.

 

أتساءل هل حيطانك كاتمة للأصوات أم مضادة للكلام؟

 

أصرخ وأصرخ دون مجيب حتى لم يعد لي صوت أو أذان.

 

ربما الحل هو رشقه بالحجارة حتما سوف يتكسر لكن كيف لي أن أتجنب ارتطام شظاياه بوجهي؟.

 

ما نفع وجهي الآن مادام هو لا يراني جميلة فلم تعد له واجهة أو وجهة تذكر.

 

فكلما سرحت النظر في عينيك وشرعت بالغوص في أعماقها تبادر ٳلى ذهني سؤال بات يؤرق مهجتي ويقض مضجعي ترى ما الذي يجذب مشاعري نحوك بهذا العنف الجارف؟

 

تصدني بإعصارك  اللامتناهي: العلاقة الأكثر إنسانية هي علاقة الرجل بالمرأة.

 

تقنعني كالعادة بردودك المحملة بغبار طين المنطق والعلم والفلسفة.

 

لا أجد بديلا سوى الٳحتداء بك والدخول من بوابة قصرك الذي شهد انهزامي في معركتي الأولى والحقيقية.

 

ربما لأنك تشبهني حد التوحد أتنفس بأنفاسك وأتكلم بلسانك وأحارب بجلدك وأعشق بقلبك.

 

عذرا سيدي ٳن اختلط عليك الحب والجنون والكبرياء.

 

أم أنك رجلا يهوى التعلق السريع والملل الأسرع....؟

 

فبأي عين تنظر ٳلي أهي العين التي تراها واليد التي تمسك يدها.... من تكون؟

تراك أقسمت بحبها أنها امرأة تختصر كل النساء.

 

وأي الأحاديث تروي لها حتما هي نفس الأحاديث تغازلها بكلمات انتقيتها من دفاترك القديمة فأمقت  أجزائي وأكره كل الكلمات.

 

أنا الآن لم أعد أحتاج لأجنحتك كي أحلق وأطير في الفضاء الواسع أحتاج فقط لأصابعي ولوحة مفاتيح أستطيع من مكاني أن أشاهد النوارس برقتها ووداعتها تقضم ظهر النسور كي تعلمنا أصول الغناء على أشلاء المحمومين والمكلومين حتما الطيور على أشكالها تقع.

 

فأبعد ٳذن عن وجهي قبضتك الحديدية ولا تراوغ في لعبتك العاطفية كن رجلا حاسما كن أبيضا أو أسودا فأنا امرأة لا تستهويها الحلول الرمادية.

 

 

 

Partager cet article
Repost0
7 mars 2011 1 07 /03 /mars /2011 15:38

وضعية المرأة السوسيو- ثقافية بين الثابت والمتحول
..بقلم: عبد النور إدريس
تاريخ النشر : 2005-12-28
وضعية المرأة السوسيو- ثقافية بين الثابت والمتحول..بقلم: عبد النور إدريس
 
وضعية المرأة السوسيو- ثقافية
بين الثابت والمتحول
بقلم: عبد النور إدريس*

"إن درجة تحرر المرأة تصبح بكل بداهة مقياس التحرر العام" شارل فوريي

□ دلت كل المقاربات التي تطرقت لموضوع المرأة إن على المستوى الفقهي كتشريع أو على مستوى الخطاب اللسني المعبر عنه من خلال الإنتاج الأدبي بكل أصنافه التعبيرية عن تعامل حذر اتجاه المرأة، زكاه التعاطي الميتولوجي للمجتمع معها منذ العصور على اعتبار أن الرجل هو الأصل والمرأة هي الفرع.

الثابت الميثي

كان ذلك مع ظهور الدين اليهودي الذي غير النظرة الوديعة للعصر الاميسي إلى المرأة (حواء) التي أصبحت تجسد الخطيئة، وتحدد لنا سن اليأس الأزلية للرجل (آدم ) الذي ولد حواء من ضلعه كأول ولادة وآخرها بعد أن انتقل فعل الولادة كعقاب إلهي إلى حواء" وقال للمرأة تكثير أكثر أتعاب حبلك ، بالوجع تلدين أولادا..." (1).

بينما كانت ولادة آدم الأولى ولادة إلهية من نوع التكاثر الملائكي الروحاني، كان آدم واسطة لولادة حواء حيث جوعلت معه كطرف خارجي عنه ،" فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت" (2) .

وتذكر القصة أن آدم قبل ذلك كان ملاكا خالدا في الجنة لا يموت أبدا، ولم يبق له كعلاج للموت إلا التناسل، فالجسد الأنثوي هو المكان المركزي الذي يبدأ منه إيقاع المحاذير، ينطلق من الأسطورة ليتوالد فيه المعنى داخل الوضوح الاستراتيجي لعناد النص الذي أباح تخلف حواء رغم أنها أول من أكل من شجرة المعرفة، فطَردُ آدم من الجنة يدل على حصول إمكانية حواء للوصول إلى شجرة المعرفة قبل آدم، من تم أقيمت حراسة إلهية حول المعرفة الخالدة مخافة وصول حواء إليها وتذوق اللذة الميتافيزيقية للسر الإلهي في حالة التَّجلي" ولهيب سيف تنقلب لحراسة طريق شجرة الحياة"(3).

ألف ليلة وليلة...حدود الممكن.

في وقت كانت أوربا تعيش تاريخها المظلم ،حركت الملحمة الشعبية(ألف ليلة وليلة) وثنية موضوع المرأة لدى المستشرقين لما اتُّخدت كمرجع لتفسير حياة العربي كمفتاح سحري لشخصيته .

فالظاهرة الشبقية في نص ألف ليلة وليلة هي تمثل لثقافة غربية تمتح من نسقها المبني على استمتاع القارئ" بلبيديته" وقد انساق العديد من الباحثين العرب مع هذا المعطى الانسياقي والخضوع لرؤية غربية ارتكزت على الهامشي بهذا النص يقول د.ابراهيم محمد زين "إن التفسير المقنع لتلك الظاهرة هو غياب الوعي بأهمية توطين هذه المناهج في نسق الثقافة العربية الإسلامية ومحاولة إيجاد قيم نقدية تعيننا على فهم المنطق الداخلي لهذه الثقافة التي نتمثلها وتمثلنا ونسعى أحيانا لتشويهها فتفتح أعيننا على سراب الحضارة الغربية" (4) .

" ف(شهرزاد) تروي لكي تحيى ،و(شهريار) يُصغي لكي يتمتع فالإرسال السردي ينتظم في سياق تأجيل الموت فيما ينتظم التلقي في سياق الاستغراق في المتعة" (5).

" لكن شهرزاد تستثمر فعالية السرد الجبارة فبثت فيها ليس المتعة فقط، وإنما العبرة التي تتسلل خفية في تضاعيف السرد بحيث تعمل بعد ألف ليلة وليلة على تغيير قناعات شهريار الذي ما إن تقبل ما روي له في الليلة الأولى، إلا ويبدأ بتقبل كل ما سيُروى له في كل الليالي الألف الباقية." (6).

ففض البكارة بالنسبة للمخيال العربي في ألف ليلة وليلة هو القتل المعنوي للمرأة بعد انفضاض البكارة فشهرزاد بعد ذلك كانت تروي لتعيش بنات جنسها ولتعيد للقيم توازنها المبني على ارتفاع سهم الوفاء الأنثوي مقابل العدل العام للسلطة، فكأنما دورها الاجتماعي الرائد هو إنقاذ العدل من وضعه المختل بالعلاقة مع الأنثى ليتبين بعد ذلك إن الأنثى هي الضامنة للعدل وليس الاستغراق في المتعة الشبقية.

فالاستقرار الأسري مدعاة للعدل ضمن تجليات السلطة الذكورية، أما الوفاء الجنسي للأنثى "الزوجة"هو دعوة لإعادة إنتاج المجال الأبيسي واستمراره وهنا يعود نص الف ليلة وليلة لطرح المُضمر، طرح هيتيرية المجتمع الأميسي" ماتريياركا" .

بهذا فالتطهير الأخير لشهريار ما زالت الحبكة الأنثوية تحيكه على شكل "خلافة" "إنجاب" لهذا يتبين أن العمق المأساوي للخيانة الزوجية يقابله العنف البلاغي لاستمرار السلطة الذكورية.

"إذا كانت شهرزاد تنجو من الموت بعد أن تحكي كل ليلة قصة ، فلأن نصها يفتق الهذيان الابيسي ،يصعده إلى وعي روائي.إذ تبين كيف يمكن إنتاج الحكايات، " فالموت ومغادرة الحدود هما، بالفعل، شيء واحد"، كما يقول جورج باطاي. إن عذرية شهرزاد وهي تذوب في جنون السلطان، تفتح إمكانية كتابة مضاعفة، إحداها منشورة في الحرم الأبيسي، حيث الدم، والأطفال، والنظام الطبيعي المتعارف عليه، وثانيتها كتابة تتبع تمددا غريبا للحكاية ينسينا القيم والصور الأبوية. وضمن هذا التكرار للصور ينعقد وينحل الوضع الشبقي، بواسطة شهوة عنيفة ومتقنة، ولكنها مع ذلك تغري بالذوبان فيها" (7) .

الطفرة التاريخية نحو المتحول.

عاش المجتمع العربي قوة تغلغل المنظور اليهودي للمرأة وخاصة الجاهلي الذي دأب على وأد البنات الشيء الذي يجعل هذا المجتمع ومن خلال انغلاقه الحضاري يعبر عن هذا التغلغل للإسرائيليات كخلفية ثقافية سائدة جعلت من المرأة حريما مرتبطا بالخيمة وفضاء الاحتشام وقد أجازت اليهودية كديانة انتشار هذا المعطى محملا بقيم محلية جاهلية وقد جاء في سفر التكوين أن اليهودي، «يملك على أولاده حق الموت والحياة، يقتلهم إذا شاء أو يقدمهم قربانا للرب"(8).

إن ولادة البنات كانت دائما وما زالت ترسباتها حاضرة حتى أن الوأد المعاصر اتخذ من التكنولوجيا سبيلا إلى ذلك (جهاز السونار) عبر طرق مختلفة لدى الشعوب، فالعصر الجاهلي المعاصر يتكيف مع نظام الأسرة الذي يسمح مثلا للصيني بولد واحد، حيث تمارس الأم داخل النسق الذكوري عملية الإجهاض مرات متعددة حتى تحصل على ذكر.أما باليابان فوأد المواليد الإناث أصبح شائعا " تأخذ (القابلة) ورقة مبتلة، وتسأل الأب بنظراتها عما تفعل وكانت تخنق المخلوقة الصغيرة غير المرغوب فيها ،إذا ما أومأ الأب برأسه موافقا.وكثيرا ما كان يومئ الآباء برؤوسهم" (9)

أما بالهند فتكاليف تزويج البنت مدعاة لكراهية حصول العائلة على أنثى يقول د. محمد بلتاجي " يقضي النظام الاجتماعي ( حتى اليوم ) بأن الزوجة هي التي تدفع المهر (أو الدّوطَة ) للزوج، مما يحمل أهلها عبئا كثيرا عند تزويجها، لذلك تلجأ كثير من الأسر الفقيرة إلى وأد الأنثى عند ولادتها أو بيعها لمن يحملها بعد ذلك على احتراف الدعارة "(10).

خرجت التعاليم الإسلامية من صدمة رفضها من قبل مجتمع يمتاز بعصبية قوية يلفها التماسك حول الأعراف والتقاليد، فهي وإن لم تذهب إلى التحرير الكامل لصورة المرأة داخل الأسرة العربية الإسلامية فقد قلصت من رحلة معاناتها وبذلك اعتبر حصولها على نصف حصة الذكر من حيث الإرث ﴿للذكر مثل حض الأنثيين﴾ الآية،اعتبرت آنذاك ثورة على المفاهيم التي كانت تخندق الأنثى في مكانة أقل من العبد مرتبط وجودها بالعار والمذلة والهوان ،فهي السِّبية والحريم حيث يرتبط بشخصها جملة المحاذير والآثام المسلطة على وعيها،فكان لمفهوم الأنصاص مجال حكَم الأنثى داخل المنظومة الإسلامية ( نصف شاهد، نصف دين...) ناهيك عن الأفضلية التي يمتاز بها النصف الأيمن من الجسم في مواجهة النصف الأيسر الذي خرجت منه حواء والذي خصته العبادات بطهارة "المستوى الثاني".

فالأوهام والأيديولوجية التي تتهم الخطاب القرآني بمسؤوليته عن تدني وضع المرأة غير ذي حجة إذا علمنا الوضعية الكارثية التي كانت تعيشها المرأة قبل نزول الوحي، وخاصة منذ تلقي عائلتها نبأ ولادتها وقد جاء هذا الوصف بسورة النحل حيث قال تعالى﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون﴾ (11).

إن هذه التلاوين التي تُصبغ بها عواطف الأب الجاهلي من هذه "البُشرى" تعكس وظيفة الأنثى داخل الهرم القبلي الجاهلي وبالتالي تجسيدها لتدهور القيم الخاصة لقبيلتها يقول د.محمد بلتاجي " كان الأب الجاهلي يرى الأنثى تأكل ولا تقتل عن القبيلة، ويراها مصدرا لجلب العار له حين تُؤسر من العدو فيفترشها آسرها عنوة واقتدارا أو طواعية واختيارا، فيعير الأب وقبيلته بها" (12) .

لكي ينصف التاريخ هذه النقلة النوعية للديانة الإسلامية في باب حقوق المرأة نحيل البحث على المجتمع الأوربي وخاصة، سنة1805م بالضبط أباح القانون الإنجليزي بيع المرأة من طرف زوجها مع تحديده المُسبق للثمن، بل هناك من باع زوجته أقساطا بإيطاليا.

لهذا فالإسلام لاعلاقة له بتدني وضعية المرأة بالمجتمعات الإسلامية.

المرأة المغربية بين السوسيولوجي والسيميولوجي

من خلال الوساطة الاستشراقية الاثنولوجية:جاك بيرك.

ينتقل البحث في وضعية المرأة المغربية كجزء من الكل العام بين حقلين معرفيين ، من حيث تناولها كموضوع وفاعليتها كذات بالوسط المغربي .

فمن خلال الوساطة الاستشراقية الاثنولوجية التي تطرقت لدراسة المجتمع المغربي نجد المستشرق الفرنسي جاك بيرك الذي تنبه من خلال بحثه الاستشراقي إلى أن الموضوعية تقتضي دراسة المجتمع المغربي من خلال مكوناته هو حيث اكتشف ج. بيرك عمق تجدر الأعراف والتقاليد وابتعاد المناطق البربرية عن المفاهيم الشرعية ( منطقة الشرع) يقول جاك بيرك "كنا ندرك الإفريقي الشمالي من خلال مقارنته بنا في حين أنه كان يجب إدراكه من خلال مشاكله الخاصة وتعقده الداخلي وفي كلمة واحدة، يجب فهمه كما يفهم نفسه، أي يجب اعتبار تأويلاته الخاصة" (13)

نجد المجتمع المغربي آنذاك، ينقسم من الناحية الشرعية إلى حاضرة تغلغلت فيها الديانة الإسلامية، وإلى بادية بربرية يتجاذب صراع أفرادها مع المخزن السلطاني حيث يسود ضعف الوازع الديني وسيادة الأعراف المحلية التي تنهل من خام تلاقحها بالحضارات التي عـبرت الأرض المغربية عبر العصور، وخاصة النظرة المتعلقة بالمرأة البربرية، هذا بالإضافة إلى تجدر وسيطرة المنظور الفقهي على مكونات العقلية المغربية التي عاشت ومارست السيبة كتجليات لسلطة العرف يقول جاك بيرك في هذا الإطار: " للمغربي عقل فقهي، وأن الفقه أصبح في المغرب منذ زمن بعيد فنا متينا، الفن الذي عبر العرق من خلاله عن نفسه بصدق"(14).

لاشك أن تبعية البحث السوسيولوجي في المغرب للإدارة الاستعمارية يعني حضور الأيديولوجي في صميم البحث العلمي هذا الحضور من جهة مؤطر للبحث ومن جهة أخرى حضور مشوه للواقع.

وقد جسد جاك بيرك النظرة الموضوعية كثاني عمل سوسيولوجي له حول البرابرة في كتابه"البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير" تميزت أبحاثه فيه بأنها لا تقبل الاندماج بسهولة في الايدولوجيا البربرية الكولونيالية فمن أهم الإشكالات التي عالجتها هذه الدراسة العميقة علاقة العرف بالشرع حيث يرى جاك بيرك أن تلك العلاقة لا يمكن أن تخضع للنمذجة والتوحيد أي أنها تتغير بتغير المناطق البربرية حيث لا وجود لقبيلة بربرية ينعدم فيها الشرع.

فبالإضافة إلى حضور المرأة البربرية المتميز بالشعر الأمازيغي "تمديازت"كأنثى وحبيبة يتجسد حضورها الفعلي انطلاقا من بعض المصطلحات التي تصف الرجل بأوصاف تضعه اقل من رتبة المرأة مثل "أمحارس" "أحراث" والتي تضعه على الهامش باعتبارها السيدة المالكة والمتحكمة والمسيرة وانطلاقا من الدور البدائي الذي يحيط بإنتاجيته "الرعي".

فمن خلال الثنائيات (حاضرة/ بادية)، (منطقة الشرع/ منطقة العرف)،(المنطقة السلطانية / منطقة السيبة) حيث تشكل هذه الثنائيات الضدية مجتمعة ثنائية بحدود علاقاتها التناقضية(إيمان/لا إيمان)، لهذا كان الشطر الثاني من الثنائية يقترب كمفاهيم معاشة من الطابع الأميسي لضعف تغلغل الإطار الــديـني بالمنطـقة والـتي كانـت ترفـض الاحتكاك بالـشـطر الأول باعـتـبـاره( الحاضرة، منطقة الشرع، المنطقة السلطانية) جسما ضرائبيا يشكل التعامل مع قوته الرادعة المتجسدة في "المحلًة" التي يرسلها السلطان لتطويع وتطويق " منطقة السيبة" منهجية الأخذ والرد لبناء تطورها داخل كينونتها وتواجدها في الزمان والمكان.

المنتوج الجنساني المغربي لابن عرضون .

أما على المستوى الوثائقي ومن خلال الإنتاج المحلي على المستوى الفقهي نجد الفقيه (أحمد ابن عرضون)1556م- قاضي شفشاون – الدولة السعدية- وتدخلاته لتحديد العلاقات بين الرجل والمرأة على كافة المستويات زواج ، طلاق، تعدد..من حيث مساواتهما، من حيث اختلافهما لتحقيق معادلة إنسانية في اتجاه بناء مجتمع سليم على المستوى الكمي تسوده علاقات تعاقدية تتساوى فيها مصالح الطرفين على مستوى تداخل نصوص الشريعة وتركيبتها فأصبح التساؤل عن المرأة سؤالا مركبا يحيل قطب الاهتمام نحو الفقه الذي وجد صيغته الاجتهادية عند غير المتأخرين من الفقهاء كعقلانية ممكنة ارتبطت بالحاضرة (مكان الشرع)، حيث يتساءل جاك بيرك عن ثنائية جد ممكنة،(فقه/ مدينة)، ليحيل التساؤل لثنائية متخفية ذات العلاقة التناقضية ( لافقه/ بادية)،" هل تعني هذه المقاربة أن الاعتماد على الفقه في بـناء مـوضوع المرأة التقـليدية لـن ينـتج عـنه سـوى خطاب خاص بالمرأة الحضرية ؟ ألا تتحقق قيمة القول الفقهي كشهادة سوسيولوجـية إلا في المديـنة، باعتبارها – مكان الإيـمان، ومـكان الـشرع-" (15) .

وقد تم العثور على وثائق بالمرحلة السعدية تنص على أن المرأة قد أثبتت بعقد نكاحها حقها في التمليك والصداق والمؤخر وحقها في تطليق زوجات زوجها في حالة التعدد..حيث أدى الانكباب على الشهوات والانعكاسات الفكرية- الميتافيزيقية والسيكولوجية التي ولدها الشعور بقرب" الساعة"( السنة 1000 الهجرية، آخر الزمان) حيث "تلاشت غيرة الرجال على النساء، ووقع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، وشهدت الأعراس مناكر متعددة، من الممكن القول بأن الشعور بقرب الساعة دفع بالمجتمع المغربي آنذاك إلى سباق ضد الموت تمثل في الانكباب على الشهوات" محمد حجي "الحركة الفكرية في المغرب في عهد السعديين".

وقد تطرق احمد بن عرضون إلى فتوى صنفته من ضمن فقهاء البدعة حيث تم تكفيره لفتواه الجريئة التي خالف فيها فقهاء عصره وشذ عن العقل السائد، فقد كان" يرى أن المرأة في البادية يجب أن تقاسم الزوج فيما ينتج بينهما من زرع وضرع"، "مقنع المحتاج في آداب الأزواج". كما يقول ذ.سعيد أعراب " قد وقفت له على فتوى – ولعلها بخط يده- تذكر أن للمراة النصف في مال الزوج، إذا وقع طلاق أو وفاة بشروط شرطها وحدود حددها، وهي خلاف ما جرى به العمل في قبائل غمارة..."(16).

وقد طرح الدكتور عبد الصمد الديالمي عدة تساؤلات حول هذه الفتوى التي أدخلت ابن عرضون في مصاف منتجي الفتوى من أعماق السوسيولوجيا يقول: "هل ترتكز هذه الفتوى على اعتبارات عرفية وتاريخية خاصة تعطي للسوسيولوجيا مكانة بارزة في إنتاج الفتوى؟ وبالتالي، يتحول إصدار الفتوى إلى عمل مشترك بين الفقيه وعالم الاجتماع؟ وعلى كل، لابد من الاعتراف بوجود عالم الاجتماع كامن في شخصية الفقيه ؟ هل تجوز الفتوى بغير المشهور؟ وهل تؤدي الفتوى بالضعيف أو بتقنين العرف إلى البدعة؟ أو إلى الخروج عن المذهب ؟أو إلى الخروج عن الإسلام؟ وفي هذه الحالة، من له الحق في احتكار الحقيقة الإسلامية؟" (17).

مقاربة السيميولوجي داخل السوسيولوجي.

هذه المقاربات"السيميو- سوسيولوجية" وان توفقت في إبراز وتحديد بعض الإشكالات يبقى أن دراسة وضعية المرأة المغربية وخصوصا بالبادية ينبغي أن يخضع للتصورات المنطقية لا للتحديدات الميثولوجية المبنية على تصورات عاطفية، هناك حضور الإشكالات البنيوية بثقافتنا والتي تجعل من المرأة نفسها هي المدافع الرسمي عن وضعيتها المتخلفة..

إذن ما هي حدود تفكيك هذه الرؤية في غياب فضاء نسبي لاستعمال آليات التحليل الاجتماعي؟.

إن الغيابات كثيرة بالبنية التقليدية للوسط المغربي، غياب وعي تام بآفاق الطرح الإشكالي، حضور الأمية المتفشية بشكل واضح بمجتمعنا وخاصة التي تتعلق تتعلق بالمرأة التقليدية بالوسط القروي.

غياب بنيات تحتية لتشجيع تمدرس الفتاة بالوسط القروي، على سبيل المثال لا الحصر تواجد الداخليات التي يرجوها الأب الذي يمثل الذكر العربي سلوكا وعقلية لتكون "الداخليات" الأدرع الممتدة للأسرة خارج البيت، من حيث أن الأب لا يودع لدى المؤسسة الداخلية فتاته ككائن بل يضع بكارة وشرفا، تقول سيمون دي بوفوار في هذا الإطار:"اكتسبت البكارة قيمة أخلاقية دينية غيبية" (18).

أما الانغلاقات فكثيرة حضورها القوي يتجلى في التصورات الشعبية التي يضفيها مجتمعنا على المرأة من حيث حضور المثل الشعبي بكل قوته " للمرأة خرجتان واحدة لبيت زوجها والثانية للقبر، فالحجاب وأد مواز لعملية الدفن يتم تجريدها من عناصرها الموضوعية همت تاريخيا تحديد مواقع شبقية من تاريخ الذكورة العربي.

فنجد بمجتمعنا حضور المصطلح الذي يشكل حضور وعي مثل "باب الدار " " قاع البيت" "اللثام" وهي كلها فضاءات تغلق على جسد المرأة كجسد أنثوي لا يفتح إلا للزوج الذي يستمتع بهذا الفتح جنسيا والمَحرَم الذي يكون صلة وصل بين الخارج كثقافة للمرأة تنهل منها وهي غالبا ثقافة الرجل الذي يرى الوقائع بأُحادية المنظار، حيث يشكل" اللثام" وسيلة غلق أخرى داخل الفضاءات المفتوحة.

إن بعض التعبيرات التي يغلب فيها تجسيد المجال مثل" صدر البيت"،" فم الدار"، و الأعضاء الجسدية المسقطة على المجال الحضري العربي الإسلامي أعضاء مُجنَّسة أو قابلة للتَّجَنْسُن، فبالفعل هناك انتظام سيميائي بين الرأس والفم والصدر وهذا الانتظام هو من المذكر نحو المؤنث.

"راس الدرب" هو مكان المراقبة لمن يدخل الدرب والمراقب هو الذكر ،هو انتظام سيميولوجي مجالي من الخارج نحو الداخل يمر عبر الفم كحد فاصل بين فضاءين، فالفم : نقطة تبادل لسني (الكلام)،تبادل بيولوجي(المضغ) وتبادل جنسي (قُبلة) ، إن" فم الدار" هو المعبر إلى عالم المرأة، مكان عبور في اتجاهين (دار /شارع)"افتح الباب وادخل إلى الشارع" وقد قال العالم النفساني كارل ابرهام "الإنسان لا يكتفي بإحياء الأشياء بل يجَنّسُها" وقد نستخلص من هذه النسقية الجنسانية طرح السؤال على المجال ،أليس للدار فرج كما للمرأة؟

إن المصطلح السيميائي "قاع الدار " يأخذ من جسم المرأة مكان الإثارة الجنسية كما يفيض المصطلح "قاع" على حدود تركيبية اللغة العربية من خلال قوة اللهجة المرتبطة بلذة النص ومتعة الاكتشاف.

إن فضاء اللغة الجنسية فضاء عائلي يستعمل فيه المذكر إسقاط الجسد على المجال ليصبح المجال بدوره حرمة وجب تحصينه كي لا يمس، فالمنطق الباتريركي هذا استعمل الحجاب لتحصين الملكية العائلية كما استعمل زواج الأقارب (ابن العم) في السابق كتحصين متناغم مع دلالة انغلاقه.

هذه مواضيع للبحث لازالت حاضرة إن على مستوى المدينة بالأحياء القديمة كما على مستوى البادية .

فجل الأمثال الشعبية تعيد إنتاج علاقة الرجل بالمرأة خاصة ما يتحدد من توجيه وتلقين التجربة الباتريركية للجيل اللاحق، هذه القوة حاضرة بالمثل، "ظل راجل ولا ظل حيطة".

فالمثل الشعبي قد رسم تقاسيم صورة المرأة ضمن ثنائيات ضدية يتمازج ضمنها السلب والإيجاب كتعبير عن مزاجية العواطف التي تحكم المثل الشعبي من حيث القبول بالمرأة كجسد للاشتهاء وبالتالي فهي "خير"، حيث جاء في المثال التالي:"المرأة عمارة ولو كانت حمارة ".

أما تحديد مكانتها كسلب فهو دلالة على مدى انتهاء الرجل من جسد الأنثى بالإشباع الجنسي وبالتالي النبذ النفسي لكينونتها الإنسانية كما جاء في المثل الشعبي التالي: "مسمار في الحيط ولا امرأة في البيت" وقد ذكر الأستاذ علي أفرفار الأسباب النفسية والاجتماعية التي شكلت الوعي برفض المرأة والرغبة في التخلص منها حيث قال "لاشك أن أساس هذه الرغبة يكمن في العلاقة التي أقامتها الثقافة الشعبية بين كرامة الرجل والبكارة، حيث تمثل المرأة موضوعا مخيفا يتوجب على الرجل التخلص منه بسرعة إذا هو رغب في صيانة مركزه ومكانته الاجتماعية" (19).

أما الثنائية ( إنجاب / لا إنجاب) فيمكن تصنيفها ضمن الثنائيات التناقضية حيث نجد أن العقم يمكن أن يكون الرجل سببا في حصوله وهو خاصية مشتركة بين الجنسين، كما أن الإنجاب الذي يأتي بالأنثى فهو داخل المخيال العربي بمثابة (لا إنجاب) أي عقم على مستوى انتفاء استمرارية وجود حامل لاسم الأسرة من الذكور.

أما الثنائية ( بكر/ ثيب) فيمكن التطرق إليها من خلال الثنائية التناقضية التالية(بكر/ لا بكر)،( ثيب /لا ثيب) وقد تشترك كل من الزوجة والأرملة والمطلقة في انتفاء البكارة عنهن تصبح فيه البكارة رمزا لقيم العفة والطهارة وعدم حصول الجسد الأنثوي على تجربة جنسية تجعل ميدان الفحولة قابلا للصولة في تضاريس الكشكول السيكولوجي للحضارة الذكورية.

فالتراتبية الاجتماعية تجعل البكر في الهرم القيمي تليها المتزوجة والأرملة والمطلقة التي يعتبر رفضها من طرف (ذكر ما ) عافها "هجالة" ينعكس تشردُم وضعيتها على قيمة منتوجها "الحضائني" كما جاء في المثل الشعبي الذي يقول "الهجالة ربات عجل ما فلح ، ربات كلب ما نبح"، هذه الوضعية السُبة لن تفارق(الثيب- مطلقة)إلا بانتقالها إلى عصمة رجل .

هكذا نجد أن مصطلح"ثيب" لا يحقق الثنائية التي وضعها الباحث من ضمن مؤشرات اختيار المرأة المناسبة، كما لم تتحقق كينونة المرأة إلا من خلال المذكر الذي عبرت عنه الوثائق الأولى للنص العدلي الذي كان يعقد "عقد النكاح" بصيغة المذكر هكذا "لقد نكح فلان فلانا"كناية عن قيمة التنشئة التي تربت عليها الفتاة من حيث المرجع:المحمول الذكوري الذي تشبعت به في تربيتها يقول المثل "بنت الرجال ولو بارت"، وقد حدد هشام شرابي انطلاق هذا المعطى لدى الوعي العربي بحضور قوة القالب الحضاري للمجتمع يقول "وهدف كل مجتمع تجاه كل طفل أن يصهره نفسيا وذهنيا ليطابق القالب الحضاري لذلك المجتمع"(20).

إن أزمة المرأة هي أزمة فكر وثقافة قبل أن تكون أزمة واقع عاشته المرأة خلال معاناتها كإشكال تاريخي عصف بمكوناتها الذاتية نحو التحرر وانفتاح امكانياتها على أرض الواقع، كما أن قضية تحرر المرأة هي دعوتـهـا أن تغـزوَ الجانـب المُعـتم مـن انغـلاق الرجـل على تحرره تـقــول د. سلوى الخماش في هذا الإطار، "ما زال على المرأة دور كبير في تغيير مفهوم الرجل عنها، وفي تصحيح أفكاره" (21).


♦ ♦ ♦

الهوامش

1-انظر التوراة، سفر التكوين، الإصحاح الثالث

2- المرجع السابق.

3- التوراة،التكوين،الإصحاح الثالث،الآية22-24.

4- مجلة العلوم الإنسانية العدد4-صيف 2001م جامعة البحرين، ص:359.

5- مجلة العلوم الإنسانية ،جامعة البحرين، العدد 3، شتاء 2000، ص:79.

6- نفس المرجع السابق ص:79/80.

7- د.عبد الكبير الخطيبي "الاسم العربي الجريح" دار العودة بيروت الطبعة الأولى 1980،ص:120.

8- سفر التكوين الإصحاح 42 الآية 37.

9-" مكانة المراة في القرآن الكريم والسنة"- حقوق السياسية والاجتماعية والشخصية للمراة في المجتمع الإسلامي- ، د.محمد بلتاجي ،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة مصر،الطبعة الأولى 2000.ص:84

10- القرآن الكريم سورة النحل الآية 58-59.

11- نفس المرجع السابق (10) ص:81.

12 - Problèmes initiaux de la sociologie juridique en Afrique du nord

1953p144-studia islamiquE -13- Essai sur la méthode juridique Magribine" p113 1944 rabat

14- نقلا عن الدكتورعبد الصمد الديالمي "المعرفة والجنس"-من الحداثة إلى الجنس- الناشر عيون المقالات دار قرطبة للطباعة والنشر الدارالبيضاء 1987 ص:56.-57.

15- سعيد أعراب :"ابو العباس أحمد بن عرضون" ، جريدة الميثاق السنة الثالثة عدد49 فبراير 1964.نقلا عن الدكتور عبد الصمد الديالمي ،"المعرفة والجنس" ص:106.

16- المعرفة والجنس، نفس المرجع السابق ص:106.

17- سيمون دي بوفوار ،"الجنس الآخر" ترجمة :محمد علي شرف الدين، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر ، بيروت 1979، ص:629.

18- مائة عام على تحرير المراة ،سلسلة أبحاث المؤتمرات/1 الجزء الأول ، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 23/28 أكتوبر 1999 إشراف د. جابر عصفور " صورة المرأة في الثقافة الشعبية ...." علي أفرفار، الصفحة:629.

19- د.هشام شرابي ،مقدمة لدراسة المجتمع العربي ،دار الطليعة ،بيروت الطبعة الرابعة،1991،ص:73.

20- د. سلوى الخماش، المرأة العربية والمجتمع التقليدي المتخلف ، دار الحقيقة بيروت الطبعة الثالثة 1981،ص: 109

* قاص وباحث من المغرب
Partager cet article
Repost0
7 mars 2011 1 07 /03 /mars /2011 15:20
صورة المرأة في الكتابة النسوية شاعرات تونسيات أنموذجا

بقلم فوزي الديماسي / تونس

مصطلح “الكتابة النسوية” من المصطلحات التي راجت في المدونة النقدية المعاصرة رغم ضبابية حدّه و حدوده. و قد تعددت الجهود هنا و هناك لتحديد هذا المفهوم و تسييجه، لكن بقي هذا المصطلح هلاميّا، سمته الزئبقية، و صفته الانفتاح على إمكانات متعددة، و من بين وجوه الاختلاف بين النقاد عدم اجتماعهم على مفهوم موحد. فمنهم من قال بالنسوية، و منهم من وصف كتابة المرأة بكتابة الأنثى ، و منهم من قال بالكتابة النسائية، فأيّ المصطلحات يمكن اعتماده لحظة معاشرة نص مكتوب بقلم المرأة و في أيّ خانة يصنّف؟
د. شيرين أبو النجا في كتابها ” نسويّ أو نسائيّ ” تطرح إشكالية التمييز بين المفهومين منذ العنوان، و هي تطالب بضرورة ” التمييز بين مفهومي نسوي و نسائي عند الحديث عن الأدب الذي تكتبه المرأة، لكي لا يتمّ تصنيف ذلك الأدب على أساس هويّة منتجه الجنسية و لهذا ” تلزم التفرقة دائما بين نسويّ ( أي وعي فكري و معرفي ) و نسائيّ ( أي جنس بيولوجي) -1- فالكتابة التي تكتبها المرأة في مستوى التجنيس مفتوحة على دروب ثلاث ( أدب نسائي / أدب نسويّ / أدب أنثويّ ) و هذه الأوجه المتعددة خاضت فيها ناقدات عربيات على غرار د. زهرة الجلاصي و نازك الأعرجي و د. شيرين أبو النجا. و قد تباينت وجهات نظرهنّ، كما عملت الأعرجي و كذلك أبو النجا على حسم هذا التشتتّ حيث ترى الأعرجي أنّ الأنوثة كمفهوم تعني لها ( ما تقوم به الأنثى ، و ما تتّصف به، و تنضبط إليه) و لفظ الأنثى” يستدعي على الفور وظيفتها الجنسية، و ذلك لفرط ما استخدم اللفظ لوصف الضعف و الرقة و الاستسلام و السلبية” -2- و تقترح د. زهرة الجلاصي استخدام مصطلح ” النصّ الأنثويّ ” بديلا عن مصطلح ” النص النسويّ ” أو ” الكتابة النسوية ” مؤكدة على التعارض القائم بين المصطلحين من حيث الدلالة و المعنى، فمصطلح النص الأنثوي يعرّف نفسه استنادا إلى آليات الاختلاف لا الميز و هو في غنى عن المقابلة التقليدية ( مؤنث / مذكر ) -3- و يعدّ مصطلح ” الكتابة النسويّة ” المصطلح الأقرب للواقع حيث مصطلح ” أنثويّ ” محمول على معجم إصطلاحي يحيل على عوالم الأنثى المحمولة على الضعف و الارتكاس و الرغبة ، و لا يمكن بأيّ حال من الأحول أن يكون أسّا من أسس تصنيف النص في خانة تدللّ على أن النص نسويّ – أي نصا مكتوبا بقلم المرأة – إذ يمكن للرجل أن يكتب نصا أنثويّا و دليلنا على ذلك نصوص نزار قبّاني التي لا يمكن تسميتها بالنص النسويّ استنادا لمرتكزات د. الجلاصي النظريّة .
و من هذه الزاوية يمكن أن نحكم على تسمية د. زهرة الجلاصي بمجانبتها للمنطق و بالتالي تعويمها لمحددات هذه التسمية و خصوصيتها، فالنص لديها هو ” النص المؤنث” و يمكن لهذا النص كما أسلفنا أن يستوعبه قلم المرأة كما قلم الرجل و هذا التحديد هو عكس ما ذهبت إليه الأعرجي و أبو النجا. ففي مصطلح ” نسائي ” معنى التخصص الموحي بالحصر و الانغلاق في دائرة جنس النساء -4- و لعلّ هذا ما عمل على تحديد ملامحه الدرس النقدي المنشد من وراء ذلك كلّه بلوغ تحديد واضح المعالم و الحدود ، و بالتالي فمصطلح ” النص النسويّ ” هو الدالّ إلى حدّ كبير على خصوصية ما تكتبه المرأة مقابل ما يكتبه الرجل لأنّ هناك نساء كثيرات كتبن بلغة الرجل و بعقليته ، و كنّ ضيفات أنيقات على صالون اللغة، إنّهن نساء استرجلن -5- و العكس بالعكس.
النص فضاء للتشكّل اللغويّ من زاوية نظر لسانيّة، و هو توقيع على المكبوت من وجهة نظر تحليل نفسية، إنه عالم داخل العالم من وجهة نظر فينومينولوجية -6- تجد فيه المرأة الحرة فضاء رحبا للتعبير عن ذاتها ككائن مستقلّ له رؤيته و تصوره و قراءته للعالم، و لا شكّ أنّ ديباجة الإنسان الكينونية مشروطة بقول ما انفك ينسج للمتكلم كيانا لم يوجد بعد،
و من هنا كانت رحلة الذات في العالم رحلة لغويّة، لكن يجب أن نفهم أنّ هذه الرحلة / الارتحال رفض لكلّ مستقر -7- و المرأة الحرة هي ذلك الكائن المغاير للرجل، ذلك الكائن القاطع مع اللغة المحكومة بذكورية مّا، و في تحررها – أي المرأة – من سلاسل البطركيّة اللغويّة يستتبع تحررها الذاتي و ينتج بذلك خطاب يحمل بصمات التفرد الإنساني ، لأنّ لغة المرأة لحظة الكتابة لا يمكن أن تحمل سماتها و تبرز خصوصياتها و هي محكومة بقيم مجتمعيّة سطرها المجتمع الذكوريّ، إذ الكتابة حرية أولا تكون ، و إلاّ كانت المرأة في لغتها ضيفة أنيقة على صالون اللغة على حد تعبير د. عبد الله الغذامي.
الذات النسائية في حاجة إلى اللغة ( لغة حرة ) لكي تثبت نفسها كطبيعة تفكر و تفصح عن وجودها. فالذات النسائية في حاجة إلى اللغة لكي تثبت نفسها كطبيعة تفكّر و تفصح عن كيان متفرّد و مخصوص . و إنّ فعل التلفّظ الذي يفصح عن الذات في اللغة يفترض عمقا تذكاريّا عمّا له صلة بالذات بما هي تشكيل لخاصياتها التذويتيّة. و التذويت ليس بالضرورة خطابا ذاتيا بالمدلول الفردي الشخصي و ليس حديثا ذاتيّا و إنما هو فوق هذا و ذاك إجراء خطابي تنتج بموجبه الذوات الاجتماعية خطابها و ما يتصل به من خصوصيات تخييليّة و لغويّة و أسلوبية -8- ، و من هذه الزاوية يمكن أن نخصّ الأدب النسويّ بدراسة تبحث في خصوصيات هذا الفرع إذ يتميّز ما تكتبه المرأة بوجه قلّ أن تظفر به عند الرجل من حيث الدلالات و الإيحاءات التي تحيل على هذه الخاصيّة و تكشف بالتالي عن مناخ هذه الكتابة التي تنقسم حسبنا إلى نوعين من الكتابة لحظة تصوير المرأة للمرأة أي تنقسم مناخات هذه اللحظة إلى قسمين نطلق على الأول ” الكتابة الترسيخيّة” و نطلق على الثاني ” الكتابة الانتقامية “. و نقصد بالكتابة الترسيخية ترسيخ المرأة / الكاتبة لصورة المرأة و تجذيرها في تلك الصورة التي انطبعت في الذهن الجمعيّ كما يسوّقها الخطاب الذكوريّ حيث تقدم المرأة على أنها سلعة و موطن لذة، و نقصد بالكتابة الانتقامية تلك السمة التي تميّز خطاب المرأة / الكاتبة المتصفة بالصلف و الاعتداد بأنوثتها و التحدّي للرجل و يمكن أن نستشفّ ذلك بدءا من عناوين المجموعات الشعرية لعدّة أصوات شعرية تونسية إذ العنوان من أهمّ العتبات النصيّة التي تستشرف حقول الدلالات، و تطلّ على ظلال المعاني و تألق العبارات … و تفسح المجال لامتداد الخيال نحو آفاق لا متناهية، فهو خطاب رمزيّ يعتمد على ادخاره لمخزون وافر من التأويلات التي تحمل كمّا من الأفكار و المعاني ذات الصلة الوثيقة بالحمولة الدلاليّة للنصّ و جماليته -9- فعناوين مثل ” ديوان النساء ” للشاعرة جميلة الماجري أو ” يؤنثني مرتين ” للشاعرة آمال موسى كلّها – أي عناوين المجموعات – عناوين احتفائية ، تحتفي بالأنثى و تعلي من شأنها ردّا على خطاب ذكوريّ مهيمن على الوعي الجمعيّ لمجتمعات احترفت إقصاء المرأة و إلغاءها و الزجّ بها في المقاصير وراء الجدران ، و لكن هذا الاحتفاء قد تشوبه من قصيدة إلى أخرى مناخات الخطاب الذكوريّ رغم أنّ النص مكتوب بقلم المرأة
I- الكتابة الترسيخية:
قيل لأعرابيّ ” أتحسن صفة المرأة ؟” قال : ” نعم، إذا عذب ثناياها، و سهل خدّاها، و نهد ثدياها، و نعم ساعداها، و التفّ فخذاها، و عرض وركاها، و جدل ساقاها، فتلك همّ النفس و مناها” -10- من هذا المدخل التراثيّ نلحظ أنّ الصورة الحسيّة للمرأة هي الصورة الوحيدة المتلبسة بالخطاب الذكوريّ منذ القدم و المسيطرة عليه ، فالمرأة / الجسد هي الزاوية التي ينظر من خلالها الرجل للمرأة، فهذا الكائن / المأدبة أو هذا الكائن / الفردوسي على حد تعبير الأستاذ محمد لطفي اليوسفي يختزل في حديث المفاتن و الفتنة منذ بدء الخليقة.
فآدم… عُلم الأسماء كلّها و مُنح اللغة، لقد تكلّم ليتنصّل من خطيئته و احتمت حواء بالصمت، فصار الصمت قدرها العاتي تحت الشمس. صار الصمت لعنتها الكبرى. احتمى آدم بالكلمات لأنه سيد اللغة و أمير الكلام، لقد اكتشف ما تمنحه الكلمات من مقدرة على التخفّي
و المواربة. باللغة تبرّأ آدم من نصيبه من الخطيئة. و باللغة صنع طهرانيّته. و منذ حوّاء… تلقّف الصمت الأنوثة -11- و أطردت بذلك الأنثى من مملكة اللغة و الإفصاح و بات وجودها صنو الصمت و رديف الرجل/ اللغة و أصبحت بذلك لغتها سليلة الرجل / اللغة.
لقد حرص الرجل على سجن المرأة داخل صورة فردوسية بموجبها تختزل الغبطة و النشوة و التسلية-12- و عوض أن تحاول المرأة / الشاعرة المعاصرة القطع مع الصورة السجنيّة المقيتة، هذه الصورة التي أسرت المرأة / المأدبة في دائرة السلعة اقتفت آثار الذكر و خطابه و كتبت شعرها على إيقاع تلك الدائرة و لم تبرحها، فجاءت قصائدها / لغتها مرسّخة لتلك الصورة التي رسمها خطاب آدم / اللغة و بالتالي جاءت جلّ قصائدهنّ ترجيع صدى لسحيق الماضي ، وقد خرجت علينا المرأة التونسية المعاصرة / الشاعرة المنحدرة من الخطاب الذكوريّ المسيطر بذات الصورة المؤسسة لخطاب الجسد / السلعة و النافية لجوانب أخرى في غياهب النسيان ، و بذلك باتت المرأة / الشاعرة حريصة على المفاخرة بجمالها / الغواية و جعلت منه – أي جسدها – موضوعا لحديثها / شعرها و أحبولة للرجل / المهيمن ، و واصلت اقتفاء آثار صاحب الرؤية و مالك المرأة / الجسد ( الرجل ) ، فسؤال الهويّة لدى المرأة / الشاعرة هو سؤال الجسد / الفتنة بامتياز كما ألفناه في كتب الأولين و في شعر المتقدمين كما نعثر على هذه الصورة المسيّجة بسياج الرغبة في عدة دواوين لشاعرات تونسيات على غرار قصائد الشاعرة آمال موسى في ديوانها ” يؤنثني مرتين ” و بالتحديد من قصيدتها الموسومة بعنوان ” و في نفسي وقعت ” -13-

وكُلُّنَا رجالٌ نسكنك فرادى
نَلْقَاكِ وِسْعًا
وَسَكَنًا عَبِقا بالعنبر
وبدخانٍ مُعطَّرٍ ببخورِ القُدَامَى

و تقول الشاعرة التونسية جميلة الماجري في قصيدتها ” أنثى الله ” -14-
بعض الرجال بك
في الحب ما صدقوا
و بقية
ماتوا و ما عشقوا
ما عذرهم ؟
لو يسألون غدا
مروا بجنب النبع رقراقا و ما شربوا
و بجانب الريحان لم يجنوا .. و ما .. نشقوا
يا قيروان …
و هذه الدنيا مؤنثة
و الله انثها، و في ملكوته
و بأمره
تجلى و تنفتق
كما تقول الشاعرة نجاة العدواني من قصيدتها ” ذبابة ” -15-

بعد آن رسمته فجرا
بعشبة روحي اليابسة
علي المائدة بيننا
في المزهرية
وردة وذبابة
عندما قال
آحبك
طارت الوردة من رمادي
والتصقت بفمه
الذبابة

كما تقول الشاعرة التونسية حياة الرايس من مسرحيتها الشعرية ” سيدة الأسرار ” -16-
“ذهبوا بزوجي الحبيب, زوجي الحبيب
زوجي ذهب يبحث عن طعام، فتحول إلى طعام
عريسي اقتيد إلى الأسر
لم يعد يستحم في “أريدو”
لم يعد يعامل أم ” انانا” كأمه
لم يعد يؤدي مهمته الحلوة بين عذارى بلدته
لم يعد يتنافس مع فتيان بلدته
لم يعد يتقلد سيفه بين “كرجرا” بلدته
النبيل الذي لم يعد غاليا على أتباعه”
وكنا نقيم أيّاما مخصوصة للمناحات
إحياء لذكرى “تموز” كل سنة
في مختلف المدائن السومرية
نؤدي الطقوس
ومراسم الحزن المنصبة على موته
وكنت أبقى وحيدة إلى مرقد تموز
حينما تنام الندابات تعبا
لأغني نائمة:
” أنت يا من ترقد أيّها الراعي
أنت يا من ترقد قم ارع شؤوني
تموز أيّها الرّاقد قم ارعها
نهارا منتصبا فلترع شؤوني
ليلا مضطجعا، فلترع شؤوني”

فالمرأة الكاتبة من خلال هذه النماذج تكتب بالجسد و تحوّله إلى أيقونة، صورة ذهنيّة لا تكتمل إلاّ بتمثّلها لدى الرجل الذي يمتلك مرجعية هذه الصورة عبر تصوّرات راجعة إلى الـتأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة و بالتالي لا يتحقق للجسد الأنثويّ كينونته إلاّ إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته البلاغيّ …. و هي بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها تكتب مباشرة على جسدها، تعطي عناية لفتحات جسدها، عينيها و فمها … إنها ترسم و رسمها تكثيف لرغبتها -17- الموصولة برغبة الرجل / اللغة.

II- الكتابة الانتقامية:
لقد عاشت المرأة زمن الانحطاط في الظلّ، و كان تاريخ الشعر العربي إلى عهد غير بعيد تاريخ نسيان المرأة / الكيان، و مع انبجاس حركة التحرر النسويّة و ظهور أصوات تدعو إلى تصحيح النظرة و القطع مع إرث جمعيّ حكم على المرأة بأن تكون مصدر للغواية و آلة للمتعة ، ظهرت على إثر ذلك كتابات نسويّة هنا و هناك تحاول في نسق نضاليّ تصاعديّ تحرير لغة الأنثى من هيمنة الذكر/ اللغة ، و بالتالي العمل على إنشاء معجم لغويّ مخصوص و محايث يحكي المرأة و يحاكيها و يبوئها المكانة الإنسانية ( لغة و قيما و كيانا ) التي يحتلّها الرجل مثلا بمثل ، و لكن جاءت قصائد التونسيات جميلة الماجري و آمال موسى و حياة الرايس مسفّهة في بعض ردهاتها لأفق الانتظارات الشعرية و الفكرية على حد السواء ، حيث أن الشاعرات جميعهنّ حرصن من حيث يشعرن أو لا يشعرن على السير على درب جلد الآخر و محاكمته شعريّا محاكمة تعكس نزعة انتقاميّة لكلّ ما هو ذكوريّ، إنه صراع مواقع بين الأنوثة و الفحولة ، فعوض أن تحرر المرأة / الشاعرة نفسها
كذات مستقلّة / لغة مغايرة عكس الخطاب الميتافيزيقي الذي عمل على تقنين جسد المرأة وصوغ خطاب يدخلها ضمن العلاقات الإنتاجية ممّا جعلها شخصية انفصامية موزعة ما بين التداخل الحاصل بين الجسد كمعطى بيولوجي و الجسد كمعطى ثقافي رمزيّ، ففي كلا الحالتين تعمل المرأة مضطرة للانخراط في استلابها -18- فبدل نحت صورة مغايرة كما أسلفنا انخرطت المرأة / الشاعرة تحت طائلة التشنّج الجنساني في حرب انتقاميّة اتّسمت بجلد التاريخ الملطخ بذكوريّة مجحفة ، و اتّخذت بالتالي من الذكر / التاريخ اللغوي عدوّا لدودا فكان بذلك الذكر/ اللغة في شعرهنّ في مرتبة الجلاّد / الضحيّة ، و بقيت المرأة / الشاعرة ترواح مكانها بين الضحيّة و الجلاد، بين الحضور و الغياب، بين الترسيخ و الانتقام، و نستشفّ هذه النزعة من خلال قول الشاعرة آمال موسى في قصيدتها ” و في نفسي وقعت ” : -19-

كلُّ الواقعينَ في أنصافهم المتوهِّمة
ناقِصُونَ هَوى
قلوبهم مشرئبّةٌ للعشقِ
يُبدِّدونَ الحين
وروعة الانْصِراف إلى حمَّالةِ الماءِ
في تَفْتِيتِ تَصَوّفٍ
يَضيقُ على فُؤادٍ يَنْبِضُ بِأكْثَرِ مِنْ صُورة
فَمَنْ ذَا التِّي تَشفَعُ لنفسها غيرُ نفسها
وَمَنْ ذا الذِّي يَسْتبْدلُ
وقوعًا بتهشم.

أُقْسمُ أَنِّي لَنْ أرومَ غيري متّسعا
وَعْدُ نفسٍ
وعتْ بِلادها الشَّاسعة
وَفُصولها اللاّمتناهية
ولَذَّة يُشْبِهُ عنبها ثَدْيًا مَرْمَرِيّا
سَقَطَ فِي نشوةِ أُنثى.

أَعُودُ إليَّ
مُتيّمة
أَلُوذُ بالمعنَى في ليلٍ ساطعِ اليقين
ضَفائِرُهُ تُشبهُ المَدَى
أَنْتشِي بِعناقِ البعض لبعضه
وصلاة كلّي لكوكبي
وأحفرني بئرا عميقة
الارْتِواءُ منها، كعينين من زمرد.

وتقول الشاعرة جميلة الماجري من قصيدتها ” لؤلؤة” – 20-

كبيرٌ عليك الهوى

وأكبر منك القصيدة

وأبعدُ عنك التماس النجوم

من الأمنيات البعيدة

فجلّ النساء شبيهات بعضٍ

وواحدةٌ بين عصرٍ وعصرٍ تجئُ

كلؤلؤة في الكنوز

فريده!

كما تقول الشاعرة نجاة العدواني في قصيدتها ” شقة مؤنثة ” -21-

سرير مرهق
والحزانة مقفلة
علي زمن يئن

رجل مستنفد
ويداه
تصطادان فراشة دفء
عابر

أشتاق إلى بلدي
لو آن شفتي التمتا وردة
وبابتسامتي
تفتحت
أكره امتزاجا
ببقايا عطر امرأة
لا تشبهني

مرآة أشتهيك حبيبي
ولا جدار بيننا
أرومك شرفة
وسماء
فزين بنجمة منك
ظلمة روحي

لا تكرر قصيدتك الأولى
سأعود
ولو كان سمتي
من جليد
تكتسحه عربات الشمس
تفصح المرأة / الشاعرة في هذه النماذج عن تحدّيها الصارخ للذكر / الجلاد و عودتها إلى ذاتها الجريحة عبر التاريخ / اللغة ، تزيل عنها غبار النسيان و التاريخ / اللغة الملطّخ بالشهوة و اللذة ، و تفكّ عنها أغلالها الفكريّة المقيتة و الموروثة عن عهد السبايا و التكايا
و الليالي الحمراء ، لتخرج علينا من بين شقوق الكلمات الموغلة في التحقير و التقليل من الشأن بيمينها سياط جلد الآخر / الذكر (الجلاّد ) و بشمالها عرش التفرّد و التألّه و الاعتداد بالذات المؤنّثة المتعالية عن فلسفة التبعيّة و القوامة و فلسفة السيّد و العبد ، إنها صورة تقطع مع الماضي السحيق ، ماضي ” الزقّ و القينة ” لتدشّن بذلك راهنا نسائيّا مستقلاّ متعاليا ، دينه الكفر بمناخات الاستسلام و التبعيّة ، وديدنه التحليق بعيدا على حدّ تعبير زبيدة بشير في قصيدتها ” نهاية تجربة ” -22-

عندما كنت أحبك
لم أكن أعرف أن الحب وهم
وخيال
لم أقل يوماً أحبك
غير أني كنت أحيا
في ضلال
عندما كنت أقولْ
ينتهى العمر
وحبي لا يزولْ
لم أكن أدرك
معنى ما أقول
كنتَ أفراحي وأُنْسِي
كنتَ إشراقة شمسي
يا لنفسي
كم تردت في حماقات عميقه
ارتضاها القلب
مذ ضَلَّ طريقه
غير أني اليوم
أدركت الحقيقه
مرت الأيام بالحب الهوينى
واهتدينا
وطوى النسيان حبا
كاد أن يقضي علينا
كم عبدتك
وسهرت الليل بعدك
وظننت القلب ملكاً
لك وحدك
لا وحقّك
إننى أسخر من نفسي
ومن أمسي القريب
عندما كنت حبيبي
عندما كنت أظن الحب حقا
وخلوداً وجمال
فإذا الحب خيالٌ
في خيال
كنت لي نعم العزاء
عندما تجتاحني ريح الشقاء
ودوائي
كلما عَزَّ الدواء
وفؤادي
ظامئ الأشواق
مشبوب النداء

دموع الحنين

عندما تكشف العيون شجـوني
وترى الحزن واضحا في يعيوني
وترانـي كأنـنـي حين أغفــــــو
يرسم اليأس ظلـه في جبيــني
لا تلـمني فليس دمعـي بكـــاءً
بل حنيــنا وأنت تــــدري حـنيني
أنت لولاك ما تحملت عمـــــــرا
حملـــته الأيـــام عبء الســــنين
ولكم ادعـي سكـــونا وصـــــبرا
فاذا القلب ساخــرٌ من سكــوني
باسط شـقوتي وآلام نفســــي
وشكوكي وحيــرتي وظــــنوني
يا حبيبي يضج بالشوق صبري
فأداري الهــوى وأخفي أنـينـي
لهـف نفسـي الام تبـقى بعــيدا
والام انتظـــــار قلبــي الحـــزين
غير اني وإن أكن في اصطباري
أحسب الحب لمــحة من جنـونِ
يهتف القلب بي دعي الصبر عنا
انما الصـــبر هو عين الجــنــــونِ

الهوامش
1- الكتابة النسويّة : اشكالية المصطلح : مفيد نجم – مجلة نزوى عدد 42 أبريل 2005 ص 90
2- نفس المصدر ص 89
3- نفس المصدر ص 89
4- نفس المصدر ص 98
5- نفس المصدر ص 92
6- مقارعة ابوّة المكبوت : محمد الحبيب الرويسي – مجلة كتابات معاصرة عدد65 ص 22
7- انطولوجيا القول الراغب و الإناسة المظفّرة : محمد الحبيب الرويسي – مجلة كتابات معاصرة عدد 62 ص 50-51
8- التذويت في الكتابة النسائية : عثماني الميلود www.doroob.com
9- عتبات النصّ : باسمة درمش – مجلة علامات في النقد المجلد 16 ج 61 ماي 2007
10- صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة : د.خليل محمد عوده – دار الكتب العلمية ص 107
11- المراة الفردوس : محمد لطفي اليوسفي كتاب جماليات الصورة في الإبدع النسائي العربي – منشورات مهرجان سوسة الدولي ص6
12- نفس المصدر ص8
13- أريج قرطاج / شعريات تونسية : فوزي الديماسي منشورات جمعية البيت / الجزائر 2007
14- نفس المصدر
15- موقع شعراء العالم / البوابة الخاصة بالشعراء التونسيين
16- www.doroob.com
17- الجسد الأنثوي و فتنة الكتابة : عبد النور ادريس www.doroob.com
18- نفس المصدر
19- أريج قرطاج / شعريات تونسية – منشورات جمعية البيت – الجزائر 2007
20- موقع شعراء العالم / البوابة الخاصة بالشعراء التونسيين
21- نفس المصدر
22- نفس المصدر

 

Partager cet article
Repost0
5 février 2011 6 05 /02 /février /2011 21:57

المرأة والكتابة بالجسد...

  ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦بقلم عبد النور إدريس


□ اكتسحت الرواية المشهد الثقافي العربي وإن لم تصبح بديلا عن الشعر، إن الاتجاه المعاصر يجعل من المتخيل السردي وسيلة لإعادة تشييد وبناء الهوية الثقافية العربية، "فالرواية ملحمة ذاتية كما يقول غوته، يتخذ فيها المؤلف حرية تصوير العالم على طريقته. وكل ما في الأمر أن نعرف هل له طريقة خاصة به " (غوته، 1749-1832) وقد كان من أبرز تفاعلات الرواية داخل المجتمع ، ظهور كاتبات في مجال السرد رافق هذا الحضور تميز على مستوى التفرد والخصوصية شكلا وموضوعا.

إن مسألة الإبداع لا تخضع للتصنيف الجنسي، فكتابة الرجل هنا لا يمكن أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا أصبحنا نقيس كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل، فعندما تحصل المرأة على نفس الحظوظ في المشاركة، في الحياة العامة ، وفي الإنتاج الفكري والحقوقي سيصعب على الناقد الاحتفاظ بتمييز واضح بين كتابة المرأة وكتابة الرجل.

وتبقى كل الأسئلة قائمة في تصورات المرأة للكتابة سنستقي هنا شهادة ل "سلوى البنا" التي قالت في روايتها "مطر في صباح دافئ "، " قل لي هل يستطيع أحد أن يمارس الكتابة في هذا الزمن ؟… قد يكون هذا إذا تحولت الدماء والدموع إلى حروف. ولكن أرأيت عيونا تبكي تستطيع أن تقرأ حروفا باكية ؟ أرأيت جسدا ينزف يجد صاحبه وقتا لقراءة؟ لماذا نكتب..؟ ولمن نكتب؟ وماذا نكتب؟".(1)

وما مصطلح" الإبداع النسائي" سوى مفهوم تصنيفي وإن كان يعتبره بعض النقاد غير محايد، فهو يمكننا من ترصد خصوصيات هذه الكتابة وبالتالي وضع اليد على الخصائص المميزة له، والذي يشكل إضافة حقيقية للإبداع الإنساني بشكل عام، وهذا المصطلح لا ينفي صفة الإبداع عن أي أحد من الجنسين، ولكنه يؤكد بالخصوص على أن للمرأة الكاتبة تصور مختلف للمسكوت عنه بمقدار الفروق الفردية بين الجنسين، والطريقة الخاصة في التعبير، وعلى مستوى الجرأة في طرح بعض المواضيع ذات التضاريس المجروحة في كينونة عمقنا الثقافي.

وأعتقد أن اللبس الحاصل في رنين المصطلح والمفهوم " الكتابة النسائية" ، ماهو إلا نتيجة للخلط المنهجي الحاصل بين صيغتين : صيغة " الأنثى و الكتابة " وصيغة " المرأة والكتابة" ، فالصيغة الأولى تركز على أهم خاصية لدى المرأة وهي الأنوثة، وتلخص المرأة في صفتها الجنسية ولا تجعل الدائرة تتجاوز الطرح المقتصر على الأنوثة والذكورة في بعدها الطبيعي، أما بالنسبة للصيغة الثانية (المرأة والكتابة) فإنها تعتبر في المرأة الجنس والكيان والشخصية القائمة على البناء الثقافي، باعتبارها مكملة لجنس الرجل في الحياة والمجتمع.

لقد حاولت المرأة عبر السرد الروائي والقصصي أن تسبر غور تقنيات سردية مغايرة جعلت البطولة تنتقل من التذكير إلى التأنيث، وحتى عندما تعمل الروائية على تذكير البطولة نجد أن البطل عندها رجل متخيل فصِّل على المقاس النسائي وقد نرصد هنا الطرح الإشكالي لعقدة فارس الأحلام .فتذويت اللغة وتعنيف الطابوهات عند المرأة الكاتبة يعتبر من أهم الخصائص التي يرفل فيها السرد النسائي، هذا بالإضافة إلى الاتجاه العام الذي يشكل محور هذا الإبداع من ناحية الموضوع، من حيث اشتغاله على صورة المرأة ومقاومة الدونية أمام مجتمع يتنكر للنساء، وتطويع النزوع التمردي الممزوج بنكهة المرارة والإدانة والانتقاد.

أما من ناحية الشكل فالمرأة تكتب سردها محتمية بعدة تقنيات منها: الدخول إلى شعرية السرد من الباب الواسع، ترتكز في أغلب الأعمال على تقنية البورتريه (portrait  ) وإلى الاعتراف السير ذاتي المقرون بتعرية الذات.

أما من ناحية الجانب اللغوي فالروائية تصبغ لغة الكتابة بمحمولات ذاتية مع طغيان الجانب الانفعالي حيث تظهر جليا النزعة التصويرية في السرد.

إن أنسنة الرجل التي تدفع بالمرأة الكاتبة إلى تأنيث البطولة وتصوير القدرات المؤنثة للرجل ما تزال غير متحققة بالمجتمع العربي حيث المرأة ما تزال سجينة وعي لم يكتمل بناؤه النفسي والثقافي بعد ، وقد ذكرت ناتالي ساروت في حوار لها مع الروائية حميدة نعنع عدم استطاعة المرأة الكاتبة الخروج من دوامة منظومة الانفعال الذاتي والخروج من التجربة الفردية الذاتية تقول .(nataly sarrout  ) " أعتقد بأن كبار الكتاب وخاصة من أمثال " بروست" هم ذكور وإناث في نفس الوقت ، وهذا ما جعله يتمكن من وصف الرجال والنساء سواء بسواء بشكل جيد، وهذا أيضا ما جعل "فلوبير" يكتب " مدام بوفاري" بشكل جيد. وإذا كانت النساء حتى الآن تجدن صعوبة في وصف الرجال فذلك لأنهن بقين سجينات أنفسهن وهن لا يستطعن الخروج من ذواتهن. وهذا هو الخطر الذي يجب التنبه إليه" (2).

وقد تكتب المرأة بجسدها فتعريه وتضعه أمام المتلقي قصد جره إلى أنسنته وحضارته، هذه الخاصية(التي أسميها بالاستريبتيز الأدبي) تضع الحكي في مقابل الإغراء، فشهرزاد تحول شهريار من فحل وسفاك دماء إلى إنسان يستقي معرفته من العوالم التخييلية لألف ليلة وليلة، كما مورس الإغراء سابقا على " أنكيدو" (ملحمة كلكامش) فانتقل من الصفة الحيوانية إلى العمق الإنساني فأصبح الجنس يقابله الفهم والفطنة والحضارة.

تقول الملحمة (3).

وغسلت "أورو"* يديها، وأخذت قبضة طين ورمتها في البرية(إحدى الالهات الخالقات)

خلقت في البرية "أنكيدو" الصنديد، نسل " ننورتا"* القوي. (إله الحرب)

يكسو جسمه الشعر، وشعر رأسه كشعر المرأة

جدائل شعر رأسه كشعر" نصابا"*. (الهة الغلة والحبوب)

لا يعرف الناس ولا العباد، ولباس جسمه مثل "سموقان" * (اله الماشية)

ومع الظباء يأكل العشب ، ويسقى مع الحيوان من موارد الماء.

ويطيب لبه عند ضجيج الحيوان في مورد الماء

(…)

" يا بني يعيش في "أوروك"* جلجامش،(مدينة سومرية ،220 كلم جنوب شرقي بغداد)

(الذي)لا مثيل له في البأس والقوة

وهو في شدة يأسه مثل عزم "آنو" * (كبير آلهة العراق القديم)

فاذهب إلى " أوروك" .توجه إليها

وأنبئ جلجامش عن بأس هذا الرجل

وليعطك بغيا تصحبها معك

ودعها تغلبه وتروضه

وحينما يأتي ليسقي الحيوان من مورد الماء

دعها تخلع ثيابها وتكشف عن مفاتن جسمها

فإذا رآها فانه سينجذب إليها

وعندئذ ستنكره حيواناته التي شبت معه في البرية"

(…)

فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عن عورتها

فتمتع بمفاتن جسمها

نضت ثيابها فوقع عليها

وعلمت الوحش الغر فن المرأة ، فانجذب إليها وتعلق بها

(…)

أضحى انكيدو خائر القوى لا يستطيع أن يعدو كما كان يفعل من قبل

ولكنه صار فطنا واسع الحس والفهم"

فالجسد الأنثوي من خلال العمل الفني مفتوح على كل الاحتمالات الممكنة للتأويل، ومن ذلك تأخذ الأشياء العادية والمألوفة في حياتنا اليومية، نكهة خاصة في العمل السردي، فيصبح المتلقي مشاركا في بناء النص وحلقة لا بد منها لخلق التعدد المفترض للعمل الأدبي.

فالجسد يتواصل فيزيائيا ويدرك ما يحيط بالذات وهو عبر النص الأدبي يتوفر على جسد ثاني مماثل يستطيع بوساطته السفر داخله فيصبح بذلك الجسد الثاني قابل للملاحظة، فعند القول بأن الجسد يقبل أن يلاحظ من طرف الذات نجد أن ميرلو بونتي يحتاج لإدراك ذاته إلى جسد ثان لايقبل التعيين والملاحظة يقول : " ألاحظ الأشياء الخارجية بجسدي ، أفتشها ، أحيط بها، لكن بالنسبة لجسدي لا ألاحظه في ذاته : يجب أن أحتاج لأجل تلك الغاية التوفر على جسد ثاني و الذي لا يكون ذاته مُلاحَظ" (4).

يَختزِل الجسد في النص العالم والأشياء ذاتها، إن الجسد لما يخرج من عزلته ومن هامش إدراكه للعالم الخارجي يمنح لصورته معنى يجعل الآخر في ذواتنا يعيش من أجل ذاته ومن أجل بُعده الخارجي كجسد ، " فالآخر هو خالق فرديتنا ، وذاتيتنا لا وجود لها إلا بوجود الآخر في إدراكه لها"(5) .

فالنص الأدبي يحقق وجود الجسد ويجعل منه موضوعا للإدراك على كافة المستويات يبرز فيها بشكل واضح المعطى اللساني والواقعي، فالجسد إذن " موضوع النص ومنبع معطياته ومنتجه ومتلقيه في الآن نفسه" (6) .

إن الجسد في علاقته بالكتابة يبادل الدور الموضوعي لتحركاته في الفضاء إلى جسد من الخيال، فيتعدد البناء الدلالي للجسد، وهي تموضعات يتخذها الجسد وخاصة الأنثوي للتعبير عن هويته، وهذا التحول من النموذج الخام للجسد إلى التعدد الدلالي يتم وفق أشكال تلقيه، مشمولا بالتفضيلات المتنوعة التي يرتضيها عصر ما وحضارة ما، وتتحرك هذه الدلالات نتيجة لاشتغال الثقافي على الطبيعي، منها الدلالة الفينومينولوجية، السميولوجية،الجمالية، الأيروتيكية والرمزية والمتخيلة مع العلم أن البناء الدلالي البورنوغرافي يعيش داخل منظومة البصري والشهواني، تُرسِّخه بقوة سيكولوجيا خاصة بالأرداف تمارس حضورها الثابت منتقلة بين الجسد الأنثوي المكتنز والجسد الممشوق، ومن "هنا تكون العلامة الأيروتيكية قد استوطنت رأس منظومة القيم ، فأصبح الجسد الأنثوي يحرض على التعامل معه وفق انتظامه في مدار الأيقونات، فالجسد الأنثوي بحسب هذا الاعتبار يتداخل مع الإغراء من دون أن يكون الإغراء نابعا منه" (7) .

هذا القاموس الواقعي الخاص بجسد المرأة لا يساويه إلا تعددية الخطاب الأدبي السابح في جغرافية الجسد الأنثوي، و التي تستدعي كل الإيحاءات الفنية المتفوقة على الجسد الواقعي المتواري خلف المعطيات العشقية والبلاغية والرمزية .

فالمرأة الكاتبة تحقق للجسد فتنته المتخيلة والذي يظهر بأشكال مختلفة في التعبير البصري (الرسم والوشم) والحركي (الرقص) واللغوي(الأدب)، ومن ثم جاءت صورة المرأة في الرواية معبرة عن الموقف الفكري الذي يصبح معادلا موضوعيا للبحث عن الحرية .

الهوامش

1- سلوى البنا" مطر في صباح دافئ" دار الحقائق بيروت الطبعة الأولى ،1979، الصفحة 21.

2- حوار مع ناتالي ساروت أجرته حميدة نعنع في صحيفة السفير اللبنانية عدد 2106 السنة السادسة 02/03/1980

3 – طه باقر ، ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة، ص: 40-41

4 - Merleau-ponty « phénoménologie de la perception », Ed : tel Gallimard   paris 1945 p : 107  . الترجمة منّي

5- د.فريد الزاهي " النص والجسد والتأويل" إفريقيا الشرق، الدار البيضاء سنة 2003 الصفحة: 29.

6- د.فريد الزاهي، نفس المرجع السابق، ص: 19-20.

7- عبد النور إدريس " ميثولوجيا المحظور وآليات الخطاب الديني- المرأة المسلمة بين السياق والتأويل" منشورات مجلة دفاتر الاختلاف، سلسلة عدد (1) ، مطبعة سجلماسة، مكناس، الطبعة الأولى ، شتنبر 2005، ص: 24

 

Partager cet article
Repost0
5 février 2011 6 05 /02 /février /2011 21:41

الأنوثة بين الحجم الثقافي والمعطى الوظيفي

الجسد الأنثوي وفِتنة الكتابة

٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٨بقلم عبد النور إدريس


يحقق الجسد في النص الأدبي دلالات متعددة منها: الدلالة الفنية التي تعود للمؤلف ومنها الدلالة الجماعية التي يتم إنتاجها في علاقة القارئ بالنص، فالنص يعتبر كأحد الفضاءات التوليدية والتحويلية للجسد فالنص،"مسكن تخييلي للجسد، فيه يتجسد ويحقق وجوده المتخيل"(1) فالنص يأخذ من الجسد إيحاءاته الرمزية وحيوية علاقاته بالعالم الخارجي، كما بالعوالم الداخلية وهو إذ يمرر عبره الأحاسيس والعواطف يجعل من ترابطه المرآوي بالجسد وسيلة يتمكن من خلالها من إنتاج أثره الفني، فالجسد بالنص يقف على ثنائية تشطر الوعي بحدوده إلى جعل البناء البيولوجي أساس قيام البناء الثقافي والاجتماعي وتحقيق الإمكانات الإجرائية للجسد في النص الأدبي.

إن دراسة الجسد الأنثوي بالسرد ليس هو رصد المعجم الخاص الذي يحدده الجسد داخل النص فحسب، بل أيضا العلاقة التي يخلقها هذا المعجم بالسياق الذي يحيطه"فالشخصيات تكتشف العالم والآخرين عبر جسدها"(2)

فالجسد الأنثوي بالعمل الفني، حسب بانيك ريش(Yannick Resch  )يتموضع عبر وضعات خاصة يحدده البناء العلائقي المرسوم عبر معجم يحتوي على التعامل بالألوان والروائح، وهذه العلاقات تضع الشخصية الأنثوية في مواجهة الأشياء، مواجهة العالم، ومواجهة شريكها الرجل في علاقة حميمية تلخص رغبتها في الحياة، وقد تمزج روحها بجسدها حتى الاندغام لتكون شيئا مرغوبا من طرف الرجل وقد عبرت ليلى العثمان في قصتها"مسافرة على جناح الأحلام"على هذه الصورة وقالت"قد تكومت كل روحي في نقطة واحدة يهرسها بين شفتيه"(3)

إن فتنة المتخيّل السردي لدى المرأة يظهر بأشكال مختلفة داخل الرواية والقصة، فمن التعبير البصري إلى اللغوي إلى الحركي.

إن الكتابة بالجسد يُكسب الذات النسوية هويتها، تلك الهوية التي تنقاد مرغمة للسائد الاجتماعي والأعراف المجتمعية"هكذا تتأرجح الذات بين الإحساس المؤلم بتبعيتها لما هو سائد والاعتراف به كواقع وبين الإنصات إلى رغبات الجسد السالبة"(4)

ويتشكل الوعي بالتعامل مع هذه الخاصية في خلق علاقة إبداعية بين المرأة والكتابة في أشكالها وفي الطرح الإشكالي لمسألة الهوية في اتصالها مع مسألة الجسد والحقيقة الأنثوية وفعل الكتابة"كامتداد وجودي ينجلي في الورق المكتوب كما يمكنه أن ينطبع على جسد أنثوي بالغ الشاعرية والإغراء"(5)

فالمرأة تتخذ من الكتابة وسيلة لجعل ذاتها متحققة داخل النسق الذكوري العام"فهي لا تكتب من أجل السيطرة على الرجل كما يفعل هو بواسطة القانون والآداب (…) فهي ترمي من الكتابة والكلام كل شروخ جسدها وتموجاته"(6)، ويقر محمد نور الدين أفاية بأن القهر الوجودي العام الذي تمارسه على المرأة العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية الذكورية تجعل كتابتها"بعيدة كل البعد عن رغبتها العارمة في الإحاطة باللغة الضرورية لصياغة رغبتها في الكتابة"(7)، وتساءل حول اللغة والخطاب وحول إستراتجيتهما لتحقيق هذه الصياغة، صياغة ملامح الخطاب التحرري النسائي وتحديد بدائله.

إن كتابة المرأة تفجير لأشياء ينطوي عليها الجسد، وهي كامنة تطل علينا عبر الإيحاءات والإيماءات وتكثف فعلها في جسد الآخر المتماهي والمختلف لهذا كان"النص المكتوب امتدادا وجوديا للذات الكاتبة وتكثيفا لأشياء أخرى تتجاوزها"(8).

فالمرأة قد تكتب بجسدها وتضعه نصا لكتابتها بالوشم والرقص، فهي"تصوغ كتابتها بشكل مختلف تماما عن أشكال كتابة الرجل. سواء أتعلق بالكتابة المخطوطة أو أشكال الكتابات التي لا تتوقف المرأة عن ممارستها في علاقتها بجسدها"(9).

فكتابة الرجل هنا لا يمكن أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا أصبحنا نقيس كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل.لهذا فالمرأة تحاول أن تظهر جسدها في أشكاله المختلفة معتمدة على آلية الإغراء فهي لكي تغري وتؤسس علاقة مع الآخر"تتخذ الصورة التي تحملها عن ذاتها مكانة أكبر من جسدها الحقيقي الواقعي، إنها تعطي للعالم قناعا لكي ترتب للجسد مسافة ما. فهي تفضل إبراز التمثل الذي تحمله عن جسدها بدل جسدها الملموس"(10).

فالمرأة الكاتبة تكتب بالجسد وتحوله إلى أيقونة، صورة ذهنية لا تكتمل إلا بتمثلها لدى الرجل الذي يمتلك مرجعية هذه الصورة عبر تصورات راجعة إلى التأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة وبذلك لا يتحقق للجسد الأنثوي كينونته إلا إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته البلاغي(11).

فالمعنى الذي وضعه نور الدين أفاية للجسد داخل النسق الخاص بالأنثى وكإعلان للكتابة قد فاق كل الأشكال التي تنخرط فيها المرأة إبداعيا"فالمرأة لا تكتب على الورق فقط لأنها تتألق في الكتابة على جسدها على اعتبار أن التمويه، ومختلف أشكال إبراز ذاتها، بمثابة نقش على الجسد"(12).

فجمال المرأة بشكل عام وبما هو المشروعية المكتسبة لتأسيس هوية الأنثى يجد شكله النهائي في الإغراء، فالمرأة التي لا تستطيع أن تغري تعيش وجودها خارج ذاتها وبشكل عدمي، فهي"بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها تكتب مباشرة على جسدها، تعطي عناية خاصة لفتحات جسدها، عينيها وفمها.إنها ترسم ورسمها تكثيف لرغبتها.والرجل تتولد لديه حساسية خاصة نحو هذه الرموز"(13). فالمرأة حسب أفاية تؤكد أنها تستعمل التمويه فقط لنفسها فهي تنقش على جسدها، تضع لوجهها قناعا وتلبسه رسوما تجمله وهي بذلك تنشر دفء الحياة في جسمها الميت وتبرز للآخر عبر النقش على الوجه والجسد ومن ثم من خلال الوشم والرقص والكتابة تؤسس لامرأة تتجاوز وجودها الخاص وتعطي لذاتها حق مساءلة طبيعة هذه الرغبة التي يُلحقها الرجل بفتحات جسدها، فالجسد الأنثوي داخل الوضع السيميولوجي يضع المرأة الراقصة أمام تعدد الأسئلة، فهي راقصة- مبدعة، إنها عندما ترقص توحي بكتابتها الجسدية أنها تخُطُّ تشكيلات هندسية متعددة الأصوات تقف بين الكلام والكتابة"فالوجود الراقص هو حد نظري للغة(…) إذ أن الجسم الراقص يكتب الكلام ويحطمه، يجرد من الفضاء هندسة دقيقة ومتعددة الأصوات، إنه زوبعة القوانين، انعكاس الخطوط ومحو الأثر الذي بواسطته ينطق الأصل ويُمحق"(14).

إن هذه اللحظة بين الكلام والكتابة تتداخل خصوصياتها، تتراءى ملامحها لتجعل من الجسد الأنثوي الراقص لحظة بين الكلام والكتابة النسائية. وقد تكتب الأنثى عن طريق الوشم لتجعل جسدها ممتلئا بالرموز.وقد أصبح الوشم اختصارا لفعل وجودي قابل للفناء فالكتابة على الجسد الأنثوي كتابة مزدوجة تخترق الصمت الذي يعلن عن موت الجسد ف"الجسم الموشوم يستمر في التجلّي خلال الموت كأن الوشم قد سرق شاهد القبر"(15).

وما دامت الكتابة حسب فيفري تبدأ فعلا مع الدليل المادي، وريث الرمز، (16) فالوشم يخلخل الأنظمة الدلالية يجعل للرموز المرسومة على الجسد دلالتين: دلالة جمالية ودلالة سحرية وهذه القيمة السحرية تستغلها الكلمات الموشومة على الجسم وهي بذلك تنفلت من المنطق السياقي إلى خلق هندسة لأشكالها وأسمائها إذ أن:"اقتصاد السياق بين الوشم وتاريخه بسبب افتقاد الموضوع الذي اعتبر صلبا.لأن تخطيط الوشم الهندسي يعمل هو الآخر على تشويه الذات، ما دامت تتبعثر في هندسة لا يعرف أصلها في غالب الأحيان"(17).

إن المرأة تكتب بالوشم جسدا مقدسا ينشطر إلى نصفين متماثلين"الجبهة، الذقن، بين النهدين، الصرة، العانة.."وهذه نقط مركزية يتفرع عنها الإغراء والرغبة.

إن المرأة الواشم مبدعة تكتب لتضع لذة النص المكتوب بيد المتلقي ذكرا أو أنثى لاكتشاف نهايات الجسد الأنثوي الاشتهائية، ينتقل عبرها الجسم من نظام الأيقونة إلى الجسم اللاهوتي.

إن الوشم ينتمي إلى المقدس فهو كالكتابة عند المرأة تجعله قناعا لتمارس منظومتها الإغرائية فهو لباس داخلي تخيطه الأنثى الواشمة لتخالف به اللباس الذي غالبا ما يكون الرجل من بين مصمميه، وقد يُعتم الوشم على المتلقي رؤية ما يحيط بجسد الأنثى، إنه يلعب دور المغناطيس الذي يحجب الجسد الحمدلي عن الانتهاك، فالاستعراض الجنسي محمي بالوشم وهذا الدور تقوم به"لخميسه"التي تُعطل بلاغة النص الأنثوي وتنظم فوضى الدلالات وتنفتح غائبة أمام العين الثالثة (الرجل) لتصبح"لخميسه"ذات دلالة وواسطة للإغراء والإثارة والاشتهاء لا يتعطل مفعولها السحري إلا إذا كانت العين الثالثة تحقق لمجمل وشم الجسد هويته وبذلك يأخذ شكله، استهلاكه من المتلقي/الزوج أو المتلقي/ العشيق، يقول هِرْبر:"من الغريب أن العاهر تعلن على جسد يمتلكه الجميع بحكم المهنة أن قلبها مخصص لرجل واحد”، فالعاهر تشِم جسدها لتستأثر بمكان الوشم وتخصصه لمن أحبته وتدع الباقي مشاعا للجميع.(18)

فالوشم على الجسد يختلف باختلاف الجنس كما يقول عبد الكبير الخطيبي، فالمرأة"يمكنها أن تشم مقدمة جسدها بينما يكتفي الرجل بوشم يده، أي الذراع والعضد، بمعنى إن يد الرجل لا تغادر مجال الكتابة (تكتب وتُكتب) ونحن بالإضافة إلى ذلك نشم مثل ما نكتب"(19).

فالمرأة التي تكتب (باللغة والوشم والرقص) تغير أماكن التمويه بجسدها وتعبر عن رغبة لا تتكلم نفس اللغة التي يبرز فيها الرجل رغبته فحسب الدكتور سعيد بنكراد فهذه"العناصر مجتمعة لا تشكل الرغبة ولكنها تشكل الوجود الرمزي للرغبة"(20)، فرغبة الأنثى"تنفلت من منطق العقل الذي يريد الرجل دائما إخضاع كل شيء له"(21).

وقد اعتبر الباحث محمد أفاية أن هذا التشويش على فهم المرأة من خلال المنطق الذكوري يشكل مركزا أساسيا للعنف الرمزي الذي يحتوي عليه هذا المنطق حيث قال"هنا ينتصب العنف كتعويض عن عدم خضوع المرأة لمنطق الرجل"(22)، فالرجل بحسب هذا المنطق يقول بالتطابق والوحدة بينما تتموقع المرأة في قلب المنقسم والمتعدد"وأن هذا التعدد يتجلى في جنسيتها sexualité  ، فهي ليست واحدة لان جسدها جغرافية متنوعة للمتعة"(23)

أما الدكتور سعيد بنگراد فيضع الجسد الأنثوي بين الحجم الثقافي والمعطى الوظيفي، فالجسد عنده كلا وأجزاء في نفس الوقت وهو باعتباره كذلك"يولد معطى انفعاليا وغريزيا وثقافيا عاما، ولكن هذا المعطى لا يدرك إلا من خلال الأجزاء، ولا يستقيم وجود هذه الأجزاء إلا من خلال اندراجها ضمن هذا الكل الذي هو الجسد"(24).

إن إنتاج تخيل سردي أنثوي يضع المرأة ضمن المنقسم والمتعدد داخل أيديولوجية ذكورية مهيمنة يجعل حضورها غائبا وفضاءها مشحونا بالرقابة والكبت ف"ليس هناك من فضاء ممكن بالنسبة للمرأة، غير ماهو مراقب ومكبوت"(25).

   فما معنى أن ينتج الخطاب الفلسفي قولا ميتافيزيقيا يتشبث بأحادية الجنس الواحد؟.

لقد عملت الميتافيزيقا على تقنين جسد المرأة وصوغ خطاب يدخلها ضمن العلاقات الإنتاجية مما جعلها شخصية انفصامية داخل هذا الواقع موزعة ما بين التداخل الحاصل بين الجسد كمعطى بيولوجي والجسد كمعطى ثقافي –رمزي، ففي كلا الحالتين تعمل المرأة، مضطرة للانخراط في استلابها"ولكي يكتسب الجسد قيمته لا بد من إن يضفي على ذاته أشكالا أخرى أكثر جذبا وإغراء لتسهيل تبادله"(26)، وقد تأخذ هذه الثنائية: طبيعي/ ثقافي تقسيم العمل الجنسي الذي يدعو المرأة أن تعتني بجسدها"وتعطيه العناية الفائقة وتحويله إلى الرغبة ولو إنها لا تصل إلى تحقيق نسبي لرغبتها هي"(27)، لأن الرغبة قضية يستلزمها السياق الرمزي الذي ينتظم المجتمع الذي تعيش فيه المرأة التي تختار الانمحاء الوجودي كي تكتب جسدها من الداخل وتعمل على إظهاره بشكل مختلف من الخارج.

الهوامش:

______________________________

-1 د.فريد الزاهي"النص والجسد والتأويل"إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الاولى، سنة 2003 ص: 25.

2- Yannick Resch , corps Féminin , Corps Textuel ,Essai sur le personnage   féminin dans l’ouvre de Colette librairie c. klincksieck ,paris , 1973 p  : 15

3- ليلى العثمان،"الحب له صور"مجموعة قصصية، دار المدى للثقافة والنشر، سوريا، الطبعة الرابعة، سنة 1995، الصفحة: 158.

4- محمد نور الدين أفاية،الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش، إفريقيا الشرق –الدار البيضاء،1988،ص:19.

5-محمد نور الدين أفاية، نفس المرجع السابق ص: 31

6- نفس المرجع السابق ص: 35

7- المرجع نفسه ص: 35.

8 - المرجع نفسه ص: 41.

9 - هو نفسه ص: 41.

10- المرجع نفسه: ص: 41.

11 - للمزيد انظر(ي) كتابنا:"الكتابة النسائية، حفرية في الأنساق الدالة.الأنوثة..الجسد.. الهوية."ص: 74.

12-"الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش"ص: 8-9.

13 - المرجع السابق ص: 41-42.

14- د.عبد الكبير الخطيبي،"الاسم العربي الجريح"دار العودة، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص:56.

15 - نفس المرجع السابق ص"57.

16- J.G.Fevrier « histoire de l écriture, Payot 1944.p:17  .

17- الاسم العربي الجريح"المرجع السابق ص: 58.

18- انظر كتابنا"الكتابة النسائية..حفرية في الأنساق الدالة..الأنوثة..الجسد..الهوية"المرجع السابق ص:75-76-77-78.

19 - الاسم العربي الجريح"نفس المرجع السابق ص: 59.

20 - د. سعيد بنگراد،السيميائيات، مفاهيمها وتطبيقاتها،منشورات الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء2003 ص:129.

21 -"الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش"ص: 51-52.

22- المرجع نفسه ص: 52.

23 - نفسه ص: 52.

24- د. سعيد بنگراد،السيميائيات، مفاهيمها وتطبيقاتها.م.س. ص:129.

25 -"الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش"ن.م.س. ص: 53.

26 - نفس المرجع السابق ص: 55.

27 - هو نفسه ص: 55.

 

Partager cet article
Repost0
16 janvier 2011 7 16 /01 /janvier /2011 23:55

الأدب النسائي: إشكالية المصطلح والمفهوم

بقلم: الباحث عبد النور إدريس 


مع بداية التسعينات من القرن العشرين بدأ يتصاعد نوع من الاهتمام بأدب المرأة إبداعا ونقدا وأخذت المواكبة النقدية تستوعب هذا النتاج الأدبي الروائي مع نحث مفاهيم وطروحات ساهمت في إغناء الحركة النقدية النسائية عبر كشفها عن التيمات والعلامات التي تمنح كتابة المرأة ملامحها الخاصة ، وقد قفزت إشكالية المصطلح (أدب نسوي- أدب الأنثى- أدب المرأة أدب نسائي) إلى واجهة النقاش حيث الاضطراب حاصل في مجال تداوله الثقافي والاجتماعي.
لابد أن نضع نصب أعيننا واقعة منهجية أعتبرها أصلا في مقاربتي لكتابة المرأة وهي تتعلق بكتابة الرجل التي " لا يمكن أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا أصبحنا نقيس كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل" (1).
ولقد اقترحت د.زهرة الجلاصي نعت هذا الأدب ب " النص الأنثوي" كبديل عن الأدب النسوي، باعتبار أن هذا المصطلح يرتكز على آليات الاختلاف واعتبرت أن مصطلح نسائي به معنى التخصيص الموحي بالحصر والانغلاق في دائرة جنس النساء، بينما اعتبرت مصطلح " مؤنث" دعوة للاشتغال في مجال أرحب مما يخول تجاوز عقبة الفعل الاعتباطي في تصنيف الإبداع.
وقد تمت مناقشة هذا المصطلح من طرف ناقدات غربيات كلوسي إيجاري وجوليا كريستيفا، ومن طرف نقاد عرب ك د.ميجان الرويلي و سعد البازغي.
وإذ نتبنى مصطلح "الكتابة النسائية" نعتبر أن هذا المصطلح يقوم فقط بدور تصنيفي وإن كان بعض النقاد يعتبره غير محايد، فهو يمكننا من رصد خصوصيات هذه الكتابة وبالتالي وضع اليد على الخصائص المميزة له، والذي يشكل إضافة حقيقية للإبداع الإنساني بشكل عام، وهذا المصطلح لا ينفي صفة الإبداع عن أي أحد من الجنسين، ولكنه يؤكد بالخصوص على أن للمرأة الكاتبة تصورا مختلفا للمسكوت عنه بمقدار الفروق الفردية بين الجنسين، والطريقة الخاصة في التعبير، وعلى مستوى الجرأة في طرح بعض المواضيع ذات التضاريس المجروحة في كينونة عمقنا الثقافي، وأعتقد "أن اللبس الحاصل في رنين المصطلح والمفهوم " الكتابة النسائية" ، ماهو إلا نتيجة للخلط المنهجي الحاصل بين صيغتين : صيغة " الأنثى و الكتابة " وصيغة " المرأة والكتابة" ، فالصيغة الأولى تركز على أهم خاصية لدى المرأة وهي الأنوثة، وتلخص المرأة في صفتها الجنسية ولا تجعل الدائرة تتجاوز الطرح المقتصر على الأنوثة والذكورة في بعدهما الطبيعي، أما بالنسبة للصيغة الثانية (المرأة والكتابة) فإنها تعتبر في المرأة الجنس والكيان والشخصية القائمة على البناء الثقافي، باعتبارها مكملة لجنس الرجل في الحياة والمجتمع"(2).

المرجع
1-
عبد النور إدريس" الجسد الأنثوي وفتنة الكتابة" مجلة أفق الثقافية، الرابط الالكتروني هو:
http://ofouq.com/today/modules.php?n...ticle&sid=2892
2-
عبد النور إدريس" المرأة والكتابة بالجسد" الموقع الإلكتروني إيلاف – ثقافات عالم الأدب الرابط الرقمي:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphL...5/10/99499.htm

 

Partager cet article
Repost0
30 décembre 2010 4 30 /12 /décembre /2010 09:41
الحجاب: حاجة دينية أم إكراه ذكوري

 

د.سعيد بنكراد
الحوار المتمدن - العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات

*لذلك لا يمكن أن تكون الأحكام الخاصة بالضرورة الاجتماعية للحجاب النسائي، والمنسوبة تأويليا إلى النصوص المقدسة، سوى تبرير لوعي فردي يختفي في المقدس من أجل التستر على وعي اجتماعي عام شكلته الرغبات الفردية- الصريحة أو المقنعة- في الاستفراد بالمرأة وامتلاكها*
يشير بودريار، في كتابه "مجتمع الاستهلاك"، إلى مفارقة غريبة في تاريخ تحكم المؤسسات بكل أشكالها، في السلوك الإنساني وترويضه وتوجيهه وفق غايات ليست غريبة عن السلطة وطريقتها في إدارة ما يأتيها من مركز المجتمع وهوامشه. فعبر هذه المؤسسات "حاولوا زمنا طويلا إقناع الناس- دون جدوى- أن لا جسد لهم، أما الآن فيحاولون بجميع الوسائل إقناعهم بضرورة الالتفات إلى أجسادهم والاعتناء بها". وغرابة هذا الموقف هي التي تؤكد، عكس ما قد يتصوره البعض، "أن بداهة الجسد لا يمكن أن تنسينا أنه واقعة ثقافية" قبل أن يكون كتلة من اللحم والشحم. "فعلاقة الناس بأجسادهم تعكس، في كل الثقافات، نمط علاقاتهم بالأشياء المحيطة بهم، كما تحدد نمط علاقاتهم الاجتماعية". إن الكشف عن كل أسرار الجسد، أو التستر على خباياه يؤكدان قوة حضوره في كل حالات التواصل الإنساني، بل يؤكدان أيضا أهميته في بلورة مجموعة كبيرة من المعايير التي تعتمدها التصنيفات الاجتماعية المسبقة: حالات اللون أو البدانة أو الثوب الدال على الانتماء إلى ثقافة بعينها. يضاف إلى ذلك تلك "العلوم" التي بنت معاييرها في الحكم على الناس وتحديد أمزجتهم وميولهم استنادا إلى تفاصيل الوجه وشكله.
وحاصل القول إن الجسد الإنساني هو الممر الضروري نحو تحديد كل الهويات اللاحقة: الاسم واللقب والصورة النمطية والصوت وطريقة المشي والجلوس ورد الفعل، وكل ما يمكن أن يضبط إيقاع الوجود الفردي المتحقق، في نهاية الأمر، من خلال يافطة مرئية تلتقطها النظرة وتخزِّنها باعتبارها صورة تعود إلى هذا الشخص وليس ذاك. بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك للقول إن البؤرة الأولى للتأنسن ومظاهره وحالاته كانت هي الجسد في المقام الأول. قد يكون ذلك حالة من حالات "الترويض الثقافي" للجسد لملاءمته مع الحاجات الجديدة التي خلقها التمدن. لقد انتصب الإنسان واقفا واستقام عوده ومُدت يداه، فـ"تعلم" كيف يلبس، وكيف يقي نفسه من البرد وكيف يتجمل، كما تعلم قبل ذلك كيف يرقص ويغني، وكيف يوحي ويومئ ويلوح ويكشف ويخبئ، لقد تعلم كيف يتكلم.
ويشكل هذا التصور العام للجسد واحتمالات التدليل داخله، فيما يبدو لنا، أحد المداخل الممكنة لمعالجة بعض القضايا الخاصة بالحجاب، لا من زاوية ضرورته الدينية أو عدمها، فذاك أمر يهم الفقهاء وحدهم، بل باعتباره رمزا صريحا يشير إلى وضع سميولوجي للأنوثة يستمد كامل مضامينه من مجمل التصورات التي يملكها الفرد (المسلم في حالتنا) عن جسد المرأة، وتلك حقيقته الأولى والأخيرة. أما الانصياع لأمر خارجي (ديني) فلا يشكل سوى غطاء إيديولوجي قد يريح المالك والمملوك على حد سواء ويجنبه وعناء التفسير الوضعي.
لذا، فإن الحجاب، من حيث هو تصريح بانتماء علني إلى "معتقد" ما، ديني أو اجتماعي، يعد شكلا من أشكال حضور الجسد ضمن سيرورة التبادل الاجتماعي، المخيالي والواقعي على حد سواء. فالحجاب ليس شكلا لحضور المرأة في الفضاء العمومي، إنه تجسيد لوعي ذكوري لهذا الحضور. إن الأمر يتعلق بـ"تديين " للجسد ومنحه هوية خارج طبيعيته وخارج كل حاجاته التي هي، كما يشهد على ذلك تاريخ الإنسانية، حاجات كونية سابقة على الأشكال الثقافية المخصوصة كالدين مثلا. وهذا "التديين" ذاته، الخالق "للجسد المسلم"، هو مقدمة ضرورية لتديين الفضاء العمومي والتحكم فيه وإفراغه من كل أشكال التعدد والتنوع والاختلاف.
لذلك لا يمكن أن تكون الأحكام الخاصة بالضرورة الاجتماعية للحجاب النسائي، والمنسوبة تأويليا إلى النصوص المقدسة، سوى تبرير لوعي فردي يختفي في المقدس من أجل التستر على وعي اجتماعي عام شكلته الرغبات الفردية- الصريحة أو المقنعة- في الاستفراد بالمرأة وامتلاكها. إن الحجاب تبعا لذلك، هو جزء من منظومة ثقافية/سياسية/اجتماعية متكاملة وظيفتها الأساسية هي ضبط السلوك النسائي ومراقبته. وهناك ما يؤكد هذا التصور، فنسبة كبيرة من مسلمات ومسلمي هذا الوطن لا يرون في الحجاب ضرورة دينية، بل ينظرون إليه، في كثير من الأحيان، باعتباره سلوكا إيديولوجيا أملته حاجات اجتماعية لا علاقة لها بالدين. وفي جميع الحالات، فاستعمال المحجبات لأجسادهن لا يختلف في كثير عن استعمال غير المحجبات له، فهن لسن أكثر ولا أقل عفة منهن.
ويبدو لي أن الطريقة الوحيدة التي قد تمكننا من الانزياح عن النقاشات التي تربط الحجاب بمقولات كالحلال والحرام، هي تأسيس خطاب ينطلق من الظاهرة ذاتها باعتبارها حالة من حالات التواصل الاجتماعي (شكلا من أشكال التبادل الرمزي) الذي يختفي في ثوب المقدس أحيانا ويختفي في ثوب الأخلاق الاجتماعية أحيانا أخرى، وقد يكون في حالات بعينها اختيارا فرديا وليس استجابة لأي إكراه من أي نوع. ذلك أن التقيد بمقولات الحرام والحلال – وهي مقولات بدون أية مردودية تحليلية- لا يمكن أن يقودنا إلى خلاصات يمكن تعميمها باعتبارها ما يخبر عن حالة من حالات المجتمع. فالتأويلات النصية المسندة لعمليات التحريم والتحليل، وهي عديدة، لا يمكن أن تنتهي في يوم من الأيام إلى الاستقرار على دلالة بعينها أو حكم بعينه.
فليس هناك إجماع على تأويل واحد للنصوص وتدبرها من أجل إرساء قواعد سلوك ممكن. وغياب هذا الإجماع يعود في جوهره إلى مجموعة من المقامات السياقية التي تشوش على الاستقرار على معنى بعينه. فظاهر اللفظ نفسه لا يبيح التعميم وذلك لعدة أسباب:
- أولها: أن الأمر يتعلق بتأويل لكلمات، أي بحث في ذاكرة هذه الكلمة أو تلك من أجل الخروج بقاعدة فعل تقود إلى التحريم أو التحليل (كلمات من قبيل الحجاب أو الجيب أو الخمار). فلا يمكن فهم هذه الكلمات في غياب سياق لباسي سابق استنادا إليه يتم التعديل أو الإضافة. فليس واردا في أي نص من النصوص المتداولة حول الحجاب أن الأمر يتعلق بتحول كلي من لباس فاضح إلى آخر ليس كذلك، بل هناك إعادة لتعريف الزينة غير المتفق على مواطنها هي الأخرى، وعلى مظاهرها المادية منها والمعنوية.
ـ ثانيها: أن الوقائع التي تجيب عنها النصوص وقائع بالغة الخصوصية وتحتوي على الاستثناء والتمييز في مطلقها ومجملها. هناك أولا سياق للتمييز بين نساء الرسول وبين باقي المؤمنات. وهناك ثانيا سياق آخر للتمييز بين المؤمنات الحرائر وبين الجواري المؤمنات، ولا شيء يخبرنا عن طبيعة لباس تلك الجواري وسلوكهن في الفضاء العمومي الذي هو بالطبيعة عرضة لعبث العين الذكورية الماكرة.
ـ ثالثها: أن استثناء الجواري من الحجاب يشكك في مجموعة من الأسس التي انطلق منها المفسرون – المحدثون منهم على الخصوص - من أجل فرض لباس طائفي لم يكن كذلك لا بالاسم ولا بالشكل في سياقه الثقافي والاجتماعي الأول. وحكاية عمر بن الخطاب مع الجارية معروفة، فقد استنكر أن تلبس أمة لباسا شبيها بلباس نساء الرسول أو المؤمنات، فنهاها عن "التشبه بالحرائر". ويشكل هذا الموقف وحده لاوعي ثقافة بأكملها، ويلخص، في تصورنا، عمق الإشكالية وعصبها. فجسد الجارية جسد مستباح لا يغري ولا يستثير ولا يدعو إلى الفتنة، لأنه يقع تحت طائلة نمط آخر للتملك يوجد خارج أعراف التبادل الرمزي في المجتمع الراقي.
وهو أمر يؤكده، من جهة أخرى، شكل الحجاب وحجمه ولونه. فليس هناك إجماع أيضا في هذا المجال على شكل بعينه. إلا أن الثابت في كل سياقات التبرير هو الرغبة في إلغاء الجسد كشكل مرئي من خلال تفاصيله والقذف به إلى "مرحلة" خالية من كل الأشكال، أي تحويله إلى كتلة “لحمية “عديمة الشكل. وهو الضمانة الوحيدة على تجنب عبث النظرة وعربدتها فوق جسد لا يقيه أي شيء من شر نظرة الذكر المتربصة، وذلك قياسا على حالات "السفور" حيث يمكن التعرف على مفاتن الجسد من وراء اللباس. لهذا لا يمكننا تأويل الرغبة في إلغاء الأشكال سوى بالرغبة في إلغاء الرغبات (كبحها وتقنينها)، أي إلغاء أشكال وجودها وكل ما يخبر عنها أو يشير إليها. وربما ستكون الغاية القصوى من ذلك كله هي إلغاء الرغبات "المشبوهة" التي تتحقق خارج أسوار المؤسسات، ومنها مؤسسة الزواج في المقام الأول.
وبما أن الجسد، كما يبدو في الظاهر، هو شكل من أشكال الحضور في الوجود، فإننا يجب أن نتعامل معه باعتبار طبيعة الشكل الحامل له ومضمونه الحقيقي. فالشكل ليس حقيقة مادية مفصولة عن العين التي ترى. إنه كذلك من خلال قدرة الرائي على تصوره ضمن خطوط لا ترى من خلال الظاهر الماثل أمام العين، بل هي جزء من استيهامات مستبطنة، أو جزء من الخطاطة المجردة التي يمكن وفقها أن نتعرف على الشيء المخصوص: ما تقدمه عارضات الأزياء باعتباره حالة مثلى لجسد لا يملك صفة التمثيلية، فهو كلام “مسكوك “ بتعبير بارث، أو ما تقدمه واجهات المتاجر باعتباره حالة مثلى تدعو المستهلك إلى التماهي مع المعروض، يعد في واقع الأمر تكثيفا لكل النسخ الجسدية الممكنة، إنه محاولة للاقتراب من جوهر جسد أمثل يتسلل إلى حالات الإدراك المخيالي من خلال إسقاط فكرة التناسق الأمثل. "فالمحاكاة هي كشف عن الجوهر، حتى ولو أدى بنا ذلك إلى الابتعاد في عملية التمثيل عن المظاهر المباشرة".
وهذا ما يتضح من الطريقة الملتبسة التي يتم من خلالها التعامل مع مفهومي "الرغبة" و"الفتنة" اللذين ينظر إليهما باعتبارهما من مبررات الحجاب ودواعيه. فعلى الرغم من أن الأمر يتعلق بجسد إنساني يشمل المذكر والمؤنث على حد سواء، وعلى الرغم أيضا من أن "الفتنة" المشار إليها متبادلة، فما يشتهيه المذكر لا يختلف في كثير عما يشتهيه المؤنث، فإن للجسد النسائي وضعا خاصا في الثقافة العربية الإسلامية، وفي كل الثقافات أيضا بما فيها ثقافة الحداثة المعاصرة التي تنسب إلى الغرب الأوروبي عامة. فما هو أساسي ليس ما يتحدث به الناس في حالات الوعي الصاحي أو لحظات التعبد، إن الأساسي هو ما يستبطنونه وما يوجه سلوكهم ومواقفهم في لحظات الاختيار الحاسم.
وقد لا يسمح لنا السياق الحالي ببسط القول عن طبيعة الفوارق بين الجسدين الرجالي والنسائي وما يفصل بينهما، إلا أن الشائع أن التمثيل الثقافي لهما قائم على التمييز بين مذكر تُمتدح فيه القوة والفحولة والمظهر الرياضي، وبين مؤنث حريص على شبابه ورقته و"خطوط الحساسية" و"خارطة الحنان" فيه. إنه موضوع النظرة وغايتها، لأنه موضوع الرغبة وموطن الإغراء. وكما أشرنا إلى ذلك، فإن الجسد النسائي جسد “صريح “من حيث شكله المرئي، لأنه يتحدد من خلال تفاصيله لا من خلال بعده العضلي (امتداح النحافة والحفاظ على "القد"). فالفحولة النسائية لا ترى من خلال المظهر العام، بل مصدرها قوة التفاصيل ودقتها: إنه سلسلة من المناطق القابلة للعزل والتأمل، لذلك لا وجود للجسد النسائي إلا في العين التي تراه وتتأمله. إن الشيطان يختفي في التفاصيل، لذلك وجب القضاء على الأشكال التي يتسرب من خلالها هذا المارد ليسكن الجسد المؤنث ويحرض العين المذكرة على الفتنة.
وضمن هذه الخصوصية ووفق قوانينها يجب إدراج "الحجاب" بكل تبعاته ودلالاته القريبة منها والبعيدة. إذ لا يمكن النظر إلى الحجاب في معزل عن باقي الظواهر الأخرى المرتبطة بالجسد كـ"العري" و"التبرج" و"السفور"، وكلها صفات أو حالات للجسد مشتقة من اللباس الذي يوضع على الجسد "الطبيعي" باعتباره- أي اللباس- مضافا ثقافيا اعتُبر، في نظر البعض على الأقل، مرآة لقياس وعي الإنسان لجسده ومحيطه، بل هو كذلك أيضا ضمن آليات السيرورة التي قادت الإنسان إلى شق مسار جديد لتاريخه على الأرض: الأنسنة القائمة على مرجعية ثقافية صريحة.
لذلك لا يمكن فهم الحجاب وتأويله إلا ضمن ثقافة لها تصور خاص للجسد. فالثقافة الإسلامية، وربما ثقافات أخرى، منها الثقافتان اليهودية والمسيحية، ترى في الجسد مصدرا لخلاعة أصلية يجب حماية العين من تداعياتها المؤدية إلى خطيئة النظرة وجرم النوايا اللاحقة. وهو ما يغطيه لفظ غريب يطلق عليه "العورة"، وهو مفهوم يعين كل ما له علاقة بالمناطق الجنسية في الجسد، حتى تلك التي ليست كذلك إلا في أعين لا تبحث في جسد المرأة سوى عن إشباع لرغبة هي أبعد ما تكون عن العوالم التي جاءت بها الثقافة وعممتها على كل الكائنات الإنسانية، دليلنا على هذا غياب إجماع عند القيمين على الشأن الديني حول ما يقع في دائرة "العورة"، وحول ما يوجد خارجها.
وفي جميع الحالات، فإن مفهوم "العورة" هو الوجه الآخر للتصور الوضعي "للخلاعة"، مع اختلاف واحد: الخلاعة شيء من الداخل ولا يمكن أن ينبعث من فضاء الجسد، إنه في العين التي ترى وتشكل موضوع نظرتها وفق هوى بعينه، فالذي يشتهي فتاة ترسم بجسدها لوحة فنية في قاعة من قاعات التباري الرياضي، لا يمكن أن يكون سويا. أما العورة فجزء من الجسد وخاصية من خصائصه. لذلك امتدت يد التحريم أحيانا إلى كل ما يمكن أن يذكر أو يشير، بالتشابه أو الوظيفة، إلى الأعضاء المصنفة بشكل صريح ضمن دائرة العورة.
استنادا إلى هذا، فإن هذه الظواهر وثيقة الصلة بالاستثمار الاجتماعي للجسد (وهو استثمار سياسي وديني وأخلاقي أيضا). وهذا ما يوجب الفصل الصارم بين عوالم "الحجاب" وعوالم "السفور" كما سنحاول تبيين ذلك لاحقا. فما بينهما بون شاسع يشمل كل شيء: الوظيفة والغاية والدلالات المستترة التي يشير إليها الجسد في حالتيه. إذ لا حدود ثابتة للأول، فقد يكون مجرد قماش أو شال بسيط يوضع على الرأس، كما كان عليه الحال زمنا طويلا في المدن والبوادي على حد سواء: وهنا أيضا نكون أمام رمزية مزدوجة: قد يكون القصد الظاهري منها التعبير عن "وقار" تقتضيه أعراف اجتماعية بدون أية مرجعية دينية صريحة، أو مجرد عادة لباسية خاصة بمنطقة أو مجموعة عرقية أو ثقافية، كما هو حال نساء المنطقة الشرقية في المغرب المعروفات بارتداء "الحايك" (غطاء أبيض يلف الجسد كله عدا عينا واحدة)، أو نساء الشمال المعروفات بارتداء جلباب من طراز خاص ووضع قبعة على الرأس.
وقد يكون إحالة جنسية، وهذا هو الأصل في التمثيل الخاص بالشعر كما هو مثبت في التقسيم الوظيفي للجسد النسائي، وكما هو مثبت في أدبيات التغزل أيضا. فالأمر يتعلق بسجل رمزي كوني بأبعاد متعددة، منها الحفاظ على الحميمية التي تدفع الإنسان إلى دفن خصلات الشعر كما يدفن بقايا أظافره، ومنها الإحالة على الفحولة والقوة أيضا كما تدل على ذلك قصة شمشون ودليلة، وكما تدل على ذلك أيضا موضة بعض الرجال الذين كانوا يصرون، في فترة من فترات تاريخنا المعاصر، على إطلاق شعرهم. إلا أن الشائع في التداول اليومي هو إحالته على واجهة جمالية في جسد المرأة بإمكانات تركيبية قل نظيرها. فشكل الشعر وتسريحته وربما لونه أيضا (ضفائر مرصوصة أو خصلات تعبث بها الرياح، أو شعر منفوش أو مشعث...) يعد البوابة الرئيسة للكشف عن سلسلة من حالات الانفعال "العاطفي": الرضا والقبول والاستعداد أو الانكماش والرفض أو انعدام الرغبة.
أو قد يكون عاما يغطي كل شيء حيث تختفي المرأة – طوعا أو كراهية- وراء حجب تقود إلى اختفائها كلية، علامة على الامتلاك الذكوري لما يقع بين يدي المالك بحكم السلطة الدينية أو بحكم التواضع الاجتماعي فقط. وهذه الحالة الثانية هي التعبير الأسمى عن رغبة جامحة في التخلص من كل الأبعاد الثقافية للجسد والعودة به إلى حالة "طبيعية" لا تختلف في شيء، إلا من حيث الشكل، عن موقف ذلك الإنسان القديم الذي تمثله بعض الرسوم الكاريكاتورية: كائن يغطيه الشعر من جميع الجهات، يشد امرأة من شعرها ويجرها وراءه متوجها بها إلى كهفه، وعلى مقربة منه امرأتان تتساءلان في استنكار عما يعجبه فيها: "يا اختي عاجبو فيها إيه".
أما الثاني فيعبر عن حضور من طبيعة أخرى، فما يطلق عليه "السفور" لا يشكل حالة قارة ومتعارفا عليها إلا من حيث التحديد العام، فلباس المرأة في هذه الحالة يتغير بتغير الأوضاع والظروف والوظائف. فطريقة اللباس تحددها إكراهات الزمان والمكان والطقوس، وتحددها حالات النفس أيضا، فهناك ألوان للفرح وألوان للحزن وأخرى للحياد البارد. بل هناك لباس للعمل وآخر للنوم وثالث لاستقبال الضيوف ورابع للنزهة وخامس لحضور حفل ليلي الخ... فاللباس في هذه الحالات جميعها لا ينظر إليه باعتباره إحالة على هوية، بل دلالة على نشاط بعينه.
وفي هذه الحالة نحن أبعد ما نكون عن شكل من أشكال التصنيف المسبق."فالسفور" تصنيف من الخارج، أي يعين كل ما ليس حجابا، تماما كما هو الحجاب خروج عما هو "متعارف عليه"، إنه آلية من آليات ضبط ومراقبة جسد مشكوك فيه منذ بدء الخليقة. لذلك فالحالة الثانية تمثل، فيما يبدو لي، المعيار العام، ما يشبه "اللسان اللباسي" بالمفهوم السوسيري لثنائية اللسان والكلام كما استثمرها بارث بعد ذلك في دراسته للموضة. هناك قواعد توحد وتعمم تفاصيل ذوق محكوم بحالة وعي حضاري مشترك، وهناك سلوك فردي يخصص ويميز ويخلق حالات التنوع والتعدد. ولا يمكن قياس درجة التحولات التي تلحق باللباس إلا استنادا إلى هذه الثنائية.
إن المعيار العام هو تقنين بعْدي لمجموعة من السلوكات المتكررة التي تحولت مع الزمن إلى ما يشبه المرجعية الاجتماعية العامة التي يقاس عليها شكل اللباس، تماما كما هو حال كل الأنشطة الإنسانية الأخرى. وبعبارة مغايرة، إنه سلسلة من القواعد غير المكتوبة، إلا أن الالتزام بها يعد شكلا من أشكال الانتماء الطوعي إلى نظام حياتي ما. فالتحقق الخاص ليس "توجيها" إيديولوجيا مسبقا، بل هو حصيلة لسيرورة من التحولات طالت رؤية الإنسان للأشياء وطريقته في تمثلها، ومنها بطبيعة الحال طريقة تمثل الجسد، بنوعيه المذكر والمؤنث.
وهذا ما تؤكده النصوص الموازية المكتوبة على هامش الحجاب تبريرا له. فالقول إن المرأة لا تكشف عن زينتها إلا لزوجها هو طريقة أخرى للقول إن المرأة لا يمكن أن توجد في ذاتها (ولست أدري ما المقصود بالزينة هنا هل الجسد العاري؟ وفي هذه الحالة فالأمر حق بحكم التعاقد بين طرفين، أما إذا كان يعني اختفاءه عن الأنظار فتلك حكاية أخرى). إنها ملك، تماما كما كانت من قبل تحت يافطات متعددة منها تملك يأتي من سلطة النسب ومن سلطة الانتماء إلى الحي وسلطة الرابط الزواجي. وباختصار، فإن جسد المرأة ملك للجميع، لأنه ملك للمجتمع. ومع أهمية هذا التصور وقيمته التحليلية إلا أنه يشكل زاوية أخرى للنظر لسنا مؤهلين لبسط القول فيها، ونتركها للمهتمين بعلم الاجتماع أو السيكولوجيا. إن وجهتنا، مغايرة، رغم الاعتراف بتكامل التصورات وتداخلها.
إن "الاعتدال" أو "التطرف" في هذه الحالة أو تلك ليس موقفا مسبقا تمليه حاجات دينية يمكن تبريرها خارج حالات الاشتهاء والرغبة الجنسية المؤدية إلى التملك والاستعمال الحر لما ملكت الأيمان والأيسار على حد سواء. فالنظرة الخاصة التي يملكها الفرد عن الجسد هي التي تبرر هذا الموقف وتستهجن ذاك. فالمعيار ذاته قابل للخرق في هذا الجانب أو ذاك تعبيرا عن استحالة سيادة النموذج الواحد.
والحجاب ذاته لم يسلم من ذلك. فقد تخلى بسرعة، عند الكثيرات، عن بعده الطائفي ليتحول إلى طريقة جديدة في التعاطي مع الجسد أكثر منه ستارا يحجب بزوغ الرغبة.

Partager cet article
Repost0
12 novembre 2010 5 12 /11 /novembre /2010 20:51



ياسمينة صالح قاصة وروائية جزائرية حاصلة على دبلوم في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اشتعلت في بدايتها في التدريس لكنها انسحبت لتشتغل في الصحافة المكتوبة منها جريدة المجاهد. كما أشرفت سنة 2000 على القسم الثقافي في مجلة نسائية جزائرية، وحتى الآن مازالت تزاول مهنة الصحافة. بدأت مشوارها الأدبي بالقصة القصيرة ثم تحولت إلى فن النفس الطويل/الرواية حيث حصلت روايتها الأولى "بحر الصمت" على جائزة مالك حداد الأدبية لعام 2001م، وقد صدرت عن دار الآداب ببيروت، ومنشورات الاختلاف في الجزائر ، أيضا صدرت في طبعة جديدة ثانية في القاهرة شهر جويلية 2009. كما صدرت لها 3 مجموعات قصصية هي: "حين نلتقي غرباء"، "قليل من الشمس تكفي"، "وطن الكلام" حازت بفضلهم على عدة جوائز أدبية عربية وجزائرية، "ناستالجيا" وهي عبارة عن ترجمة أدبية لقصص غربية. أما في الرواية فصدرت لها بعد "بحر الصمت"، "وطن من زجاج" عن الدار العربية للعلوم ببيروت عام 2006 والتي حازت على جائزة القراءة في تونس. و"لخضر" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر  بيروت أوائل 2010. ترجمت أعمالها إلى الفرنسية والإسبانية. في هذا الحوار تتحدث الروائية عن روايتها الأخيرة "لخضر" وعن تجربتها السردية والكتابة التي ترى أنها الناطق الرسمي الوحيد باسم الكاتب وعن الروايات الإيروتيكية التي تقول أنها خالية من أي إضافة وعن استثمارها في الثورة وسنوات المحنة.

                                                                     

حاورتها/ نـوّارة لـحـرش 


·       روايتك الأخيرة "لخضر" جاءت هكذا تحمل اسما وكفى، يعني لم يكن العنوان مركبا أو موحيا مثل عناوين أعمالك السابقة، واقتصرت على مجرد اسم، وهو اسم البطل، كيف لم تستثمري عنوانا آخر؟

·       ياسمينة صالح: "لخضر" لم يكن اسما وكفى، إنه في النهاية كل الرواية بأبعادها التاريخية والجغرافية والسياسية. العناوين لا تحتاج مني إلى "الاستثمار" فيها لجلب القارئ على حساب النص، ناهيك أنني أختار عنوانا لا يخون النص الذي أكتبه، هذا كل ما في الأمر، على اعتبار أنني لا أتاجر في الرواية، ولا أضع عنوانا "تجاريا" من باب ضمان تسويق الرواية على حساب مستواها الأدبي. المسألة عندي مبنية على شرف الكتابة، بكل ما تعنيه من احترام لذائقة القارئ الذي يقرأ لي.

·       في كتاباتك السردية مثلما استثمرت في الثورة استثمرت أيضا في سنوات الإرهاب وحتى روايتك الأخيرة استثمرت في أزمة ومحنة العشرية السوداء، برأيك هل سنوات المحنة استثمرت أدبيا كما يجب أم كانت عبارة عن تسجيل حضور وكفى؟

·       ياسمينة صالح: من الصعب الحديث عن الجزائر دونما التطرق إلى البدايات، وإلى النهايات، الثورة والعنف السياسي الذي يسميه البعض "الإرهاب"! تذكري أن العنف السياسي وجد بُعيد الإستقلال بفترة، وأن الشعب الجزائري خرج للصراخ "سبع سنين بركات"! لهذا أجدني أمارس قراءة تاريخية في إطار روائي يعتمد في الأول والأخير على المخيلة، على اعتبار أنني من مواليد الإستقلال، وعلى اعتبار أنني عايشت العنف السياسي في التسعينات، وآذاني نفسيا مثلما آذى كل الشعب الجزائري، ومثلما آذى صورة البلد وسمعتها على الصعيد العالمي. أما عن "استثمار" هذه المرحلة إبداعيا، فهذا من حق الكاتب أن يصوّر رؤيته للمرحلة كما يشاء، ومن حقه أن يقول كلمته أيضا، ويترك شهادة أدبية على عصره!. 

·       هناك من وصف الرواية بالملحمة الإنسانية، هل أضاف هذا الوصف شيئا لنفسك؟ ما الذي يحدثه وصف كهذا في ذاتك ككاتبة؟

·       ياسمينة صالح: بل ما الذي تحدثه رواية جديدة في ذات كاتبها، هذا هو السؤال الذي يهمني، فالرواية عملية إبداعية يحرص كاتبها على أن يتجدد عبرها، ويجدد أدواته الإبداعية أيضا، وهذا هو الهاجس الأهم، كوني لا أريد أن أكرر ما أكتبه وأحمد الله أنني نجحت في ذلك من خلال رواية "لخضر" التي كانت مختلفة تماما عما صدر لي من قبل. هذا الذي يشغلني ككاتبة، مع اعتزازي بالنقد كيفما كان، لأنه دون نقد من الصعب أن يجتهد المبدع..  

·       ما جدوى الكتابة بالنسبة إليك، ما جدوى الرواية؟
ياسمينة صالح: الكتابة هي كل الجدوى.. إنها الناطق الرسمي الوحيد باسم الكاتب، حيث لا يمكن لشخص أو لشيء أن ينطق عنه أكثر مما تفعله الكتابة نفسها.. أما الرواية فهي الشكل الذي أجدني أمارسه بحرية أجمل، وبرغبة أكبر.

·       غيابك عن الجزائر هل أثر على متابعتك للمشهد الأدبي الجزائري، أم وسائط التكنولوجيا وفرت لك المتابعة رغم الغياب المكاني؟

·       ياسمينة صالح: لا أحد يغيب عن وطنه في النهاية، لأن الوطن يظل يحتلنا حتى الموت. ربما عندما نغادر، نصبح أكثر إلتصاقا به، بطقوسه الأبسط، وبجنونه، وبتفاصيله التي كانت تبدو لنا عادية أو مملة وصارت مهمة وضرورية. من يعيش داخل الوطن يحلم بالرحيل، ومن رحل عنه يحلم بعودة مؤجلة! لا شك أنني أتابع بما يتاح لي من فرص المشهد الأدبي الجزائري، ويسعدني كلما قرأت عن إصدارات جديدة روائية أو شعرية أو ثقافية تصدر من الداخل لتتحدى كل الرتابة والقتل العمدي المُمارس ضد النخبة المثقفة الأصيلة والشريفة وما أكثرها

·       بحر الصمت" كانت منعرجا مهما في مسارك خاصة بعد تتويجها بجائزة مالك حداد وهي التي قدمتك بشكل أفضل للقاريء الجزائري والعربي، كيف هي علاقتك الآن بهذه الرواية، كيف تنظرين إليها؟

·       ياسمينة صالح: بحر الصمت هي روايتي الأولى، وتجربتي الأولى، ولا شك أن فوز الرواية بجائزة مالك حداد كان مسارا مهما في حياتي كلّها، كوني مدينة لهذه الجائزة ـ بعد الله ـ بأنها فتحت لي بابا جميلا للكتابة. بحر الصمت بمثابة ابني البكر، الذي ما زلت أعتبره الأجمل، والأقرب إلى قلبي..

·       في كتاباتك تتكئين على الواقع بالكثير من حيثياته وتفاصيله أكثر من الخيال، هل لأن الواقع يفوق الخيال صدمة وصدامية؟ وهنا أذكر قولك: "لا يعتبر النص الروائي تاريخا ولا محاكمة تاريخية لظرف ما، بل هو صورة، ''كليشيه'' لواقع لا أكثر ولا أقل!"

·       ياسمينة صالح: بين الخيال والواقع شعرة معاوية.. من الصعب أن تكون "خياليا" بالمطلق داخل نص روائي يتناول واقع بلد ما، ولهذا تجدين الخيط الرفيع بين الحقيقة الصادمة وبين الخيال الصادم أيضا، حيث لا يمكن أن تفصلي بينهما. الثورة والعنف السياسي واليأس والفراغ، والخسائر المعنوية والبشرية، والخيبات.. كلها وقائع نتلمسها في يومياتنا، ولهذا "استثمارها" داخل النص الروائي يكون مرادفا لماهية الخيال الذي من خلاله تتحول الأشياء إلى قصة، وأبطال وأسماء ومراحل و و و و ... فلا أحد سيحاكم كاتبا يتخيل الفجائع الواقعية في رواية!

·       بعد تألقك في الرواية ألا تحنين إلى فن القصة خاصة وأن بداياتك كانت في القصة وكنت غزيرة الإنتاج فيها، أم أن الرواية حسمت موقفها معك ضد القصة القصيرة؟

·       ياسمينة صالح: الرواية تعطيني متسعا من الوقت ومن المساحة ومن الحرية ومن البهجة. ولهذا لم أفكر في العودة إلى القصة القصيرة

·       قلتِ:"أعتبر الكتابات الروائية التى تتعاطى بسوقية مع الجنس بأنها تعبر عن عقد نفسية يعانى منها أصحابها أكثر مما تعانى منها مجتمعاتهم"، في حين هناك من يرى بأن هذه السوقية هي التي تصنع جمالية الرواية،وبأنها ضرورية،وأكثر من ينادي بهذا رشيد بوجدرة، ما رأيك؟

·       ياسمينة صالح: أنا قلت أن تسويق الإنحطاط داخل العمل على حساب العمل نفسه هو الذي يرفضه كل كاتب يحترم القارئ، وإن أحضرتِ العدد المهول من الروايات الأيروتيكية لوجدتها بذيئة خالية من أي إضافة إبداعية، بحيث أنها روايات مرحلية لا أكثر ولن تتحول إلى روايات عظيمة أو خالدة. قلت أن التاريخ لن يتذكر البذاءة، بل سوف يتذكر الإبداع، مثلما تذكر من قبل إبداعات عالمية ما تزال تنبض حرارة وإنسانية وجمالا.. قلت أن الجنس ليس خارطة اخترعها الكاتب العربي المكبوت، وأن التعاطي البذيء معه يسقط العمل الأدبي في أيروتيكية إباحية مقرفة لا أكثر ولا أقل.. قلت جعل الجنس سببا في تسويق الكتاب على حساب الجوانب الإبداعية جريمة قتل ضد الأدب، لا أكثر ولا أقل..  

·       الرواية تغامر في محاولة الدخول إلى المناطق المحظورة أدبيا، أو إعلاميا، ألا وهي السياسة بمعناها المطلق" هذا ما قلته، هل هذا لأن وظيفة الرواية أو الكتابة عموما هي المغامرة ودخول وطرق المناطق المحظورة؟

·       ياسمينة صالح: المسألة مليئة بالفخاخ يا عزيزتي، كلما أردنا محاكاة الراهن انغمسنا أكثر في السياسة، بكل ما تعنيه من تناقضات أيضا. من الصعب تفادي هذه الحقول الملغومة عند الحديث عن الإنسان، عن حريته وحقوقه وخبزه، وحقه الأبسط في الحياة، قبالة كل هذا التداخل الذي يحدثه الإلغاء سواء كان قمعا أو اعتقالا أو نفي، أو اغتيال.. الكاتب الجزائري محكوم بهذه التفاصيل الصعبة والقاسية في ذات الوقت، في الوقت الذي تطالبه السلطة ألا يتجاوز المحظورات بمعناها السياسي لا أكثر، بحيث أن السلطة هي الحكم في النهاية، وهذا إسقاط استسهالي تمارسه السلطة على نفسها، على اعتبار أن سلطة الكاتب تكمن في كونه يكتب، وأنه لا توجد سلطة يمكنها أن تمنعه من ذلك الحق.. أنا من المؤمنات أن ثورة الإنسان يجب أن تقوم لأجل التغيير، لأجل العلم والعمل والمعرفة، لأجل البناء، لأجل أن يكون لكل تلميذ مدرسته الجميلة الخالية من الإكتظاظ، ومن جدران منخورة، تلميذ لا يصل إلى مدرسته جائعا وحافيا لأن والدته لم تجد له شيئا تدسه في حقيبته الصغيرة، في الوقت الذي يرمي فيه الغيلان بقايا حفلاتهم الماجنة في مزبلة المدينة!.

هل من كلمة أخيرة وهو من عمل جديد قيد الاشتغال أو قيد الطبع؟

ياسمينة صالح: شكرا بحجم الدهشة التي طالما نابت عني في الرد على أسئلة أجدني أمامها موجوعة وغير قادرة على الرد.. شكرا بحجم الأمل.. وقد يكون هذا عنوان روايتي القادمة
Partager cet article
Repost0
21 octobre 2010 4 21 /10 /octobre /2010 12:10
د.آمال قرامي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الفتاوى والردة وعلاقة المرأة بالمعرفة الدينية.

    Bookmark and Share

أجرت الحوار: بيان صالح

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 10 - سيكون مع الأستاذة د.آمال قرامي حول: الفتاوى والردة وعلاقة المرأة بالمعرفة الدينية.



1- لك مجموعة من المقالات حول قضية الإفتاء الذي يقوم في جوهره على السؤال و الجواب ,فكيف تقيّمين دور وسائل الإعلام و القنوات الفضائية في تغطية هذا الموضوع.؟

تضطلع أغلب وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية بدور أساسي في صناعة الحدث وتركيبه وإظهاره في صورة تخدم مصالح محدّدة فمن السذاجة إذن أن نعتبر أنّ كلّ الاهتمام الذي خصّت به أجهزة الإعلام الفتاوى بريء وله غاية نبيلة تتمثّل في كشف النقاب عن وجه من وجوه العقم الفكري في المجتمعات العربية والإسلامية والدعوة إلى إصلاح هذا الوضع. فكما هو معروف بات الشغل الشاغل لبعض الصحفيين اصطياد الآراء الشاذّة وإبرازها في لبوس ديني، والحال أنّها لا تمت ّإلى الاجتهاد بصلة و لا يمكن أن تدرج في خانة الإفتاء إنّما هي أراء شخصية توظّف لتحقيق الشهرة الوقتية لمن أنتجها ولتحقيق المكاسب المالية لمن روّجها، خاصّة وأنّها مثيرة وغريبة في عالم صار يلهث وراء الإثارة في جميع مظاهرها. إنّ إهدار كلّ هذا الوقت وكلّ هذه الطاقات من أجل إخبار الجمهور بهذه الفتوى أو تلك ينمّ على حقيقة مفادها أنّ الإعلاميين اللاهثين وراء تصيّد الآراء الشاذّة جرمهم لا يقل ّخطورة عن جرم من أنتج هذه الآراء، فهم يتحمّلون قسطا من المسؤولية في تردّي الوضع ذلك أنّ منح الأولويّة للحديث عن فتاوى مثيرة للجدل على حساب معالجة قضايا أشدّ خطورة كالفقر والقمع والفساد والتلاعب بالقوانين وهدر كرامة المواطن... إنّما هو تنصّل من المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق الإعلاميين واستهتار بالجمهور المتقبّل وممارسة تفتقر إلى قيم أخلاقية إنسانية. ولئن كانت مقولة المحاسبة في دولة القانون آلية من آليات تجسيد الديمقراطية وعلامة دالة على وعي المواطن وتمسّكه بحقوقه فإنّه قد آن الأوان لمحاسبة كلّ من خدش كرامة المواطنين والعبث بمصيرهم وتسبّب في عرقلة مسار التحديث.


2- هل نحن أمام عصر جواري جديد عبر هذه الفتاوي المهينة للكرامة والداعمة لثقافة الخوف وكره النساء وتكريس دونيتهن تحت عباءة الدين وعلى لسان مدعين وشيوخ يتنافسون من أجل الشهرة؟.

من الثابت أنّ المرأة مثّلت موضوع عدد كبير من الفتاوى. فهذا يحرّم عليها الأنترنت وذلك يحرّم عليها الجلوس على الكرسيّ أو لبس البنطلون أو الكعب العالي ....ولئن كنّا نرى وراء ترويج هذه الآراء، تكريسا لدونيّة المرأة ودعما لثقافة كره النساء فإنّنا نعتبر أنّ صدور هذه الآراء في مثل هذا السياق التاريخي الثقافي، مخبر عن الأزمات التي تتخبّط فيها المجتمعات المعاصرة. فنحن إزاء أزمة هويات تتجاور بطريقة صدامية وتضخّم من حجم المعاناة، هوية دينية، وهوية ثقافية، وهوية وطنية، وهوية قومية، وهوية جنسية، وهوية جندرية ... ولعلّ تركيز منتج الفتاوى، وهو في الغالب رجل، على هيئة المرأة معبّر عن هوامات وأمنيات يحلم بتحقّقها: أن تعود المرأة عجينة طيّعة يشكّلها الرجل على الصورة التي يريد. ولكن أنّى للنساء اللواتي تعلّمن وأعملن رأيهن أن يلتزمن بالبيتوتة وبقوانين مؤسسة الحجب. فمن أدركت قيمة العمل وآمنت بأنّه الوسيلة الأساسية لحفظ الكرامة وكسب الرزق لن تعمل بفتوى رجل يحلم بضربها وإذلالها وسحقها.... وعلى هذا الأساس فنحن إزاء خطاب خارج التاريخ يدعو الأفراد إلى أن يعيشوا خارج الزمن. ولئن كان البعض لا يلتزم بهذه الآراء حتّى وإن كان من أشدّ الناس ورعا نظرا إلى حاجته إلى العمل والاندماج ووعيه بالتحوّلات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة فإنّ فئة أخرى بدت خاضعة لأوامر الدعاة وهي بذلك تفرّط في حريتها وترتضي العبودية بكامل إرادتها ومن هنا حقّ الحديث عن عصر جواري وغلمان باعتبار أنّ الخضوع للخطاب الدعوي والإفتائي يشمل النساء والرجال على حدّ سواء ويعبّر عن نزعة استسلام ويأس.إنّها استقالة الإنسان بملء إرادته من الفاعليّة وتسليم مصيره إلى الدعاة بعد أن سبق وسلّم مصيره للساسة .



3- أفرز دخول النساء معترك إنتاج المعرفة الدينية عنفا لفظيا يمارس ضدّ أغلب الكاتبات. فما هو رأيك في هذه الظاهرة ؟

من الثابت أنّ العلماء الذكور احتكروا المجال المعرفي الدينيّ طيلة قرون وسيطروا على إدارة المقدّس. ولئن حدّثنا المؤرخون عن وجود عالمات استطعن تسجيل حضورهنّ فإنّ السؤال المطروح أيّ نوع من الحضور كان للعالمات؟ ومن تولّى التعريف بهن ؟ وكيف تشكّلت صورتهنّ؟ ويكفي الرجوع إلى الضوء اللامع للسخاوي وغيره من كتب التراجم لنتبيّن أنّ إسهام المرأة في العلوم الدينيّة وحركة الاجتهاد ظلّ نزرا وشبه غائب أو مغيّب. فكانت الساحة الفكرية ذكورية بامتياز مخصّصة لمنافسة بين الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة وغيرهم . وقد اعتاد المجتمع هذا الوضع فصار من الطبيعي استبعاد مجهود النساء أو تهميشه أو التقليل من شأنه في مقابل الإشادة بأدوارها الأنثوية وبقيمة الأمومة وأهميّة العطاء ... وبالرغم من بروز فئة من النساء في مجال الدراسات الدينية والعلوم الدينية فإنّه غالبا ما يتمّ التغاضي عن ذكر إسهاماتهن . ولئن كان استبعاد المؤسسات الدينية الرسمية والمؤسسات الدينية المحافظة والجامعات الدينية التقليدية للمتخصّصات في الدراسات الدينية السافرات مفهوما (آراؤهن محرجة للضمير الجمعيّ وهيئتهن لا تنسجم مع خطاب يفترض أنّه يعكس الإسلام ) فإنّ الأمر يتجاوز هذه الهيئات ليغدو ممارسة مركوزة في النفوس إذ نادرا ما نعثر في الكتب التي تؤلّف حول الفكر الدينيّ المعاصر (من قبل زملاء مستنيرين ) على إشارة إلى رأي كاتبة أو إحالة إلى عملها. والواقع أنّ هذه الممارسة الإقصائية حاضرة أيضا في ذهن عدد من الكاتبات إذ قلّما تشير دارسة في المجال الدينيّ إلى عمل زميلتها بالرغم من استفادتها الواضحة منه. ومن هنا فإنّ العنف الممارس عنف يتّخذ صورا متعدّدة منها الرمزي ومنها المادي ومنها النفسي ...ولعلّ ارتفاع عدد النساء الكاتبات في الشأن الديني اللواتي وقع تكفيرهن والدعوة إلى هدر دمهن حتّى وإن كنّ منتميات إلى المؤسسة الدينية الرسمية كسعاد صالح وآمنة نصير وغيرهما، مخبر عن استتباب حالة من القلق في أوساط دينية متشدّدة، و اتّساع دوائر الخوف على حدّ عبارة المرحوم نصر حامد أبو زيد.وهو خوف من هتك الستر ورفع الحجب عن مقولات ومفاهيم واستراتيجيات تأويلية فرضها واقع حكمته المصالح البطريكية . وكلّما استبدّ الخوف بهذه الأطراف التي تريد احتكار المجال المعرفي ونفي التعدّد الفكري و مزاحمة النسوان ازدادت بعدا عن أخلاقيات المسلم المحاور الذي يدّعي تمثيل الإسلام الحقّ ، وحفزها المسلك الدفاعي الذي تتوخّاه إلى مزيد من الجرائم : هتك للأعراض و قذف للمحصنات و تكفير ....وهو سلوك معبّر عمّا ترسّخ في المتخيّل من صور بشأن المرأة تهبّ من مرقدها إذا استهدفت مصالح الرجال. وفي اعتقادي إنّ تغيير مكانة المرأة في مجتمعات عديدة وبروز وعي في صفوف النساء خلق أزمة رجولة تتجاوز خلخلة منظومة الأدوار والوظائف وبنية العلاقات بين الجنسين لتصل إلى تساؤل حول قوامة الرجل بصورها المتعددة ومن بينها طبعا القوامة المعرفية فإن كان الرجل مكلفا وفق المؤسسة الفقهية، بتعليم زوجته أصول العبادات وحثها على اداء العبادات تبعا للدور الموكول إليه فإنّ قبول فكرة تحرّر المرأة من هذه التبعية واستقلالها بتدبير شؤونها وتحديد شكل علاقتها بالله لا يستساغ ، خاصّة إذا كانت هذه الاستقلالية ستؤثر في صورة الرجل وهيبته.


4- هل يعني هذا أنّ أشكال التمييز ضدّ المرأة قد ازدادت ظهورا وأنّ العنف قد تفاقم وتعدّدت صوره؟

لابد أن نقرّ بأنّ دراسات اجتماعية ونفسية قد أجريت في عدد من المجتمعات مشرقا ومغربا للكشف عن الممارسات السائدة والمؤدية إلى انتهاك حقّ المرأة في الحياة. ولئن سعت بعض الدراسات إلى التركيز على الدواعي التي تجعل العنف ضدّ النساء ظاهرة تعمّ جميع البلدان سواء العشائرية والمحافظة أو تلك التي تبنّت قوانين أحوال شخصية حداثية فإنّ الاكتفاء بتناول الظاهرة اجتماعية ونفسيا وفي بعض الحالات، اقتصاديا دون ربطها بالمسألة السياسية يجعل الطرح اختزاليا. فأغلب المجتمعات العربية تعيش قهرا تمارسه سلطة مستبدّة تعبث بمصير الشعوب ولا تتورّع عن اعتقال المواطنين والزجّ بهم في المعتقلات والسجون وتعذيبهم والتنكيل بأسرهم، وأخرى تدوس على أجساد النساء من أجل تسلّق سدّة الحكم(في إشارة إلى قتل النساء في الجزائر والعراق ...) ومن هنا فقضية العنف ضدّ المرأة ليست معزولة عن قضية الأنظمة والصراع حول شكل الحكم والمشروع المجتمعي ومكانة الحريّات الأساسية وأهمّها حرية التعبير وحرية التفكير وحرية المعتقد. ومن المخجل أن تواصل المنظمات النسائية والوزارات الخاصّة بالمرأة عقد الندوات الخاصة بالعنف لفضح بنية اجتماعية بطريكية ويتمّ التغاضي عن القضيّة الأساسية، أي أنظمة الحكم.
أمّا عن الأشكال الجديدة للعنف والتي مازال الطرح فيها لم يتبلور فهي باعتقادي، ناجمة عن العولمة وما ترتّب عليها من تحولات مسّت البنى الفكرية والاقتصادية والذهنية والنفسية والعلائقية و...ولعلّ ما نجم عن الثورة المعلوماتية من تغييرات لحقت أنماط الحياة والسلوك ، وخاصّة أشكال التفاعل والتواصل بين الجنسين يكشف النقاب عن صور جديدة للعنف الممارس ضدّ النساء على وجه الخصوص. أذكر على سبيل المثال ما لحق الجنسانية العربية من تحوّلات. فبعض أسئلة المستفتين في الفضائيات أو الأنترنت تشير إلى ظواهر جديدة تجعل المرأة في وضع العاجز الذي ينتظر إغاثة الداعية الإسلامي من ذلك مطالبة بعض الأزواج نساءهن محاكاة بطلات الأفلام البورنوغرافية هيئة وسلوكا وقولا. فتتحوّل أجساد النساء إلى فضاءات لممارسة عنف جديد : هي مساحات يفرغ فيها الرجل منّيه وشبقه وما تراكم لديه من كبت وبذلك تنتقل الهوامات إلى الواقع فتغدو الصورة مؤلمة وموغلة في التوحّش. وبالإضافة إلى ذلك يستغلّ بعض الأصوليين الوسائل التقنية لإرسال صور نساء في أوضاع جنسية إلى بعض الكاتبات في محاولة لمنعهن من مواصلة تفكيك المنظومات الفقهية والأيديولوجيات الأصولية إلى غير ذلك من الممارسات وإشعارهن بأنّهن لا يستوين مع الرجال في الإنسانية إنّما هن بمثابة وعاء يستغله الرجل متى شاء. ولا تتوقّف هذه الممارسات عند هذا الحدّ فقائمة صور الاعتداء على كرامة النساء طويلة.


5- تعرضت في كتابك قضية الردّة في الفكر الإسلامي الحديث إلى أسباب الارتداد و حد الردة في الإسلام ووضّحت موقع المرتدّ في مجتمعات نصّت فيها الدساتير على احترام حرية المعتقد. ما الذي تغيّر في طرح هذه القضية ؟

هذا الكتاب كان جزءا من أطروحة نوقشت بالجامعة التونسبة سنة 1993 ، ومعنى ذلك أنّه تفصلني مسافة زمنية بين المقاربة الأولى التي توخّيتها لمعالجة قضيّة حرية المعتقد وزاوية النظر التي أنفذ من خلالها اليوم إلى هذا الموضوع القديم- الجديد ، والذي لم يحسم بعد بسبب تأزّم الفكر الإسلامي واستشراء حالة الانفصام والنكوص والخوف من مواجهة الذات بكلّ شجاعة والنظر في طرق بناء التراث وتفكيك الآليات التي تحكّمت فيه . أسئلة كثيرة تطرح اليوم، خاصّة بعد أن وفّر الفضاء الافتراضي والتفاعلي لشرائح اجتماعية للتعبير عن آرائها وعرض ذواتها على الشكل الذي ترغب فيه . فنحن إزاء حراك اجتماعي ما عاد بالإمكان تجاهله وأصوات باتت حاضرة بقوّة : متحوّلون عن الإسلام يعترفون ويفضحون ويناقشون... و ملحدون يحلّلون مواقفهم ويحاورون، ومسلمون يدافعون عن حقّهم في عدم ممارسة الطقوس الدينيّة، أو في تبنّي جنسانية مختلفة عن السائد (مسلمون مِثليون) ومجموعات تنتهك المحظور فتسخر وتستهزئ بال مقدّسات في مقابل مجموعات أخرى لمناصرة الإسلام أو النبيّ أو الإخوان ...أفلا يدعونا كلّ هذا الحراك إلى التفكير في الأسباب التي جعلت هذه الأصوات تعبّر عن أفكارها في الدين وأشكال التديّن وخلفيات المواقف التي تتبنّاها؟ ألا يحثّنا هذا التفاعل بشأن الدين نصّا وممارسة ومعتقدا إلى التفكير بعمق في شكل المجتمع الذي نروم بناءه ؟ ووفق أيّة أسس ومنظومة قيم؟ وإن كان الخطاب الرسميّ يدعي احترام حقوق المواطنين والدفاع عن مصالحهم فلم لا يسمح للأقليات بأن تمارس شعائرها؟ وإن كنّا نعلّم أطفالنا ثقافة المواطنة ومنظومة حقوق الإنسان ثمّ متى شبّ منهم ولد وأراد أن يختار معتقده واجهناه بالعنف؟ لِم نرى أنّ من واجبنا ممارسة المراقبة والضغط والإكراه على الناس ونتدخل في أدق التفاصيل في حياتهم ونريد أن نحاسبهم على تصرفاتهم ونواياهم فنجبرهم على النفاق والرياء ؟ أيساق الناس إلى الإسلام كرها؟ أليس من حقّ المرء أن يختار معتقده وأن يلتزم به أو يعيد النظر فيه أو يتركه أو يعود إليه ... ؟ أليس رفضنا للغيريّة شاهدا على قلق وخوف يستبدان بنا فإذا بنا نعجز عن العيش مع المختلف ونطمئن إلى المثيل ؟ هذه بعض من أسئلة لابدّ أن نفكّر فيها بجديّة وبشجاعة وبلا مراوغة حتى يستطيع المرء أن يعيش في مجتمع يحترم خياراته ولا يحاسبه عليها مادام يراعي العقد الاجتماعي الذي يربطه بغيره ويؤدي واجباته على أحسن وجه. ويبدو لي أنّه طالما أنّنا لم نتمرّن على قبول الاختلاف والتعددية في جميع تجلياتها في البيت ثمّ في الفضاء العامّ ولم نخضع منظومتنا الإدراكية للمراجعة فإنّنا سنبقى على ما نحن عليه : نمارس عنفا باتّجاه الآخر نرمقه بنظرة قاتلة ونلعنه متى اعترف أنّه تحوّل من الإسلام إلى دين آخر أو بات غير معتقد بل إننا لا نكتفي بذلك نصفعه ونركله وإن اقتضى الأمر نقتله. وبذلك تشترك جميع حواسنا في الجريمة....  

 

Partager cet article
Repost0
30 septembre 2010 4 30 /09 /septembre /2010 01:58

مشروعية الكتابة بالجسد

بقلم الباحث : عبد النور إدريس

تعرض الفصل الثاني من كتابي الكتابة النسائية ..حفرية في الأنساق الدالة..الأنوثة..الجسد ..الهوية للسرقة والتشويه من طرف المدعو احمد فرحات في مجلة إيلاف

http://www.elaph.com/Web/Knowledge/2009/11/499991.htm

وهذا هو محتوى الفصل الموجود بين دفتي كتابي المذكور مابين صفحتي (71 و86)

3- مشروعية الكتابة بالجسد، أو الإستربتيز الأدبي.

Littéraire   "strip-tease  "

 

" إذا كان الأسلوب هو الرجل إن الكتابة هي المرأة" جاك ديريدا

إن جسد المرأة هو صورة نفسية تشكل انتظاما مفتوحا على السياقات الاجتماعية والثقافية التي تعتبر العمق غير المرئي للجسد بمثابة طقوس تتهاوى على الشكل الاحترافي للأوضاع الجسدية،تجعل الجسد مقيدا بأقانيم تجعل انسيابه وغيابه في اتساع عودة المكبوت حاضرة.

فالمرأة تكتب لتغلف جسدها وتجعله هامشا ينفلت من الشَّهوية لتعطي للنص المكتوب لذته الشبقية فوق الجسد السافر، وتستعيد تحررها عبر دفع الرجل إلى الإنصات إلى جسد الكتابة وتعرض الجسد الأنثوي للانمحاء داخل فضاء رمزي لا يتميز بالحركة "إن المرأة بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها تكتب مباشرة على جسدها،  تعطي عناية خاصة لفتحات جسدها، عينها وفمها، إنها ترسم ورسمها تكثيف لرغبتها، والرجل تتولد لديه حساسية خاصة نحو هذه الرموز"(10).

 فعوالم المرأة الكاتبة مفتوحة على فعل التخييل، على أشكال أحاديثها العذبة عن عالم مغروس في أنَّوِية المجتمع الذكوري التقليدي .

إذن ما هي أشكال الدخول إلى العوالم التخييلية للمرأة الكاتبة ؟.  

ولقد تساءل موليم لعروسي عن  حقيقة الإبداع النسوي حيث قال:"هل للإبداع  النسائي خاصية معينة تجعل منه شيئا متمنعا عن الرجل وإن هو أراد الوصول إليه فعليه مطلقا أن يتحول إلى أنثى ؟ "(11).

 إن هذا التساؤل ومثيله :" ما الذي في إبداع النساء نسائي محض ولا يستطيع الرجل الإتيان به إلا إذا تحول إلى أنثى ؟" (12).

تجعل الكتابة النسائية مُتحققة من خلال اعتبار الأنثى هي الأصل، وبما أن الرجل لا يعقل هذه الكتابة إلا وهو مَخْصي، يكون لتذوق الصورة الإبداعية شكله الغامض عن سياق مألوف يستجدي الصورة العامة لفهم الرجل للمرأة عبر المتعة البصرية البعيدة الاستهلاك بالمخيال الذكوري حيث " إن الجمال هنا يغدو رأسمالا رمزيا مولدا للتواصل وفي الآن نفسه مكمَنا من مكامن الخيال الاجتماعي" (13).

إن الثنائيات الضدية التي تتحدد هنا تجعل ا لمرأة المبدعة في مساواة مع الرجل الرقيق الشعور المرهَف الحس.

المرأة المبدعة /الأصل = فحل، الرجل المبدع / لافحل= أنثى.

إن هذه الثنائية تؤسس للثنائية الإبداعية، المتفوقة العلاقة الضدية المرأة/ كاملة، الرجل/ ناقص.

ففيما أن الأنثى هي الأصل نجد أن الرجل لفهم الإبداع النسائي يُحيي داخله إمكانيته للفهم "فعندما يُبدع الرجل هل يمكننا الحديث عن عودة الأنثوي المكبوت؟لأن الرجل غالبا ما يكبث الأنثى فيه وفي  تصرفاته.لكننا عندما نتحدث عن الإبداع حتى عند الرجل نتحدث عنه بعبارات أنثوية"(14).

إن تصالح الرجل مع أنثويته تشكله الكتابة النسائية مرة بالجسد المملوء بروائح البخور والمطلي بأصباغ الفتنة والوقار، ومرة بحضور لذة المتخيل لديها وقدرتها على تعرية الجسد وتحويله بالكلمة إلى رمز قابل للتجلي وخلق متعة التلقي " إن الواصفة هنا باعتبارها تتكلم عن زمن هو غير زمن الرؤية المباشرة للجسد الأنثوي تصفه لجسدها وذاكرتها، أي بقدرتها على تعرية جسد الآخر باللغة في حضرة المتلقي "(15).

لقد عبّر مونترولاي عن السِّحاق المُضمَر الذي تُعري فيه الكاتبة جسد الآخر/ الأنثى لتستعرضه على القارئ يقول"إن علاقة المرأة بجسدها نرجسية وشبقية في نفس الآن، لأن المرأة تلتذ بجسدها كأنها تتمتع بجسد امرأة أخرى " (16).

المرأة الكاتبة تكتب بالجسد وتحوله إلى أيقونة، صورة ذهنية لا تكتمل إلا بتمثلها لدى الرجل الذي يمتلك هذه الصورة عبر تصورات راجعة إلى التأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة وبذلك لا يتحقق للجسد الأنثوي كينونته إلا إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته البلاغي وحدود استيفاء العناصر الجنسية لشروط التصور الجمالي داخل الأنموذج التخييلي.

وقد يجد نور الدين أفاية معنى للجسد داخل النسق الخاص للأنثى كإعلان للكتابة "فالمرأة لا تكتب على الورق فقط لأنها تتألق في الكتابة على جسدها، على اعتبار أن التمويه، ومختلف أشكال إبراز ذاتها، بمثابة نقش على الجسد"(17).

 

3-1ـ المرأة والكتابة بالجسد.

إن بلاغة الكتابة النسائية بالجسد تعطي للغة طابعا شبقيا يحقق جناسيَتَهُ باندفاع الكلمات للرقص في مكان هارب، فالجسد داخل الوضع السيميولوجي الانثوي يضع المرأة الراقصة أمام الحُرقة الدلالية ضمن تمظهرات نسقية للفحولة فهي: راقصة /لاامرأة، إذ أنها لا ترقص وإنما توحي بكتابتها الجسدية أنها تتعالى عن الأنثى لتصبح امتدادا للرجل ضمن لعبة هندسية وضعها د.عبد الكبير الخطيبي  بين الكلام  والكتابة داخل منظومة  فعل الرقص يقول "فالوجود الراقص هو حد نظري للغة، أو بدقة أكثر ، يحيى من هذه الحيرة بين الكلام والكتابة، إذ أن الجسم الراقص  يكتب الكلام ويحطمه، يجرد من الفضاء هندسة دقيقة ومتعددة الأصوات، إنه زوبعة القوانين، انعكاس الخطوط ، ومحو الأثر الذي بواسطته ينطق الأصل (الجسم) ويُمحَق" (18).

إن هذه اللحظة بين الكلام والكتابة تتداخل خصوصياتها، تتراءى ملامحها لتجعل من الجسد الأنثوي الراقص كتابة يلفها الضباب وتحكمها ذبذبات تواصلية متقطعة، فهذه اللحظة بين الكلام والكتابة النسائية يمتلك فيها الرجل الجسد والهوية والصورة البلاغية لانتشاء الجسد بحريته و قد تكتب الأنثى عن طريق الوشم لتجعل جسدها ممتلئا بالرموز.

3ـ 2ـ المرأة والجسد المكتوب.

فالوشم وضَع الكتابة النسائية بين الصوت والكتابة فأصبح الوشم اختصارا لفعل وجودي قابل للفناء، فالكتابة على الجسد الأنثوي استمرارا  لصوت فاضح مكتوب بطريقة مزدوجة كإعلان لصمت أكيد وكصمت شاهد على موت الجسد ف" الجسم الموشوم يستمر في التجلي خلال الموت كأن الوشم قد سرق شاهد القبر"(19).

  فالوشم ترانيم للقراءة الجنسانية وسنن لتجنيس التلقي البصري، إنها نظام للتعري والاستعراض، فهي كالرقص تجعل المرأة تصل إلى نفس الثنائية الضدية السابقة للرقص لتصبح: امرأة واشم /لا امرأة،  فهي إذن هندسة مُجنسَنة تتم قراءتها في حضرة نشوة يتساوى فيها الذكر والأنثى في بعدهما الابستيمولوجي لتحقق وحدة التصنيف الإلهي للجسم.

   فالأنثى تشم من جسدها ما غطاه الحجاب ( الجبهة، الذقن، بين النهدين، السُّرة، العانة..) أي أن الوشم يشطر جسد المرأة إلى نصفين متماثلين، إنها نقط مركزية تتفرع عنها الشهوة، تنشطر ليتفتق هذيان الكتابة بلحظة الارتعاش الشبقي .

إن المرأة الواشمة تكتب لتضع لذة النص بيد المتلقي لاكتشاف نهاياته الاشتهائية ولتضع تجربتها داخل نظام جنساني، إنها تكتب في الجسم الغض لتؤسس شبقيتها عبر سِحاق خطي مُضمر، فيصبح الجسم وثيقة اللذة بين دفة الانتظام السيميولوجي كي ينتقل من الجسم الأيقونة إلى الجسم اللاهوتي.

إن الوشم كالكتابة يعتبر داخل المنظومة الإسلامية حجابا، لباسا داخليا يُعتم على المتلقي رؤية ما يحيط بجسد الأنثى، إنه يلعب دور المغناطيس الذي يحجب الجسد الحَمدَلي عن الانتهاك، فالاستعراض الجنسي محمي بالوشم وهذا دور "الخميسة"التي تعطل بلاغة النص السحاقي، إنها تنظم فوضى الدلالات وتنفتح غائبة أمام العين الثالثة (الرجل) لتصبح "الخميسة" ذات دلالة وواسطة للإثارة والاشتهاء، لايتعطل مفعولها السحري إلا إذا كانت العين الثالثة تحقق لمجمل وشم الجسد هويته وبذلك يأخذ شكله واستهلاكه من المتلقي، الزوج أوالحبيب.يقول هيربر "من الغريب أن العاهر تعلن على جلد يمتلكه الجميع بحكم المهنة، أن قلبها مخصّص لرجل واحد"(20).

فالعاهر إذ تَشِمُ جسدها، تستأثر بمكان الوشم وتخصصه لمن أحبته وتدع الباقي للجميع.

إن القيم الجنسية التي يدعمها التناسق الإلهي للجسد الموشوم تجعل هذا الجسد في ملكية المتلقي الذكر بحسب الضمير الجنسي للمجتمع، تجعله كذلك شكلا معرفيا يحقق حوارا حقيقيا كوضع يتطلب شيئا من الإصغاء حسب د.زهور گرام " إن خطاب المرأة المنتج، بالأساس، لمعرفة مغايرة، وغير مستهلكة أو مألوفة، غير موجهة فقط للمرأة، وإنما للرجل والمجتمع ككل " (21).

4 – هندسة الوعي الثقافي : محاولة لتلمّس"الأدبية".   La litteraturnost

 

" موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب بل هو الأدبية" تزيفيتان تودوروف

إن تداخل السيميولوجي والأدبي عند معالجة الوضعية النسائية والمطالب بهذا التحقق داخل الذهنية التقليدية للمجتمع حيث المرأة لا ترى ولا تتكلم، تشكل الانقلاب الواعي المطلوب خارج الشخصية النسائية،  لهذا كانت الأجوبة الواضحة والمعلنة انطلاقا من هذا المنهج المزدوج لا تلقي للسؤال الأنثوي أهمية حيث "الحديث عن المرأة موضوعيا، لا يتحقق من ذاته"(22).

 إن الباحثة بنزاكور واعية بحدود المتخيل الرجولي الذي لا يمكن وضعه مكان المتخيل النسائي.

 فهذا الإعلان يضع الكتابة النسائية في مواجهة الجسد الأنثوي ليحقق ثقافة من نوع لا تستجيب فيه المرأة لخصائصها الأنثوية، مما يجعل المرأة، " تصوغ كتابتها بشكل مختلف تماما عن أشكال كتابة الرجل " (23)

 فمحمد نور الدين أفاية وضع قلق الكتابة النسائية خارج هاجس الجسد يقول "إن الكتابة شيء مستعصي أو غريب عن مجال جسد المرأة، وما هي طبيعة التوتر الذي يمكن أن توحي به واو العلاقة بين المرأة والكتابة؟"(24).

   للإجابة على هذا السؤال العريض لا بد من معرفة أن أهم خاصية للأدب النسائي هي الرؤية المغايرة لهذه الكتابة التي تنفجر في وعي الكتابة الذكورية.

فالمرأة من خلال نظرتها للحب تستشرف الاشتهاء  الجنسي المصاحب لعاطفة الحب، فالحب عندها لا يتم بمعزل عن لغة التعري والاشتهاء والجنس، هذا المفهوم للحب ينفلت للدكتورة  زهور گرام  حيث أنه  يصبح خارج ضيافة الرقابة، فهو حقيقة ما يشكل"الأدبية "،باعتباره  لديَّ خاصية إبداعية جوهرية، هي موطن حدوث الانفلات عن الخط الأحمر، إذ أن اللغة  السردية  للمرأة  تنفلت بدورها عن شروط مصادرة  الزمن الإبداعي" زمن تفجيرالاشباع(...) وترويض النفس على لغة الاهتزاز حتى يحدث الاغتسال" (25).

إن التعاطي السيميولوجي للنصوص السردية النسائية تجعل الجسد الأنثوي بين شفتي الرجل يمتطي الجنس والاشتهاء في حدود إرواء العطش والاستمتاع إلى حد الإشباع بالقدف الانفجاري للرعشة الكبرى.

نجد ذلك في نص (وللحب صوت)، الحب له صور للساردة ليلى عثمان التي تقول عن الحب بأنه "طوفان رهيب...تستطيع الأيام أن توقفه... تصير سدا يمنع الانفجار والغرق.. ولكنه في لحظة ما ينهار ويتدفق الماء ليروي كل العطش"(*).

وتقول كذلك في نص (الأرواح)، في الليل تأتي العيون، "الآن، أحس رغبة أكيدة في أن تعانق شفتاي شفتي الرجل، وأن تلامس يدي يده، وأن تلحس نظراته كل الضباب الذي حال دون أن أرى ما حولي من هتاف الحب،  وأصدائه، وغنائه"(*) .

4 ـ 1 ـ  الأدبية :La litteraturnost  .

هذه الخاصية التي تشكل في نظرنا فرادة الكتابة النسائية والتي جسدتها ليلى عثمان في نص الأرواح التي عمقته سيمون دي بوفواروضمَّنته كتابها (الجنس الآخر) حيث الرغبة في لمس "الإله" (تعانق)، (تلحس)، خطوة أولى لمعرفة واقعية السلطة الذكورية وطبيعة عملها وبالتالي محاولة اكتشاف ماديتها تقول "يشاهد لدى كثير من الورعات هذا الخلط بين الرجل والإله "(26).

ويشير محمد برادة لبلاغة هذا الاختلاف في إلتقاط الواقع من وجهة نظر الكاتبة المبدعة إلى أصالة وجدية هذه النظرة التي حملت انطلاقا من التفكير بجسدها لغة داخلية مايَزَت وجودها الواقعي والأدبي يقول:"إن الشرط الفيزيقي المادي للمرأة كجسد، هذا الوضع هو الذي يبرر أن نفترض وجود لغة داخل نصوص تكتبها المرأة"(27)، حيث حضور الأشكال التعبيرية كجروح حقيقية داخل النص الأدبي التي تتقيح به هذه النُدوب ليخرج صديدها سائحا أمام المتلقي يقول محمد برادة "لا أستطيع أن أكتب بدل المرأة، ولا أستطيع أن أكتب عن أشياء لا أعيشها، التمايز موجود على مستوى التميز الوجودي، أنا لا أستطيع أن أكتب بدل الرجل الأسود المضطهَد"(28).

4 ـ 2 ـ الإنجراحية:

إن الخاصية الأدبية الإنجراحية للنصوص النسائية تخترق الثنائيات الضدية التي واكبت صورة المرأة عبر العصور: المرأة/ الصمت تساوي الزوجة / الإيجاب، حيث أن الصمت يعني الإيجاب أما بالنسبة للثنائية التناقضية التي تهيكل  نصوص ليلى عثمان وخاصة مجموعتها (الرحيل)، قصة من ملف امرأة فإن هذه الثنائيات تصبح: الزوجة / لا صمت،إذ أن الزوجة بهذه القصة تشاكس رهانات العُري والافتتان والإغراء والاشتهاء داخل مؤسسة الزواج " فإن الذي يحدث في نص من ملف امرأة يجعل رتابة المعرفة تشهد انزياحا،إذ تحضر المرأة ذاتا راغبة في الرجل،ومشتهية لجسده"(29) .

أما الثنائية الحائرة بين علاقاتها التناقضية وعلاقاتها الاجتماعية، الزوجة / لا إيجاب وإذ هي داخل الفضاء السردي زوجة تأتي لا إيجابيتها  "حين يتم تركيب صورة للمرأة – الزوجة التي تطلب رجلا آخر غير زوجها ..وتشتهي جسد رجل آخر غير جسد زوجها " (30).

إن ما وَلج الرقابة على اعتباره خرقا أحدث خللا بالنسبة للذهنية الذكورية المتلقية يجب تبرئته في حدود مرافعة "الأدبية"على اعتبارأن "زنىالمتخَّيل"حلقة مفقودة كسرت انتظارية المتلقي وفق مقاييس من تاريخ النقد الأدبي قبل الكتابة النسائية.

أن النص الذي تقول فيه ليلى عثمان، قصة (من ملف امرأة) " هناك في "العشة" المقابلة شاب أسود العينين كحيل الطرف، فارع الطول. لو يضمني إليه لضعت نشوة وافتتانا".إنها هنا لم تتحدث فيه عن الفحولة بمفهومها الشهرياري وإنما كان النموذج "المانكاني" واضحا في معنى الضم والضياع من خلال اللمسة الواقعية التي تناقض تأليه اللمسة التي يجسدها الزوج بلغة القداسة، الزوج الذي تريد قتله معنويا بداخلها لتحطم عبره كل الأصنام التي حالت عائقا أمام انطلاقها وعطَّلت كينونتها لما مارست الانصياع للأعراف والتماثلات الاجتماعية.

إن مفهوم الحب يحمل لدى النسق الذكوري مفهوم أخلاقي سامي عذري يجعل القيم العاطفية ذات بعد أنطولوجي، أما الدلالة المعطاة للحب داخل النسق الأنثوي الذي تشكلت ملامحه النهائية عبر الأشكال السردية النسائية فهو مرئيات مغايرة ذات تجدر بلغة الجنس تخترق به التوصيف الحضاري الثقافي الذي خندقها ضمن ثنائيات الكل كان يعتقد بأزليتها: المرأة/ مثالية، المرأة/ ساقطة، "إنها تخرج شيئا فشيئا من صمتها، من قيمة النموذج وتُؤنسن فعلها"(31).

إن عمق الثنائية، النموذج المثالي/ النموذج الساقط يأخذ شكل التصور الذكوري المتسلط أكثر من الالتفات إلى واقع المرأة كما تتصوره ذاتا وذاكرة وإحساسا، فمن خلال طريقة الاستمتاع الجنسي فالرجل يبحث عن اللذة من خلال تشكي المرأة، أما المرأة فإنها تبحث عن اللذة من خلال ألمها الذاتي، هذه الثنائية المنهجية تُؤكد الأصل الرمزي لمفاهيم الأنوثة والذكورة " فما نود القيام به هو إبراز نمط مثالي من الفكر التناظري الذي لا يستطيع تصور الأنوثة إلا من خلال تقابل ثنائي منهجي، تبلور جزئياته ونتائجه السميولوجية في تقابله مع الذكورة"(32).

يتجلى بحث المرأة عن اللذة من خلال البوح بألمها الذاتي عن طريق الوظيفة التعبيرية باستعمال ضمير المتكلم (أنا) الذي يشكل الخصوصية الأدبية للكتابة النسائية حسب تعبير ت. تودوروف من حيث أن "موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب بل هو الأدبية*"(33).

        فإحالة الكاتبة إلى مركز ذاتها أدبيا يشخص التمركز الواقعي لأنَّوِيََّتَها في المجتمع التقليدي منذ الانفلات من الوأد الجاهلي إلى الأشكال المعاصرة للوأد الذي أقام الفصل المفتعل بين الجنسين بتوحيده المرجع الأيديولوجي المشترك بين الرجل والمرأة.

إن المرحلة التي تكتب فيها المرأة النص الأدبي بمنظار جسدها تستقي نزعتها من المرحلة الرومانسية في الأدب، لكن تبقى الخاصية المهيمنة على الكتابة النسائية هي حضور" الأنا " للإحالة إلى هوية دائمة الغياب لذى النقد الرجولي ومستعصية علية وبالتالي الخاصية الأدبية التي أسميها "استريبتيز الأدبي" الذي يشكل التعري واستعراض الجسد الشبقي الراقص والملتوي، من حرقة العشق وشهامته أمام القارئ، أهم محدداته التعبيرية.

إن المرأة الكاتبة كانت في حاجة إلى امتلاك فعل الكتابة وحسب التحليل العاملي لغريماس فهي تحتاج إلى الفاعل الإجرائي الذي يحقق لفاعل الحالة( المرأة الكاتبة) الاتصال بموضوعها (التحرر).

   هذا ما نلاحظه عند سيمون دي بوفوار مع جان بول سارتر (كفاعل إجرائي) و هيلويز في رسائلها لأبيلار.

 "ولهذا ليس غريبا أن نجد السمة للمرأة المبدعة في التاريخ العربي عامة ترتبط باسم رجل معين، فالخنساء عرفت بشعرها في رثاء الآخر (أخوها صخر) وولادة في علاقتها بابن زيدون، واعتماد الرميكية مع المعتمد بن عباد، وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن المرأة لا يقع التعريف بها في ذاتها وإنما في علاقتها بالآخر " (34).

إن استراتيجية الكتابة النسائية انطلاقا من الوعي الثقافي بها كإشكالية مطروحة على النقد الحديث ومن خلال ترصدي لبعض الخصائص المميزة له كظاهرة أدبية ذات خصوصية من حيث الطرح الموضوعاتي لا يضع الأديبات في مرتبة أقل من الرجل بل إن التفرد الذي تمتاز به الكاتبة في خلقها للغتها الخاصة رغم أن اللغة التي تكتب بها غير محايدة وتُركز العلاقة الصراعية الأزلية بين الرجل والمرأة عبر العصور وتؤرخ لإشارات الخصاء التي تُفرض كرقابة طوطمية للسيطرة على النساء، فحسب تعبير رولان بارت" إن تصغير النص إلى مجرد وحدة معنى عن طريق أحادية يعني القيام برسم إشارة الخصي".

 

              

هوامش الفصل الثاني

10- محمد نور الدين أفاية ،الهوية والاختلاف، في المرأة ،الكتابة والهامش ، افريقيا الشرق،  الدار البيضاء سنة 1988 الصفحة :41-42  

  11- موليم لعروسي ، الفضاء والجسد،منشورات الرابطة ، الدار البيضاء الطبعة الأولى سنة 1996 ص:103.  

  12- نفس المرجع السابق ص:104  .

  13- ذ.فريد زاهي ،أعمال ندوة المرأة والكتابة ،الجسد الأنثوي في الثقافة العربية من البلاغي إلى المتخيل جامعة المولى إسماعيل ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – مكناس مطبعة فضالة، المحمدية 1996 الصفحة :13.  

  14- موليم لعروسي ، نفس المرجع السابق ص:107-108.  

  15- فريد زاهي، المرجع السابق ص:14.  

   -Michel Montre Lay,l’ombre et le non , sur la   féminité,Edit,de minuit , paris ,1977,p :69.

17- محمد نور الدين أفاية ، المرجع السابق،ص:8-9     .

18- د.عبد الكبير الخطيبي ، "الاسم العربي الجريح" دار العودة بيروت الطبعة الأولى 1980، ص:56.

19- نفس المرجع السابق ص:57.  

   -J.lacassagne et J.herber,du tatouage chez les prostituées en Afrique du nord, paris 1935 p :5    أخدا عن الاسم العربي الجريح

  21- د. زهور گرام ، في ضيافة الرقابة ، منشورات الزمن ، كتاب الجيب 24 مارس 2001ص: 32.  

  2   -Anissa Benzakour Chami ,image de femmes regards d’hommes, édit, wallada juin 1987 p :7

  23- محمد نور الدين أفاية ، نفس المرجع السابق الصفحة :41.  

  24- نفس المرجع السابق ص:32

  25- د.زهور گرام ، نفس المرجع السابق ص:16.

(*)- أخدا عن ،في ضيافة الرقابة.  

  26- سيمون دي بوفوار، - الجنس الآخر- ترجمة:محمد علي شرف الدين، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت، 1979،ص:207.  

  27- محمد برادة ،مجلة آفاق العدد 12، أكتوبر 1983 ص: 135.  

  28- نفس المرجع السابق ص: 135.  

29- في ضيافة الرقابة ،نفس المرجع السابق ص:44-45.  

  30- نفس المرجع السابق ص:45  .

  31- نفس المرجع السابق ص:85.  

  32- بيير غيرو، مجلة علامات ،سيميولوجية الأنوثة ، ترجمة محمد الرضواني العدد:20،سنة 2003، ص:118. 

 -Tzvetan Toderov, théorie de la littérature, Edit :seuil, 1956,p :37 -*la litteraturnost-

34- رشيدة بن مسعود ، المرأة والكتابة ، سؤال الخصوصية /بلاغة الاختلاف،  ص:19.

 

 

هذا الفصل الثاني من كاتبي (الكتابة النسائية ..حفرية في الأنساق الدالة..الأنوثة..الجسد ..الهوية..مطبعة سجلماسة مكناس سنة 2004

وهومنشور بموقعي الخاص

http://abdennour.over-blog.net/article-765923.html

الكتاب منشور إلكترونيا بموقع الحوار المتمدن

http://cahiersdifference.over-blog.net/ext/http://ahewar.org/rate/bindex.asp?yid=2789

 

 

 

Partager cet article
Repost0
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 16:47

فصل من كتاب" الحريم اللغوي"

"في مديح اللغة ومساءلة النظام"
يسرى مقدم

لا مناص للباحث او الباحثة، المشتغلين على مساءلة اللغة اياً تكن دواعي المساءلة او خلفياتها او المراد منها من الانزلاق الى سؤال الاختلاف بصفته "الخيط الذي تنسجمه اللغة" بتعبير دريدا، ومن حيث "ان اللغة ليست سوى الاختلافات"، بحسب دوسوسور بمعنى ان اللغة تشكل نفسها وتتشكل من رموز تختلف وتتغاير باستمرار وفق منطق ينشأ معه الدال والمدلول من صلب الاختلاف، وحيث يمتزج في الرمز الواحد خليط مادي (الدال)، وذهني (المدلول) على ان يكون في الخليط نفسه مكان للتمييز التفاضلي، بين دال نمحضه الثقة بسبب ماديته، ومدلول نحجب عنه مثلها بذريعة ذهنيته، ما يؤسس لمفهوم فوارقي يدعم الاول على حساب الثاني، انسجاماً مع المفهوم الداعي الى "استخراج مجرات كاملة من المعاني من عدد محصور من الظواهر". وهو ما نصنفه انحيازاً صريحاً يتلاقى الى حد التطابق، مع ما ثبته نظام النحو العربي، لما ميز اللفظ تراتبياً، وجعله الاول، منه يخرج المعنى خروج المؤنث، من المذكر انسحاباً على اذيال القول بمركزية المذكر / الاصل وهامشية المؤنث / الفرع الامر الذي يجنح باللغة العربية الى العنصرية الجنسية/ الجنوسية، فتفترق عن ناموسها وتشذ عن سويتها ويصير الاختلاف فيها مصدراً للسيطرة والقهر والتنافر لا سبباً للتكامل والتآلف والاجتماع.
اليست اللغة، اي لغة بما هي جسم يكتنف الوجود كله، ينطوي عليه ويدخل فيه ليحييه تعبيرياً وليحيا به ومن خلاله، بدون ان يصيرا واحداً مفرداً في جسم واحد ومفرد، يدومان صنوين متعالقين، يتحاكيان ويتفارقان، يتصلان وينفصلان من غير امتزاج، وبما لا يعني القطيعة.. نقول، اليست اللغة بحسب توصيفنا حرفياً، هي اول ما أوحى للانسان بالاختلاف الذي ما كنا لندركه ونعقله ونسميه، لو لم يكن ثمة آخر يشير الى الانا المختلفة لتراه وترى اناها، قبل ان يعبرا معاً الى النطق بكل الضمائر، بلسان المؤنث والمذكر، وبصيغة المفرد والمثنى والجمع، ليتجلى الاختلاف بذلك اصلاً لحقيقة لغوية تنوب عن حقيقة هي في اصل الوجود؟!
لغتنا الام التي تلدنا كلما اولدناها، ويتمخض جسمها عن اجسامنا فنصرخ بكل اصواتها، نجاور ما بينها فتتشابك حروفاً وتتشكل كلمات تعلمنا اسماءنا وكل الاسماء، تخاطبنا خطاب الجسد للجسد، يتلامسان فتقشعر ونرتعش وتعترينا كل الاحوال والحالات، نبتهج ونخاف نغضب ونهدأ ونكره ونحب ونتألم ونسعد ونفكر: كيف تمسك الكلمة بالشعور، وكيف للحرف ان يتحاكى مع الاحساس، فينفذ تفكيرنا الى ما وراء الحس والحواس، وتتبدى لنا الكلمات لغزاً يفك سرنا، كان لها عيناً عارفة ترصدنا وترى منا ما لا نعرف له اسماً الا متى قالته الكلمات. ويأتينا اليقين بأن بيننا وبينها وصلة تواصل ووصال فنعرف ان اللغة ليست مجرد وعاء. ولا كلماتها مجرد رموز اعتباطية تمثل الاشياء، نحفظها ونحيط بها من خارج كانها مجرد الخارج او الاشياء، بل اللغة نداء الاشياء، ووجود كلي خلاق ينبض بنا ويحتوينا مثل رحم حي يشملنا قبل الولادة وبعدها ويدوم يحوطنا من سائر الجهات.
ونعرف ان اللغة سراً يفشي كل الاسرار وانها جسد هائل بحجم الوجود يمور دائماً بالحركة والحراك، ويتمدد باستمرار ولايكف عن الجريان مجرى ماء يفيض من حيث تفيض الحياة، من اول الحياة الى ما لا نهاية. وندرك ان اللغة وجود يمتلىء بوجودنا ليلد نفسه وينوجد.. لذا، هي المغزى والدلالة على ما يقوله فوكو، وهي في وجه آخر البيان والحكم. وحكم اللغة في الاصل عدل ناصع، خالص ومبين، لا يخالطه لبس ولا يعرف البهتان والنفاق، ولا ينحاز الا الى ما بيان للغة، تبين عنه وتبنيه صوراً تبرز الوجه، وتستضمر الكنه في آن، لتتجلى اللغة بذلك آيات صادقات تتلونا تلاوة العالم البصير العارف بحالنا واحوالنا من ظاهر وباطن. واذ تصدقنا اللغة ويقول احتلافها اختلافنا، فليس لنتافر أو نفترق، بل لنفهم معنى الشيء بين شتى الاضداد، ولولاهما لما كان ثمة اي ضمان تعبيري مأمون لوجود الحقيقة، ولا كان للوعي ان يمسك بتعبيراتها لندرك انها مثوى الوجود وكنف الجميع بدون استثناء، تمخضنا امومتها وتوسع لنا بيتها لنقيم فيه دهرياً، لا بما يرادف معنى الايواء المادي وحسب، بل ما يجاوزه ويؤسس لتوليد روابط معنوية عميقة لا تزول، تتنامى وتتجذر ما بيننا وبين اللغة، تستبطن وعينا ولاوعينا، وتصوغ ميولنا ومنازعنا، وتشكل فكرنا ومفاهيمنا، بما يجعلها خارجاً يشع عبرنا ليستقل عنا وداخلاً ننكشف عليه لنستقل عنه. على هذا النحو تنشط اللغة جدلياً كوجود يفعل وينفعل يشكل ويتشكل. ينتج وينتج، وتزدوج فيه المتشابهات والاضداد. فهو مادي ولا مادي، ظاهر ومستتر، منسجم ومتناقض، مستقل وغير مستقل، لذا، ليس للغة الام ان تتنصل من وجودنا وتلزم الحياد، فهي بحسب داغوسينو، "مستقلة عن الشخص، ومعتمدة عليه في آن" ما يصيرها مختلفة عن نظامها. وهو على النقيض منها، محايد ومنفصل ومستقل، ثم انه الجزء وهي الكل. لذلك، لا يسعه ما يسعها، ولا يملك ان ينوب عما تنوب عنه.
فهل لنا بعد هذا، الا تسأل اللغة العربية عما ورطها واوقعها في شرك نظام لغوي يستبد بها مرة، وبالمؤنث مرات؟
ثم أليس لنا ان نسائل نظامها الذي انتحل سلطتها وافترض لنفسه حق الانابة عنها وعنا بما يختزلها ويختزلنا الى ما دونها ودوننا، وبما يذهب في الآن عينه بجوهر الاختلاف يخرج بثنائية النوع الانساني عن دائرة التكامل، وشقي النفس الواحدة، ليصير الانسان هو الذكر فقط يخرج منه المؤنث خروج الجزء من الكل، على ما قرره واقره ابن جني والسجستاني والانباري، و... سائر النحاة السابقين واللاحقين، في ما تنسب الأنثى الى جنس الفرع التابع والضعيف، بحيث لا يتبقى من مثنى العربية غير ادعاء لفظي خاو لا يطاوع معناه، يستدخل المؤنث، لا على انه الشقيق والشريك، بل باحتسابه آخراً يكمل نقصان الواحد لا الاثنين، ما يؤول الى تثبيت الواحد ونفي المثنى، على مستوى الفرد والجماعة، وفي كل شأن خاص أو عام.
ذاك هو، منذ البداية، مأزق الواحد المتفرد المستفرد، وأول العسف بمبدأ الشراكة، جعلت ضلالا وبهتاناً، على انها استتباع فرع لأصل، لا انشقاق الأصل الى نصفين سويين على اختلاف، ليس له ان يخلف بينهما، فلولاه لما كان لاجتماعهما ان يكتمل ويخصب معناه.
ولئن ذكرنا حول اللغة ما اسلفناه، عن وجودها، ونسيجها، وحراكها، وتجددها، وكليتها، وميزان عدلها، وصدق آياتها، وقلنا فيها ما يحيل على طبيعة امومية، بوصف اللغة رحما وكنفاً وسكنا ومثوى، وبما هي، في وجه آخر، بدء وأصل، وأول ونبع. الأمومة عينها التي حدثت عنها الأساطير الأولى قبل ان تباركها الأديان السماوية والوضعية، وتمجدها تيارات ومذاهب فكرية شتى، استلهمها المجاز فالصق بالمجردات طبعها وطبائعها، وكل ما يماثلها قدرة على الخصب والانجاب والرعاية والاحتواء، لتصير اللغة بذلك أما، لها ما لأمهات البشر، وعليها ما عليهن، لا على قاعدة الحق الطبيعي الذي يعترف لكل اصل بموقع الأصل، بل من زاوية الوظيفة المحددة التي افترضها نظام الفوارقية الأبوي للأمومة، سواء أكان في الحقيقة ام في المجاز، يحاصر اللغة حصاره للأمهات، مثلهم يقصر دورها على الانجاب، ويجردها من حق النسب، لتخوض اللغة تحت طوعه تجربة التخلي عن تعددية وجوهها وشمولية وجودها، وتتحول بقوة القسر الى آلة أو أداة مطاوعة للقواعد والقوانين والأحكام. فتنبت بذلك عن بدئها، وتجرد من سخائها الذي هو أميز صفتها.
فهل يحق لنا ان نحجب عن اللغة أمومة الأصل، او ان نرتاب مجازاً بانسانيتها؟
اذ نؤنسن اللغة، ماديا وذهنياً، فما ذلك انسياق منا الى لعبة المجاز، ولا ابتغاء لجمالية تعبير لا تجدي نفعاً، ولا تسعف على تجميل واقع قبيح، بل نتوسل ذلك لنشير من ناحية اولى، الى ثنائية المؤنث والمذكر فيها، على اعتبار انها ثنائية الاصل. والأصل على ما أشرنا، هو الاختلاف نبتنيه اساسا لسائر ما يتصدر عنها من ثنائيات، ابرزها ثنائية الصوت، تتكشف من خلال اللغة تعبيراته لتحفظ للمؤنث والمذكر وعيهما، كل بصوته، فلسنا نظن ان الصوت كان منذ الصرخة الأولى حكراً على طبيعة آدم، بينما تجافت عنه طبيعة حواء، ولدت بكماء ودامت بكماء، او انها فطرت بطبعها على اتباع آدم وتعلمت منه كل الأصوات، ولا العكس صحيح بالطبع فكلاهما جبل طبيعياً على الصوات، وكلاهما عرف الآخر وسكن اليه وتكامل به، من خلال اختلافه، ثم لننفي عن اللغة العربية، من جهة، شوائب الانحياز او الفوارقية او التمييز، او اي وجه من وجوه الظلم والعسف، والا لتبدت اللغة في الاساس ناقصة، بتراء وشائهة، طالما تفرغ من الآخر يغيب عنها بالالحاق، او بالتهميش والاقصاء، فتفقد بغيابه كليتها وأمومية انابتها، وتختزل الى نظام احادي يحاصرها ويضيقها ويمسك بمقدراتها، بزعم انه دليل اللغة وعلتها، بما يصيرها معلولاً يسبق الى الوجود علته، لتترسخ بذلك سلطة الأصول، لغوياً وإنسانياً. فالمذكر اصل، ومثله النظام، وكلاهما وريث السلطة الأبوية، وله حق الولاية والانابة والسطوة على الآخر/ الفرع التابع، الموجود بغيره لا بذاته، بالمفهوم الفلسفي والاجتماعي واللغوي.
على ذلك، تنقلب الأدوار وتشوه المفاهيم، فالمعطى يصبح مبنيا، والمبني معطى طبيعيا لا جدال في مصدريته، الامر الذي يرمي مصدري التأنيث بالشبهة. يتداركها نظام النحو اللغوي العربي بأن يرد المؤنث الى فرع نميزه من المذكر بعلامة لغوية فارقة تحيل على هوية صورية، لا تملك في التعبير عن وجودها غير لغة الانفعال، بحيث لا يعود في وسع اللغة ان تنوب عن المؤنث، تسلم امره الى نظام لغوي مستبد يكفه، اسوة بفقه الاجتماع، عن تمامية وجوده لينطقه بتعبيرات تتوافق مع احكام قواعدية تتسلط على اللغة فتسوس امرها، وتحدد وظيفتها، وتفتي بحدودها، وتقضي بأعرافها بما ينقصها ويحجمها الى ارض مصادرة ومملوكة، هي بلا ريب، دون أرضها اتساعا وفيضاً وحراكاً وقدرة على مغالبة زمن مكار، لطالما غدر بلغات هزلت وتراجعت فانقرضت ولفها النسيان، لما غلبها الضعف وجفف النقصان ماءها، فعجزت عن ملازمة حقيقتها وحفظ طبيعتها. ما كان لها ان تطاوع ناموساً غير ناموس يطاوعها، يرحب ويتمدد بمقدار ما تتمدد، ويتسع لكل وساعة جسدها الولود، فلا يسقط تفصيلاً، ولا يهمل وجهاً او يستثني شيئا بذريعة انه غامض ملتبس، او شاذ وناقص. فمن طبيعة اللغة ان تحفظ مختلف الموجودات، وتهب نفسها لسائر الأشياء والكائنات. ولولا ذلك لما كان للغة ان تستقبل الوجود وترشح بتعبيراته، اللهم الا اذا اتاها ناقصاً.
ولليس للغة ـ اي لغة ـ ان تقهر الزمن، ويستمر مجراها باستمرار مجراه، ما لم تتحصن بكامل حريتها وتمامية قدرتها، وتلزم عدلها الصادق ترتع فيه الى ناموس طبيعتها، وتوكله امرها ليكون لها مرجعية تنقض مرجعية نظام لغوي محدود يسطو عليها فتنكمش وتنغلق وتهان بالتبعية والبطلان، يبليها الزمن العتيق بعد ذلك، وتعتقلها الكتب، تبهت رموزها واشاراتها، تعقمها وتوقفها عند معان ودلالات محنطة، مسكونة بمفاهيم وقيم سلفية منحازة، تحيل اللفظ الى صنم فاقد الحياة، والمعنى الى عبد مخصي عن اي فعل، ما خلا الطاعة للسلف، فلا يبقى من اللغة اثر غير نظام متهالك يحولها الى كفن، نظام بائس يعسف باللغة مرتين.
مرة حين يجردها من مصدريتها ليصير وحده المصدر، ولتكون له دونها سلطة الفعل، ينزع عن اللغة بموجبها صفة العلة والدليل، يردها الى حكمه رد المعلول الى علته، والمدلول عليه الى دليله، بحيث لا يعود للغة، بما هي فاعل لفعل وجودها، ان تطاوع لزوم هذا الفعل تولي امره الى النظام، ليحل محلها وينوب عنها في كل شأن ومسألة. على هذا النحو، يحجم النظام اللغوي دور اللغة من الفاعلية الى المفعولية لتستقر حالها، في مفارقة وجودية نافرة، على وجود متعد، كيلا تشان اللغة بالفوضى، او يقال من باب الشماتة او الندم: "ضيعت اللغة نفسها بضياع ناموس يحفظها، ولا بأس لو ضاع مقابل ذلك نصفها".
ومرة حين يتحكم النحو في ثنائية النوع الانساني، فيحيل الذكر على الأصل، والأنثى على الفرع، بما يجنح بالنحو الذي صرف له فقهاء اعمارهم حفظا للغة وصونا لبراءتها، الى الانحياز والتفرقة، اذ تستوي احكامه سجنا ابديا للأنصاف الناقصة (المؤنثة). وتتعدى مفاعيلها (أي الأحكام) نطاق اللغة، لتوغل في الاجتماع، تقونن معاملاته، وتقيد قيمه وأعرافه ومفاهيمه، وفق ما افتى به نظام الفوارقية والتفاضل، يحكم بقانون القوة لا بقانون العدل، ويمحض الذكورة الملك والعرش، ويستضعف المؤنث، فينقصه ويهمشه ويستلحقه، تارة بالضلع والفرع، وطوراً بالعرض، بل بأضعف الأعراض.

Partager cet article
Repost0
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 14:56

الحريم اللغوي

 

 

 

 

 

 

سعيد بنگــراد

 

اللغة سجن النساء

 

 

 

 

 

 

ملاحظات حول كتاب يسرى مقدم "الحريم اللغوي"

 

صدر للأستاذة يسرى مقدم، عن شركة المطبوعات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، كتابا جديدا يحمل عنوانا بالغ الدلالة: "الحريم اللغوي"(1)، وهو الكتاب الثاني الذي تخصصه الكاتبة لدراسة قضية من أشد القضايا تعقيدا. يتعلق الأمر بنمط اشتغال اللغة وآلياتها في تمثيل الوجود من حيث هو موجود في اللغة وبها، ومن خلالها يُعرف ويُتداول ويُستهلك. فقد سبق أن أصدرت كتابا آخر حول الثيمة نفسها بعنوان: "مؤنث الرواية"، تناولت فيه بعض القضايا الخاصة بتمثيل "التجربة النسوية"، كما يمكن الكشف عنها في قطاع مخصوص هو قطاع الإنتاج الأدبي، والسرد الروائي في المقام الأول.

ولهذا الاهتمام ما يبرره، فلا شيء يمكن أن يستقيم خارج اللغة وبدونها، فهي" سر يفشي كل الأسرار .... ووجود يمتلئ بوجودنا" ( ص20)، لذلك لا نستطيع معرفة العالم إلا من خلال ما يسمح به اللسان ويجيزه، بل إن إمساكنا بالمدرك الواقعي لا يتم إلا من خلال التوسط الرمزي، أي اللسان، وهو أرقى الأشكال الرمزية التي مكنت الإنسان من التخلص من طبيعة خرساء تكتفي بإعادة إنتاج نفسها، لينتج تاريخه الخاص. لذلك، فإن ما تقوله اللغة ليس وصفا لعالم معطى خارج الذات، إنها تمسك بمعرفة تخص هذا الواقع. فما يتسلل إلى اللغة هي رؤيتنا للأشياء لا الأشياء فحسب.   

وما يميز هذا النص الممتع حقا هو رؤيته التحليلية الجديدة التي تجعل الواقعة اللغوية منطلقا للحجاج لا الموقف الإيديولوجي المسبق، فلا قيمة للإيديولوجيا خارج محدداتها في الوقائع الثقافية المجسدة، بما فيها الاستعمالات الرمزية للأشياء والأفعال التي تقود إلى تحديد دوائر المؤنث والمذكر استنادا إلى فكر تناظري "شعبي" لا حظ له من العلم. وهذه الروح هي التي أضفت على هذا الكتاب صبغة علمية ومنحته قوة حجاجية من الصعب التشكيك فيها أو الرد عليها خارج ما يمكن أن تسنده اللغة ذاتها.

يتوزع الكتاب على مجموعة من المباحث تروم جميعها الكشف عن آليات الوجود النسائي في اللغة بكل امتداداتها فيما هو أبعد من التصنيف والتسمية والفصل بين الظواهر. والأمر لا يتعلق بالإحالة على ما يميز المرأة عن الرجل في التركيبة البيولوجية أو المظهر الخارجي، أو ما يفصل بينهما في اللغة ذاتها من حيث وجود ضمائر دالة على متكلم بعينه؛ إنها تتناول اللغة باعتبارها حاضنة، من خلال التمثيل ذاته، لدوائر ثقافية/رمزية تتجاوز الفصل البيولوجي لكي تسرب إيديولوجيا قائمة الذات يتحدد وفقها موقع  المذكر والمؤنث ضمن دينامية التبادل الاجتماعي وتوزيع الوظائف داخله.

بل إن الوجود النسائي الرمزي،كما تؤكد ذلك المؤلفة، يبدو أكثر حضورا في الوعي اللغوي من حضوره في الواقع، فزمن اللغة غير زمن الأشياء، فما يتسلل إليها يستعصي عادة على الحذف والإلغاء. "فالعادات اللسانية هي دائما أعراض أساسية لأحاسيس لم يتم التعبير عنها" على حد تعبير أمبيرتو إيكو. لذلك فانتفاء شروط القهر والدونية والسلبية ( اليافطات القانونية والسياسية التي تدعو إلى حق المرأة في الوجود الكامل) لم يعلن عن انتفاء ذلك في الذهنيات، فاللغة حمالة لاضطهاد من نوع آخر يجعل الأصل مذكرا والفرع مؤنثا.

لذلك، فما هو أساسي في تصور المؤلفة، وفي تصور كل باحث يتمتع بقدر بسيط من الحس السليم، ليس وجود المؤنث في ذاته في اللغة وخارجها، فمن حق كل لغة أن تبني قواعدها استنادا إلى تقطيع الامتداد الزمني والفضائي والفصل بين الظواهر والأشياء، ومنها الفصل بين الضمائر المحددة للواحد والمتعدد والجامد والحي والغائب والحاضر، إن الأساسي في تحليل الظاهرة اللغوية هو الكشف عن الأسباب غير اللسانية التي تبرر وجود هذا المؤنث داخل اللغة وخارجها.

ذلك أن المؤنث ليس خانة للتصنيف يضع المرأة مقابلا لما ليس هي. فقد جاء في لسان العرب التعريف التالي: "الأنثى خلاف الذكر في كل شيء، والذكر خلاف الأنثى"، وهو تعريف طوطولوجي في ظاهره، لأنه لا يزيدنا معرفة بالرجل والمرأة، ولكنه تمييزي عنصري في عمقه؛ فالخلاف المشار إليه في تعريف المذكر والمؤنث على حد سواء لا يعني التمييز من خلال التساوي بين كائنين مختلفين فعلا، بل هو كذلك من خلال مفاضلة أحدهما على الآخر. وانطلاقا من تمييز المفاضلة هذا حاولت المؤلفة إعادة صياغة الإشكالية من خلال حدود جديدة تشكك في التمييز الأصلي وتنسف كل الأسس التي قام عليها. ومن أجل ذلك رصدت وجود بعدين رئيسيين عبرت عنهما بلغتها الخاصة من خلال الفصل بين القوي والضعيف، وبين الأساسي والتابع:

 

1-فالمرأة، في نظر النحاة ومشتقاتهم، ضعيفة بالطبيعة لا بالاكتساب، فهي كذلك وتبقى إلى الأبد، ومن هذا الضعف استمدت صفتها تلك، فهي أنثى لأن الأنيث في اللغة هو الضعيف والسهل والمنبسط وغير القاطع (فالمرأة سميت أنثى من البلد الأنيث على زعم ابن الأعرابي)، في حين أن المذكر دال بالضرورة على القوة قبل أن يكون دالا على الذكر من ناحية النوع ( "فالرجل الذكر واليوم المذكر والسيف الذكر والقول الذكر والفلاة المذكار التي لا يدخلها إلا الذكر من الرجال"، كلها صفات دالة على قيمة دلالية واحدة  تقابل بين الضعف والقوة كما هو ثابت في لسان العرب). إن الأمر يتعلق في واقع الأمر بتقابل يجمع بين السلبي والإيجابي، بين الفاعل والمنفعل، بين السابق واللاحق.

فنحن في الحالتين معا، كما تؤكد ذلك المؤلفة بلغتها "النضالية" المتميزة، أمام سلسلة من التحديدات المنفتحة على سياقات بالغة التنوع قد تشمل الاستعمالات الاستعارية لأشياء الكون وكائناته ذاتها. فسواء تعلق الأمر بالذكر أو بالأنثى، فإن هذه السياقات، رغم تنوعها وتعددها واختلافها، لن تحيل في نهاية الأمر سوى على كون دلالي واحد ووحيد يوحد بين مقامات القول والفعل ضمن دائرة مفهومية واحدة تفصل بين الضعيف والقوي والسيد والتابع والأصل والفرع، "ولقد تعينت الذكورة صفات/أسماء القوة والسيطرة وصارت طبعا مألوفا عند الذكور وسمة طبيعية لسلوكاتهم " ( ص 105).

2-لذلك لا يحيل الزوج المرأة /الرجل ( الذكر /الأنثى) على طرفين داخل معادلة تستمد وجودها من الترابط الوجودي بينهما، بل تستند إلى وجود ما يمكن أن يجمع بين أصل ثابت وكلي ومطلق في الوجود، وبين فرع لاحق وعرضي خلق في البداية لتلبية حاجات توجد خارجه. لذلك فالمذكر أصل والمؤنث فرع، وهو ما يعني تبعية المرأة للرجل في الواقع الفعلي، لا في القاعدة النحوية فحسب، "فتذكير المؤنث واسع جدا لأنه رد فرع إلى أصل، لكن تأنيث المذكر أذهب في التناكر والإغراب"، كما يقول ابن جني في خصائصه، أما "إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث لأنه هو الأصل والمؤنث مزيد " ابن الأنباري ( انظر الفصل الذي خصصته للمؤنث 45 -58).

وقد فككت المؤلفة بدقة علمية كبيرة كل الآليات التي تحمي هذا التمييز وتعمل على تأبيده بما فيها حكاية الأصل التي تجعل حواء منبثقة من نفس آدم ( الضلع). ف"الزوج" لا يعني انبثاق أول عن ثان، لأن الانبثاق سيكون في هذه الحالة منافيا لمنطق التوالد ذاته، بل يحيل على تكون تزامني يجعل هذا دليلا على وجود ذاك، وهو أمر يمكن أن يدرج ضمن "التناقض التكويني" الذي لا يستقيم وجود طرف داخله دون وجود الطرف الآخر ( لا وجود لرجل بدون امرأة، ولا يمكن أن توجد المرأة بدون الرجل)، وهو ما يعني استبعاد "التناقض الإقصائي" الذي لا يستقيم وجود أحد طرفيه إلا بإقصاء الطرف الآخر ( الخير باعتباره نقيضا للشر).

والحال أن العديد من التأويلات، كما تلاحظ ذلك المؤلفة، ذهبت في اتجاه تأويل تكذبه وقائع الممارسة الفعلية، ومع ذلك تقبل به الذهنيات العتيقة التي ترى في الأنثى عنصرا لاحقا مشتقا من نفس أولى سابقة عليها في الوجود. واستندت في ذلك إلى وقائع عديدة منها ما يقوله مفسرو النص القرآني أنفسهم، فقد أكد العديد منهم عكس ما ذهبت إليه تأويلات غلاة التقليديين. ف"النفس" كما وردت في الآية القرآنية: "خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها" دالة على "عين الشيء أي مصدره"، والمصدر أصل مطلق يشمل الذكر والأنثى، فلا مجال إذن للحديث عن أسبقية آدم على حواء واعتبار النفس دالة عليه وحده ( ص41). وقد أوردت المؤلفة الكثير من التفسيرات التي تؤكد هذه الحقيقة ( الصفحات 41-42-43 ).

وبناء عليه، فالقاعدة التي يقوم عليها التفضيل قاعدة فاسدة في أساسها، ولا يمكن أن تقوم شاهدا على وجود مفاضلة بين الرجل والمرأة استنادا إلى ما ورد في قصة الخلق التي لا تشير أبدا إلى خرافة الضلع ومشتقاتها من أفعى وتغرير بآدم وإغرائه الخ، فلا ذكر لحواء أصلا في النص القرآني. وهذا ما يجعل "استعارية المؤنث لا تنبع من طبيعته الإنسانية ولا من حقيقته الأصلية ( ...) بل مما صورت عليه طبيعته وحقيقته في آن، صيرناه فرعا مشتقا/ضلعا ناقصة، تبعا لحكاية الخلق " ( ص 87).

لذلك فما يستوقف الكاتبة حقيقة ليس المبرر في ذاته، فكل إيديولوجيا تقوم، بشكل صريح أو ضمني، على التبرير، بل كون هذا التمييز لم يكن نابعا من ضرورة لغوية يقتضيها التقعيد ويتطلبها، فهو يمتد لكي يشمل كل التصورات التي يملكها المذكر عن المؤنث ( التعريفات التي تقدمها المؤلفة، وهي مأخوذة من كتب مخصصة للمذكر والمؤنث). فمن الواضح في تصورها أن ما يشتق من اللغات قد يكون بعضه من طبيعة اللغة ذاتها، وهذا أمر طبيعي، لكن بعضها الآخر يستمد وجوده من أحكام سابقة، هي في الأصل تعبير عن حالة حضارية يحتل داخلها الطرفان موقعين متميزين، أي وجود سلطة يمارسها الذكر على الأنثى وفق منطق الثقافة السائدة آنذاك. ويكفي أن نشير إلى قلة النساء اللائي اشتغلن بالنحو العربي إن لم نقل انعدامهن، لندرك أن القواعد والتسميات والصفات أيضا هي من صنع الرجال.  

 ولهذا السبب "ليس لسؤال المؤنث والمذكر أن يقف عند حدود اللغة ولا أن يتصل بمسائل الصرف والنحو وحسب، اللهم إلا إذا نظرنا إلى اللغة باعتبارها بنية مجردة جامدة ومحايدة، ثم ابتنينا على ذلك رؤيتنا إلى مبانيها الصرفية والنحوية ما يحيل السؤال إلى مبحث قواعدي محض" (ص15). وتقدم المؤلفة حالة كلمة " أم" دليلا مضادا على ما يقوله النحاة ويبررون به الفصل بين المؤنث والمذكر. "فالأم في لسان العرب مثلا هي أصل الشيء "فكل شيء أصله وعماده، وكل شيء انضمت إليه أشياء فهو أم لها، وأم القوم رئيسهم"(...) فكيف لهوية هذا الشيء، الأصل، العماد، الرئيس، الذي يحيل على الأم معنى وصفة ألا يحظى بما حظيت به هوية الأصل المذكر، الذكر "؟

( ص52 -53).

بل هناك ما هو أكثر من هذا، فصورة الواحد المطلق الذي عنه يفيض الكون، الله الذي هو مذكر بضرورة اللغة لا بضرورة الوجود، تُسقط على الرجل ويصبح المذكر صورة ثانية لأصل يستمد منه خصوصيته في الوجود وفي دوائر الفعل. فتذكير الله، أي منحه صفات المذكر، يجعل الرجل أقوى منزلة من المرأة استنادا إلى أحكام لا يقبلها العقل ولا يقبلها الله نفسه : "فالذي ليس كمثله شيء" لا يمكن أن يكون صورة للمذكر، لأن عدم تشابهه مع أي شيء في الوجود ينفي عنه الذكورة والأنوثة في الوقت ذاته.

وهكذا، واستنادا إلى الفصل الأصلي بين المذكر القوي والمؤنث الضعيف، نبني، في تصور المؤلفة، واقعا رمزيا من خلال اللغة وداخلها، ونضفي عليه صفات الواقع الفعلي. والحال أن ما يبنى داخل اللغة هو ما يتم تداوله، واستنادا إليه تتم الأحكام الخاصة بالمرأة وأفعالها، بل ويتم توقع ما يجب أن تقوم به وما لا يجب أن تفعله. والخلاصة أن المرأة لا تحيل على كائن، بل هي دالة على معرفة مبرمجة داخل التصنيف اللغوي وأحكامه، إن الافتراضية ليس مصدرها المقام الفعلي، بل هي الذاكرة المشتركة التي تحدد للمؤنث دوائر بعينها.

فالوضع الرمزي/الثقافي لا يكترث للحقائق الموضوعية، بل يستمد مضامينه مما توفره الرموز والعوالم المخيالية. وقد اتخذ هذا الأمر صفة "الطبيعية" عند المرأة نفسها، فقد بنيت حقائق الكون استنادا إلى نظرة ذكورية، فالرجل هو الذي أدخل العالم إلى اللغة وهو الذي صنفه وفق حاجاته ورغباته الصريحة منها والضمنية. ولم تقف هذه التصنيفات الثقافية عند حدود تعيين كائنات أو أشياء، بل امتدت إلى التمثلات الرمزية ومنها في المقام الأول تمثلات المحيط بأشيائه وصفاته، الألوان والأشكال والرقة والليونة ( الخطوط الأنثوية الرقيقة في مقابل الخطوط الواقفة الذكورية) والفاعل والمنفعل، والولوجي والاستيعابي ( الذكر والأنثى في كل شيء)، وهي كلها تصنيفات تضع المؤنث في أغلب الحالات في وضع التابع المنفعل.

لذلك تجد المرأة نفسها في حالة الإبداع محاطة بسلسلة لا متناهية من القيود، وفي مقدمتها إكراهات اللغة وما تشتمل عليه من تصنيفات مسبقة مخزنة على شكل أحكام وتقويمات قطعية، بل وصفات أيضا، فالفتنة التي هي "أشد من القتل" تعتبر صفة من صفات المرأة "الفاتنة" التي تفتن الناس وتصدهم عن أعمالهم وتشتت أسرهم. بل إنها، وقد أقصيت من فضاءات كثيرة، تجد نفسها عاجزة عن تصوير ما يعود إلى هذه الفضاءات التي تحولت إلى ملكية خاصة للرجل يصفها كما يشاء. "فمن باب الحيرة ... يدلف الجسد الأنثوي إلى مؤنث الكتابة الروائية ، جسدا استعاريا يلتحف بثوب العفة مرة وبرداء الفجور مرة، وفي المرتين لا يبدو جسدا حقيقيا حرا، بل اقرب إلى تمثيل كنائي لطهرانية مقنعة أو لرغبة حقيقية تحجب خلف المجاز خوفا من حقيقتها " ( ص 180).

والخلاصة أن اللغة لا تعين فحسب، إنها تسرب الأحكام من خلال التسمية ذاتها أيضا ( فاتنة للجميلة، والفتنة للجمال)، إنها تنزعنا من عالم "طبيعي" و"موضوعي" لتقذف بنا داخل عالم "ثقافي" نكتشف داخله أبعادا جديدة في الآخر وفي العالم المحيط بنا، كما يشير إلى ذلك إيكو. وعلى هذا الأساس، فإن كل "التمييزات" ( أو التصنيفات) اللغوية المرتبطة بهذه العوالم تكشف عن نظرة تصنيفية تمييزية: إنها في غالب الأحيان احتقارية من هذا الجانب (جانب المؤنث) وتمجيدية من الجانب الآخر (جانب المذكر).

وأدوات هذا التمييز متنوعة. إنها تتسرب عبر التسمية والتباينات التي تخفيها أولا، وتبدو من خلال خزان اللغة ومرجعها ثانيا، أي القاموس بمداخله وإيحاءاته وتداعياته. فالتعريف ذاته يشتمل على أولى التمييزات ( كما هو الحال في تعريف المذكر والمؤنث)، فكلمة "رجل" تدل في اللغة الفرنسية مثلا على "الإنسان" وعلى المذكر في الوقت نفسه، ولا تدل كلمة "امرأة" إلا على ما يحدد الجنس، وليس لها في العربية جمع من طبيعتها. ويضاف إلى التعريفات الأولى سلسلة من بالإيحاءات (كل القيم المضافة المشكلة للمعاني الثانية ) حيث لا تدل المرأة إلا على الضعف والوهن والجبن، ثم تتسرب بعد ذلك إلى الذاكرة سلسلة من التداعيات ( المرادفات والأضداد) حيث ترتبط كلمة امرأة بالشر والخديعة والتحايل والمكر وكل الصفات التي تعج بها القواميس ( انظر الفصل السادس " تقصير المؤنث إبداعا ونقدا" ).

وفي نهاية هذا العرض المختصر جدا الذي لا يغني عن قراءة الكتاب، بل يحفز عليها، نقدم ملاحظتين. فهناك أمران، نعتقد أنهما في حاجة إلى تدقيق :

-فالتمييز الذي تقيمه المؤلفة بين اللغة ونظامها قد لا يستقيم في التحليل العلمي، ومن الصعب القبول به. فاللغة كل تام ولا يمكن فصل قواعدها عن وحداتها، فنحن لا نعرف أين تنتهي اللغة الصافية ويبدأ النظام "الظالم". فالنظام جزء من التصور العام الذي تحتضنه اللغة، فاللغة تقطيع للمدرك الحسي وفق إواليات خاصة، هي في نهاية الأمر جزء من تصور للعالم. والأمر لا يتعلق بقضايا المثنى والمذكر والمؤنث فقط، وهي قضايا توقفت عندها المؤلفة طويلا وقدمت في شأنها تأويلات بالغة الأهمية، بل يشمل مجمل التمثيلات بما فيها اللون والقياس والأحجام والتسميات ذاتها ( ما مقابل صعلوك في الفرنسية التي تجهل كل السياقات التي أنتج ضمنها لفظ "صعلوك"؟). " فالعلامة ليست غطاء تمنحه الصدفة للفكر، بل هي عضوه الأساسي والضروري، فهي لا تستعمل من أجل إبلاغ مضمون فكري منته، إنها الأداة التي يتخذ من خلالها الفكر شكلا " كما يقول كاسيرير. فليست هناك في اعتقادي لغة صافية وطاهرة يأتي بعد ذلك النظام ليلوثها، فنظام الفكر من نظام اللغة ذاتها. والذي سمى هو الذي صنف وعزل وقعد أيضا. فاللغة لا تختصر في قواعدها، فهناك مفاصل أخرى لها علاقة بما يمكن أن نسميه لاوعي اللغة، ومصدر هذا اللاوعي هو الاستعمالات الإنسانية للغة وفق شروط الوجود ذاتها، أو وفق ما تسمح به المعرفة الإنسانية. ولا يبدو أن هذا الأمر غاب عن المؤلفة، فربما دفعها حبها للغة العربية، وخوفها من أن تتهم بمعاداتها ، إلى القيام بهذا التمييز الذي لا يقلل أبدا من قيمة التحليلات التي قدمتها.

-الأمر الثاني يخص الإجحاف الذي لحق المؤنث من حيث وصفه بالتبعية والطابع العرضي. فلا أعتقد أن الأمر يتعلق ب"مؤامرة" واعية حاكها أناس يعملون في السر ضد المرأة التي كانت تحتاج إلى أكثر مما يمكن أن يبيحه المتاح المعرفي الإنساني لتلك المرحلة. فنحن نتبنى كلية كل التحليلات التي قدمتها الأستاذة مقدم، ونعتبر تأويل الفصل بين المذكر والمؤنث تأويلا بالغ الأهمية، وهي حالة لم تعد مقبولة وتعبيراتها مرفوضة على مستوى اللغة والواقع. فذاكرة اللغة قادرة على  إقصاء الضار من التداول وتثمين المفيد، فأن تكون الغلبة للمذكر في الفرنسية مثلا، لم يمنع المرأة الفرنسية من استعادة الكثير من حقوقها لا بسلطة الدولة، كما يتم ذلك في بعض البلدان التي بدأت تفرض كوطات قادت في أحيان كثيرة إلى انتخاب أصوليات تعملن ضد مصالح المرأة ذاتها، بل بمنطق التطور الحضاري الذي جعل المرأة كيانا مستقلا بالمعنى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

فالحكم على هذه التقعيدات يجب أن يستند إلى نظرة تاريخانية تعتمد المتاح الحضاري أساسا للحكم على الظواهر، فلم يكن من الممكن أن تعرف البشرية هذه المساواة التي ننادي بها الآن في ظل شروط اجتماعية تجهل كل شيء عن المساواة والتحرر واستعادة الجسد. فالنحوي لم "يتآمر" على المرأة، بل عبر عن وعي، نعتقد اليوم أنه وعي خاطئ ومجحف، ولكنه لم يقم بذلك ضدا على حقائق الواقع. دليلنا في ذلك أن أغلب اللغات الإنسانية احتوت، بهذا القدر أو ذاك، على نصيب من احتقار المرأة وازدرائها. إن الأمر لا يتعلق بإلغاء القواعد، بل يستدعي الوعي بتبعاتها الاجتماعية والسياسية.

 

ومع ذلك، يمكن القول إن يسرى مقدم من خلال كتابها هذا فتحت سبيلا جديدا في البحث ستكون له نتائج بالغة الأهمية. وهو لا يقل أهمية عن كتاب آخر صدر منذ سنوات خلت في فرنسا يحمل عنوانا شبيها بهذا هو " الكلمات والنساء" لمارينا ياغلو، وهي باحثة فرنسية لها باع طويل في ميدان اللسانيات، تناولت فيه هي الأخرى مبررات اضطهاد المرأة كما تكشف عن ذلك اللغة الفرنسية ( لم يترجم إلى العربية مع كامل الأسف).

-------

 

1-يسرى مقدم : الحريم اللغوي ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، لبنان ،2010

عن الموقع الشخصي للكاتب

Partager cet article
Repost0
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 14:49

 



عناية جابر
 
مع اهتماماتها الناشطة في مجال حقوق المرأة، وخوضها العمل التلفزيوني في شقه الإعلامي الثقافي، إلى كتابة عدة سيناريوهات لأفلام تلفزيونية ووثائقية، تتقدّم الكاتبة السورية سمر يزبك الى صدارة المشهد الروائي العربي بدأب جدّي ومسؤول، لا يكف يطرح أسئلة ويعمل من خلال الكتابة على محاولات الإجابة عنها. ليزبك في الرواية: طفلة السماء، صلصال، رائحة القرفة، وجديدها الصادر حديثاً عن «دار الآداب» «مرايا لها»، موضوع حديثنا هنا، كما نذكر أن ليزبك مجموعتين قصصيتين: باقة خريف، ومفردات امرأة، الى كتابين نثريين. ليلى الصاوي، البطلة الرئيسية في روايتك «مرايا لها» بطلة مكسورة كحالنا العربية، هل توافقين؟
لم أعد أميل الى هذه التسميات: بطلة مكسورة كحالنا العربية! ليس لأن ذلك مناف للواقع، بل لأسباب فنية لها علاقة ببنية السرد الروائي، وبرؤيتي للشخصية ضمن أفق السرد. الشخصية أكبر من الكلام عن الواقع العربي بمعنى تسميته المباشرة. ليلى كائن من لحم ودم وليست فقط كائنا لغويا. هكذا هو الأدب عموماً، ووجودها لا يعبر عن قضية كبرى مباشرة، كما يحلو للبعض أن يسمي بؤس حالنا وظلامها. أقول من لحم ودم، لأنها لا تريد الادعاء بأكثر من ذلك، ولأنها في الوقت نفسه أكبر من الكلام الممجوج عن القضايا والشعارات التي أودت بنا إلى هذا الواقع.
ليلى الصاوي ليست شخصية مكسورة، إنها مثل الشخصيات التراجيدية في الواقع وفي الأدب، تمشي إلى نهايتها وتراها بعين مختلفة عن الرؤية العادية التي اعتادها البشر، فهي تعيش في الزمن، وتلاحقها عدة حيوات وتثقل عليها، وتقرر واقعها، وهي لا تفعل ذلك برغبة لا إرادية. تفعل ذلك برغبة الانتماء إلى مكان يشبهها. تنتمي إلى الحس المرهف والحاد في العيش، وهو ما يمنحها بريقها وسعادتها، وتعاستها وموتها المحتم أيضاً. فهل ماتت؟ لا نعرف.
لماذا مثلاً عاش الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا كل هذه الأقنعة؟ لماذا اختبأ وراء أسماء مختلفة وعاش عدة هويات؟ سؤال يبدو الجواب عليه غبياً، وذكياً في الوقت نفسه، لمَ ولمَ؟... أسئلة كثيرة تقود للحديث عن حيوات ليلى الصاوي، الممثلة التي أرادت العيش في واقع هو أقرب إلى فكرتها عن العيش؛ الأقنعة، المسرح، الكاميرا، تعدد الوجوه. لم تكن ممثلة عبثاً، ولم تقع في حب ضابط المخابرات الكبير عن عبث. المصادفات في الواقع لها تراتبية وقوعها أيضاً، والحب ليس مشروطا بمنظومة أخلاقية. الحب فوق الخير والشرط الأخلاقي. لقد عاشت في الزمن والتيه الذي عانت منه طائفتها، لكنها وفي كل حيواتها كانت تبحث عن سؤال، فتجد نفسها بين القاتل والمقتول. في منطقة وسط بينهما لديها سؤال الهوية، وسؤال الوجود، ورغبة التبدد عبر العيش بكثافة، هي سليلة تاريخ من الدماء والظلم والشتات، وابنة حاضر مستبد ومخيف وقاس، وهي بينهما تبحث عن رهافة العيش! بين الأخ السجين وضابط المخابرات، كيف ستنتهي حياتها؟
الأجوبة في عالم الأدب بلا جدوى. الأدب يخلق أسئلة ولست موافقة أنه يعطي أجوبة، أجدها فكرة بليدة أن نعطيه هذا الدور. لذلك لا علاقة لإسقاط شخصية ليلى على واقعنا العربي. إنها فرد من هذا الواقع لها خصوصيتها، ولها تأملاتها وانكسارتها، إنها حيواتها الماضية وحياتها الواقعية، المكان الذي لا بد أن ينتهي رغم تعدد وجوهه في الهباء واللاشيء.
العلويون
تخوضين في تاريخ وحقيقة الطائفة العلوية في روايتك، ما الذي وصلت اليه في معالجتك التي حافظت على طابعها الفني السردي من دون الوقوع في التنظير؟
فكرة الحديث عن العلويين، كطائفة مجهولة التاريخ والحاضر والهوية، ما يعرف عن العلويين أفكار مغلوطة، ارتبطت منذ حوالى نصف قرن بالسلطة والعسكر لا أكثر ولا أقل، تحديداً في سوريا، هناك جهل حقيقي بتاريخ هذه الطائفة، وأنا على الرغم من أني ضد فكرة الهويات والانتماءات المحدودة والعصبيات، ولا أقول إني مسلمة أو مسيحية، ولا علوية أو سنية، وتهزني بعمق تلك التعريفات اللاإنسانية، فقد وجدت نفسي أبحث عن المكان الذي جئت منه إلى هذه الحياة، ومنذ سنوات وأنا أحاول اكتشاف حقيقته، لا أخفي عليك شعرت بظلم ورعب حقيقيين، عندما اكتشفت الفرق والبون الشاسع بين حقيقة ما مرت به هذه الطائفة، وحقيقة ما آلت اليه، ومما تعرضت له من تخريب أبعدها عن المكان الحقيقي الذي جاءت منه، بعد أن كانت إحدى الفرق السياسية المعارضة، والتاريخ الرسمي الذي حول اختلافها ومعارضتها من سياسية الى دينية، تجب اعادة قراءته لعدة أسباب، لعل أهمها دراسة الظلم البشع الذي حوّل هذه الطائفة عن ماهيتها الحقيقية، لأن استغلال خوف العلويين كان الورقة الرابحة التي لعب بها العسكر، طبعا ليس كلهم بدليل أنك لو زرت الساحل السوري، ستجدين أن أغلبه من فقراء العلويين، وفي الوقت نفسه تجدين أن أكثر رجالاته غنى وثراء هم قلة قليلة جدا منهم.
لم أجد في التاريخ المكتوب ما يشير إلى المذابح التي تعرض لها العلويون، ولا الإشارة إلى الإبادات الجماعية التي دفعت بهم إلى التيه في الأرض. كما حدث مع الأرمن على سبيل المثال. أعطيك مثالاً فقط، لأن أمثلة كثيرة في حاجة إلى بحث وتدقيق وتمحيص في التاريخ، عندما عدت إلى أدبيات العلويين ووجدت أهمية ما كتب إخوان الصفا، وأشعار المكزون السنجاري والخصيبي والشيرازي والفارابي، هذا الكم الهائل من المعرفة أين يختبئ الآن؟ أين ذهبت أمثولة الإمام علي بن أبي طالب في العلاقة مع السلطة؟ قصصهم وشتاتهم، انقسامهم وضياع وثائقهم في التاريخ، أين اختفت؟ بحثت في حياة أبي الطيب المتنبي وأشعاره وانتمائه إلى العلويين وعمله السياسي معهم، «هي إحدى الروايات المهمة عنه والمختلف عليها»، ومن ثم قصة اغتياله، أو قتله، وجدتني مفتونة بتاريخ بعيد، أقرب مني إليّ، والآن هو أبعد عني من السماء السابعة!
عيون كثيرة
كيف لعبت بالزمن وخرجت بهذا الشكل الفني؟
لم تخرج روايتي بشكل عفوي. كتبتها عدة مرات، كانت مثل ضفيرة بين يدي، من هنا وهناك، كنت في حاجة، وضمن شرط صعب بالوفاء لفكرة النزاهة، إلى دحر الإحساس بالغبن عن المكان الذي أتيت منه. في حاجة إلى تفكيك بنية سلطة جبارة قائمة على الخوف... لا أعرف إن كان هذا سببا كافياً لأعيش مع نص سردي هذه المتعة. المتعة التي لم أجدها في أي من نصوصي السابقة. لم أفكر في أن كان ما سأكتبه سيغضب البعض أم سيفرحهم، حاولت أن أكون عادلة مع القاتل والمقتول، الكراهية أيضا وجهة نظر في الحياة، مثل الحب تحتاج إلى رحابة وحوار وأسئلة وحقائق. اكتشفت بعد انتهاء هذه الرواية قدرتي على الرؤية، وأنا أحمل عيوناً في وجهي، وعيوناً في قلبي وظهري ورقبتي، وحتى عيوناً في أطراف أصابعي. عيون كثيرة مثل شخصيات أسطورية تمشي في العدم. ربما لذلك كان الشكل الفني الذي خرجت به الرواية يشبه هذه التعددية والرؤى.. في النهاية أنا لا أعرف. الجواب ليس واضحاً عندي، ولا أريد البحث فيه، ولست مطالبة بالوضوح في الكتابة، أو الإخبار عن مطبخ الكتابة، فكرة الزمن والأقنعة والحيوات المتعددة منحتني حرية في الأرجحة داخل النص، وهذا بحد ذاته أغواني.
تملكين براعة لافتة في توصيف أحوال العشق عند شخصياتك الروائية؟
هل هذا إطراء؟ أشكرك عليه. ولكن العشق كان التيمة الأساسية التي لازمت الشخصيات عبر الزمن في الرواية. أجد طريفا منك أن تسميه: عشقاً، وليس حباً أو غراماً، أو هوى.. هو تماماً كما يليق به: العشق.
فعلاً ، ثمة مناطق شعرية بامتياز في روايتك؟
أنت شاعرة وربما أكثر دراية مني بأحوال الشعر، لكنك تسألين في ما لا أجد جوابه. هذا أسلوبي. هل كانت هناك مناطق شعرية؟ سألتني منذ قليل عن وصف أحوال العشق، وتقولين الآن مناطق شعرية؟ ما هو تعريف الشعر والرواية؟ وهل الشعر مفردات.. صور. غناء نثري.. نثر غنائي؟ أريد تقويض تلك التعريفات المباشرة للنص الأدبي. لا أحبذ هذه التسميات، لكني أعرف طريقي في الغابة، رغم أني أجهل دروبها. أعرف أن لغتي كانت مقتصدة وواضحة، وشعريتها، إن جاز لي استعارتها منك، تكمن في الصور، وفي سياق المفردات. أنا أعمل على ذلك ولا أترك النص عفويا، هي إحدى متعي في الكتابة. اللعب في السياق وصناعة الصور.. هل نسمي ذلك تجريباً؟ ربما، كل شيء مفتوح على أسئلة وعلى أجوبة أيضاً.

 

حاورتها: عناية جابر

كتبها : المثقفون العرب مجلة الفكرالعربي
Partager cet article
Repost0
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 14:05

إن مصطلح الايروتيكية (Eroticism ) من المصطلحات الحديثة التي دخلت ثقافتنا المعاصرة، لذلك فقد اعتراه الكثير من سوء الفهم، أو عدم الوعي للمفهوم الحقيقي للمصطلح، ، ظهرت الايروتيكية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مع تصاعد حركات التحرر النسوية في الدول الغربية، وقد أطلقت عدة تسميات على هذا النوع من الكتابة انطلاقا من مواقف مساندة وأخرى معارضة كأدب المواخير..وغيرها. بيد إن الإشكال الحقيقي الذي يواجهه هذا النوع من الكتابة هو الخيط الرفيع الذي يفصله عن ما يعرف بالكتابة الإباحية (pornography )، التي تقوض النص من اجل النسق الذي يظهر الجسد كوجود سالب، مفرغ من علاماته وارتباطاته بفضائه أو الفضاء المجاور له، وقد وقفت الحركة النسوية الغربية موقفا معارضا من شكل الكتابة هذا، لأنه يظهر المرأة كوجود مستلب من قبل الهيمنة الذكورية التي تؤسلب مفردات جسدها وتحصرها بالرغبة الذكورية الشبقية، وإن كانت الكتابة الايروتيكية تختص بالكتابة عن الجنس، إلا إنها تسعى إلى رفض النظرة الدونية الجنسية التي كانت تشيعها الثقافة الذكورية الرسمية، أو البطريركية الذكورية، لذلك كانت سلاح بيد المرأة لمحاربة التسلط النصوصي ألذكوري، وإعادة الاعتبار لها كمشارك في الرغبة الجنسية واللذة والفعل الذي يؤسس الخطاب الأيروتيكي. وهذا لا يعني بأن هذه الكتابة مختصة بجنس النساء فقط، وإنما هناك أيضا ذكور يمارسون الكتابة الايروتيكية، بيد إن اهتمامنا هنا سينصب على قدرة المرأة على تمثل جسدها، واكتشاف نصوصيته، والتي طمست تحت أحجبة نصوصية متزمتة، ومدى فشل الكتابة النسوية العربية على تبني هذا المفهوم الكتابي بصورته الحقيقية.
تعرف الكتابة الايروتيكية بأنها كتابة جسد، وذلك لان الحركات النسوية استخدمت الجسد كسلاح لمحاربة كل أنواع السلطة أو التسلط الذي مورس ضدها، أو بتعبير (فوكو) إن “الجسد هو أول موضوع تمارس عليه السلطة فعلها، والحقيقة إن السلطة تخلق الفرد ابتداء من جسده”، لذلك كانت توجهاتها منصبة على فضح وتعرية سلطة النسق (التابو) وسجنه، الذي حكم على الجسد طويلا بالإلغاء والتكفير، مما حرض المرأة على أن تتجه إلى اكتشاف جسدها وكسر القيود التي تكبله، وإعادة تمثله نصوصيا، إذ إن السلطة التي مورست تجاه الجسد هي نفسها التي مورست تجاه النص، وهي نتيجة خطأ نسقي تبنته ودافعت عنه منظومة سردية تاريخية، خاضعة للتركيبة المؤسساتية للثقافة الذكورية المهيمنة، دون النظر إلى الخلل البنيوي الذي يعتري تلك الثقافة، وهي ثقافة منحازة تمارس تعسفا ايدولوجيا، قائما على مايسميه الرويلي واليازعي في كتابهما (الجبرية البايلوجية).
لمعرفة كيف يصبح النص ايروتيكيا يجب أن نعرف أولا العلاقة بين الجسد والنص، والعلاقة الدقيقة التي تجمعهما، إذ إن الجسد كواجهة نصوصية يعكس مجموعة من العلامات والدوال، وهو ” شبيه بالوحدات المعجمية لايملك معنى، انه يعيش على وقع الاستعمالات” حسب تعبير سعيد بنكراد، ومن خلال هذه الاستعمالات ينتج نصه، ويمر من خلال فعل القراءة الذي يحررها من المخيال السردي الذي يربطها بشكل تعسفي بالإباحية، المقيدة بالقراءة الأحادية النسقية، عكس الايروتيكية التي تخرج إلى فضاء متحرر يعيد إنتاج دلالاتها، ويربطها بجذرها الكوني وتجلياته، من خلال فعل الرغبة المنعكسة على النص والجسد الذي هو “الوجود الرمزي للرغبة” حسب تعبير بنكراد.
إن الكتابة النسوية العربية والعراقية ورغم الكثير مما كتب، من قبل كاتبات ينتمين إلى مجتمعات ذكورية متشددة كما في السعودية كرجاء الصانع وغيرها، أو التجارب القليلة للكاتبات العراقيات وفي مقدمتهن الروائية عالية ممدوح في رواياتها ( التشهي ، الغلامة…وغيرها). إلا أن مجمل هذه الكتابات لم تستطع أن تكسر الحاجز ألنسقي، الذي سجنت ورائه المرأة وجسدها لقرون عدة، إذ إنها تمثلت موقف المعارض المناقض لأطروحات الأخر الذكورية من دون تفعيل النص الجسدي، وبناء علاماته لتكون واجهة أشارية لمركزية الجسد، وفاعليته النصوصية في توليد الدلالات وبناء فضاء موازي يظهر الهوية الجسدية، ويربطه بصيرورة بناء الشخصية النسوية، إذ إن بعض الكتابات انجرفت إلى طوباوية الجسد، الذي يخرجها من سياقها التاريخي والحضاري..بسبب التمثل الأعمى للأطروحات الغربية لحركات التحرر النسوية، وعدم الاستفادة منها في قراءة الحركية التاريخية، ومبدأ المساواة، كصيرورة تاريخية حتمية، لان المجتمعات النسوية العربية لازالت تعاني من الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تقطع الطريق أمام أي تطور تاريخي سليم لتلك المجتمعات التي بنيت تاريخيا وثقافيا وحضاريا على نسقية ذكورية، مستمدة لسلطتها من نصوص و مخيال وأيدلوجيا..إن الدعوة ألان إلى الكتاب العراقيين لتفكيك المنظومة الثقافية والسردية، واكتشاف نصوصية الجسد ومرتكزاته العلامية والاشارية وربطها بالسياق الثقافي العام، دون ممارسة أي سلطة قمع أو إلغاء، وكشف المسكوت عنه في الخطاب ألذكوري السائد، ومحاولة مراجعة أهم مرتكزاته وتحليلها، وإعادة الاعتبار للجسد الأنثوي الذي حجر وقمع تحت عدة مسميات وخطابات وانساق، لرفع شأن المرأة في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإعادة تصورها كشريك حقيقي في صنع الحياة، لها ولجسدها كامل الحقوق والأهلية.

Partager cet article
Repost0
27 août 2010 5 27 /08 /août /2010 13:56

فرجينيا وولف والرسالة الأخيرة

 


خالد الغنامي


في 28 مارس 1941 وبعد أن أنهت روايتها الأخيرة "بين الأفعال" ارتدت "فرجينيا وولف" معطفها وملأت جيوبها بالحجارة ومشت في بطن نهر "أوز" القريب من منزلها ثم لم تخرج منه، بقيت جثتها في النهر أسابيع ثم دفنت بعد ذلك.
انتحار تلك المرأة الاستثنائية فرجينيا وولف وإغراق نفسها بتلك الطريقة المختلفة، كما حياتها كلها مختلفة، لم يكن هروباً من مواجهة الحياة، هناك أشياء كثيرة مزعجة في حياتها، لكنها لم تكن السبب، الحرب العالمية الثانية ما زالت مستعرة، بيتها في لندن دمر خلال الغارات الجوية الشهيرة للطيران النازي على بريطانيا والتي استمرت من 7 سبتمبر 1940 حتى 10 مايو 1941، كل هذا لم يكن سبباً كافياً، إنما كان انتحارها بسبب الحب الصادق العميق، فهذه الروائية العظيمة التي تعتبر بحق أحد رموز الحداثة الأدبية والتي انتقدت بحدة وقسوة الحقبة الفيكتورية بكل ما تمثله من أدب وفكر، كانت تعاني من حالات صرع واكتئاب أدت إلى كتابة تاريخ طويل لها مع محاولات الانتحار، لعل الحرب العالمية قد أعادت لها مرض الاكتئاب الذي عانت منه طويلاً ولم تعد قادرة على عيش التجربة من جديد، خصوصاً وأن زوجها، وهو أحد رجالات السياسة البريطانيين في ذلك الوقت، قد عانى معها معاناتها لحظة بلحظة ومحاولة انتحار بمحاولة إنقاذ، وصوتا يضج في الرأس بصوت يضج في رأسه هو، ليونارد وولف كان رجلاً عظيماً لن ترى النساء مثله، فقد كان الزوج الحنون الذي أنشأ داراً للنشر لمجرد إسعاد زوجته المبدعة، ولم يكن يستحق أن يعيش العذاب من جديد.
طالما أسرتني الرسالة الأخيرة التي كتبتها هذه الأديبة العبقرية معتذرة لزوجها ومعللة سبب فعلتها، قبل أن تغرق نفسها وتغادر الحياة عن قصد، ولطالما رغبت أن أترجمها وأنثرها بين أيديكم دونما تعليق آخر.:
"أشعر أنني متأكدة، أنني سأصاب بالجنون من جديد. أشعر أننا لا يمكن أن نعود لكي نعيش تلك الأوقات المرعبة، وأنني لن أشفى هذه المرة. لقد بدأت أسمع أصواتاً ولم أعد قادرة على التركيز. لذلك سوف أفعل ما يبدو أنه أفضل ما يمكن فعله. لقد أعطيتني أعظم قدر ممكن من السعادة. لقد كنت كل شيء يمكن أن يكونه إنسان، وبكل الطرق إلى ذلك. لا أعتقد أن اثنين من البشر يمكن أن يصلا إلى سعادة أكبر مما وصلنا إليه، حتى أتى هذا المرض المريع. لم أعد قادرة على المقاومة أكثر. أنا أعلم أنني أدمر حياتك، وأنك من دوني ستستطيع أن تعمل. كما ترى، أنا لا أستطيع حتى أن أكتب هذا، بالصورة الصحيحة. لا أستطيع حتى أن أقرأ. ما أريد أن أقوله هو أنني مدينة لك بكل السعادة التي عشتها في حياتي. لقد كنت صبورا معي لدرجة الكمال وكنت طيباً بصورة لا تصدق. ما أود أن أقوله، يعرفه الجميع، وهو أنه لو كان بإمكان أحد أن ينقذ حياتي، لكان أنت. لقد فقدت كل شيء، سوى ثقتي بطيبتك. أنا لم أعد قادرة على تدمير حياتك أكثر من هذا. أنا لا أعتقد أن اثنين من البشر يمكنهما أن يكونا أكثر سعادة مما كنا".. (فرجينيا
).


مرسلة بواسطة المثقفون العرب مجلة الفكرالعربي    

 

Partager cet article
Repost0
14 juin 2010 1 14 /06 /juin /2010 01:03

ين الأنثى قادرة على إعادة تشكيل العالم بالسرد

 

الناقد د. عبدالله إبراهيم.. وآراء جديدة في السرد النسوي العربي
أجرى الحوار: إياد الدليمي

لافت هو في يومياته، لا تعدو أن تكون غوصا في عالم السرد العربي، العالم الذي اختاره بعيدا عن ضوضاء النقد غير المقيد بمشروع، فكان السرد العربي هو عبدالله إبراهيم، وعبدالله إبراهيم هو السرد العربي.
الناقد الدكتور عبدالله إبراهيم اتخذ من السرد العربي مشروعا ثقافيا له، فكان أن رفد المكتبة العربية بواحدة من أهم الدراسات النقدية وهي “موسوعة السرد العربي” التي أخذت منه 20 سنة من الجهد. وسوف تبقى المرجع المعتمد الأوفى في دراسة السردي العربي.
فتح عبدالله إبراهيم خزائن أفكاره وتحدث بصوت عال، ولكنه هادئ كالعادة، فخص السرد النسوي بأفكاره، فراح يحلل ويؤول، ويفسر ويعلل، آملا في الوصول إلى كشف سر الكتابة السردية عند حواء العربية، فما زال سردها يسعى لتخطي حواجز الذكورة التي ركنته جانبا.

لك رأي نقدي في السرد النسوي العربي وعلاقته بالسرد الغربي حول المرأة. فأين تضع هذه الظاهرة الجديدة من الناحية الفنية والوظيفية في سياق السرد العربي الحديث؟
- هذه قضية حديثة، ويلزم البحث فيها كشف الحاضنة الثقافية التي منحت السرد النسوي دلالة محددة في الأدب العربي الحديث، فقد صيغت هويته السردية، ممثلة بالنوع الروائي، استنادا إلى حضور أحد المكونات الثلاثة الآتية أو اندماجها معا فيه، وهي: نقد الثقافة الأبوية الذكورية، واقتراح رؤية أنثوية للعالم، ثم الاحتفاء بالجسد الأنثوي، فتشابكت تلك المكونات من أجل بلورة مفهوم الرواية النسوية بما صارت تعرف بها. وفيما يخص نوع الكتابة، ينبغي التفريق بين كتابة النساء والكتابة النسوية، فالأولى تتم بمنأى عن فرضية الرؤية الأنثوية للعالم وللذات إلا بما يتسرب منها دون قصد، وقد تماثل كتابة الرجال في الموضوعات والقضايا العامة، أما الثانية فتقصد التعبير عن حال المرأة استنادا إلى تلك الرؤية في معاينتها للذات وللعالم، ثم نقد الثقافة الأبوية السائدة، وأخيرا اعتبار جسد المرأة مكونا جوهريا في الكتابة، بحيث يتم كل ذلك في إطار الفكر النسوي، ويستفيد من فرضياته، وتصوراته، ومقولاته، ويسعى إلى بلورة مفاهيم أنثوية من خلال السرد، وتفكيك النظام الأبوي بفضح عجزه.

هل ترى في هذه المقومات أساسا في تمييز السرد النسوي عن سواه من السرد الأدبية؟
- نعم، فقد شهد السرد العربي الحديث صعودا لافتا للرواية النسوية. ولم يحصل ذلك في معزل عن المكانة المتنامية للمرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية، إنما جاء استجابة للوعي الأنثوي الذي عرف طوال التاريخ استبعادا لا يمكن تجاهله، وتمييزا ضده يصعب إغفاله، فالآداب العربية القديمة، شعرية وسردية، كانت تموج بصور المرأة-الجارية، التي اقتصر دورها على تقديم المتعة للرجل، فهي موضوع للذّته. وندر أن يجري الاهتمام بها خارج هذه الوظيفة النمطية الموروثة، وقد تغلغلت الرؤية الأبوية الذكورية في مادة الأدب العربي، وصاغت دلالاته الكبرى، وفيه ظهرت علاقة المرأة بالرجل علاقة تابع بمتبوع، وكل ذلك عطل ظهور وعي أنثوي يمكن الثقافة من أن تستقر على أسس متوازنة ومتفاعلة.

ما العمل إذن؟
- لا يستقيم الأمر إلا بتخطي هيمنة الرؤية الذكورية للعالم، وقبول الرؤية الأنثوية بوصفها رؤية مشاركة وليست تابعة. وإذا كانت التحيزات النسوية المفرطة لصالح الأنوثة قد انحسرت تقريبا، إذ كانت في معظمها ردود انفعالية على استبداد الثقافة الأبوية، فمن المنتظر أن تأخذ تجربة السرد النسوي العربي في حسابها مخاطر الاندفاعات المتطرفة التي شهدتها الآداب الأخرى منذ منتصف القرن العشرين، وحاولت نقض الأدب الذكوري إلى درجة المحاكاة الضدية، أو الانكفاء المغلق على الأنوثة بوصفها ميزة خاصة بجسد المرأة بحثا عن توازن مفقود يواجه به الأدب النسوي ما كرسته الثقافة الذكورية. ولعل انتباه الرجال إلى القيمة الإنسانية المتنامية لدور المرأة وتخفف السرد النسوي من نزعات الغلو سينتهي بالجميع إلى مزج الرؤى وتنوع المنظورات، بما يتيح للرؤى الأنثوية أن تسهم في ظهور تمثيلات سردية فيها ثراء خصب من التنوع الإنساني الشامل.

هل هذه التمثيلات السردية معزولة عن مرجعياتها الاجتماعية والثقافية؟
- ينبغي التأكيد على قضية مهمة في هذا المجال، فمع إقرارنا بأن التمثيلات السردية للعالم هي نتاج وعي الأفراد، نساء ورجالا، بأحوال العالم، ووجودهم فيه، فلا بد من الإشارة إلى أن تلك الرؤى الفردية ليست منقطعة عن خلفياتها الاجتماعية والثقافية التي تتسرب إلى تضاعيفها، وتتفاعل فيما بينها، لتضمر في داخلها كثيرا من التجارب العامة والخاصة، فالرؤى التي تصوغ العوالم السردية التخيلية لا تنفصل عن مرجعياتها انفصالا تاما، ولكنها في الوقت نفسه لا تعبر عنها تعبيرا مباشرا، فالعلاقة بين الرؤى السردية وخلفياتها الاجتماعية والتاريخية والثقافية علاقة مركبة ومتعددة المستويات ومتداخلة، ويتعذر وضع قانون لضبطها وتفسيرها، وكشف أواصرها، ولكنها علاقة قائمة لا سبيل إلى إنكارها أو تجاهلها.

هل ترى أن عين الأنثى قادرة على إعادة تشكيل العالم بالسرد؟
- أجل، فقد ركبت الرؤية الأنثوية في السرد عالما تتعرض فيه الأبوية إلى التأزم الذي يفضي إلى الارتباك، ثم الانهيار، لكنها لم تقترح بدائل، فظل موقع الأنثى يراوح بين رغبة في الهروب من سلطة الأب بوصفه كابحا لرغباتها الجسدية، وبين مقاومتها، وبين الاستجابة لها إثر بدائل لا تفضي إلى نتيجة تحقق التوازن في حياة المرأة. ومع ذلك فقد رسمت تلك الكتابة بوادر تفكك ذلك العالم، وصرحت بضرورة خلخلة القيم التقليدية الداعمة له.

أين المرأة من كل ذلك؟
- عالج السرد النسوي موضوع هوية المرأة في عالم يتحول ببطء فيكون عدائيا لا يريد الإقرار بذلك، فبانت ملامح التوتر في علاقة المرأة بنفسها وبعالمها، فأصبحت تعيش منفصلة نفسيا وذهنيا عن عالمها، إذ لم تجد في الرجال كفاءة إنسانية تقدر المشاعر الغزيرة التي تتدفق منها، فتعثر عليهم، في بعض الأحيان، في المجتمع الغربي الذي تلوذ به من عالم تعذر عليه قبول أنوثتها وحريتها، فقد جرى تخريب الأعماق الداخلية للرجال في المجتمع الشرقي، وأصبحوا عاجزين عن تقدير قيمة الأنوثة بذاتها، وذهبت بعض النصوص إلى تحقيق ذلك من خلال إحداث قطيعة كلية مع الحاضنة الاجتماعية، وتخطي أسوار المعتقد الديني، إذ تريد المرأة شريكا مختلفا. وطرح السرد النسوي قضية العلاقات المختلطة بين شخصيات تنتمي إلى ثقافات وعقائد مختلفة لسبب خاص بعدم الاعتراف بهويتها الأنثوية، فتلجأ المرأة إلى الآخر هربا من ثقافة أو عقيدة حالت دون رغباتها، فقد استبدت الثقافة الأبوية بأحوال الناس، وقسمتهم إلى قسمين: ذكور قتلة، وإناث ضحايا. فقسوة المفاضلة الجنسية في الثقافة الشرقية لم توفر للمرأة شروط الحياة السوية.

هل كان السرد النسوي مرآة لذات المرأة وهويتها الأنثوية؟
- يمكن اعتبار السيرة النشوئية للمرأة هي المحور الذي دارت حوله كثير من الأعمال السردية النسوية، إذ تكتسب الأحدث أو تفقد قيمتها بمقدار صلتها بالمرأة وليس لأنها مهمة في العالم، وشخصية المرأة هي المانح أو الحاجب للأدوار الأخرى التي لا تظهر إلا من أجل استكمال جزء في شخصية المرأة أو انتزاعه. ويمكن تفسير ظاهرة الفردانية في السرد النسوي على أسس لها صلة بالثقافة الأبوية التي مسخت شخصية المرأة، فحاولت بالسرد أن تنتصف لحالة الاختزال والمحو، لكنه انتصاف أخذ أحيانا طابعا هوسيا في احتفائه بالذات الأنثوية. وحضرت البنية النرجسية في الكتابة النسوية، ووظيفتها حمل إيديولوجيا أنثوية طفت فوق الأحداث للتعبير عن موقف جاهز تجاه المجتمع، لكنها أعاقت حركة السرد، وأضرت بالمسار الذي اختطته الشخصيات لنفسها، فكانت تحيل إلى الكاتبات، وليس إلى الشخصيات الروائية. ومن المعلوم أن الثقافة الأبوية خلقت كائنات شوهاء تتمرغ في النرجسية، ذلك أن التمركز حول الذات مرحلة تتصل بحالة ما قبل نضوج الهوية، فيتوهم المرء بأنه محور العالم، ولا قيمة للأشياء إلا بمقدار علاقتها به، وهذا يفسر اهتمام السرد النسوي بموقع المرأة، فالرؤية السردية تصدر عن المرأة في تجاربها المريرة مع الرجال، وترتد إليها بعد ذلك في حركة لولبية، فيأتي الإشباع الجنسي أو حتى الإغواء الجسدي معادلا موضوعيا لهشاشة وجودية لم تأخذ نصيبها من الاهتمام والرعاية الاجتماعية. وإذا كان أغلب الروايات النسوية بدأ بمتابعة المرأة منذ طفولتها المبكرة، مرورا بشبابها، ثم نضجها، فاللافت هو أن الروايات تنتهي والنساء في ذروة حيويتهن، فكأن السرد النسوي لا يريد الاعتراف بشيخوخة المرأة، فتتوقف عند لحظة لم تزل فيها المرأة مركز جذب للرجال.

هل تقصد بذلك سحر الأنوثة؟
- نعم، فقد وجدت فكرة الشباب الخالد للمرأة صدى كبيرا لها في السرد النسوي، واعتبر ذلك امتيازا أنثويا ثابتا، وصفة مطلقة حازتها المرأة دون الرجل، فالكاتبات لا يحتملن فكرة شيخوخة النساء في روايتهن، ويمتلئ العالم المتخيل بصور ثابتة للأنثى، وتتوارى أفعالها، في نوع واضح من الاستعراض. ورغم الغياب الملحوظ للرجال عن ذلك العالم فقد ظهرت أدوارهم الفاعلة فيه، واقترنت فكرة الفاعلية والمفعولية بفكرة الذكورة والأنوثة، إذ اتصف الحضور الكثيف للمرأة في السرد بالمفعولية، بينما تميز غياب الرجل عنه بالفاعلية، فلم يؤثر الغياب في موقع الفاعل لا في السرد ولا في الثقافة الحاضنة له. ومن الظواهر التكرارية في السرد النسوي التركيز على العنف باعتباره أحد ركائز الثقافة الأبوية، منها القهر الجسدي المفرط للأنثى، أو الفعل الجنسي الذي لا يوفر متعة إنما يكاد يكون اغتصابا. وقد تسلل العنف إلى السرد من فكرة التنميط الجنسي القائمة على التمايز الثقافي بين الذكور والإناث، بما في ذلك توهم الفوارق العقلية، والحسية، والعاطفية، وكأن الذكورة في تعارض مطلق مع الأنوثة.

وهل امتثل السرد النسوي للثنائية الضدية بين الذكورة والأنوثة؟
- نعم جرى تمثيل هذا التعارض باعتباره طباعا ثابتة لا يجوز تغييرها، فاتصفت المرأة بالرقة، والليونة، واللطف، والحساسية المفرطة، وتميز الرجل بالقوة، والعنف، والصرامة، والعقلانية، فعرضت هذه الفوارق على شاشة سردية مرتبطة بالثقافة الأبوية. ظهرت المرأة سلبية لأنها راغبة في إشباع حاجاتها الجسدية، ما هدد التماسك الاجتماعي، أما الرجل فكرس همه وقوته وعقله للحفاظ على ذلك التماسك الذي هو مركزه. بدت الأنوثة إغراء بتخريب حال قائمة، فيما ظهرت الذكورة مانعة لكل انهيار. وما دام هذا التعارض ناظما للعلاقات السردية بين الشخصيات، فقد أبيحت ممارسة العنف من وجهة نظر الرجال، لكنه خرب معنى الأنوثة من وجهة نظر النساء. وأرجع السرد النسوي ممارسة العنف إلى النمطية الثقافية الجاهزة في التفريق بين البشر على أساس النوع، فقد أصبح نوع الأنثى موضوعا للعنف، والإعلاء من شأن قضية النوع أخمل الاهتمام بقضايا كثيرة أخرى لها صلة مباشرة بالنساء. فلم يقع الاهتمام بالفروق الطبقية، والعرقية، والدينية، وهو اهتمام داخل الفئة التي تنتمي إليها المرأة، وليس الفئة الراغبة فيها. وفضح السرد النسوي هشاشة المؤسسة الزوجية، واختزال المرأة فيها إلى كائن ثانوي وليس شريكا، فقد نهض قوام المؤسسة الزوجية على فكرة الجنس الوظيفي حيث يكون الإنجاب من مسؤولية المرأة، والاستمتاع من نصيب الرجل، وتتعارض هذه الأدوار مع فكرة الشراكة في المتعة، إذ يصعب على الثقافة الأبوية قبول الدور المزدوج للمرأة: الإنجاب والاستمتاع، فلا بد من امرأتين، واحدة للإنجاب تحافظ على ديمومة السلالة، وأخرى للاستمتاع الجسدي غير المشروط بمسؤوليات أسرية، ولهذا ينتمي الرجل إلى المؤسسة الزوجية، لكنه يجد متعته خارج إطارها، وانتقل مفعول هذه العدوى إلى المرأة حيث وجدت شحا عاطفيا من طرف الزوج، فراحت تبحث عن شريك في المتعة بعد أن حولتها المؤسسة الزوجية إلى مصدر لإنتاج للنسل، ولم توفر لها الاستمتاع بحياتها. وعلى خلفية هذه الظروف نشأت العلاقات الموازية في الآداب السردية، وفي المرجعيات التي تقوم بتمثيلها.

هل تخطى السرد النسوي العلاقات الزوجية؟
- رسم السرد النسوي صورة قاتمة للعلاقات الزوجية، فليس ثمة تفاعل بين الرجل والمرأة في بيت الزوجية الذي تحول إلى معتقل للاثنين، يتواجدون فيه مجبرين دون أن يتشاركوا في أي شيء، فالزوجات يتماثلن في أنهن مررن بأزمة كاملة في حياتهن داخل بيوت تصطفق فيها أبواب الكراهية والحقد بين الزوجين إلى درجة تمني الموت.

فهل اقترح السرد حلا لهذه المشكلة الاجتماعية؟
- ليس من مسؤولية السرد وضع حل للمشكلات، لكنه يقوم بتمثيلها في سياقاته، وفي أكثر من رواية عند هيفاء بيطار، وعفاف البطاينة، وباهية الطرابلسي، وبتول الخضيري، وعلوية صبح، أقامت النساء علاقات جنسية مع رجال آخرين، وأحيانا جرى ذلك بمعرفة أزواجهن الذي كانوا يغضون الطرف عن ذلك. ثم إن شعور المرأة بالانتقاص دفع بها إلى الغرب، فظهر الغربي في أفق انتظار المرأة العربية مخلصا، أو باعثا على فكرة الاستقلال، وفي بعض الأحيان سعت الشرقية إلى تلك العلاقة لمعرفة تجربة جسدية مغايرة. ويبدو الفضاء الغربي مغايرا للفضاء الشرقي، ولهذا تنجذب المرأة لرجال في فضاء مغاير ترتسم فيه صورة المرأة شريكة للرجل وليس محظية. ويلاحظ أنه في الفضاء الغربي لجأت بعض النساء إلى تعدد في علاقات الرجال في وقت واحد، أو الارتباط برجل وهي مرتبطة بآخر. وتباينت النتائج المترتبة على كل ذلك، فبعض النساء عبرن الحواجز الثقافية، واكتسبن هوية جديدة، واسما جديدا، وبعضهن بقين عالقات في المنطقة المحايدة بين الثقافات، وأخريات أخفقن في تطلعاتهن، وقفلن راجعات إلى نقطة الصفر.

وأين الخصوصيات الأنثوية في السرد النسوي؟
- عني السرد النسوي بحال بلوغ الأنثى، وبالعذرية، واختلفت المواقف تجاه هذه القضية. صحيح أن لحظة البلوغ تؤهل المرأة للانخراط الكامل في حالة الأنوثة، فالبلوغ هو الحد الفاصل بين هشاشة الطفولة وإغراء النضوج، فإثر البلوغ تصبح المرأة أنثى قادرة على تلبية حاجات الرجل، ويتبع ذلك تغيير حاسم في نظرة الرجل إليها، ونظرتها إلى نفسها، فجأة تجد المرأة نفسها وقد أصبحت محط إعجاب الرجل وانجذابه. وغالبا ما تقترن هذه القضية باكتشاف العذرية وتقدير أهميتها. وتعد البكارة بالنسبة للرجال علامة نقاء ينبغي الحفاظ عليها لدى الأقارب، وعلامة حصانة ينبغي افتراعها عند غيرهم. ولكن من المهم معرفة إحساس المرأة تجاه مفهوم العذرية، فبوجودها يستحيل وجود بلوغ أنثوي متصل بالمتعة، وقد ظهر أن بعض النساء كن يتعجلن التخلص من هذا الغشاء المانع، وبعضهن وجدنه هبة لا تمنح إلا لمن يوقع على امتلاك جسده صاحبته. وفي جميع الأحوال اعتبر فقدان العذرية درجة من التحرر من عبء الخوف، والانكفاء على النفس، ثم الانتقال إلى مرحلة الانخراط في متع العلاقة مع الرجل.

كأن السرد النسوي يعيد تشكل هوية الأنثى في الثقافة العربية الحديثة؟
- هذا صحيح، فلو جمعت الخلاصات حول رؤية الأنثى وعلاقتها بالعالم السردي الذي أقامته الرواية النسوية العربية، لظهر أن هوية الأنثى قيد التشكل، فقد تمضي المرأة أحيانا في ممارسة دور إصلاحي متوهمة أنها سوف تتمكن من تغيير بنية المجتمع التقليدي بأداة خارجية، ولكنها غالبا تخوض تجارب كثيرة، فتواجه بعزوف الرجل عن تقدير ما تقوم به، فقوة النسق الثقافي في مجتمعها التقليدي جعلها تعيد تكرار تجارب أسلافها من النساء. وبين هذين الاختيارين تندرج الاختيارات الأخرى بين رفض معلن أو مضمر، ومنها رغبة بعض النساء في اختراق حواجز الأديان والطوائف.

في الغالب هناك مرجعيات ثقافية وتاريخية وفكرية يستند عليها السرد، فما تلك المرجعيات التي وجدتها في السرد النسوي؟
- المرجعية القابعة خلف التمثيلات السردية النسوية هي حال المرأة العربية، ومشكلاتها الاجتماعية والجسدية.

إلى أي حد أسهم السرد النسوي العربي في تغيير صورة المرأة بعالمنا العربي؟
- لم يسهم إلى الآن، ما زال السرد النسوي في خطواته الأولى، ولم يذهب إلى كشف الهوية الحقيقية للمرأة، إنما شغل بالمظاهر الخارجية، وقدم تمثيلا سرديا مختزلا عنها، ويحتاج تغيير الصورة السردية إلى تغيير في أوضاع المرأة نفسها، وهو أمر بدأ يتحقق بالتدريج.

هل يمكن القول إن هناك سردا نسويا عربيا له أصوله وقواعده ومحدداته وأهدافه؟
- ليس بعد.

أعرف أنك تكره إطلاق الأحكام على الأسماء، ولكني كصحافي أبحث عن ذلك، فمن الروائية العربية التي تقرأ لها؟
- قرأت وأقرأ لغادة السمان، وعلوية صبح، وهيفاء بيطار، ورجاء عالم، وأحلام مستغانمي، ولطفية الدليمي، وإلهام نصور، وحنان الشيخ، ورضوى عاشور، وغيرهن. وفي العموم فإن السرد النسوي أكثر حيوية وإثارة من السرد الرتيب الذي يكتبه الرجال، ولكن تنقصه المهارات والخبرات الكتابية.

* في سطور..

ناقد وأستاذ جامعي من العراق متخصص في الدراسات الثقافية والسردية، له 15 كتابا وأكثر من 40 بحثا في كبريات المجلات العربية. شارك في عشرات المؤتمرات والندوات والملتقيات النقدية والفكرية.عمل أستاذا للدراسات الأدبية في الجامعات العراقية، والليبية، والقطرية، وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية (Cambridge History of Arabic Literature) .

من مؤلفاته:

1.المركزية الغربية، بيروت،المركز الثقافي العربي، 1997 وط2 ،2003
2.المركزية الإسلامية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2001
3.عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، المجمع الثقافي، أبو ظبي،2001، وط2المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007
4.الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، بيروت ، المركز الثقافي العربي، 1999، وط2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004
5.التلقي والسياقات الثقافية، بيروت، دار الكتاب الجديد،2000وط2 دار اليمامة،الرياض،2001 ، وط3 منشورات الاختلاف، الجزائر،2005
6.السردية العربية، بيروت، المركز الثقافي العربي،1992، وط2 ، 2000
7. السردية العربية الحديثة، بيروت، المركز الثقافي العربي،2003
8.المتخيّل السردي، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990
9.معرفة الآخر، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990،ط 2، 1996
10.التفكيك: الأصول والمقولات، الدار البيضاء،1990
11.تحليل النصوص الأدبية، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة ‏،1999
12. النثر العربي القديم، الدوحة، المجلس الوطني للثقافة، 2002
13. المطابقة والاختلاف، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات، 2005
14. الرواية العربية: الأبنية السردية والدلالية، كتاب الرياض، 2007
15. موسوعة السرد العربي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات، 2005، ط2، 2008

د. عبدالله ابراهيم
حوار العرب القطرية مع الدكتور عبدالله ابراهيم: عن السرد النسوي
  د 13
Partager cet article
Repost0

مجلة وطنية ثقافية شاملة ومحكمة

  • : مجلة دفاتر الاختلاف
  • : مجلة "دفاتر الاختلاف" دو رية مغربية ثقافية محكمة رخصة الصحافة رقم:07\2005 -الايداع القانوني:2005/0165 تصدر عن مركز الدراسات وتحمل الرقم الدولي المعياري/ p-2028-4659 e-2028-4667
  • Contact

بحث

الهيئة العلمية

أعضاء الهيئة العلمية والتحكيم

د.عبد المنعم حرفان، أستاذ التعليم العالي، تخصص اللسانيات، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس المغرب

د.عبد الكامل أوزال، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.أحمد دكار، أستاذ التعليم العالي مؤهل ، تخصص علم النفس وعلوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.محمد أبحير، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/المغرب

د.محمد الأزمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

د.ادريس عبد النور، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وعلوم التربية والدراسات الجندرية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس/المغرب

د. عبد الرحمن علمي إدريسي، أستاذ التعليم العالي، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/المغرب

محمد زيدان، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص اللغة العربية وآدابها، المركز  الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي ، تخصص الدراسات الاسلامية والديدكتيك، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.محمد سوسي، أستاذ مبرز ، دكتور في الفلسفة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.سميحة بن فارس، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص الديدكتيك علوم الحياة والارض ، المدرسة العليا للأساتذة فاس / المغرب

د.عزالدين النملي، أستاذمحاضر ، تخصص اللغة العربية والديدكتيك ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

دة.صليحة أرزاز ، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص لغة فرنسية، ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.المصطفى العناوي، أستاذة التعليم العالي مؤهل، تخصص الاجتماعيات ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حسان الحسناوي، أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص اللغة العربية وآدابها ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تازة/المغرب

د.عمر اكراصي، أستاذ محاضر مؤهل، تخصص علوم التربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

دة.حنان الغوات، أستاذة التعليم العالي مساعد، تخصص علومالتربية، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس/المغرب

د.حميد مرواني، أستاذ محاضر مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين فاس- مكناس المغرب

   د.عبد الرحمان المتيوي، أستاذ مبرز في الفلسفة، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس -مكناس /المغرب

د.المصطفى تودي، استاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة

.فاس-مكناس

دة.الخالفي نادية، أستاذة التعليم العالي مساعد، المركز الجهوي لمهن التربية

.والتكوين الدار البيضاء-سطات/المغرب

د. محمد أكرم  ناصف ، أستاذ مؤهل، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس-مكناس المغرب.

هيئة التحرير وشروط النشر

رئيس هيئة التحرير

د.ادريس عبد النور

هيئة التحرير​​

​​​​​د.عمر اكراصي - د.طارق زينون

د.سعيد عمري- ذة. مالكة عسال

ذ.خالد بورقادي إدريسي

الشروط العامة لنشر البحوث:

  • أن يكون البحث ذا قيم علمية أو أدبية، ويقدم قيمة مضافة للحقل المعرفي.
  • أن يتمتع البحث بتسلسل الأفكار والسلامة اللغوية والإملائية.
  • أن لا يكون البحث مستلاً من أطروحة دكتوراه أو رسالة ماستر أو كتاب تمَّ نشره مسبقاً.
  • يلتزم الباحث بإجراء التعديلات التي يقرها المحكمون بخصوص بحثه، حيث يعد النشر مشروطاً بإجراه هذه التعديلات.

المراسلات: Email:cahiers.difference@gmail.com0663314107